كيف تصبح كذاباً كبيرا؟..


عبير النحاس


بدايات الكذابين؟..
شهدت البعض منهم و كنت على علم بفصول من طفولته ووجدت أن:
ـ قسوة الأهل بداية:
هي أول ما يدفع الطفل نحو الكذب تجنبا للعقاب و الغضب الذي سيجر عليه الألم ..فالخوف من الأهل هو بداية للكثير من العادات السيئة التي تبدأ بالكذب و تنتهي بخوض غمار الحياة بعيدا عن توجيهاتهم و نصائحهم, و التي لا نعرف أين يمكن أن توصل منتهجها.
ـ الخيال الجامح:
هي نعمة من الله و تبشر بمشروع كاتب.. أو فنان تشكيلي.. أو مخترع.. أو مهندس مبدع.. و لكن المشكلة تبدأ عندما لا يجد الطفل بجانبه من يأخذ بيده ليفرِّق بين الخيال و الواقع, و عندما لا يجد من يخبره بأن تلك الصور التي تحدث في مخيلته هي صور فقط و لا تعني الحقيقة بشيء, و أن من المعيب أن نحكيها للآخرين على أنها حدثت فعلا و أنهم حينها سيتهموننا بالكذب.
ـ نقل كل خبر دون تفكير:
يحدث هذا كثيرا..و هو سبب غير مباشر ليحصل المرء على صفة كاذب.
و هو أيضا مما يجب التنبيه له؛ فالحذر و الشك في أحاديث وقصص الآخرين قبل نقلها بألسنتنا و تبنيها أمر رائع و يخفف عن كاهلنا الخوض في متاهات كثيرة بشرط أن لا يصل إلى حد الوسواس و تكذيب الجميع.
- تصديق كل ما يقال دون تفكير:
هذا أيضا مما يجب تنبيه الطفل عليه..فالصغير ببراءته وفطرته النقية سيصدق الكثير بل كل ما سيسمعه و يراه و هنا وجب تواجد الأهل و التدخل في تبيان كذب الكثير من القصص التي يراها في التلفاز مثلا كتلك التي تعرض أفلاما خيالية, و كذلك توجيهه لإجراء محاكمات عقلية لكل ما يرويه أصدقاءه فقد يمتلك البعض ذلك الخيال الجامح.
التواجد بين مجموعة من الأغبياء الذين يصدقون الكذبات:
عندما تبدأ بذرة الكذب بالنمو و يبدأ الطفل بالكذب و باختلاق قصص تبهر الآخرين سيكون وجوده بين مجموعة من الأغبياء الذين يصدقون كذباته داعما لتلك الخصلة فوجب التنبيه و الحذر من رفاق الطفل و عدم ترك تلك المجموعات التي يعيش الصغير بداخلها دون تقييم.
الجبناء الذين لا يواجهون الكاذب بكذبة مكشوفة:
الكثير من الناس يخجلون و لعلهم يؤثرون السلامة و هم يستمعون إلى من يتبجح بالكذب , و هذه مشكلة أيضا و إغفال لما أمرنا الله تعالى به من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و النصح لكل مسلم.
حدث معي:
بدأ الأمر عندما وجدت طفلي يوما يحكي قصة عجيبة عن أحدهم و كان وقتها منفعلا و متفاعلا مع القصة و جاءته كلماتي المكذبة للقصة كصفعة فقال:
ـ هو قال هذا..
يومها قلت له :
ـ و هل فكرت في القصة قبل أن تنقلها أنت لنا؟!
و بدأت يومها أعرض عليه الجوانب الخيالية و المخترعة في تلك الحكاية و أبين له ما فيها من بعض الصدق مخلوطا بالكذب, و قلت له لعل صديقك أراد أن يشد انتباهكم و أن يتقرب منكم, و لعله خلط بعض الحقيقة بخيال من عنده, فلا تغضب و لكن لا تصدق كل ما يقال و تتبناه؛ فهناك أصناف من البشر لا تمتلك أخلاقا راقية و علينا أن نكون واعين و حكماء و فطنين.
منذ ذلك اليوم تغير طفلي و بدا أكثر حكمة, و قد وجدته منذ أيام يحكي لأحد أصدقائه حكايتنا, و يحكي له عن صدمته يومها و غفلته و فهمت منه أن صديقه هذا كان ينقل الأخبار دون تثبت و كان طيبا إلى حد يجعله يصدق كل ما يقال وهذا ما جعلني أسرع نحو الورق لكتابة هذا المقال.
ما الذي يجره علينا الكذب؟!..
البعض يعتقد بوجود كذب أبيض و كذب لا يضر, و قد تبدو لنا هذه الفكرة ساذجة فالكذب قبل أن يجر على الخلق الويلات يؤذي صاحبه فهو:
ـ سيشتهر بالكذب و لن يصدق الناس كل ما يقوله و يتشككون به و لو كان صادقا..
ـ سيبتعد الأخيار عنه..
ـ وسيعبر عن مهانته و جبنه و ربما الخوف الساكن في أعماق روحه و خبثها..
ـ أكبر مشكلات الكذابين أنهم لا يصدقون الآخرين و يعتقدون أن الكذب سمة عامة..
ومن حسنات الصدق أنه:
يرفع مكانة صاحبه .. و يجعله محترما ذا مهابة .. و كلمته مسموعة و لها وزنها و ثقلها و هي أمور رائعة تعطي للحياة بهجة وجمالا و سحرا خاصاً ناهيك عما أعده الله تعالى للصادقين يوم القيامة من خير.
وللصدق أنواع:
فصدق الكلام..
وصدق الوعود..
وصدق الفعال.. أي أن يوافق قولك فعلك
وهي أنواع لا بد من الالتزام بها عندما نقرر أن نكون من الصادقين.
لو واجهت كذابا يوما:
جرب أن تنصحه لو كانت العلاقة بينكما تسمح بهذا
جادله و افضح كذباته بهدوء بينكما
أظهر عدم صديقك و لا تخجل فهو لم يخجل قبلا من أن يكذب عليك وعلى الآخرين
واعلم أن لك ثواب في كل كذبة يكذبونها عليك, و لك ثواب كبير أيضا لو استطعت هداية أحدهم.
وللكاذبين أقول:
أكثروا من عمل الخير فلديكم من الديون ما لن تستطيع أعمال عادية الوفاء بها..
ولو كانت التوبة و الاستغفار أمر أسهل و أجمل.

ودمتم صادقين.