التوحيد عند الأشاعرة

هذا من أهم الأبواب التي غلط فيها أهل الكلام – وفيهم الأشاعرة – وصار كلامهم فيه مشتملاً على قليل من الحق وكثير من الباطل، ولاشك أن أسس الإسلام وقاعدته توحيد الله وحده لا شريك له.
والتوحيد والواحد والأحد عند الأشاعرة يشمل ثلاثة أمور:
1- أن الله واحد في ذاته لا قسيم له.
2- وأنه واحد في صفاته لا شبيه له.
3- وأنه واحد في أفعاله لا شريك له .
وأشهرها عندهم وأقواها دلالة على التوحد النوع الثالث، وبه يفسرون معنى "لا إله إلا الله". والألوهية – عندهم – هي القدرة على الاختراع والخلق، فمعنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله ......
فسر الأشاعرة معنى التوحيد والواحد بهذه الأصول الثلاثة، وقد بين شيخ الإسلام ما في قولهم من الحق والباطل كما يلي:
1- قولهم: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له:
ويفسرونه بأن معناه أنه لا ينقسم, ولا يتجزأ, ولا يتبعض, ولا يتعدد, ولا يتركب، وهذا الكلام مجمل، فإن قصد به أن الله تعالى أحد, فرد, صمد, لم يلد ولم يولد، وأنه يمتنع أن يتفرق أو يتجزأ, أو يكون قد ركب من أجزاء فهذا حق، لكن إن قصد به نفي علوه ومباينته لخلقه، وأنه لا يشار إليه ولا ينزل كما يشاء فهذا باطل ، فأي الأمرين يقصد هؤلاء، يقول شيخ الإسلام عنهم: "ليس مرادهم بأنه لا ينقسم ولا يتبعض أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، وأنه لا يكون إلهين اثنين، ونحو ذلك مما يقول نحواً منه النصارى والمشركون، فإن هذا مما لا ينازعهم فيه المسلمون، وهو حق لا ريب فيه، وكذلك كان علماء السلف ينفون التبعيض عن الله بهذا المعنى، وإنما مرادهم بذلك أنه لا يشهد ولا يرى منه شيء دون شيء، ولا يدرك منه شيء دون شيء، بحيث إنه ليس له في نفسه حقيقة عندهم قائمة بنفسها, يمكنه هو أن يشير منها إلى شيء دون شيء، أو يرى عباده منها شيئاً دون شيء، بحيث إذا تجلى لعباده يريهم من نفسه المقدسة ما شاء، فإن ذلك غير ممكن عندهم، ولا يتصور عندهم أن يكون العباد محجوبين عنه بحجاب منفصل عنهم يمنع أبصارهم عن رؤيته، فإن الحجاب لا يحجب إلا ما هو جسم منقسم، ولا يتصور عندهم أن الله يكشف عن وجهه الحجاب ليراه المؤمنون، ولا أن يكون على وجهه حجاب أصلاً، ولا أن يكون بحيث يلقاه العبد, أو يصل إليه, أو يدنو منه, أو يقرب إليه في الحقيقة، فهذا ونحوه هو المراد عندهم بكونه لا ينقسم، ويسمون ذلك نفي التجسيم، إذ كل ما ثبت له ذلك كان مجسماً منقسماً مركباً، والبارئ منزه عندهم عن هذه المعاني" ، وجماع المعاني التي قصدوها بقولهم هذا أنه تعالى عن قولهم ليس قائماً بنفسه، ولا بائناً من خلقه ولا على العرش استوى، وأنه لا يشار إليه في جهة العلو. وهذا ما يعبرون عنه بنفي الجسمية، والتحيز، والجهة، والرازي صرح بأن كل متحيز فهو منقسم، وكل منقسم فهو ليس بأحد ، وهكذا صار حقيقة التوحيد والواحد والأحد عند هؤلاء نفي صفات الله الخبرية، ونفي علوه على عرشه.
2- أما قولهم في تفسير التوحيد بأن معناه – أيضاً – أنه واحد في صفاته لا شبيه له، فيرى شيخ الإسلام أن هذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكنهم أجملوها، حيث جعلوا في مسمى التشبيه، وهذا من بدع أهل الكلام، إذ لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقوال السلف أن يجعل نفي الصفات أو بعضها من التوحيد ، مع أن أهل الكلام مضطربون في هذا، لأن كل طائفة تجعل ما تنفيه من الأسماء أو الصفات من التشبيه الذي يجب تنزيه الله عنه، فالأشاعرة أدخلوا في مسمى التوحيد هذا نفي كثير من الصفات – أي ما عدا الصفات السبع التي لم يثبت غيرها متأخروهم – والمعتزلة أدرجوا في ذلك نفي جميع الصفات، والجهمية نفوا الأسماء والصفات جميعاً، وزاد الغلاة من القرامطة والباطنية فقالوا لا يوصف بالنفي والإثبات، لأن القول بأحدهما يقتضي تشبيهاً، وهكذا .
3- أما الثالث فقولهم: إن من معاني التوحيد أنه تعالى: واحد في أفعاله لا شريك له، وأن الله رب كل شيء وخالقه، ويقول شيخ الإسلام عن هذا المعنى: "وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربيه ومدبره" ، والخطأ الذي وقع فيه الأشاعرة هنا هو أنهم فهموا أن هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأنه المقصود بشهادة أن لا إله إلا الله، ومن المعلوم أن هذا التوحيد أقر به المشركون، ولم ينكره أحد من بني آدم "ولكن غاية ما يقال: إن المعتزلة وغيرهم جعلوا بعض الموجودات خلقاً لغير الله، كأفعال العباد، ولكنهم يقرون بأن الله خالق العباد, وخالق قدرتهم وإن قالوا: إنهم خالقوا أفعالهم" .
هذه معاني التوحيد عند الأشاعرة، ومما سبق يتبين ما في ظاهر العبارات من الحق، وما قصدوه من الباطل، مع ما وقعوا فيه من التقصير.[موقع الدرر السنية]