الصبر وأهميته في حياة المؤمن
هدى محمد نبيه
إن الصبر صفة الأنبياء، وحلية الأصفياء، ومفتاح الخيرات، وسبيل السالكين إلى الله تعالى؛ لا يستغني السالك عنه في أية مرحلة من مراحل سيره، إذ لكل مقام صبر يناسبه، فالصبر قوة خلقية، تمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب والمشقات والآلام وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع والأم والملل والغضب والخوف والطمع.
تعريف الصبر:
عرف العلماء الصبر بتعاريف كثيرة، وأهمها ما قاله ذو النون المصري رحمه الله تعالى: (الصبر: هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة )، وما ذكره الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى في مفرداته: (الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه )،
وما ذكره السيد الجرجاني رحمه الله تعالى في تعريفاته: (الصبر: هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله) .
فالصبر صفة من صفات المؤمن الحق، فمن لا صبر له كيف يحافظ على الصلاة وكيف يواظب على الصيام وكيف يؤدي الطاعات على التمام والكمال ، من لا صبر له كيف يبتعد عن المحرمات ويجتنب الآثام من لا صبر له كيف يتحمل مصائب الدنيا ولهذا عباد الله كانت حاجتنا للصبر شديدة وضرورتنا إليه ملحّة.
أقسام الصبر :
أولا: الصبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها العبد سواء كان ذلك واجبا أو مستحبا.
ثانيا: الصبر عن المناهى والمخالفات حتى لا يقع فيها، وهذا أيضا موقوف على الصبر سواء كان المنهي عنه محرما أو مكروها.
ثالثا: الصبر على القضاء والقدر وعدم السخط عليها، وهذا ما يقضيه ويقدره الله سبحانه وتعالى على العبد من المصائب.
رابعا : الصبر على المصائب، بما أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء، فإن الله تعالى يختبر إيمان عباده وهو أعلم بهم بأنواع المصائب، ويُمحص المؤمنين بصنوف المحن كي يميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق.
قال تعالى: {الم . أحسِبَ الناسُ أن يتُرَكُوا أنْ يقولوا آمَنَّاوهُمْ لا يُفتَنونَ} [العنكبوت: 1ـ2]. سواء أكانت هذه المصائب في المال أو في البدن أو في الأهل، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فيأموالِكُم وأنْفُسِكُم} [آل عمران: 186]. وقال تعالى} : ولَنَبْلُوَنَّك َم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ ونَقْصٍ من الأموالِ والأنْفُسِ والثَّمراتِ وبَشِّرِ الصابرينَ . الذين إذا أصابَتْهُم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليهِ راجعونَ . أولئكَ عليهم صلواتٌ مِنْ ربِّهِم ورحمةٌ{ صدق الله العظيم.
أخي في الله لا تيأس إذا تعثرت أقدامك وسقطت في حفرة واسعة .. فسوف تخرج منها و أنت أكثر تماسكا وقوة إذا صبرت عليها، ولا تعتقد أن نهاية الأشياء هي نهاية العالم فليس الكون هو ما ترى عيناك، فلا تحاول البحث عن حلم خذلك وحاول أن تجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد، و لا تقف كثيراً على الأطلال خاصة إذا كانت الخفافيش قد سكنتها والأشباح عرفت طريقها، فإذا كان الأمس ضاع فبين يديك اليوم وإذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل فلديك الغد، لا تحزن على الأمس فهو لن يعود ولا تأسف على اليوم فهو راحل واحلم بشمس مضيئة في غد جميل، واصبر دائما على البلايا فقد يكون فيها الخير الكثير، فالصبر من أعظم خصال الخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم، وأمر بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، ولقد أعد الله للصابرين الثواب العظيم والمغفرة الواسعة، يقول تعالى: {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} ..البقرة: 155-157، فعلينا أن نتعلم الصبر الجميل والصبر الجميل صبر بلا شكوى، قال يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَىاللَّهِ}[يوسف: 86] مع قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُالْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: 18].فالشكوى إلى اللّه لا تنافي الصبر الجميل،وذلك أن المشتكي طالب بلسان الحال: إما إزالة ما يضره أو حصول ما ينفعه، والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى: {فَإِذَافَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح: 7، 8]، وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: (((إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه).))