مجالس رمضان

هناك الكثير من الكتب التي ألفت في دروس وعظيه لأيام شهر رمضان البهية، جعل فيها لكل يوم وعظ، وذكر فيها ما يناسب الحال والمقام، بعبارات سهلة قريبة، وألفاظ سلسة مطلوبة، مستنبطة من الكتاب والسنة، وهذا سمت سار عليه كثير ممن ألفوا في مجالس رمضان وفوائد الصيام، مؤلفات تستوعب كثيرا من أحكام الصيام والقيام والزكاة، وما يناسب المقام من ذكر الأحكام والآداب لحاجة الناس إلى ذلك في هذا الشهر الفاضل، وحتى ينتفع بها الأئمة في المساجد، ألف في مجالس رمضان من علماء الكويت: العلامة الشيخ عبد الله خلف الدحيان (ت 349هـ) "مجالس رمضان الوعظيه" والشيخ عبد الله عبد الرحمن السند (ت 1397هـ) "مجالس رمضان فيها تذكرة وبيان"، والشيخ محمد أحمد الخلف (ت1406هـ) "المجالس السنية في البيان لأيام رمضان البهية"، والشيخ عبد الرحمن الكمالي "المواعظ السنية لأيام شهر رمضان البهية" كذلك ألف ثلة من العلماء أمثال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) ضمن كتابه القيم "لطائف المعارف"، والشيخ فيصل المبارك (ت1376هـ) والشيخ أبو بكر الملا الأحسائى، والشيخ العلامة محمد صالح العثيمين (ت1421هـ) وهنا نورد باختصار المجلس الأول من "مجالس رمضان الوعظيه" للعلامة عبد الله خلف الدحيان.
قال رحمه الله تعالى: عباد الله، اعلموا أن هذا الشهر مبارك الليالي والأيام، وصيامه سبب لمحو الذنوب والآثام، وقد فرض الله عليكم صيامه، وأوجب عليكم تعظيمه واحترامه، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، هذا بيان من الله تعالى لحكم من الأحكام الشرعية، وهو فريضة الصوم وما فيها من الحكم المرعية، خاطب الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين، الذين آمنوا به وبرسوله، تصديقا بقلوبهم، وإقرار بألسنتهم، وناداهم بالنداء الآكد الأبلغ، تحريكا لهم، وبعثا لهممهم، وتنشيطا لاهتمامهم بما أمرهم به من فرائض دينه، وأمره ونهيه, ووعده ووعيده، فيجب عليهم أن يتيقظوا لخطاب الله ويستجيبوا لندائه.
إن الله تعالى أكرم عباده بالتكليف، وخاطبهم بخطاب التشريف، وبشرهم بوعده وأنذرهم بوعيده، وقد قال تعالى (أيَحْسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى)، أي: هملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يحاسب ولا يعاقب؟ كلا بل إنه مأمور منهى، مجازى على الطاعة، معاقب على المعصية.
وقد خلق الله الجن والإنس ليعبدوه ويوحدوه، قال تعالى (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) فما أرسل تعالى رسله، وأنزل كتبه، وخلق السموات والأرض، إلا ليعرف ويوحد ويعبد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له والدعوة له.

قال تعالى(ومَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ)، وقال تعالى (ومَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا إلاَّ بِالْحَقِّ)، وقال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ومِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فأخبر سبحانه وتعالى أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا شريك له، وأن يقوم الناس بالقسط في جميع ما كلفهم الشرع، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وهو العدل ومن أعظم العدل التوحيد، بل هو رأس العدل وقوامه، كما أن الشرك أعظم الظلم، قال تعالى:( إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .
وقد جعل الله الإنسان-بما وهبه له من الحياة والعقل-أهلا للتكليف، ومحلا لتشريفه بالأمر والنهى، قال تعالى:( إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ مِنْهَا وحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً), ففي هذه الآية دليل على فضل الحياة والعقل، وأن الإنسان إنما صار صالحا للتكليف بسببهما، وأن السموات والأرض والجبال، وإن كانت أعظم جثة وأشد قوة منه، لكنها لما كانت خالية من الحياة والعقل لم تصلح للتكليف.
فإن قوله تعالى:(إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ) من باب التمثيل، أي: قابلنا بين حالها والتكليف،(فَأَب يْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا)، مع عظمها، أي: فلم نجد فيها محلا له، (وأَشْفَقْنَ مِنْهَا)، أي: وكن أضعف من ذلك، وأبعد من الصلاح له، لأن خلوها من الحياة والعقل يوجب خلوها من الاختيار، فلا يكون الفعل منها على سبيل التخيير، وقوله تعالى (وحَمَلَهَا الإنسَانُ)، أي: كان فيه محل للأمر والنهى، لوجود العقل والحياة فيه، وقوله تعال: (إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)، لم يرد به أنه حملها لأنه كان ظلوما جهولا، لأنه لم يخير في حمل أمانة التكليف، بل ألزمها، وإنما معنى ذلك، أي إنه بعد حملها يجهل موضع حظه، ويظلم نفسه، فيخالف الأمر، ويرتكب النهى، ويعرض نفسه للعقاب، ويحرمها الثواب.


وقد قال مجاهد، وسعيد بن جبير, والضحاك, والحسن البصري، وغير واحد: إن الأمانة هي الفرائض، وقال مالك، وزيد بن أسلم: الأمانة ثلاثة: الصلاة، الصوم، والاغتسال من الجنابة، وكل ما جاء في تفسير الأمانة، فإنه يرجع إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي.
وإن صوم رمضان من فرائض دين الله المحتمة، وأمانته التي ائتمن عباده عليها، وأمرهم برعايتها، وهو سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه غلا الله عز وجل، وقد اختار الله تعالى من الشهور شهر رمضان، وجعل صيامه أفضل الصيام، وهو أحد أركان الإسلام، وفي حديث مرفوع أخرجه ابن أبى الدنيا: "لو يعلم العباد ما في رمضان من الأجر والخير، لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها".
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبشر أصحابه بقدوم رمضان، كما أخرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبشر أصحابه، يقول "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".

قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان.
قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحيى بن كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلا.
واعلموا أن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقداره الله عليه، ويدل عليه الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: كان رجلان من بلى، وهي من قضاعة، أسلما مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاستشهد أحدهما، وأخر الأخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله (رضى الله عنه): رأيت الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت من ذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال " أليس صام من بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، وكذا وكذا ركعة صلاة سنة".
وأخرج أحمد والترمذي وصححه، والحاكم عن أبى بكرة (رضى الله عنه): أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله"، قال: فأي الناس شر؟ قال:" من طال عمره وساء عمله".
فيستفاد من هذا فضل الحياة في طاعة الله وأن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا.
أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخذه إلى المعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادما يوم الحصاد
من رحم في رمضان فهو المرحوم، ومن لم يتزود لمعاده فهو ملوم.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضا شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا فإنه شهر تسبيح وقرآن
واحمل على جسد ترجو النجاة له فسوف تضرم أجساد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف ما بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حيا فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غد أثواب وأكفان
حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان
منقول