العالم الجاهل في الفكر الإسلامي
د. مسعود صبري

باحث في الموسوعة الفقهية - الكويت

جعل الله تعالى للعلماء المكانة العلية، فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، فرفعهم بالعلم، وزينهم بالحلم؛ لأن بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح. ولذا، كان فضلهم عظيما، وخطرهم جزيلا، فهم ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، حتى إن الحيتان في البحر لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، فهم في الشفاعة دون الأنبياء وفوق الشهداء، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل عند الله من العابدين، وأعلى درجة عند الله من الزاهدين، حياتهم للعباد غنيمة، وموتهم للعالمين مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، وجميع الخلق إلى علمهم محتاج، من أطاعهم رشد، ومن عصاهم عند، وهم مرجع الناس جميعا، حكاما ومحكومين، فبقول العلماء يحكمون، وعليه يعولون، فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وقد دل القرآن على فضلهم، مرشدا إلى مكانتهم، فهم أخوف الخلق من الله، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28)، وهم أعلى الناس عنده يوم القيامة درجات، كما قال ربنا سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } (المجادلة:11).
هذه هي الصورة الواجبة للعلماء، ولكن ابتليت الأمة على مر عصورها بصنف آخر من العلماء، سماهم السابقون العلماء الجهال، والعلماء الجبارين، والعلماء الفساق.
ووصف العالم بالفسوق ورد عن النبي " صلى الله عليه وسلم" ، كما في حديث أنس: «يكون في آخر الزمان عباد جهال، وعلماء فساق».
كما ورد عن السلف وصف العالم بالفاجر، فعن سفيان الثوري قال: «تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون». بل وصف مكحول رحمه الله العالم الفاسق بأنه أنتن من جيفة الحمار، فقال: «إنه لا يأتي على الناس ما يوعدون حتى يكون عالمهم فيهم أنتن من جيفة حمار». وذلك لأنه يبيع دنياه بآخرته.
ووصف الفضيل بن عياض بعض العلماء بأنه جبار، فيقول: «إن الله عزوجل يحب العالم المتواضع، ويبغض الجبار، ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة». وقد تنبه السلف - رضوان الله عليهم - إلى أن العلماء أصناف، فمنهم من يطلب الدنيا بعلمه، ومنهم من يطلب الآخرة. قال الفضيل رحمه الله: إنما هما عالمان: عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا، لا يصدنكم بشره، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ ال} (التوبة:34) الأحبار: العلماء، والرهبان: العباد. ثم قال: لكثير من علمائكم زيه أشبه بزي كسرى وقيصر منه بمحمد " صلى الله عليه وسلم" .
إن النبي " صلى الله عليه وسلم" لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولكن رفع له علم فشمر إليه.
قال فيهم الإمام الآجري: «علماء في الظاهر، لم ينفعهم الله بالعلم، ممن طلبه للفخر والرياء والجدل والمراء، وتأكل به الأغنياء، وجالس به الملوك، وأبناء الملوك، لينال به الدنيا، فهو ينسب نفسه إلى أنه من العلماء، وأخلاقه أخلاق أهل الجهل والجفاء، فتنة لكل مفتون، لسانه لسان العلماء، وعمله عمل السفهاء» (أخلاق العلماء للآجري، ص:83)
وهؤلاء العلماء هم أشر على الأمة من أعدائها، لأنهم يكذبون على الله ورسوله والأمة بكلام الله ورسوله، فيدلسون في الدين، وينتحلون صفة المتقين، يجعلون الحرام حلالا، والحلال حراما، ويصورون الباطل حقا، والحق باطلا.

علماء السوء في التوراة
والعلماء الفساق في كل أمة من الأمم، وهم في هذه الأمة أيضا، ويدل على وجود علماء فاسقين في كل أمة ما ورد عن وهب بن منبه قال: قال الله عزوجل فيما يعاتب به أحبار بني إسرائيل: «تفقهون لغير الدين، وتعلمون لغير العمل، وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة، تلبسون جلود الضأن، وتخفون أنفس الذئاب، وتتقون القذى من شرابكم، وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام، وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال، تطيلون الصلاة، وتبيضون الثياب، وتنتقصون مال اليتيم والأرملة، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي، وحكمة الحكيم».

صفات العالم الجاهل
عند المسيح
وقد أبان المسيح - عليه السلام - عن صفات بعض العلماء الجاهلين، من سخط الرزق، واحتقار مكانته ووظيفته، فيعظم وظيفة أهل الدنيا، ويحتقر وظيفته الدينية، ويتهم القضاء والقدر، ويقبل على الدنيا ويدبر عن الآخرة، ويؤثر دنياه على آخرته، ولا يعمل بما علم.
فعن هشام صاحب الدستوائي قال: قرأت في كتاب بلغني: أن من كلام عيسى ابن مريم عليه السلام: «كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه، واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته. وكيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضاه، وليس يرضى شيئا أصابه. كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته، وهو مقبل على دنياه. وكيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته، وهو في دنياه أفضل رغبة. وكيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليحدث به، ولا يطلبه ليعمل به».
صفات علماء السوء في الأمة

وقد ذكر العلماء الثقات صفاتهم، وحذروا الأمة منهم. وأكثر العلماء الجهال يأتون في آخر الزمان، وقد أبان النبي " صلى الله عليه وسلم" من صفاتهم، إذ هو تركنا على المحجة البيضاء.

من تلك الصفات:

التأويل الفاسد
فشأن علماء السوء الجهال هو تحريف الكلم عن موضعه، فعله علماء بني إسرائيل من قبل، فبدلوا الآيات المنزلة، ولما حفظ الله تعالى كتابه القرآن الكريم كان عمل علماء السوء هو التأويل الفاسد، بتغيير مراد الله تعالى من قوله إلى ما يوافق أهواءهم وأهواء من يخدمونهم، وهو نقض للعهد والميثاق المأخوذ عليهم، كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا} (المائدة:13)، فخالفوا ما أمرهم الله تعالى به من بيان الحق بعيدا عن صاحبه، كما قال ربنا سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}
(آل عمران:187).
الكذب على الله

ومن صفات علماء السوء أنهم يكذبون على الله تعالى، فيدعون على الله ما لم يقله، وينسبون إليه ما لم يحكم، شأنهم كما قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
(آل عمران:75).
وقد حذر الله تعالى من طائفة ممن ينتسبون إلى العلم كذبهم عليه، فقال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
(آل عمران:78)، فيوهمون الناس أن ما يدعونه من الكذب هو من عند الله، وما هو من عند الله، فعن مجاهد في تفسيره (ص:254) في قوله: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ}(آل عمران:78)، يعني: «يحرفونه».
استحلال الحرام

فمن صفات العلماء الجاهلين أنهم يستحلون الحرام إما صراحة لمخالفة النصوص القطعية، وإما للشبهة، يقول الأوزاعي: «كان يقال: ويل للمتفقهين لغير العبادة، والمستحلين الحرمات بالشبهات».
فنجد بعضهم يستحلون من المال ما حرم، ويستحلون قتل الأبرياء من الخلق، ويستحلون لأنفسهم ولذويهم وقرابتهم ومحبيهم ما يحرمونه على عامة الناس، يؤولون النصوص تأويلا فاسدا.
وفي شأنهم قال الله تعالى: {تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} (النحل:116-117).

التصدر للمجالس

بغير علم
أولى صفات العلماء الجاهلين أنهم لم ينهلوا من معين العلم ما يؤهلهم لشغل وظيفتهم، فجلسوا دون أن يكونوا أهلا لمكانهم، فيخرج علينا من لا فقه له في الدين، فيفتي الناس بالحلال والحرام، ولم يجلسه شيوخه من العلماء، وإنما أجلسه أصحاب الفضائيات والشاشات، لأجل أنه يحسن الوعظ في الناس، أو أن له جمهورا يستمع إليه، فيتاجر أهل الفضائيات - إلا من رحمه الله - بمكانة الواعظ، ويجلسه غير مجلسه، فيفتي الناس بغير علم.
ففي الحديث المتفق عليه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما؛ اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».
وفي الحديث نبوءة من النبي " صلى الله عليه وسلم" باضمحلال مستوى أهل العلم، وأن العلم يقل في الأمة، وهذا ما شاهدناه، فقد كانت الأمة في أزمنة السلف والخلف ينشغلون بطلب العلم، كنشاط يومي، لا ليتحصلوا على شهادة جامعية، أو ينالوا به وظيفة دنيوية، أو يتكسبوا من ورائه قربا من السلطان، أو جاها يفاخرون به الناس، بل كانوا يطلبون العلم لوجه الله تعالى، بل لم يكونوا يتكسبون منه، فلهم أعمالهم وتجاراتهم التي يتكسبون منها، فكان علمهم لوجه الله خالصا، ولم يكونوا يكتفون برتبة من العلم، بل كانوا يطلبون العلم إلى آخر الحياة، كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من المهد إلى اللحد.
وفي الحديث حصول خلو الزمان من العالم الرباني، مع وجود من يتسمون باسم العلماء، ويتبوأون المناصب الدينية وأعلى وصف لهم أنهم طلاب علم.
طلب العلم لغير وجه الله

ومن سمات العلماء الجهال أنهم يطلبون العلم لغير وجه الله تعالى، ففي سنن الترمذي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «من تعلم علما لغير الله، أو أراد به غير وجه الله، فليتبوأ مقعده من النار». وقد أبان النبي " صلى الله عليه وسلم" عن المقاصد الخبيثة للعالم الجاهل، فهو يتعلمه ليباهي به زملاءه وأصدقاءه من العلماء، أو يجادل به السفهاء من الناس، أو لينال تجمع الناس حوله طلبا للشهرة، ففي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه وابن حبان، عن حذيفة عن النبي " صلى الله عليه وسلم" : «لا تعلموا العلم، لتباهوا به العلماء، أو لتماروا به السفهاء، أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم، فمن فعل فهو في النار».
طلب العلم للدنيا

ومن العلماء من يطلب العلم لينال به منصبا أو هو عنده مجرد وظيفة يأكل بها، حتى قال أحد من تولى منصبا يعد أكبر المناصب الدينية في العالم، حين روجع في بعض الأمور وصدور بعض التصرفات التي لا تليق بالمنصب، قال: إنما أنا موظف!
وهناك ممن يشتغلون بالعلم لا هم لهم إلا الدنيا، لا يبتغون به وجه الله تعالى، وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «من تعلم علما، مما يبتغي به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة».
وقد نبه على ذلك ابن مسعود "رضي الله عنه" فقال: «لو أن أهل العلم صانوا العلم، ووضعوه عند أهله، سادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا؛ لينالوا من دنياهم، فهانوا على أهلها». رواه البيهقي وهو عند ابن ماجه موقوفا على ابن عمر - رضي الله عنهما.
وابتغاء العلماء الدنيا بالعلم يصرف الناس عن العلم لا عنهم، قال وهب بن منبه يقول لعطاء الخراساني: «كان العلماء قبلنا استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إلى دنياهم، فكان أهل الدنيا يبذلون لهم دنياهم، رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم منا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم؛ رغبة في دنياهم، فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم، لما رأوا من سوء موضعه عندهم، فإياك وأبواب السلاطين، فإن عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئا، إلا أصابوا من دينك مثله».
ويوضح مالك بن دينار رحمه الله بعض صفات العلماء الجاهلين بحقيقة العلم ومنزلته، كونهم يطلبون العلم للدنيا، ويتفاخرون بعلمهم على الخلق، ويراؤون به الناس، فيقول: «يا عالم، أنت عالم تأكل بعلمك. يا عالم أنت تفخر بعلمك. يا عالم، أنت عالم تكاثر بعلمك. يا عالم، أنت عالم تستطيل بعلمك. لو كان هذا العلم طلبته لله لرُئِي ذلك فيك، وفي عملك».
تصيد أخطاء الآخرين

ومن صفات العلماء الجاهلين أنهم يحرصون على تخطئة غيرهم، ويتصيدون أخطاءهم، فيغلب عليهم الجدل والمناظرة، فيهتمون بسفاسف الأمور دون عظائمها، فلا يعود بعملهم نفع على الدين، ولم يكن ذلك نهج السلف - رضوان الله عليهم.
وقد حذر النبي " صلى الله عليه وسلم" من هذا الصنف من الناس، فيتذاكرون ما لا نفع فيه للأمة من المسائل، فعن ثوبان "رضي الله عنه" ، عن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" قال: «سيكون أقوام من أمتي، يتعاطى فقهاؤهم عضل المسائل، أولئك شرار أمتي».
وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - أن النبي " صلى الله عليه وسلم" «نهى عن الأغلوطات»، قال عيسى: والأغلوطات: ما لا يحتاج إليه من: كيف وكيف؟
وعن الحسن قال: «إن شرار عباد الله قوم يحبون شرار المسائل، يعمون بها عباد الله».
إن الأمة اليوم بحاجة إلى العلماء الربانيين كما وصفهم القرآن الكريم بقوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ }
(آل عمران:79)، فالعلماء لا يتحزبون لطائفة دون طائفة، ولا يميلون لحزب دون آخر، إنما وجهتهم الحق من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح خير القرون بشهادة سيد المرسلين " صلى الله عليه وسلم" ، فهم ميزان الأمة وعمودها، وصيانة مكانتهم واجبة عليهم لا لذواتهم، ولكن لما يحملون من مشاعل النبوة التي بها كانوا ورثة الأنبياء، يقولون الحق ولو كان مرا، ولا يخافون في الله لومة لائم، فهم حراس الدين والعقيدة، الآخرة همهم، وحفظ الدين واجبهم، وتوريث العلم مهنتهم، وإرشاد الخلق إلى الخالق غاية الغايات ومقصد المقاصد.
وإن الخسارة الكبرى لا تتعلق بعلماء السوء الجهال، وإنما تتعلق بضلال الخلق عن الحق، والتأثير السلبي لمن يتولون القيادة الدينية في بلاد المسلمين من تشويه صورته في الداخل والخارج لأجل أطماع دنية، وشأنهم أن يترفعوا عن ذلك، وألا يكونوا أهل دنيا بل يكونوا أهل الله، وما كان لأهل الله أن يكذبوا على الله.
وما ضاعت أمة إلا بسبب تفريط علمائها، وضياع علمهم، أو انحرافهم عن منهج الله تعالى، وقد ضرب الله تعالى لنا مثلا في القرآن بعلماء بني إسرائيل، وهي آيات تستحق الدراسة والتأمل، لأنها محطة تاريخية في تاريخ علماء أمة، فما ضلت أمة إلا بضلال علمائها، وما استقامت أمة إلا باستقامة علمائها، وما سعى أحد إلى الإصلاح دون أن يكون الإصلاح في العلماء والدعاة إلا ضل الطريق، فهذا هدي الأمة وسمتها، والبحث عن الإصلاح في غيرهم مضلة لا هدى فيها.