مجموع فتاوى القرآن الكريم من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري




التعريف بالكتاب

الفن: علوم القرآن

المؤلف: محمد موسى الشريف

سنة النشر: 1433 هـ /2012 م

رقم الطبعة: الثانية

عدد المجلدات: (3 مجلدات)

إصدار: دار الأندلس الخضراء


حرص علماء الأمة الإسلامية على تدبر هذا الكتاب العظيم, واستفراغ الوسع في فهمه والعناية به, وأقبلوا على استنباط الأحكام منه وجعلوه إمامًا لهم, فما أحله الله تعالى أحلوه, وما حرمه الله تعالى حرموه, واتبعهم على ذلك السواد الأعظم من المسلمين فكانوا خير أمة لخير كتاب, فحفظهم الله تعالى بحفظهم لكتابه, وجعلهم خير أمة أخرجت للناس, وشرفهم ورفعهم وجعلهم سادة قادة للعالمين.
هذا وإن جهود علماء الأمة في العناية بالقرآن لا يمكن إحصاؤها ولا تقديرها, إذ كل من اشتغل بعلم من العلوم الإسلامية فهو معتن بالقرآن عامل به, فالمحدث معتن بآيات من كتاب الله تعالى منها:{ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} فهو مهتم بالبحث عما آتانا إياه الرسول "صلى الله عليه وسلم" وتحقيقه والاعتناء به، والفقيه مهتم بكتاب الله تعالى, محقق قوله جل جلاله:{فَاسْأَلُ وا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، والمؤرخ معتن بكتاب الله تعالى, محقق قوله جل جلاله:{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ}، والشيء نفسه يقال على كل عالم مقبل على علمه وهو في الوقت نفسه معتن بكتاب الله تعالى محقق لآياته, هذا عدا عن العلماء الذين انصبت جهودهم على كتاب الله تعالى وعكفوا عليه كالمفسرين والقراء.
هذا وإن طائفة من العلماء فرغت نفسها للتفقه في دين الله تعالى والغوص في كتابه الكريم فأخرجت لآلئ من الفهم والعلم هي حقًّا كنوز ثمينة وعلوم شريفة, ولعل من أهم هذه اللآلئ الفتاوى التي ازدانت بها مجالس العلماء وكتبهم, وتناقلها الخلف عن السلف, وأضافوا عليها من الإضافات المهمة ما جعلها كحبات العقد المنظوم.
وهذه الفتاوى تنوعت في مجالات شتى, فسائل يسأل عن نزول القرآن الكريم, وآخر يسأل عن جمعه، وثالث عن قراءته, ورابع عن فقهه, وخامس عن مسائل العقائد المتصلة به، وسادس عن تجويده, وهكذا...
وقد تفرقت هذه الفتاوى على مدار القرون في كتب ورسائل, وتناثرت فلم يعد يجمعها كتاب جامع لتلك الفتاوى المنثورة في نظام واحد, فعقد مؤلف الكتاب العزم مستعينًا بالله على جمعها في كتابنا هذا، وكان منهجه في هذا الجمع على النحو التالي:
أولًا: جمع جميع الفتاوى المطبوعة التي وقف عليها في ثنايا الكتب القديمة والجديدة على سواء, وذلك من القرن الأول حتى القرن الرابع عشر, وكذلك المجلات الشرعية والدعوية والثقافية, فكل من مات قبل انقضاء القرن الرابع عشر ففتاواه مندرجة في هذا الكتاب, واستثنى القرن الخامس عشر – وقد انقضت منه عشرون سنة تقريبًا – للأسباب التالية:

أ*- سهولة الحصول على فتاوى هذا القرن مقارنة بما سبقه من قرون.
ب*- اختصار حجم الكتاب, إذ قد نشطت حركة الإفتاء في هذا القرن وتعدد المفتون وكثروا حتى صار من الصعب حصرهم, ولو أراد حصرهم واستقصاءهم لجاء هذا الكتاب في حجم مضاعف مرات عديدة.
جـ*- أكثر من أفتى في هذا القرن الخامس عشر مازال حيًّا، ولعله أن يرجع عن فتواه.
ثانيًا: استثنى الفتاوى المخطوطة, وذلك مراعاة لحجم الكتاب.

ثالثًا: اعتمد على فتاوى أهل السنة والجماعة, فلم يورد فتاوى الفرق الضالة، ولم يعرج عليها.

رابعًا: اعتمد منهج الاستقصاء في هذا الجمع, فلم يترك– فيما وقف عليه من الفتاوى– إلا ما لم يَعُد صالحًا لهذا العصر بحال, ولم يعد أحد يحتاج إليه, وذلك نحو فتاوى رهن المصحف, والفتاوى من هذا النوع المتروك قليلة جدًّا.

ولقد ترك الفتاوى الخاصة بالتفسير لسببين:
- لكثرتها جدًّا بحيث تكون كتبًا كاملة في بعض الأحيان.
- والسبب الآخر: سهولة الحصول عليها, فلذلك لم ير إثباتها في هذا المجموع.
لكنه أورد في القسم السادس- قسم التفسير وترجمة القرآن- الفتاوى العامة التي يسأل المستفتون فيها عن كتب التفسير مثلًا وعن أنواعه... إلخ. ولم يتطرق إلى الفتاوى الخاصة بتفسير معاني القرآن وجهله للسببين أنفي الذِّكْر.
خامسًا: أورد الفتاوى بنصها كاملة إلا النزر القليل الذي تصرف فيه لطوله المفرط, أو لغير ذلك, كخطأ طباعي في الأصل ونحوه مما يقتضي نوعًا من التصرف.

سادسًا: صنَّف الفتاوى أصنافًا, وألحق كل نظير بنظيره, واجتهد في ترتيبها على القرون؛ فيورد مثلا فتوى المتقدم أولًا في كل قسم من الأقسام التي أوردها في هذا الكتاب, وقد جاءت هذه الأقسام على النحو التالي:

1- الحكمة من إنزال القرآن العظيم وبلاغته والتحاكم إليه.
2- خواص القرآن.
3- فضائل القرآن.
4- آداب القرآن.
5- العقيدة.
6- التفسير وترجمة القرآن.
7- قراءة القرآن العظيم.
8- القراءات.
9- الرسم والتجويد.
10- قراءة القرآن بالألحان.
11- قراءة القرآن على الميت.
12- الطهارة لقراءة القرآن الكريم ومسه.
13- مسائل متفرقة.
سابعًا: لم يثبت المؤلف في كتابه من الفتاوى إلا ما نُص في سياقه على أنها فتوى, نحو: سئل الشيخ الفلاني عن كذا فأجاب بكذا, أو أن الفتوى قد انتزعت من كتاب خاص بالفتاوى مثل الفتاوى الهندية, إذ بعض الفتاوى الواردة فيه ليس فيها نص على السؤال, بل فيها إجابات على أسئلة قد حذفت, أما ما عدا ذلك فلا يورده لاحتمال ألا يكون فتوى, وإنما هو تقرير أو ما شابه.

ثامنًا: حاول المؤلف أن يبين في كل طائفة من الفتاوى ذوات الموضوع المتماثل أو المتقارب الراجحَ منها, وقد يعلق على ما يرى التعليق عليه, منتقدًا بعض ما أورده بعض السادة العلماء الأجلاء مما يرى أنه خالف الحق أو المنهج الصحيح في ظنه.

تاسعًا: جرى المؤلف على المنهج العلمي في وضع مادة هذا الكتاب، وذلك على النحو التالي:

أ*- بين مواضع الآيات الكريمة من سورها.
ب*- خرج الأحاديث الشريفة بعزوها إلى كتبها المخرجة فيها, فما كان منها في صحيح البخاري فقد اكتفى ببيان موضعها منه, وما كان في غيره تخير منه ما وسعه الاختيار, واكتفى من التحقيق الواسع ببيان درجة الحديث, واستعان في هذا بتخريج علماء الحديث وتحقيقهم, وما لم يجد فيه لأحد كلاما اجتهد فيه برأيه.
جـ*- التزم تخريج الآثار بعزوها إلى كتبها، وربما بين درجة بعضها وفق المنهج الذي ذُكر في الفقرة السابقة.
د*- ترجم للأعلام الواردة ترجمة مختصرة، وقد استعان في كثير من التراجم بـ«التقريب»، وما كان من التراجم خارجا عن ذلك الكتاب فإن كان طويلا اختصره، وإلا تصرف في إثباته بعض التصرف، وأشار إلى الكتاب الذي استقى الترجمة منه جزءا وصفحة.
هـ*- ألجأت المؤلف بعضُ نصوص الفتاوى إلى عمل شيء من التحقيق العلمي، وذلك لسوء الطباعة أو السقط ونحو ذلك، فعمد إلى مقارنة بعض النصوص الواردة في كتب مختلفة وخرج بنص مختار، لكن نسبة هذا قليلة بالنظر إلى مجموع فتاوى الكتاب، التي اكتفى منها بالنص الوارد في الكتاب المطبوع إن غلب على ظنه صحة ما فيه، والأمن من السقط.
و*- شرح بعض الكلمات والمصطلحات التي قد يعزب معناها عن بعض القراء الكرام.
ز*- وضع فهارس شاملة متنوعة تخدم الناظر في الكتاب.



أهمية هذا الكتاب


لهذا الكتاب فوائد عدة مهمة تتلخص في الآتي:
أولا: جمع ما تفرق في بطون الكتب والمجلات في موضع واحد، وفي هذا فائدة للباحث المتتبع الذي قد تحول مشاغله الكثيرة دون الوقوف على ما يريد.

ثانيا: ترتيب الفتاوى على أقسام مما يسهل على الباحث جمع آراء العلماء في مسألة معينة.

ثالثا: رتبت الفتاوى في كل قسم على القرون، وهذا يساعد المتتبع لتغير الفتاوى بحسب الزمان والمكان، ومعرفة منهج العلماء المختلفة في الفتوى.

رابعا: في هذا الترتيب والتقسيم فرصة للاطلاع على تغير الأحوال الاجتماعية للعالم الإسلامي عبر القرون، وتدرجها من القوة إلى الضعف ومن الإتباع إلى الابتداع.

خامسا: معرفة مدى اهتمام العلماء بالقرآن الكريم وكيف صرفوا أعمارهم في دراسة كتاب الله تعالى والتنقيب عن جواهره ودرره.

سادسا: هذا الجمع قد يفيد في معرفة مكانة عدد من كبار العلماء، وذلك عندما تقارن فتاواهم بفتاوى الآخرين من العلماء، ويعرف منهجهم في الاستدلال والترجيح، وسعة إحاطتهم، وقوة مأخذهم.

سابعا: إثراء المكتبة القرآنية التي لم تنل حظها بعد كما نالت علوم العقيدة والحديث والفقه حظوظها الوافية، فإن الناظر في المكتبة القرآنية يدرك عند مقارنتها بغيرها من العلوم أنها لم تؤت حظًّا وافيًا.

والأهمية العظمى لهذا العمل هي جمع تراث العلماء السابقين فقد تأكدت أهمية أن يجمع التراث على وجه يحفظ تلك اللآلئ المنثورة والدرر المبعثرة المتروكة، فإن هذا الجيل قد قعدت همته أن يطلع على آثار الأولين على وجه حسن مُرضٍ، فكان لزامًا أن تُقرّب له مصنفات السلف ويُختار له منها.
منقول