في إحياء المراجعات الفقهية
الحنفي المراد


لعله من نافلة القول التأكيد على أهمية الفتوى، بما هي «إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة»، محاط بسور من القواعد والآداب مما يتصل بالمفتي أو المستفتي، وشروط القول المفتى به؛ لخطورة ما يتعلق به من عبادات المكلفين وحقوقهم، وواجباتهم، وأعراضهم.. واصطلح العلماء على وصف ذلك كله «ضوابط الفتوى».


وإذا كان تبليغ العلم فريضة إسلامية، فإن الإفتاء إخبار عن الله وتوقيع عن شرعه، ومن ثم وجب على كل مستفتى أن يتريث حتى تحصل له الأهلية المطلوبة. ولربما يكون هذا سبب الإشكال الملحوظ؛ فالبعض يغلب فريضة تبليغ العلم على حساب وجوب تحصيل أهلية الإفتاء، فيلتبس عليهم الأمر.


وكانت نتيجة هذا أن كثر المتصدرون للفتوى، وتواردت أعداد هائلة من الفتاوى؛ منها الواقعي والخيالي، والشرعي وغير الشرعي.


ويقف المسلم موقف الحيرة، فهو حين يقدم على الاستفتاء، أو قراءة الفتوى؛ إنما يهم بذلك لحاجته إلى حل ديني لمعضلة تلبس بها، أو أمر ينوي القيام به.. فإذا تساقطت الفتاوى أمامه كأوراق الخريف ازدادت حيرته، ونمت دهشته؛ فبأيها يأخذ؟! لتظهر بهذا أهمية تمحيص الفتاوى، وتنقيح الآراء الدينية من قبل مراكز مختصة وهيئات رسمية.


إن الناظر في واقع الفتاوى في العالم الإسلامي، وما تتناقله منها وسائل الإعلام، يقف على فوضى حقيقية، قد لا يتخيل معها موقف العامي المسكين الذي يرجو من العلماء بيان الأصوب ليقوم به.


وهذا الواقع يحتم على جسم الأمة بمراكزها الدينية ومؤسساتها العلمية توجيه نظر العناية إلى هذا الجانب المهم من ممارسة المسلمين الدينية. وذلكم بإحياء دور المراجعات بإنشاء مراكز لتمحيص الفتاوى والرد على ما ينبغي الرد عليه، أو بزيادة اختصاص المراجعة لدور الإفتاء والمجامع الفقهية.


ومن شأن إحياء المراجعات إسكات المتطفلين على شأن الإفتاء، ببيان عدم إتقانهم أساسيات الإفتاء وانعدام التريث المطلوب، وموازنة المسألة بفقه الواقع، واعتبار الأعراف.


إلا إن هذا الفقه (فقه المراجعات) لا يزال أكبر غائب عند الأمة إلى جانب فقه الموازنات والأولويات، فمراجعة الخطاب الديني لابد أن تستند إلى فقه، ومراجعة السياسات الوطنية لا محيد لها عن فقه، وقل مثل ذلك في التخطيطات الاقتصادية والعمرانية.


فإلى متى يظل هذا الأمر يخبط فيه الناس خبط عشواء، ولا ينظر إليه نظرة تكامل مع الواقع العالمي المعيش؛ بصعوباته ومتناقضاته؟! وإلى متى يترك لكل مترصد لهفوات المتحدثين في الشأن الديني مجال يخدم أطاريحه، ومتسع ينفذ منه إلى الطعن في الدين الإسلامي، ثم يقال لنا فيما بعد إن هذا الرأي اجتهاد شخص واحد لا يمثل رأي الإسلام في القضية؟! فهل يظن أن هذا حل المعضلة؟!


ولا يخفى ما لهذا من أثر سيئ على الدعوة الإسلامية وترغيب الناس في هذا الدين الحنيف، وما كل مرة تسلم الجرة، وقديما قال الشاعر:


أبني أمية أحكموا سفهاءكم


إني أخاف عليكم أن أغضبا


نص العلماء على شروط المفتي وفصلوا الكلام في ذلك لخطورة خطة الفتوى. وحسب الباحث النظر في أنواع المجتهدين عند علماء أصول الفقه ليقف على مجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، والمجتهد المطلق وما يشترط في كل منهم. ومعلوم أن المقصود من ذلك قطع الطريق على الآراء الشاذة والغريبة، سواء كان مصدرها عدم تفقه المفتي أو أخذه بأقوال مرجوحة في الفقه.