جمال التكاليف الشرعية




د. صالح سالم النهام



إن من رحمة الله بخلقه، وتكريمه لهم، ما أنعم به عليهم من شريعة قائمة على الحكم ومصالح العباد في معاشهم ومعادهم؛ فهي "عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها؛ حتى صار من المعروف من كليات الشرع أن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى القسوة، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بنوع تأويل".
إن التيسير ورفع الحرج في نصوص الكتاب والسنة؛ سمة بارزة في شريعة الإسلام، ودليل على جمالية تكاليفه؛ قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ) (الحج: 78)، "أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء فشق عليكم؛ إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا".
ومن المعلوم من هديه صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن إثما، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه"، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه".
ومن رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهي أصحابه عن بعض السؤالات خشية أن تفرض عليهم فرائض بسبب مسائلهم، وقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)) (المائدة: 101- 102)؛ فقد كان بعض الأعراب يكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السؤال عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي، أو يلحق في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن، وجعل الله في إجمالها سعة للناس، أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها؛ فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج"؛ فقام رجل فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، ثم عاد فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ومن القائل؟" قالوا: فلان. قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم".
أليس من جمال التكليف الشرعي؛ أن الله سبحانه لا يكلف أحدا إلا في حدود طاقته وإمكانه أليس تشريع التيمم نعمة جليلة جميلة الوقع على نفس المحتاج إليها؟ ألم تشرع الصلوات الخمس في أوقات متفاوتة مناسبة لا تمنع من عمل ولا تفوت بها مصلحة، وذلك من جمال التشريع وحشنه؟ ألا يحتاج المسافر إلى نوع راحة وهو في طريق سفره، تخفيفا لرهق الطريق ومشقته، فكان قصر الصلاة وجمعها من أطيب الرخص وأجملها..
وهكذا كل ما احتوته شريعة الإسلام دال على الرحمة، مشير إلى الجمال والجلال والكمال.