مقدمة أصول التفسير لابن تيمية
أولا: أهميتها: هي من أهم ما كتبه ابن تيمية بيانًا على منهجه في التفسير وأصوله عنده، فقد ضمَّنها القواعد الأساسية التي تفتح طريق فهم القرآن، وتضع بين يدي المفسِّر أصول الموازنة والترجيح بين الأقوال والآراء، وتعصمه من الخطأ والزلل.
ويبدو أنه رحمه الله وضع هذه الرسالة بعد أن قطع شوطا كبيرا في تفسير القرآن؛ ذلك أن ابن تيمية كان يجلس في صبيحة كل جمعة على الناس يفسر القرآن العظيم، فانتفع بمجلسه وبركة دعائه وطهارة انفاسه، وصدق نيته، وصفاء ظاهره وباطنه، وموافقة قوله لعمله...خلق كثير"([1]).
ثانيا: سبب تأليفها: رغبة بعض طلاب الشيخ أن يُوقفه على طريق التفسير، وأن يبين له سبيل التمييز فيه بين الحق وأنواع الأباطيل، فكأن هذا الطالب فطن إلى أن شيخه له في التفسير قواعدُ كليةٌ وأصولٌ كبرى لا يتجاوزها، فأراد من شيخه بيانَها، وتبيانَ الدليل الفاصل بين الأقاويل.
ومما تميزت به هذه الرسالة: أن ابن تيمية رحمه الله كتبها من إملاء الفؤاد؛ فلم يعتمد على أحدٍ تقدَّمه في هذا العلم.
ثالثا: أثرها فيمن بعده: وقد تأثر بهذه الرسالة ابن كثير رحمه الله وجعل مدار مقدمة تفسيره على فصليْها الأخيرين نقلا عنها بالنص، وكذا الزركشي والسيوطي إما بطريق مباشر أو غير مباشر، وغيرهم من المعاصرين.
رابعا: مضمون الرسالة: وقد قسَّمها ابن تيمية إلى خمسة فصول:
الفصل الأول: وبيَّن فيه أن النبي ‘ قد أوضح معاني القرآن للصحابة رضي الله عنهم كما بيَّن لهم ألفاظه.
الفصل الثاني: وتحدث فيه عن الخلاف الواقع بين السلف في التفسير، وذكر أنه خلافٌ قليل وغالبه من خلاف تنوع لا تضاد، كما أوضح فيه أهمية الوقوف على أسباب النزول للمفسِّر.
الفصل الثالث: وتحدث فيه عن مسائل في علوم الحديث وأثرها في اختلاف المفسِّرين، وتحدث عن الإسرائيليات، ومدارس التفسير الأثرية وأعلامها.
الفصل الرابع: وتحدث فيه عن الخلاف الواقع بين المفسِّرين من جهة الرأي والاستدلال، وينص على أن هذا إنما حدث بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم، وتحديث عن تفاسير المعتزلة، وأصولهم، وكذا ضلالات الرافضة والفلاسفة والقرامطة، ويحمِّل المعتزلة مسؤولية الفرق الأخرى كونهم عبَّدوا لهم الطريق.
ثم يبين ابن تيمة رحمه الله أصح طرق التفسير، وهي تفسير القرآن بالقرآن، ثم القرآن بالسنة، ثم بأقوال الصحابة.
الفصل الخامس: وفيه حديث عن منزلة الصحابة في تفسير القرآن، خاصة ابنَ مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وأقسام المرويات الإسرائيلية وما يقبل وما يردُّ منها، ثم يختم بالحديث عن حكم التفسير بمجرد الرأي، وينقل أقوال السلف في ذلك.


([1]) من كلام الشيخ علم الدين البزرالي (ت:738ه).من مقدمة زرزور للمقدمة.