قول الله تعالى: ?لاَ تَقُمْ فِِيهِ أَبَداً لََمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ?[التوبة: 108].------قال الشيخ رحمه الله تعالى ورفع درجاته في الجنة (وقول الله تعالى: لاَ تَقُمْ فِِيهِ أَبَداً) هذا النهي عن القيام في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون، (لََمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) مسجد الضرار أُقيم إرصادا ومحادة لله ورسوله وتفريقا بين المؤمنين، فهو مكان أُقيم على الخيانة وعلى مضادة الإسلام وأهله، فلهذا لما كانت هذه غاية من أقامه فإن مشاركتهم فيه بالصلاة لا تجوز؛ لأنه إقرار لهم أو تكثير لسوادهم وإغراء للناس بالصلاة فيه، فنهى الله جل وعلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونهى المؤمنين عن أن يصلوا في مسجد الضرار.
مناسبة الآية للباب ظاهرة وهو أن الله جل وعلا نهى عن أن يُصليَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الضرار، ومعلوم أن صلاته عليه الصلاة والسلام وصلاة المؤمنين معه هي خالصة لله جل وعلا دون من سواه، ونُهوا مع أنهم مخلصون ليس عندهم نية الإضرار ولا التفريق ولا الإرصاد؛ لكن نهوا لأجل هذه المشاركة والمشابهة التي تغري بإتيان ذلك المكان.
النهي عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الضرار لأجل أن صورة العبادة واحدة, فصورة الصلاة من الموحد ومن المشرك غير الموحد، الصورة واحدة، ولهذا لا يميز بين هذا وهذا، كذلك صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لو صلى والصحابة في مسجد الضرار صلاتهم مشابهة من حيث الصورة لصلاة المنافقين رجع الاختلاف إلى اختلاف ما في القلب, والنيات ومقاصد القلوب لا تُشرح للناس ولهذا تقع المفسدة ولا تحصل المصلحة [بتصرف من كفاية المستزيد]-------------------سبب نزول آيات مسجد الضرار هو أن يدرك المؤمنين خطورة مسجد ضرار الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وحرقه، وحجم المؤامرة الضخمة التي كانت تحاك من وراء بناء هذا المسجد المذكور، حتى إن أراد القياس عليه يحسن القياس والتقدير، وهذا أمر مهم جداً لكل من أراد أن يبحث ويدقق في شأن مساجد الضرار ..
وليعرف المؤمن كذلك أن الذي بنى مسجد الضرار هم المنافقون إرصاداً وترقباً لمقدم أبي عامر الكافر ومعه جند الروم ليكون لهم قاعدة ومعقلاً ـ كما سماه ابن كثير ـ ينطلقون منه لحرب الرسول ومن معه من المؤمنين---- ليس لهم رغبة وهدف من وراء بناء هذا المسجد سوى الضرر والإضرار، وطلبه والسعي لتحقيقه .. !
ولا يُسمى الشيء ضراراً إلا إذا عُدم نفعه وكان شراً وضرراً محضاً كما هو حال مسجد ضرار المذكور، أو كان ضرره يرجح على نفعه وخيره، كالخمر والميسر----------ومن الدروس المستفادة من بناء المنافقين لمسجد الضرار الهدف هو الكفر بالله ورسوله، وتقوية للكفر وأهله، ومحاربة الله ورسوله وجماعة المؤمنين، وذلك باستخدامه كقاعدة للمنافقين ومأوى لهم يُحيكون فيه المؤامرات على الدولة المسلمة الفتية،-في روح المعاني للألوسي: } وكفراً { أي ليكفروا فيه، وقدر بعضهم التقوية أي وتقوية الكفر الذي يضمرونه .ا-هـ .
وفي فتح القدير للشوكاني 2/403: فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة: الأول الضرار لغيرهم، وهو المضاررة . والثاني الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام؛ لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق .. ا-هـ .
وفي تفسير المنار لمحمد رشيد رضا 11/39، أرادوا: الكفر أو تقوية الكفر، وتسهيل أعماله من فعل وترك، كتمكين المنافقين من ترك الصلاة هنالك مع خفاء ذلك على المؤمنين لعدم اجتماعهم في مسجد واحد، والتشاور بينهم في الكيد لرسول الله r وغير ذلك . ا-هـ -------من البواعث والغايات التي أرادوها من وراء بنائهم لمسجد ضرار ـ إضافة لما تقدم ـ تفريق جماعة المسلمين إلى جماعات؛ ليقللوا عدد الذين يجتمعوا للصلاة في مسجد رسول الله r، وكذلك مسجد قباء، وفي ذلك فيه ما فيه من إضعاف للشوكة، وتشتيت للكلمة، وإبعاد للمسلمين عن التأثر والتوجيه المباشر من شخص النبي r .. إضافة إلى التقليل من سواد المسلمين في الجماعة الواحدة، والذي يُعتبر ذلك ـ أي تكثير السواد في الجماعة الواحدة ـ مطلباً من مطالب الشريعة، ومقصداً هاماً من مقاصد صلاة الجماعة .
وفي قوله تعالى: } وتفريقاً بين المؤمنين {، قال الشوكاني: لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعة المسلمين، وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة مالا يخفى . ا-هـ .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: كانوا يصلون في مسجد قباء جميعاً، فأرادوا تفريق جماعتهم ا-هـ .
وقال البغوي في التفسير: لأنهم كانوا جميعاً يصلون في مسجد قباء فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم فيؤدي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة ا-هـ .
وقال القرطبي في التفسير: } وتفريقاً بين المؤمنين { أي يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي r . وهذا يدلك على أن المقصد الأكبر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب والكلمة على الطاعة، وعقدُ الذمام والحرمة بفعل الديانة حتى يقع الأنس بالمخالطة، وتصفو القلوب من وضَر الأحقاد ا-------------قال ابن القيم في زاد المعاد 3/571:
حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله إما بهدم وتحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له . وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله أحق بالهدم وأوجب---------------قال العلامة السعدى فى تفسيره:"ومنها : أن كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين ، فإنها من المعاصي التي يتعين تركها وإزالتها . كما أن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم ، يتعين اتباعها ، والأمر بها ، والحث عليها ، لأن الله علل اتخاذهم لمسجد الضرار ، بهذا المقصد الموجب للنهي عنه "-------------------------