التنمية في اصطلاحنا .... بقلم إسماعيل الشرقاوي
كثيرون شوهوا مصطلح التنمية ، فجعلوها قاصرة على الأغنياء وأصحاب النفوذ ؛ فالدورة الواحدة تكلف 500 دولارًا وأحيانا 5000 دولارًا ، لا سيما إن كان المدرب من المشاهير ... ليست هذه هي التنمية التي نصبو إليها يا سادة ...
التنمية في اصطلاحنا تخاطب الفئات المهمشة والضعيفة والفقيرة ، نستهدف هؤلاء لنرتقي بهم ومعهم إلى أعلى درجات الدنيا والآخرة ؛ ليكون كل منهم الولد الأفضل والوالد الأفضل ، والأخ الأفضل ، والأخت الأفضل ، والأستاذ الأفضل ، والطبيب الأفضل ، والقائد الأفضل ، والعامل الأفضل ...... لتقر أعينهم بأولادهم وأزواجهم ؛ ليحيوا حياة كريمة ، يستغنون فيها بالخالق عن المخلوق ؛ ليكونوا قادة يهتدى بهم ، وأئمة يقتبس من ضوئهم ... وحسبنا في ذلك قول ربنا - سبحانه - : ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)) (الفرقان 74) ، وقول نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما ، وقوله - صلوات الله وسلامه عليه - :
«فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» . رواه البخاري .
ولأجل ذلك - بحمد الله وتوفيقه - حطمنا كل المقاييس في مقادير الرسوم الخاصة بالدورات أو الدبلومات ، ومن كان فقيرًا لا يملك الرسوم نتيح له الكثير من التسجيلات والدورات الخاصة ليستفيد ويفيد ...
نعلم يقينًا أن المهمة صعبة ، إلا أن ثقتنا في الله تُحِيلُ المستحيل ممكنا ، والمرارة حلاوة .... التنمية البشرية في اصطلاح المهووسين بالعلم الغربي تخطيط ودورات وتدريبات مفرغة تماما من كل عقيدة أو روح أو إيمان بالقضاء والقدر ، والحق أنهم صدقوا في النقل إلا أنهم أخطئوا في التطبيق والتنزيل على الواقع ... لا حياة بغير روح ، والقرآن للإنسان كالروح للجثمان ؛ فكيف نلج باب التنمية البشرية بمعزل عن دستور البشرية الأعظم ، ومناهجها الأقوم (القرآن الكريم) ... لأجل هذا أسسنا علم التنمية القرآنية ، وما كان بدعا من الأمر ، وإنما كانت التنمية في حياة النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه الكرام - رضوان الله عليهم - واقعًا معاشًا ، يشهد به القاصي والداني ، ما عملناه فقط هو أننا جمعنا شتات الآليات ، ورتبنا أقوال الأئمة الثقات ، وفتح الله علينا بترتيب عجيب : الحفظ ثم العلم ثم الفهم ثم التدبر ثم العمل (مهارات التنمية القرآنية) ، ولعله من بركات دعاء الوالدين أو الصالحين ،
((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (المائدة 54) .
نعلم أن التقليديين والمتهوكين والبائسين لا يعجبهم ضبط العلم الدنيوي بالعلم الشرعي ، فهم يريدون الدين حبيس الأوراق والدفاتر ، ولينظر الغربيون لأمة الإسلام كيفما يشاؤون ، وليفَعِّل أتباعهم - في عالمنا - تعاليمَهم دون أن يحيدوا عنها قيد أنملة ، وليعمل كل فريق في اتجاه مختلف ؛ فمن أراد التنمية الدنيوية فليذهب إلى مدربيها ، ومن أراد القرآن والدين فليذهب إلى أقرب مسجد أو دش أو جوجل ، هذا إن وجد وقتًا لذلك .... أقول يا سادة يؤسفني أن أخبركم أن هذا هو تفريق الدين وتبعيضه الذي حذر منه ربنا - سبحانه - في كتابه : ((الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)) (الحجر 91) ، ((وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) (الروم 31 ، 32) .. والواقع خير شاهد .
أحبابنا في الله ... لقد أنزل الله القرآن وأوحى إلى نبيه سيد الكرام - عليه الصلاة والسلام - ليصلح الناس دنياهم بدينهم ، وعلمهم كل شيء حتى كيفية دخول الخلاء ، ليس هذا فحسب ، بل إن الأمر يتعدى ما بعد موت الإنسان ، من غسله وتكفينه ودفنه ، وميراثه وديونه ..... ، ولهذا أمر الله - تعالى - حبيبه - عليه الصلاة والسلام - بأن يتلو على أتباعه :
((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) (الأنعام 162 ، 163) .
جاء الإسلام ليصلح البشر وينميهم في كل زمان ومكان ؛ ليسود أتباع هذا الدين العظيم العالم بالعلم والإيمان ، لا بأحدهما ؛ فاعتبروا وانتبهوا ...
التنمية في اصطلاحنا - يا أحباب - ربانية لا دنيوية ؛ فهي تنمية لإعمار الأرض وإرضاء الرب ؛ متتبعين في ذلك قول ربنا - جل جلاله - : ((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُ مْ فِيهَا)) (هود 61) ، وقوله - تبارك وتعالى - : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) (الذاريات 56) .
عيب يا مسلمين أن يضرب المثل في العلم والأمان والأخلاق والوفاء ... باليابانيين والأوروبيين وغيرهم من اللادينيين أو ذوي الديانات الباطلة ، ونكون نحن يا من وصفنا ربنا - سبحانه - بقوله : ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ..)) (آل عمران 110) نكون مثالا للسرقة والاختلاس والمكر والخداع وسوء الأخلاق ... وأما في العلم ففي ذيل القافلة ... أفيقوا يرحمكم الله .
ختامًا أحمد الله أني رأيت بعيني إخوة وأخوات - من شتى البلدان - مقتنعين بهذا الفهم الصحيح للإسلام ، والسبب يسير جدا ، وهو أنهم رأوا الفرق ، وجنوا الثمرة ، كما قالوا :
خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زُحَلِ
وها هي دول الخليج وماليزيا - وغيرها - تسعى إلى التنمية البشرية بالتزامن مع التنمية الدينية ، نسأل الله أن يلحق دولنا العربية والإسلامية بهذا الركب المبارك ، كما نرجو الله أن يهدينا وقومنا إلى صراطه المستقيم ، ويصلح بنا وبهم أمور الدنيا والدين ، ويجمعنا وإياكم في الفردوس الأعلى مع سيدنا وحبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والله الموفق والمستعان ، والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .