أحكام الحشرات في الفقه الإسلامي




عرض وتحليل/ السيد المخزنجي



صدر كتاب بعنوان ((أحكام الحشرات في الفقه الإسلامي)) تأليف كمال بن صادق ياسين، عن مكتبة الرشد بالرياض، ضمن سلسلة الرشد للرسائل الجامعية - العدد 155، ويقع الكتاب في حوالي (545 صفحة) من القطع المتوسط.
قسم المؤلف كتابه - الذي هو في الأصل رسالة جامعية قدمها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - إلى خمسة فصول تناول فيها: أحكام الحشرات في العبادات، من خلال أربعة مباحث، وأحكام الحشرات في المعاملات، في مبحثين، وأحكام قتل الحشرات، في تمهيد وثلاثة مباحث، وأحكام الحشرات في الجناية وضمان المتلفات، في تمهيد ومبحثين، وأحكام الحشرات في الأطعمة والأشربة واللباس والأدوية والزينة، في تمهيد وست مباحث. وأسبق ذلك كله بـ ((تمهيد)) وفيه خمسة مباحث، عرض فيها لـ ((تعريف الحشرات وإطلاقاتها))، والمراد بالحشرات في هذا البحث، وأنواع الحشرات، ومكانة الحشرات في الفقه الإسلامي وعناية الشارع بها، والأدعية والأذكار التي تقرأ لدفع ضرر الحشرات.
أهمية الموضوع


في ((المقدمة)) أوضح أهمية التصدي لبحث موضوع أحكام الحشرات في الفقه الإسلامي، وأسباب اختياره للموضوع، فمن جهة أنه موضوع يعالج أحكام الحشرات التي تكون الجزء الأكبر من الحيوانات التي تعيش على الأرض، ويربو عدد أنواعها على جميع الحيوانات الأرضية أضعافا، وهي في الحقيقة ذات شأن كبير لاتصالها بحياتنا المعيشية اتصالا وثيقا، إذ تعيش حول الإنسان وتحيط به في معظم أحواله، فكان لزاما على طلاب العلم تناول أحكامها، ونشرها بين المسلمين.
وأشار أيضا إلى أن موضوع الحشرات قد بحث من النواحي الأخرى: الزراعية، والطبية، والاقتصادية، وغيرها في عشرات الأبحاث بين الرسائل والكتب، فكان حريا بطالب العلم الشرعي الكتابة في هذا الموضوع والتعريف بأحكامه الفقهية المختلفة.
كما أن في ذلك بيان عظمة الفقه الإسلامي وشموله لجميع جوانب الحياة البشرية، حيث وضع لأصغر الأشياء أحكاما تخصها، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وذكر لها حكما، مصداقا لقوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)) (الإسراء: 12). ومن جهة أخرى تتجلى أهمية هذا الموضوع في أن هناك أعدادا كبيرة من الناس في المجتمع يقطنون في البوادي والقرى، وهم أكثر الأفراد حاجة للإلمام بالأحكام الشرعية للحشرات، وذلك لانتشارها هناك بكثرة.
أيضا وجد المؤلف - بالبحث والدراسة العميقة - أن هذا الموضوع - موضوع الحشرات - يشمل كثيرا من أبواب الفقه الإسلامي، بدءا بالطهارة والصلاة ومرورا بالزكاة والحج والبيوع والمعاملات والجنايات والأطعمة والأشربة وغيرها من الأبواب، إلى جانب اشتماله على كثير من المسائل المتفرقة المهمة، ومن ثم فلا تخفى فائدة الموضوع والكتابة فيه للباحث والقارئ معا، كما أن القرآن الكريم والسنة النبوية جاء الحديث فيهما عن بعض الحشرات لحكمة عظيمة؛ فحرص المؤلف على أن يجمع الأحكام المذكورة في تلك النصوص، وكذلك فإن علماء الإسلام وفقهاء المسلمين - رحمهم الله - تعرضوا لهذا الجانب في مواضع متفرقة، فأراد المؤلف جمعها في كتاب واحد ليسهل الرجوع إليه.
نتائج علمية وفقهية


وقد خلص المؤلف في نهاية كتابه القيم إلى جملة نتائج عملية وفقهية مهمة، يجدر بالقارئ المسلم الإلمام بها ومعرفتها للاستفادة منها في كيفية أو طريقة تعامله مع تلك الحشرات النافع منها والضار، ومن أهم تلك النتائج: أن المراد بمصطلح الحشرات في هذا البحث: هي صغار دواب الأرض خلقة. وأن مصطلح الحشرات عند الفقهاء وعلماء اللغة - رحمهم الله - أعم وأوسع وأشمل مما هو عليه اليوم في المصطلح العلمي الحديث، حيث تشمل ما يعنيه لفظ الحشرات بتعريفها العلمي الحديث، إلى جانب الحيوانات الصغيرة الأخرى من الزواحف والقوارض والديدان ونحوها. وأن كل ما ليس له دم سائل من الحشرات فهو طاهر، لا ينجس ما وقع فيه من مائع أو جامد. كذلك إذا وقع شيء من الحشرات في الماء وخرج منه حيا فهو طاهر، ولا ينجس الماء. وأن سؤر ما يرد على البيوت من الحشرات، وغيرها مما يشق الاحتراز منها طاهر.

قتل الحشرات أثناء الصلاة


ويشير المؤلف إلى أن قتل الحية والعقرب جائز في الصلاة وبلا كراهة، ولو كثرت الحركات المقتضية لذلك. ويجوز إخراج وقتل الحشرات المؤذية في المسجد، حرصا على نظافة المسجد، وطمأنينة المصلين وخشوعهم، ويمكن ترك الحشرات غير المؤذية بالمسجد بضمان عدم التشويش على المصلين وعدم تقذير المسجد. كما تجب الزكاة في العسل ((نتاج النحل))، والواجب فيه العشر، وتجب الزكاة في الحرير ((نتاج دود القز))، وهو الحرير المعد للتجارة، وزكاته زكاة عروض التجارة وبشروطها، وأيضا تجب الزكاة في المال الذي هلك بعاهة الحشرات ونحوها من الآفات، إذا حصل التفريط من المزكي، وإذا لم يحصل التفريط، فلا شيء عليه.
أيضا يجوز للمحرم وغيره قتل الحشرات المؤذية والمضرة كالحية والعقرب في الحل والحرم، وكذلك ما في حكمها، بجامع الأذية أما ما لا يؤذي ولا يضر بطبعه من الحشرات فلا يشرع قتله، لا سيما الذي نهى عن قتله كالنحلة والنملة، إلا أن تحصل منها أذية بالفعل، كذلك لا يجب على المحرم الجزاء أو الكفارة في قتل الحشرات المؤذية، كالحية والعقرب والفأرة ونحوها؛ لأنها ليست بصيد، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
وأوضح المؤلف أنه يجوز استعمال المبيدات الحشرية لقتل الحشرات المضرة بواسطة الوسائل الحديثة، شريطة أن لا يؤدي استعمالها إلى الإضرار بالإنسان وصحته وبيئته، أو الحيوانات الأخرى غير المؤذية، وأن يسبق ذلك أخذ الاحتياطات والإجراءات الوقائية التي تقلل من الأضرار الجانبية، كما يجوز حبس الحشرات للزينة، والتمتع برؤيتها، واللعب بها، وسماع صوتها، بشرط توفير المواد اللازمة لإطعامها وسقيها وعدم تعذيبها، ويجوز بذل المال في سبيل ذلك (أي الإنفاق عليها ورعايتها).

وبعد.. فالكتاب يعد دراسة علمية فقهية تحسب لمؤلفه، كما أنه يشكل إضافة مهمة إلى المكتبة العربية الإسلامية لما فيه من فوائد علمية وفقهية تخدم القارئ والمثقف والباحث المسلم المتخصص. ومن ثم فهو جهد علمي نهنئ المؤلف عليه، سائلين الله أن يجزيه عنه خيرا وأن يجعله في ميزان حسناته.