الجدة كيف حالها اليوم ؟


د. رقية بنت محمد المحارب


كانت الجدة تمثل قبل عشرين سنة تقريباً الصدر الحاني والملجأ الكبير لكثير من منا، وكنَا نعد الأيام والليالي حتى نلتقيها لتعطينا الحلوى وتضمنا إليها، وتحكي لنا الحكايات الجميلة، وكنا نسعد في الأيام التي تكون فيها ضيفة علينا.
واليوم أرى أن دور الجدة قد تقلص، ولم تعد لها تلك المكانة الكبيرة، وأصبحت جدة اليوم المستعارة في الغالب أجهزة وقنوات وألعاب تنوعت بشكل مذهل!
لقد كانت الجدة تزرع في نفوسنا الكثير من الآداب والأخلاق التي كان المجتمع بأكمله يحرص على تعزيزها، مثل صلة الأرحام واحترام الكبار والحياء والتفاني في خدمة الضيف وتقديره وغير ذلك. بالطبع كان هناك وجود لبعض التقاليد الغريبة التي لم يكن المجتمع قادراً على التخلص منها، مثل احتقار المرأة وإهانتها وكون مكانة الرجل بمقدار تسلطه على المرأة؛ بسبب الجهل وقلة العلم.
وعلى الرغم من أن الجدة ذلك الوقت كانت لا تقرأ ولا تكتب إلا أنها كانت تمتلك فطرة طيبة وإيماناً وتقوى وخوفاً من الله عز وجل عظيماً. كانت رحمها الله عالماً من المشاعر والمحبة الصادقة. ولا أنسى ذلك الوجه البشوش الذي كان ينتظر قدومنا ليقدم لنا الحلوى ويفرح بنا ويعبر عن ذلك باللسان وتعبيرات الوجه، وكان مما يزيد محبتنا لجدتنا محبة والدتنا لها وحرصها على رضاها.
وأتساءل اليوم: لماذا غاب دور الجدة هذه الأيام؟ هل للمدنية وتغير الحياة والترف سبب في ذلك؟ أم لبعدنا عن معاني البر وصلة الرحم الحقيقية وانشغالنا بالعمل وبتعقيدات الحياة المادية أثر فيه؟ ثم لماذا أصبح للمسنين قضية في واقعنا بعد أن كانوا ملء السمع والبصر وبعد أن كانت كلمتهم لا ترد ورأيهم يحترم ولا يستطيع أحد أن يعارضه؟ إن هناك علاقة بين نظرتنا لهذه الفئة والتفكك الأسري الذي نرى بوادره، ولا أشك للحظة أن مشكلة المسنين إفراز مبكر لواقع الأسرة الذي أصابه شيء من الخلل في زماننا.
إن طرح موضوع الجدة وضرورة إحياء دورها التربوي الكبير مسألة مهمة، وبخاصة عندما نعلم أن جدات هذا الجيل هن من المتعلمات اللائي اكتسبن خبرة طويلة وعاصرن فترات مختلفة. هذه الخبرة وهذه التجربة تستحقان أن نفكر في مشروع يجددهما في المجتمع، ويشعر الجدات بمكانتهن، كما أن عنايتنا بهن يرسل رسائل تربوية غير مباشرة إلى الجيل الناشئ والمنفتح على قيم أخرى أن صلة الرحم والرابطة الأسرية لا تزال بخير. وأول ما نريد عمله اليوم هو في مكالمة لطيفة لجداتنا أو أمهاتنا.. فهل نفعل؟