لم تزل المدينة المنورة منارةً للعلم والمعرفة، وقبلةً لطلبة العلم منذ أن حطَّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم رحاله، وبما خصَّها الله عز وجل من معالم الدين، فهي مهبط الوحي، ومنزل الملائكة والرحمة، ومأرز الإيمان، ومأوى رسوله صلى الله عليه وسلم ومثواه، فيها قبره ومنبره، وبينهما روضة من رياض الجنة، فقصدها خيار الأمة وأبرُّها قلوبًا؛ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل الأصقاع، فاتخذوا المسجد النبوي مقرًّا لتلقِّي العلم، ليصبح مدرسةً للمسلمين، مناهجها وحيٌّ من فوق العرش العظيم يُوحى، ويُتلى في أَزِقَّة المدينة وأَرْوِقَة المسجد النبوي آناء الليل وأطراف النهار، ولم تزل هذه المدينة المباركة على هذا النهج في عصر الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام، وفي عهد التابعين ظهر بها الفقهاء السبعة، وكانوا رموز العلم في عصرهم، ثم تحقَّقت البشارة النبوية بعالم المدينة حيث قال: ((يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم، فلا يجدون عالِمًا أعلم من عالم المدينة))، وفي لفظ: ((يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل، فلا يجدون عالِمًا أعلم من عالم المدينة))، بظهور الإمام مالك رحمه الله، إمام دار الهجرة، إنه عالم المدينة المبشَّر به حقًّا؛ إذ لم يعرف أن أحدًا ضربت إليه أكباد الإبل مثل ما ضربت إليه، فكان الناس يزدحمون على بابه، ويقتتلون عليه من الزحام؛ لطلب العلم والمعرفة والاستفادة من سمته ودلِّه؛ قال ابن تيمية رحمه الله: «ما دلَّ عليه الحديث، وأنه مالك أمرٌ متقرَّرٌ لمن كان موجودًا، وبالتواتر لمن كان غائبًا، فإنه لا ريب أنه لم يكن في عصر مالك أحد ضرب إليه الناس أكبادَ الإبل أكثر من مالك.. »؛ مجموع الفتاوى (20/ 323).
هكذا ظلت المدينة المنورة منارةً للعلم والمعرفة على مرِّ العصور، وتعاقب الدهور، حتى قيَّض الله الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله، فأسَّس فيها جامعة العلم والمعرفة؛ الجامعة الإسلامية عام 1381هـ، تلك الجامعة التي غدتْ مهوى أفئدةِ طلبة العلم في شتَّى بقاع الأرض، فضربوا إليها أكباد الإبل من كل مكان؛ إذ لم يجدوا جامعةً أفضل منها، ولما تميَّزت بها من مميزات وخصائص لا توجد في غيرها، من تلك المميزات والخصائص على سبيل الإيجاز:
• أن مقرَّ الجامعة في المدينة النبوية طابة؛ طيبة الطيبة، وفي حدود الحرم الشريف، فتشملها وطلابها فضائل المدينة المنورة، والدعوة النبوية لها ولسكانها بالبركة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم، إني أحرم ما بين جبليها ... اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم))، وقوله: ((اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا)).
• أنها الجامعة الإسلامية التي حظيت بمجاورة المسجد النبوي الشريف، أحد المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرحال، والصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلَّا المسجد الحرام، قال عليه الصلاة والسلام: ((صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))، ورواية: بها روضة من رياض الجنة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي))، علاوةً على ذلك، فإن المسجد النبوي يكتظُّ بحلقات العلم لكبار علماء المدينة المنورة وكبار علماء المملكة العربية السعودية، ولا يخفى ما لقاصد المسجد النبوي لطلب العلم من أجر عظيم، فهو بمثابة المجاهد في سبيل الله؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلَّا لخيرٍ يتعلَّمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله))،فيجتمع لطلاب الجامعة الإسلامية من الخير والفضل ما لا يحصل لغيرهم ممن لم يجاوروا المسجد النبوي الشريف، واغتنامًا لهذه المنحة الربانية والفضل العظيم هيَّأت الجامعة حافلات خاصة لنقل الطلاب من الجامعة إلى المسجد النبوي كل يوم، من العصر إلى العشاء.
• أنه يرجى لمن صبر من طلاب هذه الجامعة المباركة على مشقَّة طلب العلم في هذه المدينة المباركة، ومعاناة الغربة، ومكابدة الحرارة أن يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهد له يوم القيامة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أُمَّتي، إلَّا كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا))، وفي لفظ: ((ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلَّا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة))
وقد فسر (اللأواء): بشدة العيش، وضيق المعيشة من الجوع والحر.
وفسر (الجهد): بما يجدون فيها من شدة الحر وكربة الغربة ونحو ذلك.
• وتميَّزت الجامعة الإسلامية برؤسائها ومديريها، فقد أسست على التقوى من أول يوم، تولَّى غراسها الشيخان الجليلان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية في عصره، وتلميذه العالم الرباني سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله عليه، وكان الملك فهد بن عبدالعزيز الرئيس الأعلى للجامعة، ثم تتابَعَ على إدارتها كلٌّ من أصحاب المعالي: الشيخ عبدالمحسن العباد البدر، والدكتور عبدالله بن عبدالله الزايد، والدكتور عبدالله بن صالح العبيد، والدكتور صالح بن عبدالله العبود، والأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا، والأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند، والأستاذ الدكتور إبراهيم بن علي العبيد (مكلفًا خلال الفترة ربيع الثاني عام 1436 هـ - محرم 1438هـ)، الدكتور حاتم بن حسن المرزوقي.
• وكذلك تميَّزت بمشايخها منذ إنشائها حتى اللحظة، فقد درس فيها كل من أصحاب الفضيلة، الشيخ المفسِّر الأصولي محمد الأمين الشنقيطي، ومحدِّث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ أبو بكر جابر الجزائري، والشيخ حماد الأنصاري، وغيرهم من المشايخ الأجلَّاء ممن لا يتسع المقام لسرد أسمائهم.
• تميَّزت الجامعة الإسلامية بالتزامها بمعلم من المعالم الأساسية لهذه الأُمَّة، وخصيصة من خصائصها، وهو منهج الوسطية والاعتدال بين الغلوِّ والجفاء، والإفراط والتفريط بعيدًا عن الانحراف أو التَّطرُّف، وهو السمة الظاهرة في مناهج الجامعة التعليمية ومناشطها.
• أن مناهج الجامعة التعليمية ومقرراتها الدراسية تتميَّز عن غيرها بالجودة والأصالة من ناحية، وبالقوة العلمية من ناحية أخرى إضافة إلى مواكبتها لمعطيات العصر.
• وكذلك تميَّزت الجامعة بجودة مخرجاتها، وقوة خرِّيجيها بين خرِّيجي الجامعات في العالم من حيث التأصيل العلمي، والالتزام بتعاليم وقيم الإسلام السمحة، والتقيُّد بالمنهج الوسطي في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتقلَّدوا أهم المناصب العلمية والدعوية في دولهم، فمنهم الدعاة والخطباء والوعَّاظ والمدرسون والقضاة والسفراء والوزراء، ويتوزَّعُون على أكثر من (170) دولة في العالم، فهم سرُّ تلقيب الجامعة بلقبها المشهور: «الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس».
• وتتميز الجامعة الإسلامية أيضًا بتركيزها الواضح على غايتها الكبرى من تأسيسها؛ وهي تبليغ رسالة الإسلام الخالدة إلى العالم عن طريق الدعوة والتعليم، وغرس الرُّوح الإسلامية وتنميتها وتعميق التدين العملي في حياة الفرد والمجتمع، وتخريج الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه الغاية ملحوظة بوضوح في جميع أنشطة الجامعة؛ ولذا لا يضرُّ طالب العلم فيها أن يتخرَّج من أيِّ كلية من كليَّاتها الشرعية الخمسة، فإنه يتخرج داعيةً إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وفق منهج أهل السنة والجماعة.
هذا نزرٌ يسيرٌ من مميزات هذه الجامعة المباركة وخصائصها، التي نالت بها ثقة العالم الإسلامي، مما جعلت المؤسسات التعليمية والمعاهد والمدارس الدينية والجمعيات الإسلامية تتنافس في إرسال طلابها إليها، ناهيك عن تنافس الأفراد على مقاعدها، وجعلتها تحتل صدارة قائمة الجامعات الإسلامية في قلوب طلاب العلم الشرعي في العالم، فهم يتنافسون على منحها أكثر من غيرها.
والله من وراء القصد.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/132068/#ixzz5cb7fbc2v