سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر - رحمه الله تعالى -عن الفرق بين الشفاعة المثبتة والمنفية، فأجاب:
أما الفرق بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية فهي مسألة عظيمة، ومن لم يعرفها لم يعرف حقيقة التوحيد والشرك، والشيخ - رحمه الله تعالى -[1] عقد لها باباً في كتاب « التوحيد » فقال: باب الشفاعة، وقول الله - تعالى -[وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلـى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع] [2] ثم ساق الآيات، وعقَّبه بكلام الشيخ تقي الدين.
فأنت راجع الباب وأمعن النظر فيهº يتبين لك حقيقة الشفاعة، والفرق بين ما أثبته القرآن وما نفاه، وإذا تأمل الإنسان القرآن وجد فيه آيات كثيرة في نفي الشفاعة، وآيات كثيرة في إثباتها، فالآيات التي فيها نفي الشفاعة مثل قوله {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}، ومثل قوله {أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}[3]، وقوله {ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} [4]، وقوله {قل لله الشفاعة جميعا}[5]، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الآيات التي فيها إثبات الشفاعة فمثل قوله - تعالى -{وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}[6]، وقوله {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له }[7]، وقوله {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}[8]، وقوله {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا}[9] إلى غير ذلك من الآيات.
فالشفاعة التي نفاها القرآن هي التي يطلبها المشركون من غير الله، فيأتون إلى قبر النبي صلي الله عليه وسلم أو إلى قبر من يظنونه من الأولياء والصالحين، فيستغيث به ويستشفع به إلى الله، لظنه أنه إذا فعل ذلك شفع له عند الله وقضى الله حاجته، سواء أراد حاجة دنيوية أو حاجة أخروية، كما حكى الله عن المشركين في قوله {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله}[10]، لكن كان الكفار الأولون يستشفعون بهم في قضاء الحاجات الدنيوية، وأما المعاد فكانوا مكذبين به، جاحدين له، وأما المشركون اليوم فيطلبون من غير الله حوائج الدنيا والآخرة، ويتقربون بذلك إلى الله، ويستدلون عليه بالأدلة الباطلة و {حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد}[11].
وأما الشفاعة التي أثبتها القرآن فقيدها - سبحانه - بإذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا يأذن للشفعاء أن يشفعوا إلا لمن رضي قوله وعمله، وهو - سبحانه - لا يرضى إلا التوحيد.
وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أسعد الناس بشفاعته أهل التوحيد والإخلاص، فمن طلبها منه اليوم حُرِمَها يوم القيامة، والله - سبحانه - قد أخبر أن المشركين لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وإنما تنفع من جرد توحيده، بحيث أن يكون الله وحده هو إلهه ومعبوده، وهو - سبحانه - لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، كما قال - تعالى -{ألا لله الدين الخالص} [12].
فإذا تأملت الآيات تبين لك أن الشفاعة المنفية هي التي يظنها المشركون، ويطلبونها اليوم من غير الله، وأما الشفاعة المثبتة فهي التي لأهل التوحيد والإخلاص، كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن شفاعته نائلة من مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً، والله أعلم.
انتهى كلامه - رحمه الله -.
« الدرر السنية من الأجوبة النجدية » (2/157 159) ------------------------------- قال بن القيم رحمه الله--
قال تعالى : أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا
يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض
فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض وهو الله وحده فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم وهي التي أبطلها الله سبحانه في كتابه بقوله : واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة [ البقره : 123 ] وقوله : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة [ البقره : 254 ] وقال تعالى : وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون [ الأنعام51 ] وقال : الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولى ولا شفيع [ الأنعام32 : 4 ]
فأخبر سبحانه أنه ليس للعباد شفيع من دونه بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه كما قال تعالى : ما من شفيع إلا من بعد إذنه [ يونس : 3 ] وقال : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ البقره : 255 ] فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه ولا الشافع شفيع من دونه بل شفيع بإذنه
والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المأمور فالشفاعة التي أبطلها الله : شفاعة الشريك فإنه لا شريك له والتي أثبتها : شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له ويقول : اشفع في فلان ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه وهم الذين ارتضى الله سبحانه
قال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [ الأنبياء : 28 ] وقال : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا [ طه : 109 ] فأخبر أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضاء قول المشفوع له وإذنه للشافع فيه فأما المشرك فإنه لا يرتضيه ولا يرضى قوله فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه فإنه سبحانه علقها بأمرين : رضاه عن المشفوع له وإذنه للشافع فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة
وسر ذلك : أن الأمر كله لله وحده فليس لأحد معه من الأمر شيء وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده : هم الرسل والملائكة المقربون وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول ولا يتقدمون بين يديه ولا يفعلون شيئا إلا بعد إذنه لهم وأمرهم ولا سيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا فهم مملوكون مربوبون أفعالهم مقيدة بأمره وإذنه فإذا أشرك بهم المشرك واتخذهم شفعاء من دونه ظنا منه أنه إذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه وما يجب له ويمتنع عليه فإن هذا محال ممتنع شبيه قياس الرب تعالى على الملوك والكبراء حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي
والفرق بينهما هو الفرق بين المخلوق والخالق والرب والمربوب والسيد والعبد والمالك والمملوك والغني والفقير والذي لا حاجة به إلى أحد قط والمحتاج من كل وجه إلى غيره http://islamport.com/w/qym/Web/3168/219.htm