ثرثرة النساء سلاح ذو حدين



هناء المداح



ما أن يُقال لفظ "ثرثرة" إلا ويكون مرتبطًا وملتصقًا إلى حد بعيد بالنساء بمختلف أعمارهن وبيئاتهن ومستوياتهن، نظرًا لتكوينهن الفسيولوجي والنفسي الذي يجعل أمزجتهن متقلبة ومضطربة في كثير من الأحيان، مما يدفعهن إلى محاولة التخلص من هذه الاضطرابات والضغوط عن طريق الثرثرة أو الفضفضة مع أحد المقربين الثقات عساها أن تخفف من بعض ما يعانين خاصة وأن أعباءً جِسامًا سواء نفسية أو اجتماعية تثقل كاهلهن وتؤرقهن وتجعلهن دومًا في حاجة إلى من يشاركهن حمل تلك الأعباء ولو بشكل معنوي ووجداني، كما تجعلهن في انتظار دائم إلى من يسدي إليهن بعض النصائح أو يقترح لهن حلولًا لبعض المشكلات التي يعجزن عن مواجهتها فرادى..

وكانت صحيفة "ديلي تليجراف البريطانية" قد نشرت في وقت سابق تقريرًا ألمحت فيه إلى أن لدى المرأة هرمونًا اسمه "أوكسيتوسين"، وصفه العلماء بأنه هرمون ضبط المزاج حيث يدفع المرأة إلى التحدث مع الأهل والصديقات والجارات وغيرهن للتخلص من الضغوط دون اللجوء إلى الصمت أو الاندفاع نحو العنف والعدوان – كما يفعل الكثير من الرجال في حال تعرضهن لأزمات وضغوطات من أي نوع – إذ يجعل المرأة أقل عرضة للوقوع فريسة للإدمان والاضطرابات العصبية والنفسية، وأشار التقرير أيضًا إلى أن النساء اللائي لديهن ضغوط قليلة في العلاقات ويحاولن إسعاد المحيطين بهن ترتفع لديهن نسبة "الأوكسيتوسين" ، بينما تقل نسبة هذا الهرمون عند النساء اللاتي لديهن مشكلات وضغوط ومخاوف عديدة..

للثرثرة كثير من الأضرار الصحية والاجتماعية ومن بينها: إتعاب عضلات الحلق والشفتين والوجه وإعاقة عملية التنفس لإرهاق الرئتين، إلى جانب إهدار الوقت والجهد دون جدوى ونشوء حالة من التوتر والإزعاج داخل الأسرة، حيث تؤدي إلى كثرة الخلافات الزوجية التي تصل إلى حد الطلاق أو الخلع في بعض الأحيان خصوصًا إذا كان الزوج ذا طبيعة هادئة لا يمكنه تحمل الصخب والإزعاج وكثرة الأسئلة ليل نهار بداعٍ أو بدون داعٍ، إلا أن أبناء الأم الثرثارة أكثر حظًا من أبناء الأمهات الهادئات الصامتات معظم الوقت، حيث تزيد الأم الثرثارة من قدرات أبنائها العقلية والذهنية وتساعدهم بشكل كبير على اكتساب مدى واسع من الكلمات والألفاظ فتتكون لديهم ثروة لغوية كبيرة في سن مبكرة، كما تساعدهم على أن يكونوا أكثر اجتماعية وقدرة على التواصل مع الآخرين بشكل جيد..

وإذا كانت للثرثرة أهمية كبيرة في بعض الأحيان سواء بالنسبة للأبناء أو بالنسبة للمرأة الثرثارة نفسها في حالة الرغبة في التنفيس والفضفضة المحمودة بغية التخفيف والترويح عن النفس وإخراج ما بها من آلام وأوجاع مكبوتة، إلا أن هناك نوعا آخر من الثرثرة المؤذية والمدمرة وهي الثرثرة الخبيثة ذات العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة، تلك الثرثرة المرتبطة بشكل كبير بالنساء ، ومن صورها: النميمة والغيبة والخوض في الأعراض واتهام الناس بالباطل وإشاعة الأقاويل والأخبار الكاذبة على نطاق واسع، مما ينتج عنه التسبب في إحداث فِتَن بين الناس، فضلًا عن إحداث مشكلات عدة لأناس أبرياء لدرجة تصل معها إلى التفريق بين الأزواج وخراب البيوت..


قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} سورة إبراهيم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قلت: يا رَسُول الله أي المسلمين أفضل قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده).