فوائد
من تفسير التحرير والتنوير
أ. محمد خير رمضان يوسف
الحمدُ لله الذي هدَى، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ المصطفى، وعلى الآلِ والأصحابِ ومن به اقتدَى، وبعد:
فقد وفقني الله تعالى للاستدراك على تفسير (التحرير والتنوير) للعلامة محمد الطاهر بن عاشور رحمهُ الله (ت 1394 هـ)، وهو تفسيرٌ موسَّع، من أجلِّ التفاسيرِ الحديثةِ وأبرزها، وفيه فوائدُ غزيرة، تدلُّ على ثقافةِ المفسِّرِ وعلمهِ الواسع. وكنت أحتفظُ ببعضها لإطلاعِ القارئ عليها أيضًا، فإنها تثير طلبة العلم، وتبعثُ على النشاطِ والمتابعة، أدعو الله تعالى أن ينفعَ بها.
♦♦♦♦⠙¦
1- ï´؟ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ï´¾ [سورة البقرة: 45].
الأمرُ بالاستعانةِ بالصبر؛ لأن الصبرَ ملاكُ الهدى، فإن مما يصدُّ الأممَ عن اتباعِ دينٍ قويمٍ إلفَهم بأحوالهم القديمة، وضعفَ النفوسِ عن تحملِ مفارقتها، فإذا تدرَّعوا بالصبرِ سهلَ عليهم اتباعُ الحق.
2- ï´؟ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ï´¾ [سورة البقرة: 69].
احتيج إلى تأكيد الصفرة بالفقوع - وهو شدة الصفرة - لأن صفرة البقر تقرب من الحمرة غالباً، فأكده بفاقع، والفقوع خاص بالصفرة، كما اختص الأحمر بقان، والأسود بحالك، والأبيض بيقق، والأخضر بمدهامّ، والأورق بخطباني، نسبة إلى الخُطبان - بضم الخاء، وهو نبت كالهليون -، والأرمك، وهو الذي لونه لون الرماد... والنصوع يعم جميع الألوان، وهو خلوص اللون من أن يخالطه لون آخر.
3- ï´؟ وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ï´¾ [سورة البقرة: 92].
القرآن ليس مثل تأليف في علم يحال فيه على ما تقدم، بل هو جامع مواعظ وتذكيرات وقوارع ومجادلات، نزلت في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة، فلذلك تتكرر فيه الأغراض لاقتضاء المقام ذكرها حينئذ عند سبب نزول تلك الآيات.
4- ï´؟ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ï´¾ [سورة البقرة : 102].
وأما ما يلزم في المسحور فخوَر العقل، وضعف العزيمة، ولطافة البنية، وجهالة العقل. ولذلك كان أكثر الناس قابلية له النساء والصبيان والعامة، ومن يتعجب في كل شيء.
وبابل بلد قديم من مدن العالم، وأصل الاسم باللغة الكلدانية (باب إيلو) أي: باب الله، ويرادفه بالعبرانية (باب إيل). وهو بلد كائن على ضفتي الفرات، بحيث يخترقه الفرات، يقرب موضعه من موقع بلد الحلَّة الآن، على بعد أميال من ملتقى الفرات والدجلة. كانت من أعظم مدن العالم القديم.
5- ï´؟ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ï´¾ [سورة البقرة: 132].
وبنو إبراهيم ثمانية:
إسماعيل، وهو أكبر بنيه، وأمه هاجر.
وإسحاق، وأمه سارة، وهو ثاني بنيه.
ومديان، ومدان، وزمران، ويقشان، وبشباق، وشوح، وهؤلاء أمهم قطورة، التي تزوجها إبراهيم بعد موت سارة.
وليس لغير إسماعيل وإسحاق خبر مفصل في التوراة، سوى أن ظاهر التوراة أن مديان هو جد أمة مَدين أصحاب الأيكة، وأن موسى عليه السلام لما خرج خائفاً من مصر نزل أرض مديان، وأن يثرون أو رعوئيل (وهو شعيب)كان كاهن أهل مدين .
6- ï´؟ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ ï´¾ [سورة البقرة: 140].
الأمة إذا انغمست في الجهالة وصارت عقائدها غروراً ومن دون تدبر، اعتقدت ما لا ينتظم مع الدليل، واجتمعت في عقائدها المتناقضات.
7- ï´؟ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون ï´¾ [سورة البقرة: 203].
ï´؟ وَاتَّقُواْ اللّهَ ï´¾: وصية جامعة للراجعين من الحج، أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم، ولا يجعلوا تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية، فإذا انقضى الحج رجعوا يتقاتلون ويغِيرون ويفسدون، وكما يفعله كثير من عصاة المسلمين عند انقضاء رمضان.
8- ï´؟ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ï´¾ [سورة البقرة: 230].
حكمة هذا التشريع العظيم: ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم، وجعلهن لُعباً في بيوتهم، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة، والثالثة فراقاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث موسى والخضر: فكانت الأولى من موسى نسياناً، والثانية شرطاً، والثالثة عمداً. فلذلك قال له الخضر في الثالثة: ï´؟ هَظ°ذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ï´¾ [سورة الكهف: 78].
9- ï´؟ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ï´¾ [سورة البقرة: 272].
الهُدى هنا بمعنى الإلجاء، لحصول الهدي في قلوبهم، وأما الهُدى بمعنى التبليغ والإرشاد، فهو على النَّبِي، ونظائر هذا في القرآن كثيرة.
10- ï´؟ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ï´¾ [سورة البقرة: 286].
لم يؤت مع هذه الدعوات بقوله (ربَّنا)، إمّا لأنّه تكرّر ثلاث مرات، والعرب تكره تكرير اللفظ أكثر من ثلاث مرات، إلاّ في مقام التهويل، وإمّا لأن تلك الدعوات المقترنة بقوله ï´؟ رَبَّنَا ï´¾ فروع لهذه الدعوات الثلاث، فإذا استجيب تلك حصلت إجابة هذه بالأَولى.
11- ï´؟ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب ï´¾ [سورة آل عمران: 14].
التحذير من الغايات يستدعي التحذير من البدايات.
12- ï´؟ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون ï´¾ [سورة آل عمران: 44].
كان أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام، وجعل اليهودُ الاقتراعَ بالأقلام التي يكتبون بها التوراة في المِدراس رجاء أن تكون بركتها مرشدة إلى ما هو الخير. وليس هذا من شعار الإسلام، وليس لإعمال القرعة في الإسلام إلاّ مواضع تمييز الحقوق المتساوية من كل الجهات، وتفصيله في الفقه.
13- ï´؟ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين ï´¾ [آل عمران: 136].
سمي الجزاء أجرًا لأنه كان عن وعدٍ للعامل بما عمل.
14- ï´؟ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً ï´¾ [آل عمران: 154].
الأمَنةُ ـــ بفتح الميم ـــ: الأمن، والنعاس: النوم الخفيف، أو أوّل النَّوم، وهو يزيل التعب ولا يغيّب صاحبه، فلذلك كان أمَنة، إذ لو ناموا نوماً ثقيلاً لأُخذوا، قال أبو طلحة الأنصاري، والزبير، وأنس ابن مالك: غَشيَنا نعاس حتَّى إنَّ السيف ليسقط من يد أحدنا. وقد استجدُّوا بذلك نشاطهم، ونسوا حزنهم، لأنّ الحزن تبتدئ خفَّته بعد أوّل نومة تعفيه، كما هو مشاهد في أحزان الموت وغيرها.
15- ï´؟ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُو نَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون ï´¾ [آل عمران: 170].
في هذا دلالة على أنّ أرواح هؤلاء الشهداء مُنحت الكشفَ على ما يسرُّها من أحوال الذين يهمُّهم شأنهم في الدنيا، وأنّ هذا الكشف ثابت لجميع الشهداء في سبيل الله. وقد يكون خاصّاً الأحوال السارّة لأنّها لذّة لها، وقد يكون عامّاً لجميع الأحوال؛ لأنّ لذّة الأرواح تحصل بالمعرفة، على أنّ الإمام الرازي حَصر اللذّة الحقيقية في المعارف. وهي لذّة الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء، ولو كانت سيئة.
16- ï´؟ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ï´¾ [سورة آل عمران: 186].
العزم: إمضاء الرأي، وعدم التردد بعد تبيين السداد.
17- ï´؟ لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ï´¾ [سورة النساء: 148].
رخَّص الله للمظلوم الجهر بالقول السيّئ ليشفي غضبه، حتّى لا يثوب إلى السيف أو إلى البَطش باليد، ففي هذا الإذن توسعة على من لا يمسك نفسه عند لحاق الظلم به.
18- ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ï´¾ [سورة المائدة: 51].
اتفق علماء السنَّة على أنَّ ما دون الرضا بالكفر وممالأتهم عليه من الولاية لا يُوجب الخروج من الربقة الإسلاميّة، ولكنّه ضلال عظيم، وهو مراتب في القُوّة، بحسب قوّة الموالاة، وباختلاف أحوال المسلمين.
19- ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ï´¾ [سورة المائدة: 87].
في الحديث الصحيح، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمّا أنا فأقوم وأرقد، وأصوم وأُفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس منّي".
والنهي إنّما هو عن تحريم ذلك على النفس. أمّا ترك تناول بعض ذلك في بعض الأوقات من غير التزام، ولقصد التربية للنفس على التصبّر على الحِرمان عند عدم الوجدان، فلا بأس به، بمقدار الحاجة إليه في رياضة النفس.
وكذلك الإعراض عن كثير من الطّيبات للتطلّع على ما هو أعلى، من عبادة أو شغل بعمل نافع، وهو أعلى الزهد، وقد كان ذلك سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصّةٍ من أصحابه، وهي حالة تناسب مرتبته ولا تتناسب مع بعض مراتب الناس، فالتطلّع إليها تعسير، وهو مع ذلك كان يتناول الطيّبات دون تشوّف ولا تطلّع. وفي تناولها شكر لله تعالى، كما ورد في قصّة أبي الدحداح، حين حَلّ رسولُ الله وأبو بكر وعمرُ في حائطه وأطعمهم وسقاهم.
وعن الحسن البصري، أنّه دُعي إلى طعام ومعه فَرقد السَبَخي وأصحابه، فجلسوا على مائدة فيها ألوان من الطعام، دجاج مسمَّن وفالَوْذ، فاعتزل فرقد ناحية، فسأله الحسن: أصائم أنت؟ قال: لا، ولكنّي أكره الألوان؛ لأنّي لا أؤدّي شكره، فقال له الحسن: أفتشرب الماءَ البارد؟ قال: نعم، قال: إنّ نعمةَ الله في الماءِ البارد أكثر من نعمته في الفَالَوْذ.
وليس المراد من النهي أن يلفظ بلفظ التحريم خاصّة، بل أن يتركه تشديداً على نفسه، سواء لفظ بالتحريم أم لم يلفظ به. ومن أجل هذا النهي اعتبر هذا التحريم لغواً في الإسلام، فليس يلزم صاحبه في جميع الأشياء التي لم يجعل الإسلام للتحريم سبيلاً إليها، وهي كلّ حال عدا تحريم الزوجة. ولذلك قال مالك فيمن حرّم على نفسه شيئاً من الحلال أو عمّم فقال: الحلال عليّ حرام، أنّه لا شيء عليه في شيء من الحلال، إلاّ الزوجة، فإنّها تحرم عليه...
20- ï´؟ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ï´¾ [سورة المائدة: 93].
قد يَلُوح ببادئ الرأي أنّ حال الذين توُفُّوا قبل تحريم الخمر ليس حقيقاً بأن يَسأل عنه الصحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، للعلم بأنّ الله لا يؤاخذ أحداً بعمل لم يكن محرّماً من قبل فعله، وأنّه لا يؤاخذ أحداً على ارتكابه إلاّ بعد أن يعلم بالتحريم، فالجواب أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا شديدي الحذر ممّا ينقص الثواب، حريصين على كمال الاستقامة، فلمّا نزل في الخمر والميسر أنّهما رجس من عمل الشيطان، خَشوا أن يكون للشيطان حظّ في الذين شربوا الخمر وأكلوا اللحم بالميسر وتُوفُّوا قبل الإقلاع عن ذلك، أوْ ماتوا والخمر في بطونهم مخالطة أجسادهم، فلم يتمالكوا أن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حالهم لشدّة إشفاقهم على إخوانهم، كما سأل عبد الله بن أمّ مكتوم لمّا نزل قوله تعالى: ï´؟ لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ï´¾ [سورة النساء: 95]، فقال: يا رسول الله، فكيف وأنا أعمَى لا أبصر؟ فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ï´¾ [سورة النساء: 143]. وكذلك ما وقع لمّا غُيّرت القبلة من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، قال ناس: فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يستقبلون بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: ï´؟ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ï´¾ [سورة البقرة: 143]، أي: صلاتَكم. فكان القصد من السؤال التثبّت في التفقّه، وأن لا يتجاوزُوا التلقّي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور دينهم.
21- ï´؟ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون ï´¾ [سورة الأنعام: 100].
كان دين العرب في الجاهليّة خليطاً من عبادة الأصنام، ومن الصّابئيّة عبادة الكواكب، وعبادة الشّياطين، ومجوسيّة الفرس، وأشياء من اليهوديّة، والنّصرانيّة، فإنّ العرب لجهلهم حينئذٍ كانوا يتلقّون من الأمم المجاورة لهم والّتي يرحلون إليها عقائد شتّى، متقارباً بعضها ومتباعداً بعض، فيأخذونه بدون تأمّل ولا تمحيص لفقد العلم فيهم، فإنّ العلم الصحيح هو الذائد عن العقول من أن تعشِّش فيها الأوهام والمعتقدات الباطلة، فالعرب كان أصل دينهم في الجاهليّة عبادة الأصنام، وسرت إليهم معها عقائد من اعتقاد سلطة الجنّ والشّياطين ونحو ذلك. فكان العرب يثبتون الجنّ وينسبون إليهم تصرّفات، فلأجل ذلك كانوا يتّقون الجنّ، وينتسبون إليها، ويتّخذون لها المـَعاذات والرُّقَى، ويستجلبون رضاها بالقرابين، وترك تسمية الله على بعض الذبائح. وكانوا يعتقدون أنّ الكاهن تأتيه الجنّ بالخبر من السّماء، وأنّ الشاعر له شيطان يوحي إليه الشّعر، ثمّ إذ أخذوا في تعليل هذه التصرّفات وجمعوا بينها وبين معتقدهم في ألوهيّة الله تعالى تعلَّلوا لذلك بأنّ للجنّ صلة بالله تعالى، فلذلك قالوا: الملائكة بنات الله مِن أمّهات سَرَوات الجنّ.
يتبع