اللزوم العقلي في إشارة النص
د.عبد الجليل زهير ضمرة[(*)]
ملخص البحث:
يهدف هذا البحث إلى تحرير الحقيقة الأصولية لإشارة النص، لا من جهة التعريف النظري فحسب، بل من خلال التركيز على إبراز المسلك الإجرائي المتعين اقتفاؤه إبان الاستدلال بالإشارة من الناحية العملية؛ لذا يتجلى التركيز على اللزوم العقلي في إشارة النص احتساباً بأنه الآلية المعنوية المعتمد عليها في الاستدلال بهذا المسلك أصولياً.
وقد تناول البحث طبيعة اللزوم العقلي في إشارة النص، مع إبراز لخصائصه الأصولية، وأثره في مدى قوة دلالة الإشارة معنوياً مقارنة بغيرها من الدلالات، مع التنويه بحقيقة العلاقة في اللزوم العقلي بين إشارة النص وبين دلالة الإيماء، فضلاً عن كشفه عن مسلك أصوليي الحنفية في تخريج مفهومي الغاية والاستثناء على اللزوم العقلي لدلالة الإشارة.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى أثره إلى يوم الدين...وبعد
فإن استنطاق دلائل الشريعة باستنباط مكنوناتها المعنوية من أشرف ما يتقرب به إلى الله تعالى، ولمثل هذه الغاية شيدت علوم الشريعة، وفي مقدمتها: علم أصول الفقه. وقد تبدَّى للباحث عبر مشواره العلمي أن إشارة النص من أدق المسالك الاستدلالية المنبِّهة إلى ألطف المعاني الشرعية مما يحتاج معها إلى إنعام النظر تفهُّماً وتدقيقاً.
ومع أن علماء الأصول- على الجملة- عُنوا بتحرير هذا المسلك وتقرير ضوابطه في القديم والحديث، غير أن الباحث عبر تدريسه لمقرر الدلالات بطريقة إجرائية تطبيقية وأخرى تنظيرية تأصيلية تجلى لديه أن إشارة النص من أغمض مسالك الاستدلال الأصولي على طلبة العلم؛ ذلك أنه يستند إلى ملاحظة اللزوم العقلي في السياق اللفظي- المعوز إلى ضروب من التأمل والتمهل- إذ المعنى الإشاري لا يقصد استقلالاً ولا يتبدّى بين يدي الناظر استهلالاً، من هنا تعيَّن إنعام النظر في اللزوم العقلي لدلالة الإشارة؛ اعتماداً على أنه المسلك الإجرائي المظهر لحقيقتها الأصولية عملياً، وسيعتمد الباحث في تحقيق هذا الغرض على جمع المظان العلمية للموضوع بصورة حاصرة متكاملة، ومن ثمَّ صوغها بمنهجية تحليلية يتجلى فيه سبيل الاستدلال بهذا المسلك إجرائياً.
أهمية الدراسة
تبرز أهمية هذه الدراسة من خلال طبيعتها الموضوعية؛ إذ يعد إشارة النص من أبرز المسالك الاستدلالية التي أوعب الفقهاء من الاعتماد عليها في مصنفاتهم، وظهر أثرها في الفتاوى والنوازل الفقهية، وإن لم يصرَّح باسمها أصولياً في العديد من المواطن؛ كما تعد إشارة النص من أهم الأدوات التفسيرية للقاعدة القانونية قضائياً.
وبناءً على أهمية الموضوع في الدراسات الفقهية والقانونية: فقد سلك الباحث فيه مسلك الجمع الاستقرائي الحاصر لجملة مشتملات الموضوع، أملاً في تجليته بطريقة إجرائية عملية تعين الدارسين على التمهُّر في استنباط المعاني الإشارية من أدلة الشرع.
مشكلة الدراسة
تقصد هذه الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1-ما هي طبيعة اللزوم العقلي في إشارة النص؟ وما أبرز خصائصه؟ وكيف يتقرّر اللزوم العقلي في إشارة النص إبان الاستدلال؟
2-ما هي العلاقة بين إشارة النص من جهة وبين دلالة الإيماء ومفهومي الغاية والاستثناء؟
3-إبراز أمثلة للاستدلال بدلالة الإشارة غير تلك الواردة في المصنفات الأصولية؟
المنهجية المعتمدة في الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي متممة بالمنهج التحليلي، حيث عَمَد الباحث إلى استقراء المظان الموضوعية لدلالة الإشارة في محورين:
الأول: استقراء الأدلة الشرعية المتضمنة لدلالة الإشارة؛ قصداً إلى التحقق من الطبيعة الدلالية لهذا المسلك وخصائصه الاستدلالية.
الثاني: استقراء مذاهب الأصوليين في إشارة النص مع تتبع حاصر للمباحث الأصولية المتعلقة بالموضوع.
ومن ثمَّ صار الباحث إلى تحليل المادة العلمية المستقراة، وتقرير المباحث الأصولية ذات الصلة بموضوع إشارة النص، نقداً وتصويباً وترجيحاً.
الدراسات السابقة
تناول موضوع إشارة النص الدكتور محمد أديب الصالح في أطروحته للدكتوراه المقدمة لجامعة القاهرة سنة 1964م، والموسومة بــ "تفسير النصوص في الفقه الإسلامي"، كما أدرج الباحث حسين على جفتجي إشارة النص في تضاعيف رسالته للماجستير المقدمة لجامعة الملك عبد العزيز سنة 1401هــ، والموسومة بــ"طرق دلالة الألفاظ على الأحكام المتفق عليها عند الأصوليين"، والملاحظ في هاتين الدراستين اقتصارهما على الأمثلة الدارجة في مصنفات الأصوليين، مع عدم التوسع في تحليل المادة الأصولية لإشارة النص، ولعل عذرهما أن الدراستين قد عنيتا باستيعاب المسالك الاستدلالية جملة، ولم تختصا بدراسة إشارة النص تعييناً.
خطة الدراسة
قسمت هذه الدراسة إلى ثلاثة مباحث رئيسة تمهَّدت بتوطئة، وهي كالآتي:
المبحث الأول: اللزوم العقلي في إشارة النص: طبيعته، وروابطه الموضوعية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: طبيعة اللزوم العقلي في إشارة النص.
المطلب الثاني: الروابط الموضوعية المقتضية للزوم العقلي في إشارة النص.
المبحث الثاني: خصائص اللزوم العقلي في دلالة الإشارة. وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الخصائص الذاتية للزوم العقلي في دلالة الإشارة.
المطلب الثاني: مدى قوة إشارة النص مقارنة بغيره من الدلالات اعتماداً على الخصائص الذاتية للزومه العقلي.
المطلب الثالث: الخصائص العارضة على اللزوم العقلي في دلالة الإشارة.
المبحث الثالث: اللزوم العقلي في إشارة النص، وعلاقته بدلالة الإيماء ومفهومي الغاية والاستثناء. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: اللزوم العقلي في إشارة النص، وعلاقته بدلالة الإيماء.
المطلب الثاني: اللزوم العقلي في إشارة النص، وعلاقته بمفهومي الغاية والاستثناء عند أصوليي الحنفية.
ثم ختُمت الدراسة بخاتمة تضمنت أبرز النتائج والتوصيات.
توطئة:
يتضافر جماهير الأصوليين من المتكلمين والفقهاء[(1)] على ضبط مفهوم إشارة النص بأنه دلالة لفظية تتحقق إفادته للمعنى عن طريق اللزوم العقلي، غير أن هذا اللازم العقلي المفيد للمعنى الإشاري لا يكون مقصوداً للشارع في سياق خطابه ابتداءً وأصالة، إنما يقصد تبعاً.
بناءً على هذه المعايير في ضبط مفهوم إشارة النص يمكن تعريفه بأنه: دلالة اللفظ على لازم عقلي ذاتي متأخر مفيد لمعنى مقصود تبعاً.
ويمكن شرح محترزات التعريف على النحو الآتي:
قوله: (دلالة اللفظ) جنس في التعريف يقصد به تحصيل معنى مفيد باللفظ على الجملة.
قوله: (لازم عقلي) يقصد به معنى يُستدعى عن طريق العقل عند ذكر آخر مستفاد بالوضع؛ لرابطة موضوعية تقتضي التلازم بينهما، وهي إما عقلية أو عادية أو شرعية، وهو قيد في التعريف يخرج به الدلالة بالمعنى اللغوي المستفاد بالوضع.
قوله (الذاتي) يقصد به اللازم العقلي المتحصِّل بذات الألفاظ الواردة في دليل الشرع بالمنطوق، وهو قيد يخرج به اللازم العقلي غير الذاتي كالمفهوم بالموافقة أو المخالفة.
قوله: (المتأخر) قيد في التعريف، يقصد به أن اللزوم العقلي قد تحصَّل بعد زمان إدراك معنى اللفظ بالوضع اللغوي، ويحترز به عن اللزوم العقلي المتقدم مما يتوقف صحة السياق اللفظي أو صدقه عليه، وهو المسمى بدلالة الاقتضاء.
قوله: (المقصود تبعاً) قيد في التعريف يخرج به اللزوم العقلي المقصود أصالة في النص، وهو المسمى عند أصوليي الحنفية بعبارة النص.
المبحث الأول
اللزوم العقلي في إشارة النص: طبيعته، وروابطه الموضوعية
يتناول هذا المبحث طبيعة اللزوم العقلي في إشارة النص قصداً إلى تحريره وتقرير مذاهب الأصوليين فيه، مع بيان الروابط الموضوعية المقتضية لعلاقات اللزوم العقلي المفيدة لدلالة الإشارة معنوياً.
المطلب الأول
طبيعة اللزوم العقلي في إشارة النص
تكاد تتفق توجهات الأصوليين من متكلمة وفقهاء على أن التدليل بإشارة النص يقوم على دلالة الالتزام[(1)]، وهي دلالة عقلية وضعية تستند إلى استحضار المعاني وتتبعها عن طريق العقل بوساطة دلالة الوضع؛ لذا تعد الإفادة العقلية فيها هي الأظهر، في حين أن الإفادة بالوضع وسيلتها، ويطلق على استحضار المعنى وتتبعه عن طريق العقل اسم اللزوم العقلي.
والسؤال الذي يرد في هذا المقام: كيف يستدعي اللزوم العقلي المعنى في دلالة الالتزام؟
يجاب بأن المخاطب حين يتلفظ باللفظ في سياق النظم يستدعي اللفظُ في ذهن السامع معنى يستفاد عن طريق الدلالة الوضعية، فإذا كان هذا المعنى الوضعي للفظ يرتبط بعلاقة موضوعية وثيقة مع معنى آخر مما يستدعي استثارة العقل في استحضار المعنى الآخر وتتبعه ذهنياً، لينتقل الذهن من المعنى الوضعي إلى لازمه العقلي بوساطة العلاقة الموضوعية الجامعة بين المعنيين في السياق، ويطلق على المعنى الوضعي المستدعي اسم الملزوم، ويطلق على المعنى المستدعى عقلاً اسم اللازم، ويطلق على العلاقة الجامعة بينهما اسم علاقة اللزوم العقلي[(1)].
ويتعين في هذا المقام تحديد طبيعة علاقات اللزوم العقلي، فهل يعني ثبوتها تعذر الانفكاك بين الملزوم ولازمه، كتعذر انفكاك الماهية عن خواصها الذاتية ومقتضياتها الذهنية، كالاثنين مع خاصية أنه عدد زوجي، والطبيب الفلاني مع خاصية حياته وإرادته ومعرفته، وبناء على هذا التصور تغدو علاقات اللزوم العقلي تقتضي الجزم بارتباط الملزوم بلازمة في الذهن بداهةً!!
أو أن علاقات اللزوم العقلي تعني اختصاص الملزوم بلازمه بخاصية توجد في الذهن أو الواقع كارتباط المتبوع بتابعه والرديف بمرادفه والسبب بنتيجته العادية مما يكون الارتباط بينهما ظاهراً متجلياً بين المخاطبين على الجملة، كارتباط العبودية بالرقبة، وصحة الصلاة بتقرُّر طهارة المصلي ونحوه[(2)].
وقد وقع الخلاف بين الأصوليين في تحديد الطبيعة التي تكون عليها علاقات اللزوم العقلي المقتضية للربط بين الملزوم ولازمه في العقل، هل يشترط أن تكون ذات موضوع ذهني صِرْف؟ ليقال: إن اللزوم العقلي يشترط أن يكون ذهنياً فقط، والتالي فلابد أن يكون اللزوم بيِّناً بحيث يمتنع الانفكاك بين الملزوم ولازمه في الذهن أو أنه كما احتمل أن يكون موضوع العلاقة ذهنياً فكذلك يحتمل أن يكون واقعياً بحيث يرتبط اللازم بملزومه في الخارج برباط يتقرّر من خلال عادة مطردة أو عرف مستقر بين المخاطبين، وعندئذ يمكن للزوم العقلي أن يكون بيِّناً بذاته أو خفياً يُستدل عليه بالقرائن الخارجية والسياقات اللفظية بين المخاطبين، فيقال عندها: إن اللزوم العقلي يمكن أن يكون خارجياً، كما أمكن أن يكون ذهنياً.
افترق الأصوليون في هذه المسألة على مذهبين:
المذهب الأول: صار إليه فخر الدين الرازي[(1)]، والبيضاوي، وتبعه شرَّاح منهاجه[(2)]، وهو معتمد عامة المناطقة[(3)]، وحاصله: أن علاقات اللزوم العقلي لا تكون إلا ذهنية فقط.
المذهب الثاني: صار إليه عامة أصوليي الحنفية[(4)]، وابن الحاجب[(5)]، والقرافي[(6)]، وشمس الدين الأصفهاني[(7)] ونسبة لأكثر الأصوليين، وهو معتمد التاج ابن السبكي في جمع الجوامع[(8)]، والعجلي[(9)]، وابن النجار[(10)]، وغيرهم[(11)]، وهو معتمد علماء العربية من أهل البيان والبلاغة[(12)]، وحاصل هذا المذهب: أن علاقات اللزوم العقلي كما أمكن أن تكون ذهنية فيمكن أن تكون خارجية أيضاً.
فإن قيل: أليس تقرُّر اللزوم الخارجي يقتضي عدم الانفكاك بين الملزوم ولازمه- ولو عن طريق القرائن الخارجية-؟ والتالي ثبوت التلازم بينهما في الذهن بحيث ينتقل الذهن من الملزوم إلى لازمه في الخارج، وعندئذ يظهر أن علاقة اللزوم الخارجي لا تكاد تنفك عن علاقة اللزوم الذهني في كثير من الصور واقعياً، مما يظهر أن الخلاف بين الأصوليين في هذه المسألة لا حاصل له[(1)]!!
ويجاب بأن حاصل الخلاف بين الفريقين في المسألة يرجع إلى تحديد ماهية المراد بالدلالة على المعنى[(2)]، فعند أصحاب المذهب الأول يقصد بالدلالة أن اللفظ متى أطلق أفاد مدلوله عند كل عالم بالوضع فوراً، وإلا انتفت الإفادة بعلاقة اللزوم ذهنياً؛ إذ تشترط في دلالتها الكلية والفورية. في حين يرى أصحاب المذهب الثاني أن الدلالة تعني إفادة مدلول اللفظ عند العالم بالوضع على الجملة، سواء أكان حصول المدلول على الفور أم بعد التأمل في القرائن، وسواء أحصل الفهم من قبل كل عالم بالوضع أم من قبل بعضهم على الجملة.
ويستند أصحاب المذهب الأول على أن الدلالة في اللزوم العقلي ليست دلالة وضعية ظاهرة بحيث يُتفق على إفادتها للمعنى؛ لذا يشترط فيها الفورية والكلية؛ للتحقق من صلاحيتها للتدليل، وإلا لأفضى فوات هذا الشرط إلى اضطراب التدليل واختلال جهة الإفادة؛ لذا يتعين اشتراط العلاقات الذهنية البيِّنة في اللزوم العقلي[(3)].
ويستند أصحاب المذهب الثاني على أن اشتراط الفورية والكلية في الدلالة ممنوع؛ إذ هو مجاف لمنطق العربية في الفهم والتفهيم، وينأى عن مسلك الشارع في التدليل على المعاني؛ ذلك أن هذا الاشتراط يفضي إلى إبطال كثير من المجازات والكنايات والاستعارات المعهودة في مخاطبات العرب لاعتمادها على علاقات اللزوم الخارجي مما لا يتحقق فيها شرط الفورية والكلية على الأغلب، علاوة على أن هذا الاشتراط في علاقة اللزوم العقلي يقتضي إبطال قواعد أصولية متقرِّرة الدلالة شرعاً على المعاني كإشارة النص، ومفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وغيرها؛ إذ لا يتحقق فيها شرط الفورية والكلية في الدلالة[(1)].
يقول التفتازاني: "الجزم بأن الدلالة اللفظية إنما اعتبرت بالنسبة إلى كل من هو عالم بالوضع حتى لو لم يفهم البعض لم تتحقق الدلالة فاسد؛ لأن الثابت بإشارة النص قد يكون غامضاً بحيث لا يفهمه كثيرٌ من الأذكياء العالمين بالوضع... ولهذا خفي أقل مدة الحمل على كثير من الصحابة مع سماعهم النص، وعلمهم بالوضع. وتحقيق ذلك أن المعتبر في دلالة الالتزام عند علماء الأصول والبيان مطلق اللزوم؛ عقلياً كان أو غيره، بيِّناً كان أو غير بيِّن، ولهذا يجري فيها الوضوح والخفاء، ومعنى الدلالة عندهم فهم المعنى من اللفظ إذا أطلق بالنسبة إلى العالم بالوضع، وعند المنطقيين متى أطلق؛ فلهذا اشترطوا اللزوم البيِّن بالنسبة إلى الكل"[(2)].
ويترجح لدى الباحث في هذه المسألة المذهب الثاني الذي يرى أن الدلالة يقصد بها مطلق فهم المعنى، بحيث لا يشترط في اللزوم العقلي الفورية ولا الكلية؛ وذلك لقوة ما استند إليه رموز هذا المذهب من منطق اللغة وعادة الشارع في التدليل، مع التأكيد على أن المحذور المدعى باضطراب دلالة اللزوم العقلي فيما لم تكن العلاقات ذهنية غير لازم، إذا تُحقِّق من اشتراط غلبة الظن في إفادة المعنى.
المطلب الثاني
الروابط الموضوعية المقتضية للزوم العقلي في إشارة النص
يذهب الأصوليون إلى أن علاقات اللزوم العقلي لابد أن تستند في استثارة العقل للانتقال من الملزوم إلى لازمه بناءً على روابط موضوعية خاصة توثق الصلة بينهما، بحيث تقتضي هذه الروابط استتباع الملزوم للازمه أو اللازم لملزومه في العقل، وهذه الروابط الموضوعية على ثلاثة أنحاء[(1)]: إما عقلية أو عادية أو شرعية.
ولما كانت إشارة النص تستند في إفادتها للمعنى على علاقات اللزوم العقلي تعيَّن الاعتماد في تحقيق دلالتها على الروابط الموضوعية الثلاث المتقدمة؛ لذا يرى الباحث ضرورة بسط الأمثلة لها؛ أملاً في توضيح المسلك الإجرائي للاستدلال بإشارة النص، وسيصار إلى التمثيل على كل نوع من أنواع الروابط الموضوعية بمثالين: أحدهما من القرآن الكريم، والثاني: من السنة النبوية المطهرة.
أولاً: الرابطة العقلية: ويقصد بها تقرُّر الارتباط بين معنيين بسبب عقلي صرف، بحيث يقتضي العقل غلبة الاتصال بينهما، فيغدو التلفظ بأحدهما مما يستفاد بدلالة الوضع، مستدعياً لازمه الذي لا يتخلف عنه عقلاً، ويمكن التمثيل على إشارة النص المستفاد بالرابطة العقلية بالآتي:
أ-في قوله الله تعالى:{وَالْوَال ِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ{(ال بقرة 233)، وقوله سبحانه {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}(الأحقاف 15) يلاحظ أن الآية الأولى دالة بعبارة النص على أن الحمل والرضاع للوليد مجموعه ثلاثون شهراً ، وتدل الآية الثانية بالعبارة على أن أكثر الرضاع أربع وعشرون شهراً تتمة الحولين، وبالجمع والتأليف مما يستفاد بالآيتين، واعتماداً على المتقرر في بدائه العقول: أن ما يتحصل من مجموع جزأين يعرف به مقدار أحدهما باطراح الآخر المعلوم من جملة الكل، تشكَّلت مقدمة عقلية تستدعي نتيجة لا تنفك عنها بمقتضى حكم العقل حاصلها: أن أقل الحمل ستة أشهر، فاللزوم العقلي قد استفيد برابطة عقلية يُطلق عليها المناطقة اسم القياس، فالذهن في هذا المثال يكون قد انتقل من دلالة اللفظ المتحصلة بالتأليف بين الآيتين إلى لازمه المتقرِّر عقلاً، ولما كان هذا المعنى المستفاد باللزوم العقلي غير مقصود ابتداءً في سياق الآيتين تبين أنه استفيد بإشارة النص[(1)].
ب)عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }.قال : مجدنى عبدى- وقال مرة : فوض إلى عبدى –فإذا قال : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {أهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6 ) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ(7)}. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"[(2)].
موضوع هذا الحديث: فضل فاتحة الكتاب التي هي ركن ركين في الصلاة؛ لذا أطلق عليها اسم الصلاة، من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء؛ تنويهاً بأهميتها، ويدل الحديث على أن الله عز وجل قد قسم الفاتحة إلى نصفين من جهة المعنى فهي بين الثناء وبين الدعا[(1)]، واعتماداً على أن قسمة الشيء نصفين يقتضي تقرير التساوي بين القسيمين، صيانة لمعنى التنصيف، تشكلت مقدمة عقلية تستدعي معنى لازماً لها حاصله: أن البسملة لا تعد جزءاً من الفاتحة[(2)]؛ إذ لو عدت منها لاختل التنصيف بين الثناء وبين الدعاء بغلبة الأول على الثاني، فاللزوم العقلي في هذا الحديث قد استفيد برابطة عقلية صرفة يطلق عليها المناطقة اسم القضية الشرطية المتصلة الموجبة، والذهن قد انتقل بمقتضاها من الدلالة الوضعية للفظ (نصفين) إلى لازمه العقلي المقتضي امتناع تغليب الثناء على الدعاء، وبالتالي عدم الاعتداد بالبسملة جزءاً من الفاتحة، ولما كان اللزوم العقلي المستفاد بهذا الحديث غير مقصود ابتداء في السياق تبين أنه استدلال بإشارة النص.
ثانياً: الرابطة العادية: يقصد بها تقرر الارتباط بين معنيين بسبب عادة مطردة مستقرة، بحيث يغلب اختصاص أحدهما بالآخر واتصاله به بمقتضى العادة، وعند التلفظ بما يدل على أحدهما بدلالة الوضع يستدعي العقل المعنى الآخر الذي يقترن به أو يترتب عليه عادة، ويمثل لإشارة النص المستفاد بالرابطة العادية بالآتي:
أ-قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(الم ائدة:75).
تدل هذه الآية بمنطوقها على تقرير الدليل على كينونة عيسى عليه السلام رسول من جملة رسل الله تعالى من البشر المبعوث إليهم، ومثله في البشرية أمه مريم المتصفة بالصلاح والتصديق بقضاء الله وأمره، والدليل على بشرية كل منهما أنهما كانا يأكلان الطعام إعوازاً إليه عند الجوع، ولما كان المتقرر في العوائد أن الطعام المأكول لابد من تحلله في البدن واستحالته للانتفاع به، فتشكل بهذا مقدمة عقلية تستلزم نتيجة غير منفكة عنها بمقتضى حكم العادة حاصلها: أن عيسى بن مريم عليه السلام وأمه يلزمهما ما يلزم البشر من الحاجة إلى استخراج ما استحال إليه الطعام في أبدانهما من غائط وبول وعرق ونحوه، مع الاستضرار ببقاء المستحيل في البدن من غير إخراجه، وفي هذا أعظم دليل وأجلى حجة على إبطال دعوى الربوبية لعيسى بن مريم عليها السلام وأمه، وبهذا يكون الذهن قد انتقل من الدلالة الوضعية لقوله تعالى: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} إلى لازمها مما يستحيل إليه الطعام بمقتضى الرابطة العادية، ولما كان هذا اللزوم العقلي غير مقصود ابتداء[(1)] في السياق عد استدلالاً بإشارة النص.
ب) عن عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك. فقالت: إنه أخي فقال: ((انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة))[(2)].
يدل هذا الحديث بمنطوقه على أن أخوة الرضاع ليست سياً لأخوة النسب في اقتضاء المحرمية؛ ذلك أن سببها كان دفع جوعة الصغير والتبقية على نفسه بما لا يعظم معه المخالطة التي تتقوى بها آصرة الأخوة، ولما كان المتقرر في حكم العادة أن الجوع المدفوع بالإرضاع هو جوعة الصغير الذي لم يطعم، فيتشكل بهذا مقدمة عقلية تستلزم نتيجة لا تنفك عنها بمقتضى العادة، حاصلها: أن الرضاع المحرم لا يثبت في حق الكبير الذي اقتات على الطعام، وعليه فإن الذهن انتقل من مدلول لفظ (المجاعة) إلى لازمه في العقل بمقتضى العادة الجارية، ولما كان هذا اللزوم العقلي غير مقصود ابتداء في سياق الحديث تبين أنه استدلال بإشارة النص.
ثالثاً: الرابطة الشرعية: ويقصد بها تقرر الارتباط شرعاً بين مفهومين بحيث لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر في أحكام الشرع، فيغدو التلفظ بأحدهما مما يستفاد بدلالة الوضع مستدعياً المعنى الآخر المختص به بمقتضى أحكام الشرع، ويمثل على الرابطة الشرعية في دلالة الإشارة بالآتي:
أ-قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}(الطلاق 4). تدل الآية بمنطوقها على أن الزوجات اللائي تقدمن بهن العمر حتى أيسن من الحيض وكذا الصغيرات اللاتي لم يبلغن سن المحيض تعتد من الفرقة بثلاثة أشهر عوضاً عن الأقراء الحاصلة بالحيض، واعتماداً على أن العدة من جملة الأحكام الشرعية المترتبة على النكاح، فتتشكل بهذا مقدمة عقلية تستدعي معنى لازماً لها حاصله: صحة العقد على الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض، فاللزوم العقلي قد استفيد في هذه الآية برابطة شرعية حيث انتقل الذهن من المدلول اللفظي لقوله تعالى {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} إلى لازمه المبين سابقاً، ولما كان هذا اللازم العقلي مما لم يقصد ابتداءً في سياق الآية تبين أنه استدلال بإشارة النص.
ب-عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء- ومعه بلال- فأمرهن بالصدقة، فجعلهن يلقين، تلقي المرأة خرصها وسخابها))[(1)].
فالحديث دال بمنطوقه على أن النبي صلى الله عليه وسلم استحث النساء على الصدقة وأمرهن بها، فأتمرن بأمره صلى الله عليه وسلم وتصدقن بحليهن، وتأسيساً على أنه لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن وقت حاجته شرعاً، إذ لا يأمر بالأمر بصفة الإطلاق مما يتعين تقييده إلا وقد بين وجهه من التقييد، وبناء عليه تتشكل مقدمة عقلية تستدعي معنى لازماً لها حاصله: صحة صدقة المرأة من مالها بغير اشتراط إذن الزوج أو الأب[(2)]، فاللزوم العقلي في هذا الحديث قد استفيد برابطة شرعية، حيث انتقل الذهن من الدلالة اللفظية لحكاية مبادرة النساء بالصدقة بعد صدور الأمر النبوي المطلق لهن إلى لازمه شرعاً المبين سابقاً، ولما كان هذا اللزوم العقلي غير مقصود ابتداءً في سياق الحديث دل أنه استدلال بإشارة النص.
المبحث الثاني
خصائص اللزوم العقلي في دلالة الإشارة
بالتدقيق في طبيعة اللزوم العقلي المعتمد عليه في التدليل بإشارة النص يلاحظ أنه يختص بعدد من الخصائص المميزة له عن غيره من اللوازم العقلية، وبإنعام النظر يظهر للباحث أن بعض الخصائص تعد ذاتية لا تنفك عن ماهية اللزوم العقلي المحقق لدلالة الإشارة، في حين أن ثمة خصائص أخر تعد عارضة يحتمل ورودها ويحتمل انتفاؤها، بحيث لا يخل انتفاء الخصيصة العارضة باللزوم العقلي المحقق لدلالة الإشارة. وعليه فسيتم دراسة خصائص اللزوم العقلي لدلالة الإشارة في قسمين:
الأول: خصائص ذاتية متعينة للزوم العقلي في دلالة الإشارة.
والثاني: خصائص عارضة على اللزوم العقلي في دلالة الإشارة.
المطلب الأول
الخصائص الذاتية للزوم العقلي في دلالة الإشارة
1-أن يكون اللزوم العقلي المحقق لدلالة الإشارة مترتباً عن الدلالة الوضعية للفظ الشارع مباشرة بغير توسط وسائط معنوية. وقد حرص أصوليو الحنفية على تقرير هذه الخصيصة في دلالة الإشارة حيث عبر عامتهم عنها بــ"ما يكون ثابتاً بنفس النظم"[(1)]، وعبر عنها السرخسي بــ"ما يعلم بالتأمل في معنى اللفظ"[(2)]، ويعبر فريق من المتأخرين كالفناري، ومنلاخسرو، والأزميري، والخادمي عن هذه الخصيصة بالقول: إن المعنى في دلالة الإشارة لابد "أن يكون ذاتياً: أي مستفاداً باللازم العقلي بغير واسطة"[(1)].
وإذا يممنا باتجاه متكلمة الأصوليين فيلاحظ أن الغزالي[(2)] قد نبه إلى معنى الذاتية من خلال ترتيبه اللزوم العقلي في الإشارة عن طريق اللفظ المفرد دون سياق الكلام وتركيبه، كما يفهم هذا المعنى عند الآمدي[(3)] وابن الحاجب[(4)] بإدراجهما الإشارة في المنطوق دون المفهوم.
في حين يعد البيضاوي[(5)] بإدراجه مثال إشارة النص ضمن مفهوم الموافقة، واعتداده بأن اللازم العقلي فيه قد استفيد بتركيب الكلام وجملة سياقه كالمصرح بأن اللزوم العقلي في إشارة النص ليس ذاتياً، بل مستفاداً بوساطة معنى السياق لا بأحد ألفاظه مباشرة، وأحسب أن هذا منه ركوب للمركب الخشن؛ حيث قد نأى بنفسه عما اعتمده عامة الأصوليين من فقهاء ومتكلمين في دلالة الإشارة.
2-أن يكون اللزوم العقلي في دلالة الإشارة متأخراً زمن ترتبه عن زمان فهم الدلالة الوضعية للفظ، بحيث تتحقق دلالة اللفظ على المعنى وضعاً بصورة تامة ثم يترتب عليه اللزوم العقلي المفيد لدلالة الإشارة، وعندئذ يقال: اللزوم العقلي في دلالة الإشارة متأخر، وهو على خلاف اللزوم العقلي المتقدم الذي يعد تقديره شرطاً يتوقف عليه صحة تحقيق الدلالة الوضعية للفظ الشارع أو تمام معناها.
ويلاحظ أن جماهير المتكلمين لم يصرحوا بهذه الخصيصة للزوم العقلي في دلالة الإشارة، وإن كانوا قد ألمحوا إليها بوضوح حين اعتمدوا في حصر أقسام الدلالات على ما يتوقف عليه فهم الملفوظ من اللوازم العقلية وما لا يتوقف[(1)].
وبالنظر إلى أصوليي الحنفية كأبي زيد الدبوسي[(2]، والبزدوي[(3)]، والسرخسي[(4)]، والنسفي[(5)]، وكثير ممن سار على منوالهم من أصوليي الحنفية، فيلاحظ أنهم قد ألمحوا إلى هذه الخصيصة على الجملة من غير التصريح بها[(6)].
ومع أن صدر الشريعة المحبوبي[(7)] كان من أوائل الناصين على أن اللازم العقلي في إشارة النص يتعين أن يكون متأخر التقرر عن زمن فهم ملزومه المستفاد بالدلالة الوضعية للفظ، ووافقه على هذا المحقق التفتازاني إلا أنهما اختلفا في طريقة تخريج معنى زوال ملكية المسلم عن ماله باستيلاء الكافر عليه وظفره به في الحرب بإشارة النص من قوله تعالى:{ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}(ال حشر 8) حيث يرى المحبوبي أن المعنى الإشاري استفيد بجزء ما وضع له لفظ {لِلْفُقَرَاءِ} تضمناً، لا التزاماً، مما لم يقصد أصالة في السياق؛ إذ لا يصدق على المهاجرين مسمى الفقر ولهم أموال يملكونها في المدينة، فيكون هذا استدلالاً بدلالة الإشارة على ما اعتمده المحبوبي في معنى الإشارة[(8)].
وخالفه في هذا التفتازاني[(1)] حيث يرى إلى أن المعنى لا يتقرر بإشارة النص في المثال إلا بواسطة لازم عقلي متقدم لا متأخر؛ إذ صحة إطلاق لفظ الفقراء على المهاجرين متوقف على لزوم تقدير زوال ملكيتهم عما ظفر به الكافر في الحرب، فيتعين تقدير الزوال أولاً: تصحيحاً لإطلاق لفظ الفقراء.
وقد أفضى هذا الخلاف في كيفية الاستدلال بإشارة النص في المثال المتقدم إلى إثارة خلاف أصولي آخر في خصيصة اللزوم العقلي لدلالة الإشارة مما يتعلق بالتقدم والتأخر، بحيث انقسم متأخرو الحنفية إلى مذهبين[(2)]:
المذهب الأول: يرى أن اللزوم العقلي في الإشارة يحتمل أن يكون متأخر التحقق عن الدلالة الوضعية للفظ الشارع، كما يحتمل التقدم عليها، والتالي أن التأخر لا يعد خصيصة ذاتية للزوم العقلي في دلالة الإشارة، بل يعتد بها خصيصة عارضة يحتمل زوالها، وإلى هذا المذهب ينتسب الفناري[(3)]، وابن نظام الدين الأنصاري[(4)]، ومنلاخسرو[(5)]، والأزميري[(6)]، وحسن جلبي[(7)]، والخادمي[(8)].
واعتنى هذا الفريق بتحرير الفرق بين دلالة الإشارة وبين دلالة الاقتضاء، حيث يشتركان بأن اللزوم العقلي فيهما متقدم، وإن كان التقدم في الأول محتمل، وفي الثاني متعين- أعني دلالة الاقتضاء-؛ فذهبوا في التفريق بينهما إلى أن اللازم العقلي المتقدم في الإشارة يتعين تقديره؛ لصحة إطلاق اللفظ على المعنى ابتداءً، في حين أن اللازم العقلي المتقدم في الاقتضاء يتعين تقديره؛ لتصحيح حكم الملفوظ عقلاً أو شرعا[(9)].
المذهب الثاني: يرى أن اللزوم العقلي في دلالة الإشارة لا يكون إلا متأخر التقرر عن الدلالة الوضعية للفظ الشارع، والتالي أن التأخر يعد خصيصة ذاتية متعينة في اللزوم العقلي لإشارة النص، وإلى هذا المذهب ينتسب الكمال بن الهمام[(1)]، وابن عبد الشكور[(2)]، وابن كمال باشا[(3)]، والرهاوي[(4)]. وقد اعتنى هذا الفريق بتأويل الآية في المثال المتقدم على نحو يتقرر فيه اللازم العقلي بصفة التأخر.
وبعد إنعام النظر في المثال المتقدم- المثير للخلاف في مدى الاعتداد بالتأخر خصيصة متعينة للزوم العقلي في إشارة النص عند أصوليي الحنفية- يترجح للباحث أن التمثيل بهذا المثال على الإشارة غير قويم؛ ذلك أن الاستدلال بإشارة النص في الآية على معنى زوال ملكية المسلم عما يملكه باستيلاء الكافر عليه استناداً على أن مدلول لفظ {لِلْفُقَرَاءِ} محمول على الحقيقة لا المجاز، يجافي مقصود الشارع في الآية وينأى بها عن سياقها المعنوي؛ إذ مورد الآية سباقاً وسياقاً: الجبر على المهاجرين التاركين للأهل والديار، علاوة عما رزئوه من الأموال، مبتغين- في ذلك كله- رضوان الله عز وجل، فكيف يلائم هذا السياق المعنوي الدلالة على معنى زوال ملكيتهم عما يملكون وحرمانهم من أموالهم بظلم الكافر لهم؟!!
ويتجلى لدى الباحث أن توصيف المهاجرين بالفقر في الآية إنما كان استثارة لنزعة الإشفاق والإيثار في قلوب إخوانهم من الأنصار، مع دفع حزازة النفس وسخائمها بتقديم المهاجرين في استحقاق الفيء حيناً، أو اختصاصهم به أحياناً، كما جرى الأمر في فيء بني النضير[(5)]، والله تعالى أعلم بالصواب.
وعلى الجملة فالذي يترجح للباحث: أن اللزوم العقلي في دلالة الإشارة يتعين أن يكون متأخراً عن فهم الدلالة الوضعية للفظ الشارع؛ اعتماداً على اطراده في دلائل الشرع على هذا النحو، فضلاً عن أن دعوى التفريق التي أبداها أصحاب المذهب الأول بين دلالة الإشارة وبين دلالة الاقتضاء في اللزوم العقلي المتقدم غير محررة؛ إذ أي فرق يثبت بين صحة إطلاق اللفظ وبين تصحيح حكم ملفوظه؟!!
3-أن يكون اللازم العقلي لدلالة الإشارة غير مقصودة في كلام الشارع قصداً ابتدائياً أصلياً بل يجري في القصدية على جهة التبع.
وقد تظاهرت عبارات الأصوليين على إبراز هذه الخصيصة في دلالة الإشارة، سواء أكان من متكلمة الأصوليين[(1)] أن من أصوليي الحنفية[(2)].
والجدير بالذكر أن بعض متأخري الحنفية كالفناري[(3)]، وابن عبد الشكور[(4)]، وابن نظام الدين الأنصاري[(5)]، ومن المعاصرين: محمد بخيت المطيعي[(6)] كانت لهم تعبيرات غير محررة في التعريف بإشارة النص، حيث نصوا على أنه ((الدال على اللازم الذاتي غير المسوق له أصلاً))[(7)]، مفسرين قولهم: ((ما لم يقصد لا بالذات ولا بالتبع))[(].
وقد أثارت هذه التعبيرات استشكال فريق من الأصوليين: كالمنلاخسرو، والقاآني والصنعاني[(9)]، في حين حرص فريق آخر من متكلمة الأصوليين كصفي الدين الهندي[(1)]، وابن القاسم العبادي[(2)]، والعطار[(3)]، والبناني[(4)] بالتنبيه على ضرورة تقرر المقصد الشرعي في اللزوم العقلي لدلالة الإشارة بصفة التبعية، منبهين على استبعاد الاستدلال بما لم يقصده الشارع في نص كلامه بالكلية.
وحسبي أن العبارات غير المحررة سببها أن متقدمي أصوليي الحنفية[(5)] كانوا يعبرون عن دلالة الإشارة بما لم يقصد أصالة ولا تبعاً في نظم كلام الشارع؛ احترازاً في الاصطلاح عن مدلول عبارة النص، وتعييناً منهم للازم العقلي المقصود تبعاً المختص بإشارة النص، لكن مع الغفلة عن هذا التقييد غدت تعبيرات المتأخرين ناحية بإتجاه نفي القصدية أصلاً عن اللزوم العقلي، وقد يساء فهم هذا التعبير فيظن تضمنه نسبة معان لأدلة الشريعة، مما لا دلالة لها عليها، والتالي عن هذا ظاهر البطلان؛ لاقتضائه التقول على الله تعالى بما لم يشرع، وهو معنى التزوير والبهتان!!
وعليه يتجلى الاتفاق على أن المعنى غير المقصود أصلاً في سياق النظم لا بوضع اللغة ولا باللزوم العقلي لا يعد مسلكاً صالحاً للتدليل به على المعاني من قبل الشارع، ولا يصح اقتفاؤه في الاستدلال من قبل الفقيه.
وقد يسأل سائل: كيف يمكن التحقق من اندراج المعنى المستفاد باللزوم العقلي لدلالة الإشارة ضمن ما قصده الشارع بصفة التبعية في نظم كلامه؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من التحقق من أمرين:
الأول: سلامة المسلك المعنوي المستدل به على المعنى الإشاري.
إن المسلك المعنوي لدلالة الإشارة يمر بمرحلتين، وللتحقق من سلامة مسلكيته على المعنى لابد من التحقق من مرحلتيه، وهما:
أ-قوة الدلالة الوضعية للفظ الشارع على المعنى.
وهذا لابد له من شرطين:
الأول: ثبوت اللفظ عن الشارع ابتداءً بغلبة الظن.
الثاني: أن تكون دلالة اللفظ على المعنى جلية واضحة. فإذا ظهر أن المعنى الإشاري يستند لحديث ضعيف لم يتقرر ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً، أو يستند إلى لفظ دلالته محتملة أو غير ظاهرة على معنى لفظ الشارع، فإن المسلك المستدل به على المعنى الإشاري عندئذ يكون معيباً، لا يصلح للاستدلال به على المقصود الشرعي. ويمكن التمثيل عليه بما ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ((النساء ناقصات عقل ودين)). قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: ((تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي))[(1)]. فيلزم بإشارة النص من لفظ ((شطر دهرها لا تصلي)) أن أكثر فترة الحيض خمسة عشرة يوماً. لكن هذا الحديث لا تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، علاوة على أن دلالة لفظ الشطر على معنى النصف- تصحيحاً للاستدلال على المعنى الإشاري المتقدم- محتمل، ويقابله في الاحتمال المعنوي الدلالة على مطلق الجزء سواء أكان أقل من النصف أم أكثر، وهذا الإجمال لفظ الشطر مانع من صحة الاستدلال على المعنى الإشاري[(2)].
ب-صحة استدعاء المعنى الإشاري عن طريق اللزوم العقلي.
تبين أن اللزوم العقلي الرابط بين المدلول الوضعي للفظ الشارع وبين لازمه في العقل، لابد أن يستند إلى رابطة موضوعية- عقلية أو عادية أو شرعية- تقتضي ثبوته، غير أن الرابطة الموضوعية قد تكون قوية بحيث يترتب عليها لزوم عقلي قوي ظاهر، وقد تكون ضعيفة بحيث يترتب عليها لزوم عقلي ضعيف واهن، وعليه فإن كان اللزوم العقلي ضعيفاً لم تصح نسبة المعنى الإشاري عندئذ إلى المقصود الشرعي ولو كان تبعياً[(1)].
ويمثل على ضعف اللزوم العقلي بقوله تعالى:{سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}(القدر 5) فالآية دالة على أن ليلة القدر سالمة من السوء والشر إلى طلوع الفجر، واعتماداً على أن دلائل الشريعة تامة الدلالة على جميع ما يحتاج إليه العباد من أحكامها وقضاياها، وعدم التصريح بتعيين ليلة القدر وإن كان حفزاً للهمم على تحريها وتحصيلاً لعظيم أجرها، لكن لابد أن يكون في الأدلة ما يشير إلى تعيينها بوجه من الوجوه؛ وقد ظهر أن عدد كلمات سورة القدر ثلاثون كعدة أيام شهر رمضان وأن الضمير المنفصل المشير إلي ليلة القدر بـ{هِيَ} موقع عده من بين كلمات السورة هو سبع وعشرون، وتأسيساً على أنه لا يجوز إهدار ما تضمنته الآية من دلالة معنوية، تشكلت مقدمة عقلية ذات رابطة شرعية تستدعي لازماً لها في العقل، حاصله: أن ليلة القدر متعينة في ليلة السابع والعشرون من رمضان[(2)]، وهذا استدلال بلازم عقلي مقصود تبعاً؛ فيكون إشارة نص. وتتمثل الإشكالية في هذا المثال بأن اللزوم العقلي يستند على رابطة شرعية قائمة على حساب الكلمات وترقيمها بالعد، ومثله لا يشكل مسلكاً شرعياً يعتد به في قضايا الأحكام[(3)]؛ فيكون اللزوم العقلي مما لا يعتمد عليه في استثارة المعنى الإشاري.
الثاني: صحة الاندراج الموضوعي للمعنى الإشاري ضمن ما قصد الشارع أصالة.
إن المعنى المستفاد بإشارة النص هو لازم عقلي مستوحى من نظم كلام الشارع، وإن لم يكن السياق المعنوي لأجله في الأصل، غير أنه مما لا يجوز إهماله؛ لأنه قد تقرر بالدليل اعتداد الشارع به وقصده إليه على الجملة، وهذا لا يلزم ((غير المعصوم عند المحققين؛ لإمكان الغفلة أو الفارق أو الرجوع عن الأصل حين الإلزام))[(1)].
ويتعين التنبيه إلى أن المعنى المستفاد باللزوم العقلي التبعي يشترط فيه أن يكون متفرعاً عما قصده الشارع أصالة بنظم كلامه، عائداً عليه بالتقوية والتأكيد والتحقيق على الجملة، ويترتب على هذا الأصل اشتراط شرطين لابد من تحققهما في المعنى الإشاري:
أولهما: قوة تفرع المعنى الإشاري عن المقصود الأصلي للشارع بنظم كلامه؛ ذلك أنه إذا ظهر ضعف صلة المعنى الإشاري بما قصد أصالة في سياق النظم حتى نأى وابتعد عنه، فيغدو المعنى الإشاري آخذاً بالاستقلال والتفرد في القصدية للمعني، وقد فرضناه تابعاً لا متبوعاً، وهذا خُلف؛ فيسقط الاعتداد بالمعنى الإشاري عندئذ[(2)].
ويمكن التمثيل على ضعف تفرع المعنى الإشاري عما قصد أصالة بنظم كلام الشارع بقوله تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}(الأ نبياء 26) فالآية دالة بمنطوقها على تنزيه الله عز وجل عن اتخاذ الولد- تعالى عن ذلك علواً كبيراً- وإثبات العبودية لجميع الخلق، ومن جملتهم: الملائكة المكرمون.
ولما دلت القاعدة العقلية على أن الخروج عن أحد القسيمين المحصورين دخول في الآخر ضرورة؛ إذ نفي نسبة الوالدية عن الله تعالى وإثبات العبودية لكل ما سواه يقتضي في العقل لازماً، حاصله: أن البنوة بالولدية، والعبودية بالتملك: حكمان شرعيان، يتنافيان مطلقاً، والتالي أن الوالد لا يملك ولده، ولا يجوز له أن يبيعه قناً[(3)].
ويلاحظ أن المعنى الإشاري المتحصل عليه بالآية قد نأى عما قصد تقريره في السياق أصالة- من تنزيه الله عز وجل- حتى إن هذا الاستدلال ليجري بصورة الاستقلال المعنوي عن منطوق الآية، والتالي عدم صحة هذا الاستدلال الإشاري المتوصل إليه.
وفي السياق نفسه يتعين التنبيه إلى أن المعنى الإشاري إن كان الاستدلال به في صورة لازم اللازم عقلاً، بحيث يكون اللزوم العقلي فيه غير مباشر لتوسله بلزوم عقلي آخر مستفاد بالدلالة الوضعية للفظ الشارع، فإذا كانت هذه صورة الاستدلال ظهر أن المعنى الإشاري المتوصل إليه قد نأى عما قصد أصالة في السياق المعنوي للدليل الشرعي، فلا يعتد به عندئذ[(1)]. ويمثل عليه بقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}( البقرة 233) تدل الآية بمنطوقها على وجوب نفقة الوالدات بالرزق والكسوة على الآباء، ويستدل بإشارة النص من قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} أن نسب الوليد ثابت للأب دون الأم، وأن الأب يختص بالانفاق على الوليد لا يشاركه غيره، ويرتب أصوليو الحنفية لوازم عقلية- يعدونها إشارية- تتوسل عن طريق المعنى الإشاري السابق، منها[(2)]: أن الوليد يكون قرشياً إذا كان أبوه قرشياً ولو كانت أمه أعجمية، وأن اختصاص الأب بالإنفاق يثبت له حق الانتفاع بمال ابنه بغير عوض، وأن الأب لو سرق مالاً لابنه فيه شركة أو شبهة ملك لم يقطع؛ درءاً للحد بالشبهة، وأن الوالد لو قتل ابنه عمداً فإنه لا يقتل به، ولو زنى بجاريته لم يحد، إلى أغيارها من المعاني المدعاة أنها إشارية، غير أنها استقلت عن السياق المعنوي المقصود بالدليل فتوهن فيها جهة التبعية للمقصود الشرعي المشترط في المعنى الإشاري.
ثانيهما: ألا يعود المعنى الإشاري على مقصود الشارع في نظم كلامه بالمعارضة والمنادة؛ ذلك أن التبعية في القصد تعني الموافقة لا المعارضة، فإذا ظهرت معارضة المعنى الإشاري للمقصود الأصلي في الدليل الشرعي تبين عدم صلاحيته للاستدلال به. وقد مر مثاله باستدلال أصوليي الحنفية على زوال ملكية المسلم عن ماله باستيلاء الكافر عليه في الحرب بقوله تعالى:{لِلْفُقَر َاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}(ال حشر 8).
ويمثل عليه أيضاً باستدلال ابن عطية الأندلسي في قوله تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}(الشورى49-50). حيث عبر عن منطوق الآية قائلاً: ((آية اعتبار دالة على القدرة والملك المحيط بالجميع، وأن مشيئته عز وجل نافذة في جميع خلقه... فإن الذي يخلق ما يشاء ويخترع فإنما هو الله عز وجل، وهو الذي يقسم الخلق فيهب الإناث لمن يشاء- أي يجعل ذريته نساء- ويهب الذكور لمن يشاء على هذا الحد، أو ينوعهم مرة يهب ذكراً ويهب أنثى)). ثم انعطف بعدها مستدلاً على معنى إشاري حاصله: ((أن هذه الآية تقضي بفساد وجود الخنثى المشكل))[(1)]؛ اعتماداً على بدو القصد إلى حصر الأقسام في الإناث أو الذكران أو المزاوجة بينهما. وقد انتقده ابن العربي[(2)] على استدلاله الإشاري المتقدم؛ إذ تقرير المعنى على هذا النحو يعد مجافاة للسياق المعنوي للآية، كما ينم عن قصور في معرفة سعة القدرة المطلقة لله عز وجل، علماً بأن الإغضاء عن ذكر الخنثى في الآية كان لندرته، وعد ملاءمته لسياق الامتنان المقصود تقريره فيها.
يتبع