حرمة سب الصحابة



د. محمد سيد شحاته



عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدَكم أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا ما بلَغَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصِيفه)) [1].

الراوي الأعلى:
اسمه: سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخُدْري، مشهور بكنيته، له ولأبيه صُحْبة.

مناقبه: استُصغِر بأُحد ثم شهِد ما بعدها، وروى الكثير، وكان من المكثرين من رواية الحديث.

مروياته: روى ألفًا ومائة وسبعين حديثًا (1170)، أخرج الشيخان منها مائة وأحد عشر حديثًا (111)، اتَّفقا على ثلاثة وأربعين (43)، وانفرد البخاري بستة عشر (16) ومسلم باثنين وخمسين (52)، لم يكن أحدٌ من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفقه من أبي سعيد الخُدْري.وفاته: مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين، وقيل: سنة أربع وسبعين [2].

المفردات:
قوله: ((لا تسبُّوا أصحابي)): خطاب لغير الصحابة من المسلمين المفروضين في العقل، جعل من سيوجد كالموجود، ووجودهم المترقب كالحاضر.

والصحابي: مَن لقِي النبي صلى الله عليه وسلممؤمنًا به، ومات على ذلك [3].

قوله: ((ما بلغ مد أحدهم)): أصل المد مقدَّر بأن يمدَّ الرجل يديه فيملأ كفَّيه طعامًا، وإنما قدره به؛ لأنه أقل ما كانوا يتَصَدَّقُون به في العادة، وقد يروى مَد أحدهم بفتح الميم؛ يريد: الفضل والطول [4].
قوله: ((نصيفه)) قال أهل اللغة: النصيف: النصف [5].

سبب تفضيل نفقة الصحابة على نفقة غيرهم:

(1) أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم.

(2) لأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10].

(3) ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة والنور والخشوع، والتواضُع والإيثار، والجهاد في الله حق جهاده.

(4) فضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عملٌ، ولا ينال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخَذ بقياس، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء [6].

حكم سب الصحابة رضي الله عنهم:

سب الصحابة حرام، ومن كبائر الذنوب [7].

حكم السابِّ للصحابة رضي الله عنهم:

من سبَّ أحدًا من الصحابة، فهو فاسق ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد أنه مباح، أو يترتب عليه ثوابٌ، أو اعتقد كُفْر الصحابة، فإنه كافرٌ [8].

أصول عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه الصحابة:

(1) سلامة قلوبهم من الغل والحقد والبغض.
(2) سلامة ألسنتهم من الطعن واللعن والسب.
(3) الإمساك عما شجر بينهم من خلاف.
لفضلهم وسبْقهم، واختصاصهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لهم من الفضل على جميع الأمة؛ لأنهم الذين تحمَّلوا الشريعة عنه صلى الله عليه وسلم، وبلَّغُوها لمن بعدهم، ولجهادهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومناصرتهم له [9].

وهذا يستلزم أن تَمتلئ قلوبهم بالمحبَّة والمودَّة والأُلْفة والموالاة، والنُّصْرة والتأييد وغير ذلك لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام [10].

ما يستفاد من الحديث:

(1) حرمة سبِّ الصحابة.
(2) أن الصحابة خير هذه الأُمَّة، فهم خير الناس بعد الأنبياء.
(3) الصحابة فيما بينهم يتفاضلون.
(4) العمل يزيد فضله في وقت الحاجة.
(5) أن نفقة الصحابة لا تعادلها ولا توازنها نفقةٌ، وكذلك جهادهم.
(6) بيان منزلة وشرف الصحبة.

الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:

(1) محبة الصحابة الكرام.
(2) التبرُّؤ ممن يقع فيهم بسبٍّ أو بلعنٍ أو بشتم.
(3) احترام السلف الصالح.


[1] أخرجه البخاري، كتاب: الفضائل، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت متخذًا خليلًا)) قاله أبو سعيد (5/ 8)، ح (3673)، ومسلم كتاب: فضائل الصحابة، باب: ((لا تسبُّوا أصحابي)) (7/ 188)، ح (6580)، وأبو داود في كتاب: السنة، باب: النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 346) ح (4660)، والترمذي في كتاب: المناقب، باب (59) (5/ 695)، ح (3861)، وأحمد في المسند (17/ 137) ح (11079)، وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: لا تسبُّوا أصحابي (7/ 188)، ح (6579)، وابن ماجه في المقدمة باب فضل أهل بدر (1/ 57)، ح (161).
[2] الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 78) ت 3198، تقريب التهذيب (ص232) ت 2253.
[3] ينظر: نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (4/ 724)، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (4/ 83).
[4] الفائق في غريب الحديث (3/ 353)، وانظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 274).
[5] لسان العرب (9/ 332)، وانظر: شرح النووي على مسلم (16/ 93).
[6] ينظر: شرح النووي على مسلم (16/ 93)، وعمدة القاري (16/ 188)، وشرح سنن ابن ماجه؛ للسيوطي (ص: 15).
[7] شرح النووي على مسلم (16/ 93).
[8] الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (ص586).
[9] كتب العقيدة؛ للشيخ الفوزان (21/ 141).
[10] أصول أهل السنة والجماعة (3/ 2).

https://www.alukah.net/sharia/0/130726/