أوصيكم بهؤلاء، وإني لأشدُّكم إلى بركاتهن في الدارين وبرزخٍ بينهما فقرًا:

أوصيكم بلا إله إلا الله؛ علمًا بها، وانقيادًا لها، وجهادًا في سبيلها؛ إنها أحلى آلاء الله.

وأوصيكم بالصدق؛ قُصُودًا وأقوالًا وأفعالًا، ما ضجَّت السماء بصاعدٍ من الأرض مثلُ الكذب.

وأوصيكم بالإخلاص؛ أبلغُ توحيدِكم ربَّكم، أعمال المخلصين أسرار المحبين؛ تُطوى ولا تُروى.

وأوصيكم بالصلاة؛ فإنها أجلى شواهد الحب، وأطيب أزواد المسير، وأنفع ذخائر العاقبة.

وأوصيكم بالقرآن؛ أن تُفنوا أنفسكم فيه إفناءً، ألا إن أرضاكم بالحياة عيشًا أوفاكم من روحه نصيبًا.

وأوصيكم بالإسلام؛ تطييبًا لخاطره، وتطبيبًا لجراحه، وأخذًا بجميعه، وصبرًا في سبيله، واحتمالًا من بنيه، وإظهارًا لشعائره، ومرحمةً بهداه، وأن تتيهوا بعقائده وأنساكه وأخلاقه في العالمين.

وأوصيكم بنبيكم؛ أن تتَّبعوه ثقةً ورضاءً؛ فلا تزيدوا اكتفاءً به، ولا تنقصوا جفاءً له.

وأوصيكم بالدعوة؛ ما أظمأ الأرواح إليكم! وإن الله يحتمل لصاحبها ما لا يحتمل لغيره من الناس.

وأوصيكم بالحب في الله وحده؛ لا شريك له من رحمٍ، ولا عشيرةٍ، ولا جماعةٍ، ولا وطنٍ.

وأوصيكم بالوعي؛ لا يفتقر عدوكم إلى مزيد وعيٍ بكم، ولا يشتهى منكم مغنمًا كغفلةٍ تغفلونها.

وأوصيكم بالجمال؛ "إن الله جميلٌ يحب الجمال"؛ أن تفيض به قلوبكم به على الحياة جميعًا.

وأوصيكم بضعفاء المسلمين وعصاتهم؛ رأفةً وإشفاقًا، وعونًا وإسعافًا، وبسطًا وإفضالًا.

وأوصيكم بالكفار؛ براءةً من سَوادِهم، ودعاءَ أولي الدعوة، وقتالَ أولي المقاتلة.

وأوصيكم بالجاهلية؛ وضعًا لها، ومعرفةً بها، ونقضًا لعُراها، وبناءً للشريعة على أنقاضها.

وأوصيكم بالطواغيت؛ تبصيرًا بهم، وإعدادًا لهم، واجتنابًا لمسالكهم، ولعنَهم بالجبار لعنًا كبيرًا.

وأوصيكم ببلادكم؛ إعتاقًا لها من إسار نظام الجاهلية العالمي، لا تحقروا في نقضٍ وبناءٍ شيئًا.

وأوصيكم بأرحامكم؛ لعل مقطوعًا بيننا وبين الله تجبره الصلة، وإن أرحم الرحم أمهاتكم وآباؤكم.

وأوصيكم بالحياء؛ صفة الله، وشيمة رسوله، وخلق الإسلام، ما أعزَّه هذا الزمان البئيس!

وأوصيكم بالعلم؛ العلم الفصل والوصل؛ كلٌّ بما يستطيع سبيلًا، وما على المحسنين من سبيلٍ.

وأوصيكم بالجماعة؛ لو استغنى مسلمٌ عن أخيه في الأرض؛ لاستغنى نبيٌّ موصولٌ بالسماء.

وأوصيكم بالإحسان إلى الناس؛ أخذًا للعفو، وأمرًا بالعُرف، وإعراضًا عن الجاهلين.

وأوصيكم بالجدِّ؛ قد اتسعت بالهازلين خُروق المعاش والمعاد، وفي دواهي المسلمين شغلٌ.

وأوصيكم بالحب؛ ألا إن أولى ما أنفقتم فيه الحبَّ ردُّ الناس إلى وطنهم القديم؛ "جناتِ النعيم".

وأوصيكم بالفرقان؛ في اعتقادٍ، وعلمٍ، ونسكٍ، وسياسةٍ، وحركةٍ، وجهادٍ، وأخلاقٍ.

وأوصيكم بالتواضع؛ أبينُ آيات عبودية قلوبكم، وأقومُ بيِّنات سلامة نفوسكم.

وأوصيكم بالكرم؛ ما وارى العيوبَ مثلُه، ولا ملَك النفوسَ شبهُه، وإنه لتوأم الشجاعة.

وأوصيكم بالوفاء؛ أن تشملوا به الخلق أجمعين، وأوفى وفائكم توحيد الله واتباع الرسول.

وأوصيكم بالحكمة؛ أن تأتوا البيوت من أبوابها، وأن تزوَّدوا من العلم والسير في الأرض لها.

وأوصيكم بالقصد؛ إذ تعتقدون وإذ تقولون وإذ تتركون وإذ تفعلون، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ.

وأوصيكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الله الله لا تنقض عروةٌ لدينك من قِبَلك بتفريطٍ فيه.

وأوصيكم بالدعاء؛ سهام الأرض النافذة إلى السماء، البالغة سدرة المنتهى، الدعاء برَد العيش.

وأوصيكم بالزهد في الدنيا والناس؛ فإنه عن المهانات أصوَن، وعلى الكرامات أعوَن.

وأوصيكم بالصبر؛ على الطاعة، وعن المعصية، وفي البلاء، الصبرَ الصبرَ إلى الموت.

وأوصيكم بالأدب؛ فإنه زينة النفس، وجبر النقص، وحظوة الحمد، ورواء المعاشرة.

وأوصيكم بالصمت؛ ما جنى جزءٌ على كلِّه كاللسان على صاحبه، ولا يستطاع بغير الله.

وأوصيكم بالاستغفار؛ لا يجتمع ومخازي الدنيا والآخرة أبدًا، قد أفلح المكثرون.

وأوصيكم بالسجود؛ كيفِه وكمِّه؛ إنه زوال الكآبات قبل زوالها، ودخول الجنات قبل دخولها.

وأوصيكم بقلوبكم؛ أن تصونوها عن خسيس الحب وعسيره، حسبها محبة الله والطيبين.

ذلك؛ واعلموا أنكم لن تأتوا الله سالمين بباطنٍ كالبراءة من أعدائه، ولا ظاهرٍ كالجهاد في سبيله.