تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة في العمل الخيري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,427

    افتراضي الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة في العمل الخيري

    الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة


    في العمل الخيري




    د. عباس أحمد محمد الباز [·]



    ملخص البحث:


    الأصل العام في الشريعة : أن المال المكتسب بسبب حرام لا يدخل في ملك المسلم، والواجب التحلل منه والخروج عن إثمه بدفعه إلى الفقراء والمحتاجين ، أو التبرع به إلى مشروع خيري يحقق منفعة عامة للإسلام والمسلمين ، وعلى هذا الأصل يمكن تخريج الحكم الشرعي في الانتفاع بالأموال الربوية ، وكذلك الأموال المشبوهة في مشاريع العمل الخيري، سواء أكان اكتساب هذه الأموال - الفوائد الربوية - بإرادة واختيار، أم كان باضطرار، كالأموال التي تستحق لأبناء الجاليات المسلمة ممن لا يجدون مصارف إسلامية يضعون أموالهم فيها ، فيضطرون إلى وضع أموالهم في المصارف الربوية، فتترتب لهم فوائد ربوية بمبالغ كبيرة ، حيث يمكن تحويل هذه الأموال إلى الجمعيات الخيرية ؛ لتقوم هذه الجمعيات بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ، ويمكن أن تقوم هذه الجمعيات باستثمار هذه الأموال في مشروعات خيرية ومصالح عامة ، كبناء المدارس والعيادات الطبية ...؛ ليستفيد منها المحتاجون وأفراد المجتمع وفق الأصل السابق.

    وقد تبين بالبحث أنه يمكن للجمعيات الخيرية أن تستقبل الأموال المشبوهة وأموال الفوائد الربوية وتقوم على استثمارها اذا راعت الضوابط التالية.
    أولا : أن لا تحرص على جمع هذه الأموال وتتبعها، بل تأخذها إذا عرضت عليها وتبرع بها حائزها بمبادرة منه.

    ثانيا : أن لا تدخل أموال الفائدة الربوية في بناء المساجد، ولا في طباعة القران الكريم، بل ينتفع بها في وجوه البر الأخرى، كالإنفاق على الفقراء والمحتاجين ، ومداواة المرضى ، وإعانة طلبة العلم الفقراء ممن لا يجدون المال للتداوي والتعلم ...

    ثالثا : أن لا تدفع الجمعيات الخيرية رواتب موظفيها والقائمين عليها من أموال الفائدة الربوية ، بل تذهب هذه الأموال إلى مستحقيها من الفقراء والمحتاجين والمشروعات الخيرية.

    رابعا: أن تودع أموال الفائدة الربوية في حساب مصرفي خاص بعيدا عن أموال الزكاة والصدقات الأخرى الطيبة التي تأتي إلى العمل الخيري من كسب حلال .

    المقدمة:


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آلة الطيبين الطاهرين ، وبعد:

    فقد كان للعمل الخيري دور رئيس في نشر الإسلام وتثبيت دعائمه ، وذلك من خلال الربط بين فعل الخيرات ، وبين الثواب والأجر على فعل هذه الخيرات . يقول تعالى: ((وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)) ([1]) ويقول تعالى: ((وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)) ([2]).

    وقد بدأ العمل الخيري في الإسلام مبكرا مع بداية الدعوة السرية ، وكان أول عمل خيري في الإسلام قصد منه تحقيق النفع العام هو تبرع الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم ([3]) بداره ؛ لتكون مدرسة تعليمية ، ومركزا علميا يتعلم فيه الصحابة الإسلام وتلاوة القرآن الكريم ، ثم توالى بعد ذلك العمل الخيري ، وتطور بانتشار الإسلام وخروج الدعوة إلى العلن ، حيث شرع الإسلام أبوابا رحبة لعمل الخير، بدءا بتشريع الزكاة الواجبة التي هي ركن من أركان إقامة الدين إلى جانب الصدقات الأخرى التي شجع عليها وندب إلى فعلها، كذلك استحدث الإسلام بابا للصدقات الجارية التي يدوم ثوابها لفاعلها، وهي الصدقة الجارية المعروفة بالوقف الخيري ([4])، وهو باب واسع للعطاء والتكافل ([5]).

    وقد كان من أوسع أبواب العمل الخيري التي شرعها الإسلام : الصدقة بالمال أنفاقه في وجوه البر المختلفة ، واشترط لقبول هذا الإنفاق أن يكون المال المنفق من كسب طيب حلال؛ لقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)) ([6]) كما مدح تعالى على فعل الخير وإنفاق المال فيه في قوله تعالى : ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) ([7]) وهذا عام في جميع أوجه إنفاق المال سواء أكان من قبيل الصدقة الواجبة أو النافلة ، فعموم اللفظ يتناول ما كان مفروضا وما كان تطوعا، وقد اشتهر من الصحابة من عني بالعمل الخيري وكثرة فعل الخير والإكثار من الصدقات ، ومن هؤلاء : بعض زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم- كالسيدة زينب بنت خزيمة التي عرف عنها حبها الإحسان إلى المساكين حتى لقبت بأم المساكين ([8]). وكذلك الصحابي الجليل عثمان بن عفان الذي قام بأعمال خير كثيرة ، منها : شراؤه بئر رومة وجعلها سبيلا لمن مر عليها من الناس ، لتكون وقفا وصدقة جارية في سبيل الله ([9]).

    ولما كان انتشار الإسلام وحضوره في عصور الإسلام الأولى مؤثرا في نفوس الناس وأفعالهم وتصرفاتهم ، فقد كان الغالب على المال الذي بين أيديهم ، وكذلك المال الذي يتبرعون به لجهات البر ومصالح الخير أنه من كسب حلال ومن مصدر طيب ، أي أن مشاريع العمل العام التي كان يقوم الأفراد على إنشائها والإنفاق عليها كانت تؤسس بالمال الحلال ، ويعد تأسيسها ودعم وجودها جزءا من العبادة والطاعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ، فلم يكن هناك ما يستدعي بحث حكم تأسيس الأعمال الخيرية بمال من كسب حرام أو دعم الأعمال الخيرية القائمة بمثل هذا المال ، ومع وجود المكاسب الحرام وانتشار التعامل بالربا والقمار واليانصيب ... ظهرت الحاجة إلى البحث في حكم التبرع بالمكاسب الحرام إلى العمل الخيري الذي يهدف إلى تقديم خدمة عامة ،...فجاء هذا البحث محاولة للإجابة عن حكم تقبل العمل الخيري للأموال التي يشتبه في مصدر كسبها، وكذلك الأموال التي يتحقق من كسبها من مصدر حرام .

    أهمية الدراسة


    تظهر أهمية الدراسة من خلال البحث في النقاط التالية:

    أولا : الوقوف على الرأي الشرعي في بيان حكم استقبال العمل الخيري الأموال ذات مصادر الكسب غير المشروعة ، وتلك الأموال التي يقع الاشتباه في مصادر كسبها.

    ثانيا: إجابة القائمين على مشاريع العمل الخيري عن جواز قبول العمل الخيري أموالا مشبوهة أو معلومة من حيث مصادرها وطرق اكتسابها غير المشروع ، لتصرف في وجوه الخير والبر وتأسيس المشروعات النافعة ؟ وبخاصة مع تكرر عرض مثل هذه الأموال ، وتكرر السؤال من الجمعيات الخيرية التي تأتيها مثل هذه الأموال عن حكم قبولها، أو رفض هذه الأموال والامتناع عن أخذها.


    الدراسات السابقة:


    تناولت دراسات متعددة الحديث عن العمل الخيري في الإسلام عموما ، والقليل منها من تناول هذه المسألة، ومما اطلع عليه الباحث من هذه الدراسات :

    أ- أصول العمل الخيري في الإسلام
    وهو كتاب تناول المؤلف فيه الحديث عن القواعد العامة للعمل الخيري في الإسلام كمبدأ من مبادئ التكافل الاجتماعي وباب من أبواب التعاون على فعل الخير، وقد ورد الحديث عن المسألة التي تطرق إليها البحث باختصار دون تفصيل.

    ب- العمل الخيري مع غير المسلمين

    للباحث حسن وهدان ، وهي رسالة دكتوراه تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأردنية ، تناول فيها الحديث عن جملة من الموضوعات التي تتعلق بالعمل الخيري مع غير المسلمين مثل : موارد العمل الخيري المالية ، أدلة مشروعية العمل الخيري مع غير المسلمين ، أنواع العمل الخيري مع غير المسلمين ، حكم تقديم المساعدة لغير المسلم مع الشرح والبيان هل مساعدة غير المسلم بالمال أو التبرع له بالمال والأعضاء البشرية يمكن أن يعد صدقة ينال بها المسلم الأجر والثواب أم لا؟ ولم يتعرض الباحث إلى حكم استقبال العمل الخيري للأموال المشبوهة والمحرمة.

    ج - قواعد العمل الخيري في الإسلام

    للباحثة تمام العساف ، وهي رسالة دكتوراه تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأردنية . تناولت فيها الحديث عن القواعد العامة التي تنظم العمل الخيري كما جاءت بها الشريعة الإسلامية دون التعرض إلى التفصيلات والجزئيات .

    د - العمل الخيري المؤسسي

    للباحث عبد الله محمد المطوع ، تحدث فيه عن العمل الخيري المؤسسي المقترن بالدعوة مع التركيز على دراسة وصفية ميدانية على مؤسستين خيريتين في السعودية . أي أن الكتاب يعالج أهمية العمل الخيري في الدعوة إلى الله ، فهو مقتصر على هذه المسألة.

    هـ- العمل الخيري في الإسلام

    للباحث حمدان مسلم المزروعي ، تناول الحديث عن جملة موضوعات تتعلق بالعمل الخيري ، منها : مشروعية العمل الخيري ، أهداف العمل الخيري في الإسلام وأنواعه، ثمار العمل الخيري ونتائجه . وليس من موضوعاته المسائل الفقهية التي تختص بالعمل الخيري .

    و- القواعد الفقهية للعمل الخيري في الإسلام

    بحث مقدم إلى مؤتمر العمل الخيري الخليجي الثالث الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي في الفترة من 20 - 22 يناير 2008 للباحثة جميلة الرفاعي تناولت فيه الحديث عن بعض القواعد الفقهية التي تضبط وتنظم العمل الخيري في الإسلام ، وليس من مسائل البحث الحديث عن حكم استقبال العمل الخيري للأموال المحرمة أو المشبوهة.

    ز- ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة في المدينة المنورة 17- 20 رمضان 1423 هـ

    حيث بحث المشاركون فيها جملة من المسائل الشرعية وصدر عنها مجموعة من الفتاوى في الاقتصاد الإسلامي من بينها فتوى بخصوص صرف الأموال الربوية في المصالح العامة ([10]).

    ح- العمل الخيري تكافل اجتماعي وعمل إنساني

    للباحث عبد الملك منصور، وهو بحث مقدم إلى مؤتمر العمل الخيري الخليجي الثالث الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي في الفترة من 20-22 يناير 2008 عرض فيه الباحث جملة من المقترحات للنهوض بالعمل الخيري .
    ط - الأموال الربوية ومصارفها في العمل الخيري

    بحث مقدم إلى مؤتمر العمل الخيري الخليجي الثالث الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي في الفترة من 20 - 22 يناير 2008 للباحثين محمود أبو ليل وإبراهيم الشال، عرض فيه الباحثان إلى حكم دفع المال الربوي إلى العمل الخيري ، إلا أن البحث جاء مختصرا.

    مشكلة الدراسة:


    تتلخص مشكلة الدراسة من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية:

    أولا : ما الرأي الشرعي في قبول جمعيات العمل الخيري وهيئات الإغاثة التطوعية الأموال الربوية والأموال المشبوهة لإنفاقها في أعمال البر والخير مع علم هذه الجمعيات بمصادر كسب هذا الأموال المحرمة؟

    ثانيا : ما أوجه الإنفاق المحتملة للأموال الربوية والمشبوهة التي يمكن للجمعيات الخيرية أن تنفق فيها مثل هذه الأموال ؟

    ثالثا : ما الضوابط الشرعية التي ترد على قبول العمل الخيري المال المشتبه في مصدر كسبه ، وكذلك المال الربوي المتحقق من مصدر كسبه؟

    منهجية البحث:


    اتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي من خلال :

    أولا : استقراء الاجتهادات والآراء الفقهية ذات الصلة وعرضها مع أدلتها وتحليلها وفق قواعد الشريعة وأحكامها الثابتة.

    ثانيا : المقارنة بين الآراء الفقهية ومناقشتها والترجيح بينها بقوة الدليل.

    مخطط الدراسة


    المطلب الأول : مفهوم العمل الخيري وتكييفه الفقهي.

    المطلب الثاني : مصادر الإنفاق المالي في العمل الخيري وحكم قبول العمل الخيري للمال الحرام .

    المطلب الثالث : التأصيل الفقهي لقبول المصالح العامة والعمل الخيري المال الحرام .
    المطلب الرابع : حكم التبرع بالأموال الربوية والأموال المشبوهة إلى العمل الخيري .
    المطلب الخامس : ضوابط الانتفاع بالأموال المشبوهة والمحرمة في العمل الخيري .
    المطلب الأول


    مفهوم العمل الخيري وتكييفه الفقهي


    أولا: مفهوم العمل الخيري


    لم يرد للعمل الخيري ذكر في مؤلفات الفقهاء بهذا التعبير المركب من هذين المصطلحين، إلا أن فحوى هذا المصطلح وتحديد مضمونه ومعرفة المراد منه يمكن استخلاصه مما جاء في أقوالهم واجتهاداتهم عند الحديث عن أحكام الصدقات والهبات والتبرعات والأوقاف وسائر العبادات المالية التي قصد الشارع منها تحقيق التكافل والتأخي بين أفراد المجتمع من خلال التشجيع على عمل الخير والحض عليه.
    وقد تحدث الفقهاء عن العمل الخيري بطريق غير مباشرة ، أي دون ذكر مثل هذا المصطلح من خلال حديثهم عن إنفاق المال في المصالح العامة من حيث الإيرادات التي تأتي إليها، وكذلك النفقات التي تنفق فيها هذه الإيرادات ، وعن مصرف في سبيل الله كأحد السهام التي يذهب إليها الإنفاق المالي عند توزيع الزكاة ، فهذه الجهات وما يشبهها تمثل مفهوما عاما للعمل الخيري بما تؤديه من وظيفة اجتماعية تحقق نفعا عاما.

    وباستقراء النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء واجتهاداتهم في الحديث عن التبرعات والصدقات من جهة مقاصدها وغاياتها الشرعية والإنسانية ، وكذلك من جهة حكمة المشروعية لتشريع الصدقات الواجبة والنافلة يظهر المراد منه ، فهو في الجانب المالي كل عمل ذي طابع مالي يراد به تحقيق منفعة خاصة أو عامة.
    والمصلحة الخاصة تتمثل في دفع أموال الزكاة أو الصدقات ... إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين والمحتاجين لإنفاقه في سد الحاجة ، وعادة ما تكون حاجة هؤلاء الفقراء والمساكين إلى المال لسد الحاجات الأساسية كالطعام واللباس والإنفاق الاستهلاكي المعتاد الذي يقي به الإنسان نفسه ذل السؤال والطلب.

    أما أن كان محل عمل الخير تقديم الصدقات والتبرع بالأموال على وجه النفع العام ، فعندئذ يتحدد المراد منه بمفهومه الخاص.
    ويمكن استخلاص مفهوم العمل الخيري وتحديد المراد منه بأنه مصطلح ذو مدلول واسع يقصد به إنفاق المال في عمل مشروع ذي نفع اجتماعي يحقق مصلحة عامة على وجه الدوام قصد به التقرب إلى الله تعالى ماديا كان أو معنويا.
    والمصلحة العامة تتمثل في الإنفاق المالي الذي ينتفع به عموم أفراد المجتمع ، كإنشاء المستشفيات والمدارس الخيرية والمساجد ..وهذا مفهوم عام للعمل الخيري .

    ثانيا : التكييف الفقهي للعمل الخيري


    والعمل الخيري في حياة الناس ذو أهمية كبيرة في إقامة المشروعات الخيرية والمصالح العامة التي ينتفع بها من كان محتاجا إلى ما تقدمه من منافع وخدمات ، كالتعليم والتطبيب ... وهو فيما يقصد إلى تحقيقه من تقديم العون والمساعدة لمن يحتاجها صورة من صور الصدقة التي شرعها الإسلام وكافأ بالحسنات على فعلها.
    المثوبة عند الله تعالى أجزل وأفضل عندما تكون الصدقة مستمرة غير منقطعة؛ لأن الخير الدائم - وإن كان قليلا - أفضل من المنقطع لدوام أثره الطيب بين الناس، لذلك يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" ([11])
    وعند النظر في الغاية التي تقوم لأجلها مؤسسات العمل الخيري وهيئاته التطوعية، ومحاولة تبين التكييف الفقهي لما تقصد إليه من عمل ولما ترمي إليه من غاية يلاحظ أن الجمعيات الخيرية وهيئات العمل التطوعي ومؤسسات الإغاثة وسيلة ربط بين من يرغب في تقديم المال لفعل الخير وبين من يحتاج إلى هذا المال ، فهي تتطوع لاستقبال المال وتتبرع بإيصاله إلى من يكون محتاجا إليه بالإنفاق المباشر أو بإنشاء المشروعات التي يبقى نفعها دائما، وهي بهذا الوصف تقدم عملا عاما، لأن منفعة الجهد المبذول منها في جمع المال وإنفاقه ليس محصورا بشخص أو مجموعة من الأشخاص؛ لأن غايتها تقديم نفع عام ، فهي - بالمفهوم العام - تمثل مصلحة عامة ، ويمكن أن يكيف عملها وطبيعة وجودها على اعتبارها جهة عمل عام تقدم منفعة ينتفع بها عموم من يحتاج إلى هذه المنفعة ، فهي أشبه حالا - من حيث دورها في المجتمع، ومن حيث الوظيفة التي تؤديها - بالمصالح التي كان يقوم على إنشائها ويحرص على وجودها ورعايتها بيت مال المسلمين ، كذلك تشبه في عملها جهات البر التي كان يؤسسها أفراد المجتمع لتقديم خدمة عامة لمن يحتاجها، كالوقف الخيري الذي حث عليه الإسلام وشجع على وجوده ، وقد كانت جهات البر العام تتلقى الدعم المادي من الدولة - أي من بيت مال المسلمين الذي يمثل خزانة الدولة المالية - كما كان ينفق على هذه الجهات الأفراد الذين يتبرعون بأموالهم لإقامة بعض المصالح العامة عن طريق الصدقة أو الوقف أو الهبة ... أما العمل الخيري فيتلقى الدعم من أموال التبرعات والصدقات من المؤسسات والأفراد، وعلى هذا يمكن تكييف العمل الخيري على أنه صدقة من الصدقات الجارية يراد به فعل الخير؛ تحصيلا للأجر والثواب ، سواء أكان فعل الخير تطوعيا بتقديم الصدقة النافلة والتبرعات غير المفروضة ، أو كان فريضة ، كدفع الزكاة لمستحقيها ممن ذكر الله في كتابه العزيز.

    المطلب الثاني


    مصادر الإنفاق المالي في العمل الخيري وحكم قبول العمل


    الخيري للمال الحرام


    العادة الغالبة : أن يكون مصدر الأموال التي تنفق على الأعمال والمشروعات التي تتولى هيئات العمل الخيري ومؤسساته الخيرية إنشاءها وإقامتها من أموال الصدقات والتبرعات والأموال الزكوية التي يحرص على أدائها أهل الخير ومن يخرجون زكاة أموالهم ، ولا شك أن الجمعيات الخيرية قامت لمثل هذا الهدف ، فهي تجمع الصدقات والتبرعات من أموال المحسنين ، وتوجه إنفاقها في أوجه النفع المستحقة لهذه الأموال، مما يعود بالفائدة على أفراد المجتمع المستحقين لهذه الأموال ، وقد تطور عمل هذه الجمعيات وصارت جهات موثوقة يلجأ إليها المحسنون وأرباب الأموال ومن عندهم أموال يرغبون في إنفاقها في عمل الخير، فيدفعون صدقاتهم وزكاة أموالهم إلى هذه الجمعيات؛ لتقوم بإيصالها إلى المستحقين من الفقراء والمساكين.

    والأصل في عمل الخير أن يكون الإنفاق عليه من مصدر كسب طيب مما رزق الله من مال حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل من العمل إلا ما كان طيبا، وعمل الخير المالي كسائر الأعمال التي يجب أن يكون الإنفاق عليها من المال الحلال الطيب . إلا أن هناك حالات يتم من خلالها عرض مبالغ مالية جاءت إلى حائزيها من طريق حرمها الشارع الحكيم ، وقد يحصل للمسلم الذي يكتسب مالا من طريق حرام كالربا، أو الرشوة ، أو الاحتكار ... توبة تدفعه إلى إبراء الذمة مما اكتسب من مال حرام ، فيتبرع به إلى جهات البر المختلفة ويتحلل منه بدفعه إلى الفقراء والمحتاجين ، وقد يأتي به إلى إحدى الجمعيات الخيرية؛ لتنفقه فيما تقوم به من عمل خير. حيث لاحظ القائمون على عمل الخير من خلال إدارتهم لعمل الجمعيات الخيرية ومؤسسات الإغاثة أن من أرباب الأموال من يأتي إلى الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل التطوعي وعنده أموال مكتسبة من طريق حرمها الشرع ، خاصة الأموال التي تكتسب عن طريق الفائدة الربوية التي تتحصل بإيداع المال في المصرف الربوي ، ويصرح هؤلاء أن مصدر كسب هذا المال جاء عن طريق الفائدة الربوية ، وهو يتبرع به تخلصا من هذا المال المكتسب من طريق حرام وخروجا من الإثم.

    وهناك حالات قد لا يصرح المتبرع أن المال الذي يتبرع به من كسب حرام ، كما أن هناك حالات يشتبه أن يكون مصدر حيازة المال فيها من مسلك نهت عنه الشريعة، فيقع الاشتباه أن يكون مصدر هذا المال قد أتى من طريق لا يرضاه الشارع الحكيم دون قيام دليل على حرمة طريق اكتسابه ، فيقع السؤال عن حكم استقبال العمل الخيري للأموال التي يشتبه في اكتسابها من طريق محرمة أو يقع العلم يقينا بأنها أموال من كسب حرام ؟ وفي حال قبول العمل الخيري لمثل هذا الأموال ، هل يكون لها مصارف محددة في الإنفاق ؟ أم يجوز إنفاقها في أي وجه من وجوه العمل الخيري ؟

    الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج إلى تأصيل مسألة حكم التبرع بأموال الكسب الخبيث إلى العمل الخيري ، كما يحتاج إلى معرفة حكم قبول العمل الخيري لمثل هذا المال. وقد جاء البحث محاولة للوقوف على الرأي الشرعي في هذه المسألة من خلال الإجابة عن الأسئلة السابقة.
    فمن المتفق عليه في شريعة الإسلام : أنه يحرم على المسلم أن يكتسب المال بطريق حرام كالربا، أو القمار، أو الرشوة ، أو الاحتكار ...؛ لأن مثل هذه الوسائل في كسب المال تعد من باب أكل أموال الناس بالباطل، والله تعالى يقول : ((وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)) ([12]) ولأن أكل أموال الناس بالباطل فيه نشر للفساد والفوضى وذهاب الأمن وضياع الحقوق والأخلاق ، وفيه إعانة على المعصية والعدوان ، وكل ذلك مما نهى الله تعالى عنه ، والواجب على من حاز مالا بطريق حرام أن يقوم برده إلى صاحبه أن كان قد أخذ منه بغير علمه ، أو كان قد أخذه منه بغير رضاه واختياره ، كأن يكون مأخوذا زيادة على قرض ربوي؛ مستغلا حاجة المقترض إلى المال ، أو كان قد غصبه منه ، أو سرقه منه بغير علمه ... فالواجب أن يرده إليه أن كان حاضرا معلوما عنده ، فإن كان غائبا فينتظره حتى يعود، وأما إن كان مجهولا لا يعلم حاله أو مكان وجوده ، فالواجب البحث عنه ، فإن وجده رد إليه ماله ، وإن لم يجده أو وجده قد فارق الحياة بالموت رد المال إلى ورثته على اعتبار أن هذا المال بالأخذ منه رغم إرادته لم يخرج عن ملكه ، فيؤول بعد موته إلى مالكه بالخلفية ، وهو الوارث ([13]).

    فما سرق من المال ، أو غصب من صاحبه ، أو أخذ منه استغلالا وإذعانا، فالواجب عند التوبة رد هذا المال إلى صاحبه ، وهذه قاعدة مطردة في كل كسب أخذ من مالكه بغير إذنه أو إرادته ، فإن كان هذا الكسب لا يختص بمالك معين كأن يكون أخذ من ملاك كثيرين يتعذر مع الكثرة معرفة عددهم أو حصرهم ، كما لو كان التائب تاجرا محتكرا أو غاشا في بيعه وشرائه . .. مما يعسر معه رد الأموال إلى أصحابها لعدم القدرة على الوقوف عليهم ، فالواجب إنفاق هذا المال في وجوه البر أو في المصالح العامة.
    يقول ابن تيمية : " المال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه ، فيصرف في مصالح المسلمين ، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين ، وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري ([14]) والودائع . . . وإذا صرفت على هذا الوجه جاز للفقير أخذها؛ لأن المعطي هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها ..." ([15]) وهذا يعني أن المال إذا اخذ من مالكه جبرا عنه فهو أحق به برده إليه ، فإن تعذر الرد إليه أنفق في المصالح العامة ([16]).

    ولم يقع خلاف بين الفقهاء في أن المال الذي يحوزه المسلم بوسيلة كسب محرمة كالسرقة ، أو القمار، أو الرشوة ، أو الغصب ... لا يدخل في ملك الآخذ المرتكب للفعل الحرام لا في الحال ولا في المآل ، إلا أن الخلاف عندهم في مصير المال المكتسب بالطريق الحرام إذا كان المال قد أخذ من صاحبه برضا واختيار منه ، كأن يكون قد بذله في معصية بدفعه مهرا لبغي أو حلوانا لكاهن يدعي معرفة علم الغيب ، أو قدمه رشوة للوصول إلى منفعة ليست له ، أو كان قد اقرض المال بالربا .. .أي أن الخلاف فيمن هو مالك المال الحرام المقبوض بالعمل الحرام بعد وقوع المعصية التي كان مالك المال سببا في وقوعها ببذله ماله برضاه واختياره دون أن يجبره أحد على فعل الحرام ، فهؤلاء وأمثالهم إذا أراد أحدهم التحلل مما أخذ من مال حرام ، هل ترد إليهم أموالهم ؟ أم يحرمون منها وتذهب إلى الفقراء والمصالح العامة ([17]).

    لتحديد الحكم الشرعي في الانتفاع بالأموال الربوية ، وكذلك الأموال المشبوهة من حيث مصادر كسبها في العمل الخيري، فلا بد من تأصيل المسألة فقهيا وتخريجها وفق قواعد الفقه وأراء علمائه.

    المطلب الثالث


    التأصيل الفقهي لقبول المصالح العامة والعمل الخيري


    المال الحرام


    تناول الفقهاء الحديث عن إنفاق الكسب الحرام والمال الخبيث في عمل الخير من خلال حديثهم عن مصير المال المكتسب بطرق غير مشروعة ، وكذلك المال الذي يقع الاشتباه في مصدر كسبه ، كما تناوله الفقهاء من خلال حديثهم عن توبة حائز المال الحرام ، كيف يتحلل من المال الحرام الذي بين يديه ، وما الجهة التي يؤول إليها مثل هذا المال ؟

    الوقوف على آراء الفقهاء في المسألة يعرف من أقوالهم واجتهاداتهم في مصير المال المأخوذ بطريق حرام ، والمصرف الذي يرد إليه هذا المال توبة وخلاصا من المغرم والإثم.
    أراء الفقهاء في المسألة


    تعددت أقوال الفقهاء في المسألة وباستقراء ما جاء في اجتهادات أهل العلم والفقه، وبالتخريج على آرائهم يجد المسلم الذي حاز مالا من كسب حرام ، وكذلك من كان عنده مال يشتبه في مصدره أن أمامه مخارج متعددة للتحلل من المال الحرام والتخلص منه، والخروج من الإثم والمغرم عند الله تعالى ، وهذه المخارج هي أقوال واجتهادات لأهل العلم في المسألة، وهذه الأقوال هي:


    القول الأول : إتلاف عين هذا المال وإهدار منفعته


    أي إبطال التعامل بهذا المال وإخراجه من أيدي الناس وقطع الأيدي عن تداوله بأن تهدر منفعته وتعطل ، ويتحقق ذلك بإخراجه من التداول بالإتلاف أو الحرق أو الإلقاء في البحر . وهو قول الفضيل بن عياض ([18]). حيث نقل عنه الغزالي في كتابه الإحياء أنه وقع في يده درهمان فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال : لا أتصدق إلا بالطيب ولا أرضى لغيري ما لا أرضاه لنفسي ([19]).

    وتوجيه هذا القول أن الكسب الآتي من طريق حرام لا يرضى عنها الشارع مال خبيث لا يجوز الانتفاع به ، ولا يجوز دفعه لمن ينتفع به من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة ، وكذلك لا يجوز صرفه في مصالح المسلمين العامة أو جعله في بيت المال ، فهو مال خبيث لا يحل الانتفاع به في أي وجه من الوجوه .
    القول الثاني : أن يجعل هذا المال في بيت المال


    وهذا القول على خلاف القول السابق ، أي أن يودع هذا المال في خزانة الدولة أو إحدى مؤسساتها تنفقه في ما تراه مناسبا، وفيما يخدم أفراد المجتمع ، وفق ما يراه ولي الأمر . وهو قول الشافعية ([20]).

    القول الثالث : حصر منفعة هذا المال في الفقراء والمحتاجين


    أي أن يتم التبرع بالمال المكتسب بطريق غير مشروعة إلى الفقراء والمساكين دون المصالح العامة ، سواء أكان هذا المال قليلا أم كثيرا، فيدفع إليهم ينفقونه على أنفسهم ويسدون به حاجاتهم ، فمثل هذا المال يذهب إلى الفقراء والمحتاجين دون المصالح العامة ، فينفق عليهم منه ، ويكونون المستحقين لهذا المال حصراً وقصراً ([21]). وهذا الرأي يمنع على غير الفقير والمسكين أن ينتفع بهذا المال؛ لأن منفعة هذا المال أصبحت مقصورة على مالك مخصوص وهو الفقير والمسكين . وهذا القول أخص من القول السابق وأضيق في التطبيق ، وهو قول لبعض أهل العلم من المعاصرين ([22]).

    وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة من المنقول والمعقول ، منها:

    الأدلة الشرعية التي تؤيد ملكية الفقراء لهذا المال ، وليس ملكية مصالح المسلمين العامة له ، وتمليكه إلى المصالح العامة يحتاج إلى دليل شرعي ([23]).
    القياس على المال الملتقط الذي لا يعرف له مالك ، فمن التقط مالا وعجز عن رده إلى مالكه يجعله من يلتقطه في الفقراء والمساكين دون المصالح العامة بعد تعريفه وعدم معرفة مالكه ([24]). فالمال الحرام مصرفه الفقراء والمساكين حصرا وقصرا ([25])، ومثله المسلم الذي جمع ثروة من طريق حرام كالسرقة أو الربا أو الرشوة...، ثم تاب وأراد أن يرد هذه الأموال إلى أصحابها كما هو الواجب ، فلم يستطع؛ لأنه لم يعد يعرفهم ، فهذه الأموال سبيلها الفقراء، ومن وضع ماله في مصرف ربوي واستحق عليه فائدة "فعليه أن يأخذ تلك الفائدة التي يحتسبها المصرف الربوي عن ودائعه لديه ويوزعها على الفقراء حصرا وقصرا؛ لأنهم مصرفها الشرعي "([26]).

    ومن الأدلة ([27]) على عدم التوسع في صرف الفوائد الربوية في المصالح العامة للمسلمين ، وحصر إنفاقها في الفقراء :

    أن الفقراء هم أصحاب هذه الأموال يملكونها حلالا بدليل الشرع ، ولا تتحقق هذه الملكية إلا بالقبض، فإذا صرفت في المصالح العامة لم يتحقق القبض.

    إذا كانت الفوائد البنكية ملكا للفقراء، فلا يجوز صرفها في المصالح العامة؛ لأن هذا الصرف يفترض التملك ، والمودع لا يملك فوائد ماله حتى يقرر التصرف فيها، بل الفقراء هم الذين يملكون هذه الفوائد، وهم الذين يقررون صرفها.
    القول في صرف الفوائد للفقراء لا يجعل للمودع دورا إلا مساعدة الفقير في تحصيل هذا المال من المصرف مباشرة ،بينما صرف المال الربوي في المصالح العامة يقتضي التملك ثم التصرف -لأن تصرف المسلم لا يصح إلا فيما يملك- وفي ذلك شبهة أكل الربا.

    القول الرابع : دفع المال المكتسب من ط ريق حرام إلى الفقراء والمحتاجين أو جعله في بيت المال أو المصالح العامة.


    والفرق بين أن يكون مصرف هذا المال هم الفقراء والمساكين ومن هم بحاجة إليه، وبين أن يجعل في بيت المال أو في مصالح المسلمين العامة : أن الاقتصار على دفعه إلى الفقراء والمحتاجين يجعل منهم المصرف المتعين لمثل هذا المال ، بحيث لا يعطى إلى غيرهم؛ لأن هذا مال لا يصلح أن ينتفع به غير من هو مستحق له وهم الفقراء والمحتاجون ، بينما إذا أنفق في المصالح العامة ، فإن المحتاج وغير المحتاج يمكن أن ينتفع بهذا المال من خلال المشاريع والمرافق العامة التي تقيمها الجهة المسؤولة عن المصالح العامة ، فلا تكون منفعة هذا المال محصورة بفرد أو فئة من الناس ([28]).

    وقد استدل هذا الفريق بالأدلة التالية:

    أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي قال : " استعمل النبي –صلى الله عليه وسلم-رجلا من الأزد يقال له : ابن اللتبية على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال : فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال : ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم ، وهذا أهدي لي ؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير : له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ([29])، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ([30]) ثم قال : اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت " ([31]). فالرسول –صلى الله عليه وسلم-لم يقبل من ابن اللتبية أن يأخذ المال الذي جاءه بسبب الوظيفة العامة التي عينه فيها، وهي وظيفة جمع أموال الصدقات والزكوات؛ لأنه عليه الصلاة والسلام عاب عليه قبول مثل هذه الهدية التي أهديت إليه بسبب الوظيفة، وهو - كذلك - لم يسلم لابن اللتبية قوله أن هذا المال هدية "هذا لكم وهذا أهدي إلي" ووقوف النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا بالناس بسبب ما حصل من ابن اللتبية يدل على رفض التشريع ما وقع من ابن اللتبية ، وأن المال الذي تحصل لم يكن تحصيله بطريق حلال يرضاها الشارع الحكيم ، فدل على أن سبب الإعطاء هو الطمع في المحاباة من الذين دفعوا هذا المال إلى ابن اللتبية ، فغلظ النبي -صلى الله عليه وسلم- القول فيما وقع " سدا لهذا الباب ، ومنعا لتكرره ممن يمكن أن تحدثه نفسه باستغلال موقعه الوظيفي بقبول العطايا والهدايا، ولما لم يقر عليه الصلاة والسلام ابن اللتبية على ما فعل من أخذه للمال وقبوله إياه دل على عدم جواز انتفاع ابن اللتبية بما أخذ، ولما لم يطلب عليه الصلاة والسلام من ابن اللتبية أن يقوم برد هذه الأموال إلى أصحابها دل هذا على أن مثل هذا المال لا يرد إلى باذله ، كما لم يأمره بإبطال منفعته بالحرق أو الإتلاف ...وهذا كله دال على أن المال الذي لم يتعين له مالك أو ليس له مالك مخصوص كالمال الذي أتى به ابن اللتبية يكون مآله بيت المال ، أي في المصالح العامة للمسلمين . قال ابن بطال معلقا على هذا الحديث : " فيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال ، وأن العامل لا يملكها إلا أن طلبها له الإمام ، وفيه كراهة قبول هدية طالب العناية " ([32]) ويقول ابن تيمية : " المال المكسوب إن كانت عين أو منفعة مباحة في نفسه وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبا لمن يتخذه خمرا، أو من يستأجر لعصر الخمر أو حملها فهذا يفعله بالعوض ، ولكن لا يطيب له كله، وأما أن كانت العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر : فهنا لا يقضى له به قبل القبض ، ولو أعطاه إياه لم يحكم برده ، فإن هذا معونة لهم على المعاصي إذا جمع لهم بين العوض والمعوض ، ولا يحل هذا المال للبغي والخمار ونحوهما، لكن يصرف في مصالح المسلمين " ([33]) ويقول كذلك : " وما أخذه العمال وغيرهم من المسلمين بغير حق ، فلولي الأمر العادل استخراجه منهم ، كالهدايا التي يأخذونها بسبب العمل ... ([34]) ثم علق بعد أن ذكر حديث ابن اللتبية قائلا: "وكذلك محاباة الولاة في المبايعة والمؤاجرة والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك : هو نوع من الهدية ، ولهذا شاطر عمر بن الخطاب من عماله من كان له فضل ودين لا يتهم بخيانة ، وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضي ذلك؛ لأنه كان إمام عدل يقسم بالسوية " ([35]).

    أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق رجل من الأنصار قال : "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر : أوسع من قبل رجليه ، أوسع من قبل رأسه ، فلما رجع استقبله داعي امرأة ، فجاء وجيء بالطعام ، فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يلوك لقمة في فمه ، ثم قال : أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة : يا رسول الله ، إني أرسلت إلى البقيع تشترى لي شاة فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أطعميه الأسارى" ([36]).

    والمال المأخوذ بغير إذن مالكه يعد سرقة أو غصبا ، حقيقة أو حكما ، وكلاهما محرم في الشريعة ، فلما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإطعام لحم هذه الشاة التي أخذت دون إذن من صاحبها إلى الأسارى دل على جواز انتفاع الفقراء ومن في حكمهم كالأسرى بالمال غير الطيب، إذ الأسارى من فئة الفقراء والمساكين.
    ج- مراهنة أبي بكر الصديق لبعض كفار قريش لما نزل قول الله تعالى ((الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ([37]) حيث قال بعض المشركين لبعض الصحابة ومنهم أبو بكر الصديق: ألا ترون ما يقول صاحبكم ؟ يزعم أن الروم ستغلب فارس ، فخاطرهم ([38]) أبو بكر على ذلك، فلما حقق الله صدقه وغلبت الروم فارس وكسب أبو بكر الرهان وكان مائة من الإبل قال له -عليه الصلاة والسلام - "هذا سحت فتصدق به" وفرح المؤمنون بنصر الله ، وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأبي بكر في المخاطرة مع الكفار ([39]). وهذا واضح الدلالة على أن مال الرهان الذي هو مال حرام يذهب به حائزه إلى الصدقة ، أي إلى الفقراء والمساكين ، أو يجعل في المصالح العامة؛ لأن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر بالتصدق بمال السحت الآتي عن طريق الرهان جاء عاما، ولم يحصر الصدقة بالفقراء أو بيت المال أو المصالح العامة.

    د- روي عن ابن مسعود أنه اشترى جارية ، فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن ، وبحث عنه فلم يجده ، فتصدق بالثمن ، وقال : اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي ([40]).
    هـ- فعل عمر -رضي الله عنه- فيما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال : خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق . فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة . فرحب بهما وسهل . ثم قال : لو أقدر لكما على امر أنفعكما به لفعلت . ثم قال بلى ، ها هنا مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما . فقالا وددنا ذلك ، ففعل، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال . فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال : أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما ؟ قالا : لا، فقال عمر : ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه ، فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال :ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ! لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه . فقال عمر : أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله . فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، فقال عمر : قد جعلته قراضا. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه. وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال " ([41]).

    وهكذا كان يفعل عمر مع من في يده مال من كسب حرام ؛ يأخذه ويجعله في بيت مال المسلمين؛ ليقوم بيت المال بعد ذلك بإنفاقه في الجهات المستحقة له.

    وهذا الرأي يساوي بين دفع المال المكتسب بطريق حرام إلى الفقراء والمساكين وبين جعل هذا المال في منفعة عامة يستفيد منها من كان محتاجا إليها، سواء أكان من الفقراء أم من غيرهم.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,427

    افتراضي رد: الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة في العمل الخيري

    الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة


    في العمل الخيري




    د. عباس أحمد محمد الباز [·]
    الرأي الراجح


    هذه أقوال أربعة لأهل العلم والفقه ، وهي عند دراستها وتحليلها احتمالات أربعة يمكن أن يتم من خلالها تصريف المال الحرام والتحلل منه عند التوبة ، والبناء على الراجح منها في معرفة حكم استقبال العمل الخيري لأموال فيها حرام وأموال فيها اشتباه أن يكون الحرام قد تلبس بها، فما الراجح من هذه الأقوال مما يمكن أن يعين على معرفة حكم دفع المال المشتبه فيه ، وكذلك المال المتحقق أنه من حرام إلى العمل الخيري؟
    أولا: أما القول بهدر منفعة المال المكتسب بطريق حرام بإتلافه ، أو حرقه ، أو إلقائه في البحر، أو بين الحجارة ، فهذا خلاف واضح لمنهج الشريعة الذي يحض على حفظ المال وصيانته من الهدر والإتلاف ، كما أن فيه مخالفة لما جاء في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإطعام لحم الشاة التي أخذت بغير إذن مالكها إلى الأسرى ، ولم يأمر عليه الصلاة السلام بإتلافه أو حرقه ولا حتى بإطعامه إلى السباع ، ولو كان الإتلاف واردا لأمر به عليه الصلاة والسلام .
    ومثل ذلك المال الربوي ، فإن التحلل منه بإتلافه أو حرقه لا يكون موافقا لما حكم به الشرع في مثل هذا المال ، ولا يكون إتلافه بالتحريق أو التمزيق من الورع ، بل هو كما قال ابن تيمية : "إنما يحكى عن بعض الغالطين من المتورعة أنه ألقى شيئا من ماله في البحر أو تركه في البر، فهؤلاء نجد منهم حسن القصد وصدق الورع ، لا صواب
    العمل " ([42]) ومثل ذلك ما قاله الغزالي في كتابه الإحياء : " أن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذا وقع اليأس من مالكه ، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر، فإنا إذا رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك، ولم تحصل منه فائدة ، وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه، وحصل للفقير سد حاجته ، وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر؛ فإن في الخبر الصحيح أن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس والطيور من ثماره وزرعه ، فقد روى البخاري من حديث أنس " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له صدقة " ([43]) وذلك بغير اختياره . وأما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ، ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع . وقول القائل : لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام؛ لاستغنائنا عنه ، وللفقير حلال إذا حل فقد رضينا له الحلال ، ونقول : أن له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، أما عياله وأهله فلا يخفى؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله ، بل هم أولى من يتصدق عليهم ، وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير، ولو تصدق به على فقير لجاز، وكذا إذا كان هو الفقير" ([44]).

    والتصرف الموافق لقواعد الشرع ومبادئه الذي دلت عليه النصوص الصحيحة يقضي بأن يقوم من عنده مال من الربا أو مال من كسب مشبوه أو محرم بالتخلص منه بإعطائه إلى من ينتفع به ممن لا يعد بهذا الانتفاع مرتكبا للآثم بسبب الكسب الحرام ، بل يعد من المستحقين لهذا المال ، وليس إتلافه بالحرق أو الإلقاء في البحر؟ يقول ابن تيمية : "إن هذه الأموال إما أن تحبس وإما أن تتلف ، وإما أن تنفق . فأما إتلافها فإفساد، والله لا يحب الفساد، وهو إضاعة لها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن إضاعة المال ، وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه فهذا مثل إتلافها، فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل - أيضا - بل هو أشد منه من وجهين.
    أحدهما : أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به

    الثاني : أن العادة جارية بأن مثل هذه الأموال لا بد أن يستولي عليها أحد من الظلمة بعد إذا لم ينفقها أهل العدل والحق؛ فيكون حبسها إعانة للظلمة وتسليما في الحقيقة إلى الظلمة ، فيكون قد منعها أهل الحق وأعطاها أهل الباطل ، ولا فرق بين القصد وعدمه في هذا، فإن من وضع إنسانا بمسبعة فقد قتله ، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولي عليها من الظلمة فقد أعطاهم إياها. فإذا كان إتلافها حراما وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين ، فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله؛ لأن الله خلق الخلق لعبادته وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته فتصرف في سبيل الله "([45]).

    فلا يجوز إهدار منفعة هذا المال لعدم التلازم بين حقيقة المال وذاته ، وبين وسيلة الكسب المحرمة التي أخذ بها، وما دام التلازم بين الأمرين منفكا، فالصواب أن تستوفى منفعته من غير من كان سببا في حرمة كسبه " لئلا يكون في الانتفاع به ممن اكتسبه إعانة له على الإثم والاستمرار في المعصية ، فيدفع هذا المال إلى بيت المال أو يجعل في إحدى المصالح العامة أو يعطى إلى الفقراء والمحتاجين ، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة وابن تيمية ([46]). يقول ابن تيمية في حكم الربح المتحقق وقت النداء لصلاة الجمعة "وإذا حصل البيع في هذا الوقت وتعذر الرد، فله نظير ثمنه الذي أداه ، ويتصدق بالربح إن كان قد ربح ، ولو تراضيا بذلك بعد الصلاة لم ينفع ، فإن النهي هنا لحق الله تعالى ، فهو كما لو تراضيا بمهر البغي ، وهنا يتصدق به على أصح القولين ، لا يعطى للزاني، وكذلك في الخمر ونحو ذلك مما أخذ من صاحبه منفعة محرمة فلا يجمع له العوض والمعوض ، فإن ذلك أعظم إثما من بيعه . وإذا كان لا يحل أن يباع الخمر بالثمن فكيف إذا أعطي الخمر وأعطى الثمن؟
    وإذا كان لا يحل للزاني أن يزني وإن أعطى ، فكيف إذا أعطى المال والزنا جميعا؟ بل يجب إخراج هذا المال كسائر أموال المصالح المشتركة ، فكذلك هناك إذا كان قد باع السلعة وقت النداء بربح وأخذ سلعته فإن فاتت تصدق بالربح ولم يعطه للمشتري فيكون إعانة على الشراء ... "([47]).
    ويقول ابن القيم مبينا حكم المال الذي بين يدي من كانت زانية ثم تابت وأرادت التصرف بهذا المال : " فإن قيل : فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت ، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه ؟ أم يطيب لها ؟ أم تتصدق به ؟ إن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة ، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم فلا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان ، وتيسيرا لأصحاب المعاصي ، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أن ينال غرضه ويسترد ماله ؟ فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ولا يسوغ القول به ، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح : أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاها قهرا، وقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأتي به شريعة ، ولكن لا يطيب للقابض أكله بل هو خبيث كما حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذ منه ، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة " ([48]).
    ثانيا: أما القول بدفع المال الحرام إلى بيت المال كما يراه الشافعية ، فليس مطروحا اليوم؛ لأن بيت المال لم يعد موجودا وحل محله ما أصبح يعرف بوزارة المالية وهي الجهة الرسمية التي تعنى بضبط السياسة المالية وحسابات الميزانية داخل الدولة، وليس من مهامها تلقي الهبات والتبرعات من الأفراد، كما أن التوجه بالمال الحرام أو المشبوه إلى الدولة والتبرع لها به لم يعد واردا؛ لأن الدولة اليوم -أي دولة - لا تمثل بيت مال المسلمين؛ لعدم انطباق أوصافها على ما قال الفقهاء في اجتهاداتهم ([49]). ولعل هذا السبب هو الذي دعا بعض المحدثين إلى جعل مصرف المال الحرام والمال الضائع مقصورا على الفقراء والمساكين ، إذ عدم وجود بيت مال المسلمين يتولى إنفاق هذه الأموال في المصالح العامة والمشاريع النافعة يخشى إذا قيل : أن هذه الأموال لا بد أن تذهب إلى المصالح العامة أن يتم أخذها ووضعها في غير موضعها فتفوت منافعها على أصحابها ومستحقيها ([50]) .

    فإذا تبين عدم رجحان هذين القولين ، يبقى القولان الآخران ، وهما: أن يجعل المال الحرام والمال الربوي والمال المشبوه في الفقراء والمساكين ، أو أن ينفق في المصالح العامة للمسلمين ، فأي القولين أقرب إلى أحكام الشريعة وقواعدها ؟ ([51])
    الذي تدل عليه قواعد الشريعة ومبادئها أن هذين القولين لا ضرر فيهما ولا إثم في دفع المال الحرام إلى أحدهما أو كليهما بأن يخصص الحائز للمال الحرام جزءا للفقراء والمساكين ويدفع الجزء المتبقي إلى هيئة أو مؤسسة أو جمعية خيرية ([52]) تعنى بمشاريع عامة ذات نفع عام . وحصر الجهة التي ينفق فيها هذا المال في الفقراء يخالف الأدلة الثابتة التي قضت بدفع المال الحرام إلى بيت مال المسلمين ، ومنها : حديث ابن اللتبية السابق.
    أما قياس الفائدة الربوية والمال المكتسب بطريق حرام على المال الملتقط : فلا يستقيم؛ لأن المال الملتقط لا يكون التحلل منه بالتصدق به على الفقراء قصرا، بل جاءت النصوص دالة على أن المال الملتقط يمكن للملتقط أن ينتفع به بعد تعريفه ، ولا يكون ملزما بالتصدق به؛ لوجود الإذن الشرعي بهذا الانتفاع ، وهو ما دل عليه حديث أبي ابن كعب الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب قال : "وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيت بها رسول الله فقال : " عرفها حولا"، قال : فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ، فقال : " عرفها حولا"، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ، فقال : " عرفها حولا"، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، فقال : " احفظ عددها، ووعاءها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها" ([53]).
    وعليه ، فالمال الحرام قد يذهب إلى الفقراء والمحتاجين ، وقد يذهب إلى جهة تمثل مصلحة عامة ، كالمشروعات الخيرية ، دون أن يختص بواحد منها حصرا، فمن المقرر في الشريعة : أن من أخطأ وسلك طريقا محرما في كسب المال كان واجبا عليه التوبة والرجوع عن الفعل الحرام ، ومن شروط قبول التوبة : وجوب التحلل مما اكتسب من مال حرام ، والخروج من عهدة الإثم بإخراجه من حيازته ، ويحرم عليه إبقاؤه عنده؛ لأنه ليس مالكا لهذا المال ، فإن كان مالك هذا المال معروفا، فالواجب أن يرد إليه ماله إذا كان أخذ منه بغير رضا واختيار منه ([54]).
    يقول ابن تيمية : " فهذه الأموال التي تعذر ردها إلى أهلها لعدم العلم بهم مثلا هي ما يصرف في مصالح المسلمين عند أكثر العلماء، وكذلك من كان عنده مال لا يعرف صاحبه : كالغاصب التائب والخائن التائب والمرابي التائب ، ونحوهم ، ممن صار بيده مال لا يملكه ولا يعرف صاحبه ، فإنه يتحلل منه بصرفه إلى ذوي الحاجات ، أو يجعله في إحدى مصالح المسلمين العامة " ([55]).
    المطلب الرابع


    التبرع بالأموال الربوية والأموال المشبوهة إلى العمل الخيري


    لما كان انتشار الإسلام وحضوره في عصور الإسلام الأولى مؤثرا في نفوس الناس وأفعالهم وتصرفاتهم ، فقد كان الغالب على المال الذي بين أيديهم ، وكذلك المال الذي يتبرعون به لجهات البر ومصالح الخير أنه من كسب حلال ، ومن مصدر طيب ، أي أن مشاريع العمل العام التي كان يقوم الأفراد على إنشائها والإنفاق عليها تؤسس بالمال الحلال ، ويعد تأسيسها ودعم وجودها جزءا من العبادة والطاعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ، فلم يكن هناك ما يستدعي بحث حكم تأسيس الأعمال الخيرية بمال من كسب حرام أو دعم الأعمال القائمة بمثل هذا المال ، وقد سلف القول : إنه مع وجود المكاسب الحرام وانتشار التعامل بالربا والقمار واليانصيب ... ظهرت الحاجة إلى البحث في حكم التبرع بالمكاسب الحرام إلى العمل الخيري الذي يهدف إلى تقديم خدمة عامة ،...
    ولما كانت الجمعيات الخيرية هيئات عامة تهدف إلى تقديم العون والمساعدة بما تقوم به من أعمال البر والخير : فهي تتولى مباشرة إنشاء وإقامة ومن ثم إدارة مشاريع ذات نفع عام : كالمدارس التعليمية ، والمستوصفات الطبية ، وتنفق ما يأتيها من دعم مالي وما تقوم على جمعه من المال في المصالح والمشروعات الخيرية العامة ، وأعمالها الخيرية متنوعة من حيث النفع المراد من عملها، كما يتعدى دورها إنشاء المستشفيات والعيادات الصحية والمدارس الخيرية ...، إلى المساهمة في نشر الدعوة الإسلامية بإقامة المراكز والمساجد الإسلامية ، وطباعة الكتب النافعة ، وكذلك طباعة القرآن الكريم وتوزيعه داخل البلاد الإسلامية وخارجها، كما أنها تسهم في إعالة الأسر المحتاجة والعائلات الفقيرة ، مما يأتيها من أموال الزكاة والصدقات والهبات والتبرعات ...، وهي بهذا الوصف تؤدي خدمة عامة ينتفع بها عموم الناس.
    وقد يقال : بأن المال المشبوه وكذلك المال الحرام الآتي إلى العمل الخيري المكتسب عن طريق الربا أو القمار ... إذا دفعته الجمعيات الخيرية إلى الفقراء والمحتاجين يكون فيه إطعام الفقراء مالا من كسب حرام خبيث ، بينما إذا دفع إلى المصالح العامة لم يكن فيه مثل هذه الشبهة ، والجواب عن هذا : أن من بيده مال من كسب حرام إنما يجعله في الفقراء أو في مصالح المسلمين العامة؛ تخلصا مما بيده من مال خبيث ، لا على اعتبار أنه مالك له ، وإنما باعتبار أنه يريد أن يطهر ماله وذمته مما ليس له ([56]) من المال الذي في حوزته . كما أن الفقير والمسكين أصبح المالك لهذا المال بتمليك الشارع له إياه ، فهو -أي الفقير والمسكين - ينتفع بما يملك ، فلا يكون هذا المال في حقه حراما خبيثا.
    وهذا ما يدل عليه مضمون القاعدة الفقهية "تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات " ([57]) فإذا تبدل سبب تملك المال أو العين ، فإن ذلك المال وتلك العين يعد متبدلا حكما وإن لم يتبدل حقيقة ([58]). فإذا كان الانتفاع بالمال الربوي والمال المشبوه ممنوعا على مكتسبه بسبب حرمة طريق كسبه ، فإن هذا المال إذا آل إلى مصرفه يكون حلالا لزوال وصف الحرمة عنه بالسبب الجديد للتملك ، فكأنه تحول حكما من حال إلى حال ، فيتغير وصفه من الحرمة إلى الحل . ولا يختلف الحكم في الأموال التي تودع في المصارف الربوية ، فالحكم في فوائد هذه الأموال أن لا تترك للمصارف ، بل الواجب أخذها والتحلل منها بتحويلها إلى جمعيات الإغاثة ومؤسسات العمل الخيري في البلدان الإسلامية؛ لتقوم هذه الجمعيات بتوزيعها على المحتاجين والمعوزين ، أو تقوم هذه الجمعيات باستثمار مثل هذه الأموال في إنشاء المشروعات العامة ، كبناء المدارس والعيادات الطبية والمستشفيات؛ ليستفيد منها أبناء المسلمين ، ثم أن بقاءها للمصرف يقوم مقام إلقاء هذه الأموال في البحر أو حرقها أو إتلافها ، وهذه الأموال لا صاحب لها فأولى أن تنفق فيما ينفع المسلمين ([59]).
    وبهذا البيان يجوز أن يدفع حائز المال الحرام ما في يده من مال حرام إلى جهة خيرية ترعى مصلحة عامة أو مشروعا خيريا كبناء مستشفى ، أو مدرسة ، أو دار للأيتام تعنى بمصلحتهم وتقوم على شؤونهم ، أو يدفع هذا المال إلى مستوصف طبي خيري يعالج من كان محتاجا إلى العلاج دون مقابل مالي ، وما شابه ذلك من مشاريع لا يكون نفعها محصورا بفرد أو طائفة معينة من الناس ، بل ينتفع به عامة من قصده فقيرا كان أو ليس بفقير.
    والبناء على هذا الأصل يظهر منه أنه يجوز للجمعيات الخيرية - بوصفها جهة عمل عام - أن تستقبل ما كان من مال حازة من بيده من مصدر كسب حرام ، أو كان كسبه مشبوها، فلا بأس عليها أن تستقبل مثل هذا المال وأن توظفه في عمل الخير والإغاثة على اعتبار أن ما تقوم به من عمل وما تؤدي من وظيفة يمثل مصلحة عامة.
    وقد نحا مجمع الفقه الإسلامي نحو هذا الرأي ، حيث جاء في قراره في دورته التاسعة التي عقدها في مكة المكرمة : " كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية حرام شرعا، ولا يجوز أن ينتفع به المسلم في أي شأن من شؤونه ، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة ، وإنما هو من باب التطهر من الحرام ، ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك لتتقوى بها ...، علما بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة "([60]).
    كما جاء في قراره في دورته الثالثة التي عقدها في عمان بشأن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بخصوص التصرف في فوائد الودائع التي يضطر البنك الإسلامي للتنمية لإيداعها في المصارف الأجنبية "يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من آثار تذبذب العملات بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته؛ ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث وتوفير وسائل الإغاثة وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء وتقديم المساعدات الفنية لها، وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية ".
    وهذا ما رجحه المشاركون في ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي التي عقدت في المدينة المنورة في الفترة 17-20 رمضان 1423 هـ جوابا عن استفتاء من بعض المسلمين الذين يعيشون خارج البلدان الإسلامية وتستحق لهم فوائد ربوية على أموالهم المودعة في البنوك الربوية ، ونص الاستفتاء : هل يجوز لمن تحققت له فوائد ربوية على أموال يملكها في خارج البلاد الإسلامية أن يدفع من تلك الفوائد الضرائب التي تتحقق على نشاطه في تلك الدولة؟
    فكانت الفتوى : "يوصي فقهاء الندوة ([61]) أصحاب الأموال من المسلمين بتوجيه أموالهم أولا إلى المصارف والمؤسسات والشركات الإسلامية داخل البلاد العربية والبلاد الإسلامية ثم إلى خارجها، وإلى أن يتم ذلك تكون الفائدة التي يحصلون عليها كسبا خبيثا، وعليهم استيفاؤها والتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين العامة، ويعتبر الاستمرار في إيداع الأموال في البنوك والمؤسسات الربوية مع إمكان تفادي ذلك عملا محرما شرعا" ([62]).

    كما جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية الصادرة عن بيت التمويل الكويتي عن الغرامات التي تستحق نتيجة التأخر في سداد بعض الشركات الخارجية ما عليها من التزامات أن يتم أخذ هذه الغرامات زجرا لهذه الشركات وتأديبا لها عن التأخر والمماطلة ، على أن يصرف المبلغ المأخوذ في أوجه الخير العامة والفقراء ([63]).
    المطلب الخامس


    ضوابط الانتفاع بالأموال المشبوهة والمحرمة في العمل الخيري


    إلا أن على الجمعيات الخيرية أن تراعي الضوابط التالية عند قبولها الأموال المشبوهة والأموال ذات مصادر الكسب الحرام :

    أولا : ألا تحرص الجمعيات الخيرية وهيئات العمل التطوعي على استقبال مثل هذه الأموال ابتداء، أي لا تبادر إلى طلبها وإنما تقبلها إذا عرضت عليها.

    ثانيا : أن تفصل بين هذه الأموال وبين أموال الزكاة والصدقات الطيبة ، بحيث تجعل هذه الأموال في حساب مصرفي خاص تتلقى من خلاله هذه الأموال؛ منعا من اختلاط هذه الأموال بالأموال الطيبة ذات مصدر الكسب المشروع ، وهذا ما أيدته الهيئة الشرعية لبيت الزكاة في الكويت ، حيث جاء في جوابها عن سؤال مضمونه : "يرجى بيان مدى جواز قبول بيت الزكاة لأموال ترد إليه من جهات لها أغراض في أعمالها مخالفة للشرع كالاقتراض بالربا ونحوه " ؟

    فأجابت بما يلي:

    إن القواعد الشرعية تقضي أن كل مال نشأ من كسب غير مشروع ، فإن سبيله التصدق به ، أو إنفاقه في المصالح العامة تخلصا من الوزر على من هو في يده ، على أن لا يوضع هذا المال في بناء المساجد أو صيانتها، ولا في طباعة المصاحف ، وقد أشار بعض أهل العلم كالإمام الغزالي إلى أن التحاشي عن أخذ مثل هذا المال ورعا لا ينافي إعطاءه من تحل له الصدقة؛ لاختلاف حاله عن المستغني عنه ، فهو يشبه حال الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز بدونها. ويجوز رفض هذه الأموال كغيرها بقطع النظر عن المنشأ إذا اقترن تقديمها بشرط ينافي الشريعة ، سواء أكان الشرط صريحا أم عرف بالقرائن ، وللبيت ألا يتقيد بهذا الشرط ، وتقترح الهيئة أن يخصص لمثل هذه الأموال حساب خاص منفصل عن حسابي الزكاة والخيرات باسم ( المشبوهات ) أو ( موارد أخرى ) ([64]).
    ثالثا : أن تتحرى الجمعيات الخيرية أن لا يكون هناك عملية غسيل مال تنفذ من خلالها، بحيث تستأصل المال المشبوه عن حائزه ويدخل حكما في ملك الجمعية الخيرية بحيث تتمكن من التصرف به دون قيد أو شرط سابق أو لاحق ؛ ولكي تضمن الجمعيات الخيرية أن لا يكون هناك مثل هذا الأمر، فالأسلم لها أن يتم استخدام هذا المال فيما يكون مستهلكا، لا في المشروعات المعمرة التي تبقى قائمة.

    وهنا يرد سؤال أنه في حال أن تم دفع أموال من كسب غير مشروع إلى الجمعيات الخيرية هل الواجب عليها إنفاق هذه الأموال في وجوه الخير ودفعها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين ؟ أم أنه يجوز لهذه الجمعيات اللجوء إلى استثمار هذه الأموال في مشروعات خيرية وإنتاجية بحيث تأتي بالربح على هيئة دائمة ، وتبقى الاستفادة منها قائمة ؟.
    التأصيل الفقهي للمسألة يقوم على مبدأ شرعي ، مضمونه أن المال الحرام الذي لا يعرف له مالك مخصوص يذهب إلى أولى الناس به من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة ، أو يجعل في مصالح المسلمين العامة ([65]).
    وقد تقدم بيان أن قاعدة الشرع أن كل مال حرام كان مالكه مجهولا لا يجوز أن يظل في يد حائزه ، وإنما يجب التحلل منه وصرفه إلى مستحقيه؛ لأن إقراره في يد حائزه اعتراف له بملكية المال الحرام بدلالة وضع اليد، وهذا لا يجوز، لأن الكسب غير المشروع لا يكون سببا من الأسباب الناقلة للملكية ، وبما أنه ليس كذلك ، فإن جهالة المالك تلزم بالتخلص من هذا المال إما إلى الفقراء والمساكين ، وإما بصرفه في مصالح المسلمين العامة من خلال الجمعيات الخيرية.
    أما استثمار هذا المال في مشاريع خيرية عامة يعود نفعها على مجموع الأمة فهذا مما لا تمانع الشريعة ولا تمنع منه.
    رابعا : أن لا تستخدم الجمعيات الخيرية أموال الكسب الحرام في بناء المساجد ولا في طباعة القرآن الكريم لاعتبارات شرعية كثيرة منها:

    أولا : أن المساجد بيوت الله - جل وعلا - أضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم في قوله تعالى : ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) ([66]) فما كان لله لا يكون إلا طيبا" لأن الله طيب لا يقبل إلا ما كان طيبا، والمال الحرام خبيث ليس بطيب ، فكيف يصح أن يكون غير الطيب في بيت من بيوت الله تعالى ؟ ([67])

    ثانيا : أن جعل المال الحرام في بناء المساجد وإقامتها يكون سببا في الإكرام والإحسان لهذا المال ، والمحرمات لا تكون سببا للإكرام والإحسان ([68]). فالواجب أن تصان بيوت الله تعالى عن هذا المال الخبيث؛ حتى لا يكون موضعا للإكرام .

    ثالثا : أن الله تعالى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -والمؤمنين بعدم السماح للمشركين بالدخول إلى المسجد الحرام أو الاقتراب منه في قوده تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ([69])" والنجاسة المقصودة في هذه الآية هي النجاسة الحكمية في الفكر والمعتقد وليست النجاسة الحقيقية في البدن أو الثياب ([70]).

    فالكافر خبيث في نفسه وطبعه لا في جسمه وصورته ، وكذلك المال الحرام خبيث في كسبه وأخذه لا في حقيقته وذاته ، إضافة إلى أن طائفة من الفقهاء منعوا من الصلاة في الثوب المغصوب ، وفي الدار أو الأرض المغصوبة ، مع أن الغصب يقع على الثوب ويقع على الأرض ، وإثمه يثبت في ذمة الغاضب ، فلا تبرأ الذمة بأداء الصلاة في الدار المغصوبة، ولا تسقط بها الفريضة ، بل لابد من إعادتها وأدائها في الأرض غير المغصوبة وفي الثوب غير المغصوب ([71]).

    النتائج:


    خلص البحث إلى النتائج التالية:

    أولا : من المقرر في الشريعة : أن المسلم إذا سلك طريقا محرما في كسب المال كان واجبا عليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يعود عن الكسب بطريق لا يرضاه الشرع .

    ثانيا : من مقتضيات قبول التوبة : وجوب تحلل التائب مما اكتسب من مال حرام ، والخروج من عهدة الإثم بإخراجه من حيازته ، ويحرم عليه إبقاؤه عنده .

    ثالثا : الكسب غير المشروع لا يكون سببا من الأسباب الشرعية الناقلة للملكية ، وبما أنه ليس كذلك ، فإن المال المكتسب بطريق غير مشروع يجب التخلص منه إما إلى الفقراء والمساكين ، وإما إلى مصالح المسلمين العامة.

    رابعا : يجوز لهيئات الإغاثة ولجمعيات العمل الخيري أن تستقبل الأموال الربوية وكذلك الأموال المشبوهة والأموال المكتسبة بطريق غير مشروعة ، لإنفاقها على مستحقيها من أهل الحاجة ، أو استثمارها في مشاريع خيرية عامة كالمدارس الخيرية والمستشفيات .... لأن ما تقوم به من عمل خيري يعد من المصالح العامة للمسلمين.

    خامسا : على الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الخيري أن لا تحرص على استقبال مثل هذا الأموال وألا تبادر إلى طلبها، وإنما تقبلها إذا عرضت عليها.

    سادسا : لا يجوز للجمعيات الخيرية استخدام أموال الربا والأموال المشبوهة في مصالح عامة ذات طابع ديني محض ، كبناء المساجد وطباعة القرآن الكريم؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا ما كان طيبا، والمال الحرام خبيث ليس بطيب ، فلا يصح أن يكون غير الطيب في بيت من بيوت الله تعالى ، ولا في طباعة كتاب الله.

    والله أعلم بالصواب ، وهو الهادي إلى طريق الرشاد.


    المصادر والمراجع


    أحكام القرآن : أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ، دون رقم طبعة ولا تاريخ نشر.
    أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي : عباس أحمد الباز، دار النفائس الطبعة الثانية 2004، عمان .
    أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات : منشورات بيت الزكاة الكويتي
    إحياء علوم الدين : أبو حامد محمد بن محمد الغزالي : دار الفكر، بيروت ، الطبعة الثانية 1989.
    الاختيار لتعليل المختار : محمود بن مودود الموصلي ، دار الفكر، بيروت . دون رقم طبعة ولا تاريخ نشر.
    الإصابة في تمييز الصحابة : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، مطبعة السعادة ، مصر، الطبعة الأولى 1328 ه.
    أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام : عمر رضا كحالة ، طبع المكتبة الهاشمية، دمشق ، الطبعة الثانية 1958 .
    الجامع لأحكام القرآن : محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي : مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت
    الجامع لشعب الإيمان : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : الدار السلفية ، بومباي -الهند 2008.
    حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار : محمد أمين الشهير بابن عابدين ، دار الفكر، بيروت . دون رقم طبعة ولا تاريخ نشر
    دراسات حول الربا والفوائد والمصارف : فيصل مولوي ، دار الرشاد الإسلامية، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1990.
    دلائل النبوة : أحمد بن الحسين البيهقي ، تدقيق عبد المعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1985
    الذخيرة : أحمد بن إدريس القرافي ، الفروق ، دار عالم الكتب ، بيروت .
    زاد المعاد في هدي خير العباد : أبو بكر محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، الطبعة المصرية ، الطبعة الثالثة 1973.
    سنن أبي داود بشرح عون المعبود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، دار الفكر، بيروت.
    السنن الكبرى : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1994.
    صحيح البخاري بشرح فتح الباري : محمد بن إسماعيل ، مؤسسة بيت الأفكار الدولية
    صحيح سنن الترمذي بشرح ابن العربي المالكي : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، دار الكتب العلمية.
    صحيح مسلم بشرح النووي : يحيى بن شرف النووي ، دار الفكر، بيروت ، الطبعة الثانية 1972.
    فتاوي ابن رشد : محمد بن أحمد بن رشد الجد، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الأولى 1987.
    الفتاوى الشرعية : البنك الإسلامي الأردني ، نشرة إعلامية رقم 6، 1994.
    الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية : بيت التمويل الكويتي ، منشورات بيت التمويل الكويتي ، طباعة مطابع الخط ، الكويت.
    الفتاوى الهندية : جمع الشيخ نظام : دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الثالثة 1980.
    القواعد : أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب دار الكتب العلمية ، بيروت .
    مجلة الاقتصاد الإسلا0645ي : العدد 101 ص 224، ربيع الثاني 1409 هـ نوفمبر1989:
    المجموع شرح المهذب : يحيى بن شرف النووي ، تحقيق محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة .
    مجموع الفتاوي : أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن النجدي ، الطبعة الثانية.
    مجموع الفتاوي : أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ، مكتبة العبيكان ، الطبعة الأولى 1998
    المحلى بالآثار : علي بن أحمد بن حزم ، دار الآفاق ، بيروت .
    مختصر تفسير ابن كثير : أبو الفداء إسماعيل بن كثير، اختصار محمد علي الصابوني : دار القرآن الكريم ، مكة المكرمة ، الطبعة السابعة 1981.
    مرجع المشكلات : أبو القاسم بن محمد التواتي ، مكتبة النجاح ليبيا، الطبعة الثانية.
    المستدرك على الصحيحين : أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم ، دار المعرفة، بيروت .
    المصارف معاملاتها وودائعها : مصطفي أحمد الزرقاء، منشورات المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي ، جامعة الملك عبد العزيز، جدة ، بحث منشور 1983.
    المعيار المعرب والجامع المغرب : أحمد بن يحيى الونشريسي ، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981 .
    المغني : موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
    الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي : مالك بن أنس ، المكتبة العصرية ، بيروت ، الطبعة الأولى 2000 م.
    نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : محمد بن أبي العباس ، دار الفكر، بيروت ، الطبعة الأخيرة .

    [·] أستاذ مشارك بقسم الفقه وأصوله - كلية الشريعة - الجامعة الأردنية.

    [1] سورة البقرة أية 197.

    [2] سورة المزمل أية 20.

    [3] هو الصحابي الجليل : الأرقم بن أبي الأرقم ، كنيته أبو عبد الله ، من السابقين الأولين ، قيل : أسلم بعد عشرة أو بعد سبعة على يد أبي بكر الصديق ، كانت له دار على جبل الصفا، وهي ذات الدار التي جعلها مكانا للقاء الرسول –صلى الله عليه وسلم - بمن كان يدخل في الإسلام التي عرفت لاحقا بدار الأرقم بن أبي الأرقم.
    توفي في خلافة معاوية سنة 55 هـ. انظر ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 28.

    [4] النووي : شرح صحيح مسلم كتاب الوصية ، باب الوقف 11/86.

    [5] عبد الملك منصور : العمل الخيري تكافل اجتماعي وعمل إنساني ص 13، بحث مقدم إلى مؤتمر العمل الخيري الخليجي الثالث الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي في الفترة من 20- 22 يناير 2008.

    [6] سورة البقرة آية 267.

    [7]سورة البقرة آية 274.

    [8] تزوجها الرسول – صلى الله عليه وسلم-سنة ثلاث للهجرة ، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ، ولم تلبث عنده إلا يسيرا حيث توفيت في المدينة سنة ثلاث أو أربع للهجرة وعمرها ثلاثون سنة . انظر : عمر رضا كحالة : أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام 2/65.

    [9] روى البخاري في صحيحه أن عثمان لما حوصر أشرف على من حاصره وقال : أنشدكم الله ، ولا أنشد إلا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ألستم تعلمون أن رسول الله قال : من حفر رومة فله الجنة فحفرتها . .. انظر صحيح البخاري ، كتاب الوصايا ، باب إذا وقف أرضا أو بئرا 2/1380 حديث رقم 2778

    [10] انظر الفتوى بتمامها في المطلب الخامس من هذا البحث.

    [11] صحيح مسلم ، كتاب الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته 11/ 85. وانظر : الحافظ أبو بكر البيهقي : الجامع لشعب الإيمان ، باب في الزكاة / الاختيار في صدقة التطوع 6 / 63 ، حديث رقم 3173

    [12] سورة البقرة آية 188.

    [13] النووي : المجموع شرح المهذب 9/ 343، الزركشي : القواعد 2/ 245 -246 ، القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 3/ 366، ابن قيم الجوزية : زاد المعاد في هدي خير العباد 4/ 251.


    [14] جمع عارية ، والمراد بها : هبة منفعة العين والتبرع بها مع بقاء ملك العين للمالك.

    [15] ابن تيمية : مجموعة الفتاوي 15 / 144

    [16] عباس الباز : أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي ص 339 – 340

    [17] المرجع السابق ص 344

    [18] هو الفضيل بن عياض من بني تميم ، ولد في سمرقند، ونشأ في الكوفة ، وأقام في مكة ، وتوفي فيها سنة 187 ه كان ذا ورع دائم ، وخوف وافر، وبكاء كثير . انظر ابن حبان : الثقات 7 / 315.

    [19] الغزالي : إحياء علوم الدين 2/ 115 -116.

    [20] الرملي : نهاية المحتاج 5 / 187 ، ابن حجر العسقلاني : تحفة المحتاج بهامش حواشي الشرواني والعبادي 6/ 45.

    [21] فيصل مولوي : دراسات حول الربا والفوائد والمصارف ص 76 .

    [22] مصطفى الزرقاء : المصارف معاملاتها وودائعها وفوائدها ص 344- 245، فيصل مولوي : دراسات حول الربا والفوائد والمصارف ص 76 وقد كان يعمل رحمه الله مستشارا في المحكمة السنية العليا في بيروت .

    [23] فيصل مولوي : دراسات حول الربا والفوائد والمصارف ص 76-77.

    [24] مصطفى أحمد الزرقاء : المصارف معاملاتها وودائعها ص 344-345. فيصل مولوي : دراسات حول الربا والفوائد والمصارف ص 76 - 77 .

    [25] مصطفى الزرقاء : المصارف معاملاتها وودائعها وفوائدها ص 344-345.

    [26] المرجع السابق.

    [27] أورد هذه الأدلة المرحوم فيصل مولوي في كتابه : دراسات حول الربا والفوائد والمصارف ص 76 - 77 .

    [28] عباس الباز : أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي ص 387.

    [29] اليعار على وزن غراب : صوت الغنم.

    [30] مثنى عفرة وهي البياض في الإبط.

    [31] متفق عليه انظر : البخاري : صحيح البخاري بشرح فتح الباري ، كتاب الهبة ، باب من لم يقبل الهدية لعلة ، 2/ 1305، حديث رقم 2597، مسلم : صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب تحريم هدايا العمال .

    [32] انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/ 2598.

    [33] ابن تيمية : مجموعة الفتاوى 15/170.

    [34] ابن تيمية : مجموع الفتاوي 28 /280.

    [35] ابن تيمية : مجموع الفتاوي 28 /280.

    [36] البيهقي : دلائل النبوة 6 / 310 وانظر سنن أبي داود بشرح عون المعبود 9 / 180.

    [37] سورة الروم آية 1-3 .

    [38] أي وقع الرهان على عوض بين أبي بكر وبين بعض الكفار.

    [39] الترمذي : صحيح سنن الترمذي بشرح ابن العربي المالكي 12 / 66 ، الحاكم : المستدرك على الصحيحين 2/ 410، القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 14 / 3 .

    [40] البيهقي : السنن الكبرى 6 / 188 .

    [41] مالك بن أنس : الموطأ ، كتاب القراض ، باب ما جاء في القراض ، حديث رقم 1396 ، ص 383 البيهقي: السنن الكبرى 6/ 110.

    [42] ابن تيمية : الفتاوى الكبرى 4 / 210 - 211.

    [43] البيهقي : السنن الكبرى ، كتاب المزارعة ، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل من 6/ 227 ، حديث رقم 11747

    [44] الغزالي : إحياء علوم الدين 2/ 121- 122.

    [45] ابن تيمية : الفتاوى الكبرى 4/ 210- 211

    [46] ابن عابدين : حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار 6/ 443، ابن رشد الجد : فتاوي ابن رشد 1/ 623، القرافي : الذخيرة 5/69-70، ابن رجب : القواعد ص 225 - 226 ، ابن تيمية : مجموع الفتاوي 28 / 283-284.

    [47] ابن تيمية : مجموعة الفتاوي 15/161

    [48] ابن القيم : زاد المعاد في هدي خير العباد 4 / 485 .

    [49] عباس الباز : أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي ص 40 .

    [50] المرجع السابق

    [51] عباس الباز : أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي ص 398.

    [52] المرجع السابق ص 398.

    [53] انظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 27 .

    [54] الشيخ نظام : الفتاوى الهندية 2/ 236، القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 3 / 366 ، الغزالي : إحياء علوم الدين 2/ 204 ، ابن القيم : زاد المعاد في هدي خير العباد 4 / 251.

    [55] ابن تيمية : مجموع الفتاوي 28 / 283 - 284 .

    [56] المرجع السابق ص 402.

    [57] محمد صدقي البورنو : الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية الكلية ص 245 .

    [58] محمد صدقي البورنو : الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية الكلية ص 245. أصل هذه القاعدة الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة أن جارية لها تسمى بريرة كان عندها طعام من صدقة، فأهدته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقبله النبي عليه السلام وقال : هو لها صدقة ولنا هدية.

    [59] المرجع السابق.

    [60] مجلة الاقتصاد الإسلامي : العدد 101 ص 224 ربيع الثاني 1409 ه نوفمبر 1989.

    [61] من العلماء الذين شاركوا في هذه الندوة : عبد الحميد السائح يرحمه الله ، الصديق الضرير ، زكريا البري ، حسن عبد الله الأمين ، عبد الله ناصح علوان ، سامي حمود يرحمه الله.

    [62] انظر الفتاوى الشرعية الصادرة عن البنك الإسلامي الأردني ج 2 / 27 ، نشرة إعلامية رقم 6 ، 1994.

    [63] بيت التمويل الكويتي : الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية ج 4 /31 ، منشورات بيت التمويل الكويتي.

    [64] بيت الزكاة : أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات ص 189 .

    [65] ابن عابدين : حاشية رد المحتار على الدر المختار 2/ 292، ابن رشد الجد : فتاوي ابن رشد 1 / 632، الونشريسي : المعيار المعرب 9 / 551، ابن رجب : القواعد ص 225-226، الغزالي : إحياء علوم الدين 2/204، ابن حزم : المحلى 9/135.

    [66] سورة التوبة آية 18.

    [67] روى ابن هشام في سيرته أن قريشا لما أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وإعادة بنائها من جديد قام أبو وهب عائذ بن عمران بن مخزوم خال عبد الله والد الرسول صلى الله عليه وسلم فتناول من الكعبة حجرا، فوثب في يده حتى رجع إلى موضعه ، فقال : " يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا، لا يدخل فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس" انظر ابن هشام : السيرة النبوية 1/150 وانظر مختصر تفسير ابن كثير 1 / 126 اختصار محمد علي الصابوني.

    [68] ابن تيمية : مجموع الفتاوي 32 /88


    [69] سورة التوبة آية 28.

    [70] ابن كثير : مختصر تفسير ابن كثير 2/ 135 اختصار محمد علي الصابوني.

    [71] ابن رجب : القواعد ص 13 ، ابن قدامة : المغني 5 / 458.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •