الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق الليل والنهار، وسخَّر الشمس والقمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنجي من عذاب النار، ومن عذاب القبر، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا ورسولنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ما أشرقت شمس وأنار بدر، أما بعد:
أيها المسلمون:
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله:
أوصيكم ونفسي أولًا بتقوى الله عز وجل؛ فإنها عروة ليس لها انفصام، وجذوة تضيء القلوب والأفهام، من تحلَّى بها بلغ أشرف المراتب، وتحقَّق له أسمى المطالب، وكُفي بإذن الله تعالى من شرور النوائب.
أيها المؤمنون الكرام:
خلق الله سبحانه وتعالى الليل والنهار، والشمس والقمر؛ لحكم عظيمة، ومقاصد سامية وبليغة، فهذه المخلوقات كلها تسبح الله سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: 44]، هذه المخلوقات كلها تسجد وتخضع لله سبحانه وتعالى؛ قال الله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ﴾ [الحج: 18]، كل هذه المخلوقات ساجدة خاضعة لله سبحانه وتعالى إلا كثير من بني البشر، فلم يقل الله: "والناس كلهم"؛ بل قال: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18]، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، فالليل راحة واطمئنان، وهدوء وسكينة، والقمر ضياؤه، والنهار معاش، وكد، وتعب، ونصب، والشمس نوره؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: 47].
نعم أيها المؤمنون:
من مخلوقات الله سبحانه وتعالى الشمس والقمر، والله عز وجل هو المتَّصِف بالحكمة البالغة سبحانه، ما يخلق شيئًا إلا لحكمة عرفنا تلك الحكمة أم جهلناها، اطلعنا عليها أم لم نطلع عليها، لا يفعل الله سبحانه وتعالى شيئًا إلا لحكمه، حاشاه عز وجل أن يخلق شيئًا عبثًا، وحاشاه سبحانه وتعالى أن يفعل شيئًا عبثًا ليس له أي حكمة، فالشمس والقمر من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وفيهما من الحكم الظاهرة ما نعرفها، ومن الباطنة ما الله به عليم من المصالح العامة والخاصة؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: 5]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96]، "حسبانًا"؛ أي: يحسب بها الأوقات، والأزمنة، والآجال، حُسْبَانًا؛ قال بعض المفسرين: يعني أنهما يجريان في حساب مقدر مقنَّن، لا يختلف، ولا يضطرب، ولا يزيد، ولا ينقص، وبسبب ذلك يحدث اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا، فالله سبحانه وتعالى حكيم، ولا يخلق شيئًا ولا يفعله؛ إلا لحكمة بالغة يستحقُّ عليها الحمد سبحانه وتعالى.
ثم اعلموا إخواني الكرام أن من آيات الله الباهرة في الشمس والقمر ما يجريه عليهما من الخسوف والكسوف، وهو ذهاب ضوئهما، واضمحلال سلطانهما، وزوال جمالهما وبهائهما.
فسبحان من لا يبلغ الخلق قدره *** ومن هو فوق العرش فرد معظم
فالخسوف والكسوف آيتان من آيات الله سبحانه وتعالى، جعلهما الله عز وجل، وقدرهما لحكمة، أتعرفون ما الحكمة السامية والعظيمة من الخسوف والكسوف؟
هاتان الآيتان تخويف وإنذار للناس إذا طغوا وبغوا كي يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويراجعوا دينهم وأعمالهم؛ قال الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59] تخويف وإنذار للناس، فالمسألة ليست مجرد حسابات فلكية وأمور وظواهر طبيعية كما يصورها البعض، يصورونها على أنها أمور عادية وظواهر طبيعية؛ ولذلك اليوم أصبح كثير من المسلمين للأسف الشديد لا يقدرون قدر هذه الآيات العظام، أصبح كثير من المسلمين إما جهلًا منهم أو لسبب آخر يفرحون، ويستبشرون من وجود هذه الآيات، ربما يصعدون إلى قمم الجبال وأعالي التلال؛ كي يشاهدوا هذه الآية بالمناظير والتلسكوبات، فرحين مستبشرين بدون أي عظة وبدون أي اعتبار، وتغافلوا عن المقصد الأساسي والحكمة البالغة من هذه الآية العظيمة التي هي إنذار وتحويف العباد.
ومعلوم أن الكسوف والخسوف المقصد منهما الإنذار والتخويف؛ ولذلك ما الواجب على المسلمين إذا وجدوا هذه الآيات؟
إن الواجب عليهم أن يهرعوا إلى الله سبحانه وتعالى، أن يسرعوا الخطى إلى المساجد، أن يصلوا لله عز وجل، أن يتضرعوا ويبتهلوا بدعاء الله سبحانه وتعالى، وأن يراجعوا دينهم وإيمانهم، وأن يعملوا الصالحات، وأعمال البر والإحسان من نفقات وصدقات وغير ذلك من القربات لله سبحانه وتعالى؛ علَّ الله عز وجل أن يرحمنا، ولا يعذبنا بمعاصينا.
أيها المؤمنون:
وحين كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته فزعًا خائفًا صلوات ربي وسلامه عليه، حتى سقط رداؤه من على ظهره عليه الصلاة والسلام دون أن يشعُر، وذهب إلى المسجد، ونادى منادٍ في الناس: "الصلاة جامعة، الصلاة جامعة"، فاجتمع الناس في المسجد رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً تتناسب مع غرابة الموقف والحدث لغرابة واقعتها، والناس خائفون وجلون من الله سبحانه وتعالى، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة أمورًا عظيمة من أمور الآخرة، رأى الجنة والنار، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقدم الصحابة من خلفه، وتأخَّر كذلك في صلاته حتى تأخَّر الصحابة، وقال: ((إني رأيت الجنة فتناولت عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) - نسأل الله الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة - قال: ((وأريت النار، فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع))[1] - نعوذ بالله من النار، اللهم أجرنا من النار- ورأى مشاهد عظيمة في صلاته تلك، نسأل الله العافية.
صلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة وأطال القيام، والركوع، والسجود، ثم قام عليه الصلاة والسلام، وخطب بالناس، ووعظهم، وبيَّن لهم الآيات التي رآها في الصلاة، وأثنى على الله عز وجل وحمده، وذكر الناس، وحثَّهم بالرجوع والتوبة إلى الله، والإنابة إليه سبحانه وتعالى، هكذا كان حاله عليه الصلاة والسلام مع آية الخسوف والكسوف، لكن يا ترى كيف حالنا اليوم مع هذه الآية العظيمة؟
أصبح حال كثير من المسلمين اليوم مع هذه الآية لا يمت إلى العظة والعبرة بأي صلة، نعم أقولها وبكل حرقة وألم، كم عشنا من خسوفات! وكم عشنا من كسوفات! كم صلينا هذه الصلاة! ومع ذلك لا نتَّعظ، ولا نعتبر؛ بل نعود إلى لهونا، وغفلتنا.
لنسأل أنفسنا: كم كسفت الشمس، وخسفت القمر على عهدنا! وكم كسفت الشمس وخسف القمر على عهد رسول الله! لم تخسف القمر في عهد رسول الله، وإنما كسفت الشمس مرة واحدة في عهد رسول الله، فخرج الرسول وخرج الصحابة يدعون الله، ويبكون خوفًا من الله سبحانه وتعالى، واليوم خسوف يأتي، وخسوف يذهب، وكسوف يأتي، وكسوف يذهب؛ ولا أحد يُحرِّك ساكنًا، ولا يتغيَّر شيء في قلب كثير من الناس، وكأن الأمر أصبح طبيعيًّا!
أتعرفون لماذا كثرت الخسوفات، والكسوفات؟ ربما كانت كثرتها دليلًا على غضب الله ومقته، معنى ذلك: أن الأمة ابتعدت عن دين الله، وغرقت في الذنوب، والمعاصي، والآثام، وذلك إنذار بعد إنذار، وتخويف بعد تخويف من الله سبحانه وتعالى، كثرت الذنوب والمعاصي والآثام وانتشرت، وهي سبب الخسوف والكسوف؛ لذلك كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة أن قال: ((أيها الناس، والله ما من أحد أغيرُ من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا))[2]، فالله عز وجل يغار إذا انتهكت حرماته، وارتكبت معاصيه، كيف حال الأمة اليوم مع فاحشة الزنى، كثير من القوانين اليوم تبيح هذه الفاحشة؛ بل وتحميها، وينصُّون على أن فاحشة الزنى إذا وقعت بالتراضي بين الرجل والمرأة، فلا شيء عليهما، ولا عقوبة، أليس في هذا مضادة لحكم الله عز وجل؟! أليس ذلك اعتراضًا على حكم الله وشرع الله سبحانه وتعالى؟! أنريد أن تكون لهذه الأمة عزة، ومكانة، ورفعة؛ والحال هذا؟! لا والله، حتى تراجعوا دينكم كما قال عليه الصلاة والسلام.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين:
وحتى تكتمل الفائدة، ويتضح الأمر للجميع؛ فإن للكسوف والخسوف سببين: سببًا حسيًّا، وسببًا شرعيًّا، السبب الحسي بالنسبة لكسوف الشمس هو أن القمر يقع بين الأرض وبين الشمس، ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس: 38]، والقمر كذلك يجري، والأرض كذلك تجري، ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: 33]، إذا وقع القمر بين الشمس والأرض حجب ضوء الشمس أو جزءًا من ضوء الشمس عن الأرض، فيحدث بذلك كسوف الشمس، أما الخسوف فسببه الحسي هو أن تقع الأرض بين الشمس وبين القمر؛ لأن القمر معلوم أنه كوكب معتم ليس فيه نور، ولا ضوء؛ وإنما يستمدُّ نوره من الشمس لينير الأرض، فإذا وقعت الأرض بين القمر والشمس حجبت ضوء الشمس عن القمر، فيصبح القمر معتمًا، وبذلك يصير الخسوف.
وهناك سبب شرعي وهو المهم، ويُبيِّن هذا الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم - ولد النبي صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا، وادعوا الله))[3]؛ صحيح البخاري، وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو بكرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد، ولا لحياته؛ ولكنهما من آيات الله، يخوِّف الله بهما عباده))[4].
فتخويف العباد، وإنذارهم أن يرجعوا إلى ربهم ودينهم هو السبب الشرعي، نسأل الله أن يردَّنا إلى ديننا ردًّا جميلًا.
وحتى تكتمل الفائدة فإن كسوف الشمس يكون في أواخر الشهر الهجري يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو الثلاثين، من الشهر الهجري؛ لأن القمر يكون فيها قريبًا من الشمس، فربما يحجب ضوء الشمس عن الأرض، فيحدث الكسوف، أما بالنسبة للخسوف فحين يكون القمر بدرًا في أواسط الشهر الهجري في ليلة الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر من الشهر، فإذا حدث ذلك، فالواجب علينا التوبة إلى الله، والرجوع إليه؛ فهذا إنذار وتخويف من الله عز وجل، فالله الله في التوبة، الله الله في الرجوع إلى الله، الله الله في الإقبال على الله، على مساجد الله، وإذا سمع المسلم: "الصلاة جامعة، الصلاة جامعة" فليهرع إلى مساجد الله، وليقف بين يدي الله متضرعًا تائبًا، ويقبل على مولاه عز وجل.
يكفينا تفريط، يكفينا معاصٍ، يكفينا ذنوب، أفلا نتَّعظ بمثل هذه الآيات، أفلا نعتبر من آيات الله.
هذه الآية نموذج مصغَّر عن أهوال القيامة التي ستقع في ذلك اليوم العظيم، يوم يخسف القمر، وتكور الشمس، وتتناثر النجوم، وتتبدَّل السماوات والأرض، ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [القيامة: 7 -12]، في ذلك اليوم العظيم ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: 13]، فالتوبة التوبة، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
أما عن كيفية الصلاة، صلاة الخسوف، فتقول عائشة رضي الله عنها: "إن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قيامًا شديدًا، يقوم قائمًا، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع ركعتين في ثلاث ركعات، وأربع سجدات، فانصرف وقد تجلَّت الشمس، وكان إذا ركع قال: ((الله أكبر))، ثم يركع، وإذا رفع رأسه، قال: ((سمِع الله لمن حمده))، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد، ولا لحياته؛ ولكنهما من آيات الله، يخوِّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفًا، فاذكروا الله حتى ينجليا))؛ صحيح مسلم.
أي: إنه ينادي لها إذا حصل كسوف أو خسوف: "الصلاة جامعة مرتين أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا" حتى يغلب على ظنِّه أن النداء بلغ الناس وليس في النداء لها تكبير، ولا تشهُّد؛ وإنما يُقال: "الصلاة جامعة فقط"، ولا يزاد: "صلوا يرحمكم الله"؛ لأن الاقتصار على ما ورد أفضل من الزيادة، ثم يكبر ويستفتح، ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة جدًّا بقدر ما يستطيع، حتى جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ فيها بنحو سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلًا، يسبح الله فيه، ويُعظِّمه، يقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ذي الجبروت، سبحان ذي الملكوت، سبحان ذي العظمة"، ويكثر من تعظيم الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح))، المهم أنه يأتي بكل ما ورد من تعظيم الله عز وجل، ثم يرفع رأسه قائلًا: "سمِعَ الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة؛ لكنها دون الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلًا، يكثر فيه من تعظيم الله عز وجل إلا أنه دون الركوع الأول، ثم يرفع رأسه قائلًا: "سمِع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ويقوم قيامًا طويلًا بقدر ركوعه، وهو يسبح الله ويحمد الله، ويثني عليه، ولو كرر ذلك فلا بأس، ثم يسجد سجودًا طويلًا جدًّا بقدر الركوع، يكثر فيه من التسبيح "سبحان ربي الأعلى"، ومن الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وأما السجود، فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))، ثم يرفع من السجدة الأولى، ويجلس بين السجدتين جلوسًا طويلًا بقدر السجود، يدعو فيه بما أحب: "رب أغفر لي وارحمني، وعافني واجبرني، واهدني ووسِّع أمري، واشرح صدري، وما شاء من الدعاء، ثم يسجد السجدة الثانية سجدة طويلة كالأولى، ثم يقوم فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة؛ لكنها دون الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلًا؛ لكنه دون الأول، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة؛ لكنها دون الأولى، ثم يركع الركوع الثاني، ويطيل الركوع؛ لكنه دون الأول، ثم يرفع فيقول: سمِع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ويطيل الوقوف بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود؛ لكنه دون الأول، ثم يجلس بين السجدتين، ويطيل الجلوس؛ لكنه دون الأول، ثم يأتي بالسجدة الثانية، ويطيل السجود؛ لكنه دون السجود في الركعة الأولى، ثم يقوم ويتشهد ويسلم، فهذه صفة صلاة الكسوف التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس، ثم يخطب خطبة واعظة، يعظ الناس فيها، ويُبيِّن لهم الحكمة من الكسوف، ويُحذِّرهم من عقاب الله عز وجل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الناس بعد الصلاة خطبةً واعظةً تُحرِّك القلوب وتليِّنها، يدرك المرء شأن الكسوف، وأنه يجب أن يهتم به الناس، وأن من السنة أن يفزعوا فزعًا مع الخوف من الله عز وجل؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا حدث الكسوف أن يفزع الناس إلى الصلاة، والذكر، والصدقة والعتق كل هذا خوفًا من نزول عذاب أنذر الله منه عباده بهذا الكسوف.
الدعاء...

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131963/#ixzz5c5jrqL3J