تغيير المنكر ... مسؤولية مشتركة



علاء الدين عبد الفتاح




لا دولة بلا قانون، ولا قانون بلا تطبيق ومتابعة.. الدولة تسن التشريعات التي تغير المنكرات وتحول دون تفشيها في المجتمع، وتخصص جهات بعينها للمتابعة والتنفيذ، لكن المجتمع بأسره مطالب بالمراقبة والإبلاغ والتحقق من أن القانون سائد ومحترَم .
كل منا مطالب باليقظة والإنتباه وتحري الصواب فيما نفعل أولا وفيما يجري حولنا ثانيا، ثم التصرف- ثالثا- بإيجابية.. وإبلاغ السلطات المختصة بأي خرق لتطبيق القانون الذي لم يسن إلا للمصلحة العامة.. وحتى إن لم تلتزم مؤسسات الدولة بالقانون فعلى المجتمع رفع الأمر للسلطة الحاكمة والعمل على تغيير المنكر.
وإذا كان الإيمان هو «ما وقر في القلب وصدقه العمل» وإذا كان الدين هو المعاملة وإذا كان القوم الذين ركبوا في سفينة خرقها بعضهم قد نجوا لأنهم أخذوا على أيدي من ظن أنه حر على الإطلاق يفعل ما يشاء، وإذا كان قوم قد هلكوا لأنهم لم يتناهوا عن منكر فعلوه، وإذا كنا مأمورين بأن نتقي فتنة لا تصيبن الذين ظلموا- منا- خاصة.. فأي ملجأ من الله إلا إليه؟ وأي عذر لدينا كي لا نطبق ديننا في كل سلوكيات حياتنا؟ إذا كنا نؤمن بأن الإسلام دين حركي لا رهبنة إبتدعوها ما كتبها الله على أحد، فلماذا لا نتحرك بإيجابية ونغير ما إستطعنا من سلبيات إلى خانة الإيجابيات؟ كلنا ننام وبعضنا يصحو.. كلنا يمضى إلى مهامه اليومية وبعضنا يقلد «التنابلة».. كلنا يرى ما لا يسر الخاطر ومعظمنا يدير الوجه ويستكمل السير وكأن شيئًا لا يعنيه!! مع أن الأمم التي تقدمت بعد أن خَلَدَت أمتنا للدعة والراحة تركت لنا رسالة عبر الأثير الحضاري موجزة فيها أسباب تقدمها، ومنها تربية النشء على الإيجابية والنظر إلى الغابة لا إلى الشجرة فقط! والأمر المدهش هنا اننا نتعامل مع المنكرات على أنها لا تخصنا ولن تلحق بنا ضررًا طالما لم نقم نحن بها مع أنها فتنة حذرنا الله منها ومع أنها وباء يمتد أثره شئت أم أبيت عبر السمع والبصر والفؤاد وكل أولئك الذين نحن عنهم مسؤولون .
ينظر كل منا إلى المنكر ولا يغيره لأنه ينظر تحت قدميه فقط، لا يرى إلا حذاءيه اللامعين العابرين على أنقاض من مضوا قبله.. لا يرى إلا شجرة من ألف شجرة تمتلئ بهم الغابة.. نظرته بهذا الضيق الذي يستحيل معه أن يرى أن الآفة عند غيره سرعان ما تنتقل إليه وإلى أهله وأن سلبيته وسطًا مناسبًا جدًا لنمو هذه الآفات المدمرة.

ومع ذلك فالتغيير لا يكون إلا بحكمة وموعظة حسنة ومستندًا إلى ما سيؤول إليه من ردود فعل تتصل بالواقع، لا متأثرًا بالماضي فقط ولنا في رسول الله أسوة حسنة أستاذ البشرية في تغيير المنكر بحسن المعاملة.. الذي لم يغضب لنفسه قط إلا لحد من حدود الله.. الذي لان قلبه لمن جذبه من ثيابه، وأمر أن يزاد له في عطيته جزاء ما روعه صاحبه الفاروق عمر.. الذي أرشد الصحابة إلى صب الماء على أذى أعرابي في مسجد ثم علمه برفق أن المساجد لا يصلح فيها ما فعل وإنما هي للصلاة وقراءة القران وذكر الله .
إن «االوعي الإسلامي»، وهي تفتح ملف تغيير المنكر، تضع نصب عينيها جناحي التغيير وهما الإيجابية والرفق معًا.. مناشدة الجميع التحليق بهما من أجل مستقبل أفضل لعالمنا الإسلامي .