ضمانات القرآن الذاتية
لعالمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
د. راجح عبد الحميد سعيد "كردي بني فضل" ([·])
مفهوم الألوهية والعبودية:
يقدم القرآن الكريم تصورا واحدا صحيحا ثابتا شاملا لمفهوم الألوهية، إنه الرب وحده بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، رب كل شيء وملكيه، إليه يستند كل شيء في وجوده وفي نظامه وحركته قال عليه الصلاة والسلام: "كان الله ولم يكن شيء غيره" ([71]). وقال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ (3) ولَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص: 1-4).
ويعرض القرآن الكريم حقيقة الألوهية بمنتهى دقة المعرفة والتعليم للبشر بما يضمن وضوح هذه الحقيقة وثباتها دون تغيير أو تبديل، أو السماح باعتداء على أي شيء من حقائقها، طبقا لحفظه القرآن الكريم الذي: (ا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42). ومختصر المعرفة الصحيحة لهذه الألوهية: أنه ([72]) هو وحده لا شريك له هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والخالق والرازق والمدبر، والخافض والرافع، والمعز والمذل، والمنتقم الجبار، والعفو والودود، والعلي الكبير، وشديد الحساب وسريع الحساب، والقريب والمجيب، والذي يحول بين المرء وقلبه، والذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو معهم أينما كانوا، وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو، وينزل الغيث من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، ويولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويحيي الأرض بعد موتها، إنه لا ملجأ منه إلا إليه، وأنه الرؤوف والرحمن، والرحيم، وأنه مالك الملك، وأنه خالق كل شيء ومليكه، وأنه يخلق ما يشاء ويختار، وأنه السلام، والمؤمن، والمهيمن، والعزيز، والجبار، والمتكبر، والقوي، وأنه الحكيم، الخبير، والقاهر والقهار، وأنه بديع السموات والأرض، وأنه لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وأنه اللطيف والخبير، وأن كل شيء عنده بمقدار، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الكبير المتعال، وأنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وأنه الحي والمحيي والمميت، وأنه ليس كمثله شيء وأنه هو السميع البصير، وأنه الوكيل والشهيد والحق، وأنه ذو الجلال والكرام، وأنه رب العالمين.
وبهذا فإنه يجب أن يتوجه إليه العبد في كل شيء؛ من أمره، فمنه وحده نأخذ هديه في عبادته، واليه يوجه كل شيء قصده من عبادته، وبما شرع يعبده من له إرادة مختارة في الايماني به والعمل بطاعته، قال تعالى: (ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص: 88)، إنها حقيقة التوحيد قال تعالى: (أَلا لَهُ الخَلْقُ والأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ) (الأعراف: 54).
بمثل هذا المقوم تقوم الحقيقة الكبرى في الرسالة العالمية، وهو مقوم ثابت لا يتغير بتغير الزمان ولا المكان ولا البيئة، ولا المستوى العلمي، ولا الاختلاف الحضاري، مما يشكل ضمانة ثابتة لعالمية الرسالة؛ فإن منطلقها معرفة الله، وإن معرفتها له واحدة ثابتة يسهل معرفتها وتصور العلاقة معها، ذلك لأن القرآن كلام الله، والإنسان خلق الله، والثوابت في الألوهية تقابلها الثوابت في النفس الإنسانية، والفطرة الإنسانية، مما يساعد على الاستقامة على النهج في ما يقابل الألوهية من مقوم العبودية، وهي الحركة من البشر نحو الله، معرفة بالإيمان، وعبادة بالطاعات والبعد عن المعاصي في كل أمور الحياة، وفقا لقوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
وقد ضمنت الرسالة الإسلامية عالميتها بهذا القرآن الذي دعا إلى وضوح هذه الحقيقة التي يقوم عليها الدين منذ خلق الله آدم، وعبر رسالات الأنبياء والرسل السابقين إلى أن نزل هذه القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ليختم بيان هذه الحقيقة، حقيقة الألوهية الواحدة، والعبادة الواحدة لله وحده، ولتكون خطابا لكل البشر إلى قيام الساعة، كما كانت خطابا للبشر قبل الرسالات السابقة، وتجددت وختمت بخطاب القرآن نهائيا إلى قيام الساعة ومفادها في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64)، وقوله تعالى: (قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزمر: 11).
وأقام القرآن انفصالا واضحا بين الرب في تصور النسان وايمانه ومعرفته له، وبين الإنسان العابد لله وحده لا شريك له في مختلف شؤون حياته، مما أقفل الباب تماما على الخلط بين الألوهية والإنسانية، فلا يمكن للإله أن يحمل صفات البشر، كما لا يمكن أبدا ان يحمل الإنسان شيئا من صفات الرب سبحانه. ولذلك كانت الألوهية الواحدة مجردة لأي ادعاء باطل من أي إنسان، فردا، أو طبقة، أو حزبا أو عالما أن يدعي أنه يعبد، أو أن له شيئا من مظاهر الألوهية، إن خلقا وتصرفا في شيء من الكون، وان تألها أو زعم تقديس، وان عبادة، وطاعة وتقربا؛ أمرا أو نهيا. وعلى هذا فإن بيان حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية المتمثلة ببيان وظيفة الإنسانية العابدة، ما يقيم ضمانة كافية لهذه العالمية للرسالة وأحكامها وأنظمتها، وعبادة واحدة؛ في موازينها، وقيمها، وسلوكها، وعبادة واحدة في غرضها، وآمالها، وأهدافها، وقاعدة الجزاء في الدنيا، وفي الآخرة ([73]).
الموضوع الثاني - عقيدة البعث والجزاء:
عقيدة البعث والجزاء أو الإيمان باليوم الآخر، عقيدة كان ينكرها المشركون، ويسيء معرفتها أصحاب الأديان السماوية بما وقع في كتبهم من تحريف، وما وقع من أحبارهم ورهبانهم من تزوير، حتى فقدوا معنى الايمان بالآخرة، وأفسدوا تصورهم لها، فقد تلاشت عقيدة الآخرة عند اليهود بسبب جشعهم وطغيانهم المادي وعدوانهم على البشرية، وتاهت عقيدة النصارى فيها، لأن بولس أفسد عليهم نصرانيتهم - كما ذكرنا قبل قليل - بوثنية لا يوجد فيها تصور صحيح للآخرة، واتجهوا إلى رموز غير مفهومة، والى البحث عن سعادة غير حقيقية، بنظرية الاسقاط للدنيا من أجل الآخرة غير المعروفة لديهم.
أما القرآن الكريم: فقد قدم وصفا صحيحا واقعيا للآخرة، ووازن بين عمل الدنيا وجزاء الآخرة، وبين إحسان التوازن بينهما في هذه الحياة الدنيا فقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77).
وجعل القرآن للدنيا طعما ومذاقا في ظل مذاق الآخرة، كما جعل للحياة الدنيا معنى مفهوما بالسعادة فيها، انتظارا لسعادة الآخرة؛ قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون: 115).
ووصف لنا الآخرة ومنازلها من الموت إلى البرزخ، إلى قيام الساعة، إلى البعث والنشور، والمحشر والحساب والميزان، ودخول الجنة أو دخول النار. كما وصف لنا درجات الجنة، ودركات النار. ووصف لنا في كلي منهما ما ينتظر أهلها، بحيث يعيش الإنسان دنياه موقنا بإقباله على ربه للجزاء، عاملا بالصالحات متجنبا السيئات من أجل الفوز بالجنة، والنجاة من النار ولهذه العقيدة الثابتة عن الآخرة واليقين بها ما يحقق آمال الفطرة البشرية التي تتجه إلى الاطمئنان إلى تحقيق ما تبتغيه من سعادة لا تكتمل في الدنيا، ومن عدل مطلق لا تجده في الدنيا، ومن يقين بنتائج ما تقدمه وتكافح من أجله، بحثا عن فطرة تشعر بضرورة الملك الأبدي والخلود الأبدي المزروع في أعماقها كما في قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (طه: 120). وقوده: (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (الأعراف: 20)، فحب الخلود يقتضي خلود مفهوم الآخرة، والقرآن بتخليده لعقيدة البعث والجزاء يضمن عالمية هذه الرسالة.
الموضوع الثالث - العمل الصالح:
وهو الثمرة اللازمة للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله عز وجل. وقد قدم القرآن منهاجا واضحا تفصيليا للعمل الصالح في آياته وسوره، مما يصلح البشرية، ويضع لها القواعد العامة، والأمثلة التفصيلية على كل قاعدة، بما يضمن تطبيق هذا الدين بمنهجه وأحكامه وشريعته على البشرية كافة إلى قيام الساعة، طبقا لضمان عالمية رسالته.
ويتجلى ركن العمل الذي قصد إليه القرآن بأنه احتوى شريعة شاملة ونظاما متكاملا لحياة البشرية في مختلف شؤونها؛ فردا وجماعة، أسرة ومجتمعا، أمة ودولة، سلما وحربا، سياسة وحكما، اقتصادا ومالا، كسبا وانفاقا، بما عبر عنه فقهاء الاسلام وعلماء الأصول بالفقه، والذي جعل علم أصول الفقه أساسا له؛ لاستنباط الأحكام الشرعية العملية في مختلف شؤون الحياة من الأدلة الشرعية، فكانت تلك الأحكام الشرعية العملية أو الفرعية فقه هذا القرآن، وبما اعتمد من مصادر التشريع؛ سنة واجتهادا شريعة الأمة المسلمة ونظامها العملي في حياتها. وهي شريعة تقوم على أصول ثابتة تسمح بمعالجة مستجدات الحياة وتستوعب تطورات العصر ([74])، لتجعلها تحت جناح هذه الشريعة، بما جعل الله لها من أصالة وثبات في أصول الأحكام ومراتبها؛ من حل وحرمة، ومن مقاصد الشريعة، وما عرف من ضرورات وحاجيات وتحسينيات ومكملات مصالح، وبما اعتمد من مصادر التشريع التبعية لها من اجتهاد وقياس واستحسان ومصالح مرسلة وغرف وغيرها. ولقد أنضج علماء الأمة هذا الجانب في موضوعات القرآن، وأصول فهمه بمكتبة أصلية نامية، ومتطورة بما لا يحصى من المراجع والدراسات، والمذاهب الفقهية، وأعلام الاجتهاد؛ وذلك محقق لقول ربنا تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3). فتمام الشريعة من تمام القرآن، وكمالها من كماله ([75]) وديمومتها وصلاحيتها من خاتميته وخلوده. ومن ثم كان هذا القرآن في أحد موضوعاته، وهي الشريعة، وفي جوهره وذاته وصلاحية شريعته ضمانة ذاتية لعالمية رسالته. ويفصل محمد يوسف موسى خصائص هذا التشريع الإسلامي بما يضمن هذه العالمية، بما مجمله ([76]):
أن هذا التشريع في أساسه يقوم على وحي إلهي ثابت محفوظ وهو القرآن، وأحكامه تقوم على استقرار، ولها في نفوس الناس من الفطرة ما يجعلها مقبولة لديهم، إذ هي أحكام الله خالق الفطرة، وهو الأعلم بما يحقق مصلحة الإنسان كما قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14).
وهي مقنعة للمخاطب بها.
كما هي ذات هدف أخروي مع كونها نافعة للإنسان في حياته الدنيا.
وأن واضعها - وهو الله سبحانه - إنما شرعها لمصالح العباد في العاجل والآجل، وأن هذا ثابت بالاستقراء في جميع الأحكام إلى قيام الساعة.
"واذا كانت الرسالة الاسلامية ليس بعدها رسالة إلهية، واذا كان رسولها هو خاتم النبيين، واذا كان من النتائج المنطقية لذلك: أنه أرسل إلى الناس كافة (...) وجب أن يكون ما فيها من تشريعات قد قاصت على أسس تجعلها صالحة للناس عامة في كل مكان وزمان، والأمر كذلك حقا؛ فإن هذه الشريعة بما قامت عليه من أسس قوية ومرنة معا صالحة حقا لكل بلد وناس وعصر وآن" ([77]).
وموضع هذا كله إنما هو القرآن كتاب هذه الرسالة، فقد احتوى في موضوعاته هذه الشريعة وأسسها، من مثل تحقيق العدل الشامل والرحمة، ورعاية مصالح الناس جميعا، واليسر في الشريعة برفع الحرج لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، وقوده: (أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185). وذلك منسحب في كل التشريعات من عبادات ومعاملات، وعقوبات وسياسات.
وبالتالي فإن هذا القرآن بما حواه من شريعة عالمية أصلها وثبتها وبينها ووضحها، وجعل لها من القواعد والتطبيقات ما يضمن صلاحيتها لكل زمان ومكان وبما يسمح بعالميتها، فكان القرآن بشريعته يحمل في جوهر موضوعاته ومبادئه ومقاصد شريعته وأهدافها ضمانة ذاتية لعالمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
المطلب الرابع
القيم والأخلاق
منظومة القيم التي قدمها القرآن على أنها قيم إنسانية، تجد لها أساسا في فطرة الإنسان المخاطب بها إلى قيام الساعة، بما يسمى بالبصيرة أو الحاسة الفطرية أو الحاسة الأخلاقية أو الضمير ([78]). ويجعل القرآن بناء هذه الأخلاق على مصادر الإلزام الربانية، فهي تنبثق من الإيمان بالله في حقيقتها، ومن العبادة لله وحده في مظهرها. وهي أخلاق يتحمل المرء مسؤوليتها دنيويا، كما يتحمل مسؤوليتها أخرويا. ويهدف المرء منها سعادة الدراين، فترضى نفسه وفطرته، وتتحقق منافعه الدنيوية، ولكنها في غايتها الكبرى يقصد منها مرضاة الله سبحانه، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
وهذه المنظومة الأخلاقية التي يقدمها القرآن أوصت بها جميع الأديان الإلهية، والطبائع البشرية العاقلة، والفطر السليمة، ولكنها في القرآن إيمان ودين، سلوك وعبادة، إنسانية في توجهها للعالم، إيمانية في تبني المسلم لها، دنيوية في تطبيقاتها، أخروية منجية في غاياتها الكبرى والنهائية. كما أنها شاملة ومتوازنة وإيجابية وثابتة، لا تتغير بتغير الزمن والأحداث، والأشخاص والهيئات، مع الصديق ومع العدو، مع المسلم وغير المسلم ([79])، من مثل العدل والأمان، والصدق والوفاء بالعهد والوعد، والرحمة، وغيرها وما يتولد فيها من سلوك فردي، واجتماعي وجماعي، يميز المسلم فردا، والمجتمع جماعة، والأمة عالميا. وكل ذلك فيه ضمانة العالمية للرسالة التي تحمل هذه الأخلاق القرآنية.
وأبسط مثال على ضمانة القرآن للعالمية في أخلاقه في ضرورة إقامة العدل بين الناس، كل الناس، بغض النظر عن أي اعتبار شخصي أو ديني أو اجتماعي أو عرقي أو زماني أو مكاني، هو في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58)، وفي قوله تعالي: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).
واذا كانت الشعارات تدعو إلى التسامح ولو مع الظالم، ويقول قائلها استغفروا لأعدائكم، فالقرآن يطلب من المؤمنين أن يعدلوا مع كل إنسان ولو كان عدوا. ولقد فهم علماء الإسلام من قوله الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، أن هذه الآية أجمع آية لمعاني الإسلام، وفيما روى أنه عندما شاعت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب، وتناقلها الركبان أرسل اكثم بن صيفي أولاده ليسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم عما يدعو إليه، فتلا عليهم هذه الآية، فرجعوا إلى أبيهم، ولما سمع ما تلوا عليه قال الحكيم العربي: "إن هذا إن لم يكن دينا فهو في أخلاق الناس أمر حسن، كونوا يا بني في هذا الأمر أولا. ولا تكونوا آخرا ([80]).
والعدل ليس قيمة فردية فحسب - شأنها شان سائر قيم القرآن - بل قيمة جماعية، وليس قيمة إيمانية فحسب، بل قيمة إنسانية، كما أنه خلق عالمي حتى في أقسى ظروف العلاقات بين الناس وهي الحروب.
ومن هنا تأتي الأخلاق والقيم الإنسانية في جوهر الكتاب شريعة دولية، وضمانة ذاتية لعالمية الرسالة؛ ولهذا يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، ويقول: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194)، ويقول:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل: 126)، ويقول: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6). فكل عباد الله سواء أمام هذه القيم من حيث منشؤهم ومالهم، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). ولا مصلحة لله في تغليب فرد على فرد؛ لأن الله تعالى منزه عن المصلحة ([81]).
ثم إن القرآن يكفل من الوسائل التربوية لهذه الأخلاق، ما يضمن فاعلية تبنيها من النفس الانسانية منذ الصغر؛ لتكبر مع الإنسان، ولتصبح سلوكه الذي يصدر عنه دون تكلف ودون صراع شديد مع النفس الأمارة بالسوء، بما يضمن تحقيق الأهداف العليا للبشرية.
وهذه الأخلاق ربانية في مصدرها؛ لأنها من القرآن، وربانية في تطبيقاتها؛ لاتها عبادة لله عز وجل، وايمانية أخروية في أهدافها الكبرى؛ لأنها يقصد بها مرضاة الله سبحانه بدخول الجنة والنجاة من النار. وهي إنسانية في إطارها البعيد، وإيمانية في إطارها القريب، وهي بهذا كله ضمانة لعالمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي تحملها وتدعو يليها، وتطبقها بمنتهى الدقة والحيوية.
الخاتمة
ويمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها الباحث بما يأتي:
يحمل القرآن في ذاته وجوهره ضمانة العالمية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
القرآن - بما هو رباني المصدر - يحمل ضمانة العالمية.
القرآن خاتم الكتب الإلهية ومصدق لها ومهيمن عليها، وهذا يؤهله لضمان العالمية.
التواؤم بين القران في منهجه وفطرة الإنسان في نزعته الإنسانية - وكلاهما رباني المصدر - مؤهل لعالمية الرسالة، وضامن لها.
القرآن يحمل وحدة الخطاب، وفيه من المبادئ والأصول التشريعية ما يجعله ضمانا لعالمية الرسالة.
مقاصد القرآن في كونها تحمل الحق والهداية والعبادة والشفاء والرحمة، وتحيي سنة التدافع؛ ليحق الحق في معركة الحق مع الباطل الدائمة كلها مؤهلات لعالمية رسالته وضامنة لها.
كل موضوع من موضوعات القرآن فيه من ضمانة العالمية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما فيه، من مثل وضوح عقيدة التوحيد والبعث والجزاء، ومن حيث العمل الصالح وصلاحية الشريعة للدوام، ومن حيث ثبات القيم والأخلاق التي يحملها القرآن ويدعو إليها.
انتهي البحث بحمد الله
المصادر والمراجع
"(الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 هـ)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، (د ط)، دار المعرفة، بيروت، (د ت).
بوكاي، موريس، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، (د ط)، دار المعارف، القاهرة، (د ت).
البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي النيسابوي الخسروجردي، (348-458 هـ)، كتاب الأسماء والصفات، (ط 1)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 ه = 1984 م
الجليند، محمد السيد، في علم الأخلاق، قضايا ونصوص، (د، ط)، مطبعة التقدم، القاهرة، 1366 ه = 1979 م.
ابن جني، أبو الفتح عثمان، (ت 392 هـ)، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، ثلاثة مجلدات (ط 2)، دار الهدى بيروت، (د ت).
حسين، محمد محمد، الإسلام والحضارة الغربية، (ط 1) مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985.
الخولي، محمد علي، التحريف في التوراة، (ط 1)، نشر المؤلف، عمان، 1401 ه = 1990 م.
دراز، محمد عبد الله، الدين، (ط 2) دار القلم، الكويت، 1390 ه = 1970 م.
دراز، محمد عبد الله، مدخل إلي القرآن الكريم، (ط 2)، دار القلم، الكويت، 1399 ه = 1978 م.
الدريني، فتحي، دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي، المجلد الثاني، (ط 1)، دار قتيبة، دمشق، 1408 ه = 1988 م
الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، (ت 666 هـ)، مختار الصحاح، (ط 1)، دار الكتاب العربي، بيروت 1967 م.
رضا، السيد محمد رشيد، الوحي المحمدي، (ط 6)، مكتبة القاهرة، مصر، 1380 هـ = 1960 م
الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس، مكتبة الحياة (د، ط)، بيروت، (د ت).
الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، (د ط)، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة (د ت).
الزركشي، الامام بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، المجلد الأول، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط 2)، دار المعرفة، بيروت، 1391 هـ = 1972 م.
أبو زهرة، محمد، المعجزة الكبرى في القرآن، (د ط)، دار الفكر العربي، القاهرة (د ت).
السيد، عبد الستار، بحث إعجار القرآن، أحد بحوث المؤتمر السابع لعلماء المسلمين، 9 سبتمبر سنة 1972، نشر مجمع البحوث السلامية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية (د ط) القاهرة، 1393 هـ = 1973 م.
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، المجلد الأول، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (د. ط) الهيئة المصرية العالمية للكتاب، القاهرة، 1974 م.
أبو شهبة، محمد بن محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، الطبعة الجديدة، دار الجيل، بيروت، 1412 ه = 1992 م
الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم بن أبي بكر، الملل والنحل، المجلد الأول، تحقيق محمد سيد كيلاني (د ط)، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1968 م.
عبد الباقي، محمد فؤاد - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (جمع وترتيب)، (د ط) مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، (د ت).
العلي عبد المنعم صالح، تهذيب مدارج السالكين طبعة وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، دولة الإمارات، مطبعة كاظم، دبي، (د ت).
الغزالي، محمد، كيف نتعامل مع القرآن، (ط 1)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، 1411 ه = 1991 م.
ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، (ت 395 هـ)، معجم مقاييس اللغة، المجلد الثالث، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (ط 2)، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1390 = 1970 م.
الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم الشيرازي، (ت 817 هـ)، القاموس المحيط، المجلد الرابع، (ط 8)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ = 1995 م.
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، المجلد الأول، (د ط) دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، (د ت).
الكردي، راجح عبد الحميد، بحث المجال الأخلاقي والسلوك الاجتماعي في كتاب محاضرات في الثقافة الإسلامية، لمجموعة من المؤلفين، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية، (ط 1)، الناشر، المؤلفون، عمان، 1423 ه = 1992 م.
ملكاوي، محمد أحمد عبد القادر، اليهودي شاؤل بولس الطرسوسي وأثره في العقائد النصرانية الوثنية، (ط 1)، دار الإسراء الرياض، 1412 هـ = 1992 م.
ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، المجلد الثاني عشر والمجلد الثالث عشر، (ط 3)، دار صادر، بيروت، 1414 ه = 1994 م.
موسى، محمد يوسف، الإسلام وحاجة الإنسانية إليه، (ط 4)، مكتبة الفلاح، الكويت 1400 ه = 1980 م.
نظرية الإسلام وهديه، رسالة القانون الإسلامي وطرق تنفيذه في باكستان، ترجمة محمد عاصم الحداد، (د ط) مؤسسة الرسالة، بيروت 1389 هـ = 1969 م.
بن نبي، مالك، الظاهرة القرآنية، ترجمة عبد الصبور شاهين، (د ط)، دار الفكر، بيروت (د ت).
نوفل، السيد أبو المجد، الدعوة إلي الله، (ط 1)، مطبعة الحضارة العربية، القاهرة، 1397 ه = 1977 م.
The Qura’n self guarantees to the globality of Mohammed’s Mission
(Peace be upon Him)
Dr. Rajeh Abdul-Hameed Sa’eed "Kurdi Bani Fahdl.
Prof. Associate in usool El-Deen Section
Faculty of Shari’ah Jordan University - Hashimite Kingdom of Jordan
The Qura’n self-guarantees to the globality of Mohammed’s mission (Peace upon him). This research deals with a case that means that Qura’n in itself is a guarantee for the globality of Mohammed’s mission (Peace be upon him). This case has been dealt with through proving that the Holy Qura’n has self characteristics such like : It is the last word of the Lord Allah and that it is harmonious with human nature. It has also unity of address, its principles are valid and tend to human nature that makes it a guarantor of the globality of Mohammed’s mission (Peace be upon him). That contains all people until the final Hour and Day of judgment. The researcher also discussed another self guarantees that the intentions of the Holy Qur’an guarantee that globality - that the Qur'an is right in itself and it is right when it confronts invalidity in the way of pushing unrighteousness. It is also right of what it contains of guidance, worship and mercy.
The research points out the most important qualities of self advantages of the Holy Qur’an concerning great topics and subjects which express the globality of the mission and guarantees it. As for example: faith in Allah, His oneness and elevating of Allah, the belief of rewardness, Good actions, steadiness of morals and good conducts of all qualities that make them the best within human framework and strict faith.
[·] أستاذ مشارك بقسم أصول الدين - كلية الشريعة - الجامعة الأردنية - عمان - المملكة الأردنية الهاشمية.
[1] الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، (د ط) ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة (د ت) ، 1 /13.
[2] اللقاني، عبد السلام، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد، ص 58
[3] ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، (ت 395 هـ) ، معجم مقاييس اللغة، (ط 2) ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1390 = 1970 م، 3/ 372 باب الضاد والميم.
[4] الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم الشيرازي، (ت 817 ه) ، القاموس المحيط، (ط 8) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه = 1995 م، 4/ 239، باب النون فصل الضاد.
[5] ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، (ط 3) ، دار صادر، بيروت، 1414 ه = 1994 م، 13/ 257، حرف النون فصل الضاد.
[6] انظر ابن منظور، لسان العرب، 12/ 419 - 420، الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، (ت 666 هـ) ، مختار الصحاح، دار الكتاب العربي، بيروت 1967 م، (ط 1) ص 451-452، الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس، مكتبة الحياة، بيروت، (د ت ط) ، 8 / 407.
[7] انظر هذه المعاني في: السيد نوفل، أبو المجد، الدعوة إلي الله، مطبعة الحضارة العربية، القاهرة، 1397 ه – 1977 م، (ط 1) ص 37، حسين، محمد محمد، الإسلام والحضارة الغربية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985، (ط 1) ، ص 185.
[8] خصوصية في اللغة - بفتح الخاء - كما عند ابن فارس، وبفتحها وضمها وبالفتح أفصح، كما عند الرازي - مشتقة من خص، وهو أصل مطرد قياسي يدل على الفرجة والثلمة بين الشيئين، ومن هذا الباب: خصصت فلأنا بشيء واختصصته خصوصية وخصوصا؛ لأنك إذا أفردته فقد أوقعت فرجة بينه وبين غيره، والخصيصى الخصوصية (انظر، ابن فارس، أبو معجم مقاييس اللغة، 2/ 152 - 153 الرازي، مختار الصحاح، ص 177. وقال الراغب: "التخصيص والاختصاص والخصوصية والتخصص: تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة" (الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 هـ) ، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، (د ط) ، دار المعرفة، بيروت، (د ت) ص 149 ومن الاختصاص: قوله تعالى: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (آل عمران 74) ، ولم أجد الجمع لها على خصائص كما هو دارج على السنة المؤلفين (جريا على من استعملها اسما لكتابه من الأقدمين وهو: ابن جني في كتابه الخصائص انظر ابن جني أبو الفتح عثمان، (ت 392 هـ) تحقيق محمد علي النجار، ثلاثة مجلدات (ط 2) دار الهدى بيروت، (د ت) ، لأن خصائص جمع خاصية، وخصوصية لا تجمع على هذا قياسا، بل جمعها خصوصيات. ولهذا فقد استعملت المصدر، وان كثيرا مما يقع تحته ما اختص الله به القرآن الكريم في موضوعنا من خصوصيات تجعله في ذاته ضمانا لعالمية الرسالة.
[9] السيد، عبد الستار، بحث إعجاز القرآن، أحد بحوث المؤتمر السابع لعلماء المسلمين المنعقد في 9 سبتمبر 1972، نشر مجمع البحوث الإسلامية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية (د ط) القاهرة، 1393 ه = 1973 م، ص 84.
[10] الخصائص العامة للإسلام، (ط 2) ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 ه = 1983 م، ص 37.
[12] انظر عبد الباقي، محمد فؤاد - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (جمع وترتيب) ، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، (د. ط. ت) ، ص 592-595، المرجع السابق.
[13] انظر المرجع السابق.
[14] انظر المرجع السابق ص 539 - 540.
[15] انظر المرجع السابق ص 540.
[16] انظر السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (د. ت) الهيئة المصرية العالمية للكتاب، القاهرة، 1974 م، 1 /178- 184، وانظر الزركشي، الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط 2) ، دار المعرفة، بيروت 1391 ه – 1972 م، 1/ 274 - 282.
[17] أحد علماء الأزهر الشريف، مصري، عاش في النصف الثاني من القرن العشرين رحمه الله وله مؤلفات في السنة النبوية.
[18] أبو شهبة، محمد بن محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، دار الجيل، بيروت، 1412 ه = 1992 م، الطبعة الجديدة ص 23.
[19] ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، (د ت ط) ، 1 / 254.
[20] عالم مصري أزهري، توفي في الثلث الثاني من القرن العشرين، درس في فرنسا وله عدة مؤلفات في خدمة القرآن وكان لرسالته في الدكتوراه بعنوان دستور الأخلاق في القرآن الكريم شهرة كبيرة لدى علماء الأخلاق.
[21] دراز، محمد عبد الله، الدين، دار القلم، الكويت، 1390 ه = 1970 م، (ط 2) ، ص 181.
[22] (1971 - 1966 م) أديب مصري، ومفكر إسلامي، وداعية عرف بثباته على الحق له مؤلفات كثيرة
[24] انظر لمزيد من التفاصيل: بن نبي، مالك، الظاهرة القرآنية، ترجمة عبد الصبور شاهين، (د ط) ، دار الفكر، بيروت (د ت) ، ص 240 فما بعدها وانظر بوكاي، موريس، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، (د ط) ، دار المعارف، القاهرة، (د ت) .
[25] سفر التكوين، الفصل الثامن والعشرون، فقرة 12، 13.
[26] بن نبي، الظاهرة القرآنية ص 244.
[27] الخولي، محمد علي، التحريف في التوراة، (ط 1) نشر المؤلف، عمان، 1410 ه = 1990 م ص 28.
[28] مصطلح يهودي يطلقه اليهود على غيرهم من الشعوب والأمم الأخرى، ولهم أحكام في دينهم، تستباح فيه دماؤهم وأموالهم، وأنهم حيوانات لخدمة شعب إسرائيل، وما خلقهم الله على هيئة أناس إلا ليؤنسوا شعب بني إسرائيل المختار في الخدمة.
[29] دراز، محمد عبد الله، مدخل إلى القرآن الكريم، (ط 2) ، دار القلم، الكويت، 1399 ه = 1978 م، ص 92.
[30] المرجع السابق، ص 93-113
[31] سفر الخروج من 22-23، وسفر اللاديين 19-25 وسفر التثنية 6
[32] سفر الخروج من 22-23 وسفر اللاديين 19-25 وسفر التثنية 6
[33] انظر الآيات النساء 36، 58، 127، 7، 108، المعارج 7، الضحى 9، آل عمران 79، 134، الحشر 9-10 التوبة 108، البقرة 165.
[34] إنجيل متى 5: 5، 3: 54، 6: 7، 8، 9، 10 21، 22، 24، 33، 34، 43، 44، 47، ومتى 6: 11، 5، 19، 20، 24، 25، 26، ومتى 7: 12، 13، 7، 1، 3، 15.
[35] ) البقرة 155، 186، 212، 214، 224، 204، 267، 206، آل عمران 14، 119، 133، 185، الجاثية 21، الشعراء 89، ق 33، النساء 114، 149، البلد 17-18، الشورى 37، الحجرات 10، المائدة 27، النور 22، 30-31، الفرقان 63، الفجر 19 - 20، الزمر 29.
[37] هو الدكتور محمد فتحي الدريني، عالم فلسطيني درس في الأزهر الشريف، وعمل وقضى معظم حياته أستاذا في كلية الشريعة بجامعة دمشق وله مؤلفات في مقاصد الشريعة وكان مهتما جدا بشرح مقاصد الشاطبي حتى قال بعضهم فيه إنه الشاطبي الصغير، توفي رحمه الله منذ فترة قريبة.
[38] الدريني، فتحي، دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي، المجلد الثاني (ط 1) دار قتيبة، دمشق، 1408 ه = 1988 م /ص 464.
[39] انظر المرجع السابق ص 465-480.
[40] القد: القامة والتقطيع كما عند الرازي، مختار الصحاح، ص 523، والمقصود هنا أي هو مفصل على قدر قامتها وتقاطيعها المناسبة لها.
[41] أي لم يعد معمولا بها، وطواها النسيان.
[42] ) الغزالي، محمد، كيف نتعامل مع القرآن، ط ا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، 1411 ه = 1991 م، ص 92.
[43] المودودي، أبو الأعلى، نظرية الإسلام وهديه، رسالة القانون الإسلامي وطرق تنفيذه في باكستان، ترجمة محمد عاصم الحداد، (د ت) مؤسسة الرسالة، بيروت 1969 م، ص 154
[44] انظر المرجع السابق ص 155، 158 بتصرف.
[46] انظر المرجع السابق 352 -353.
[47] انظر السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، 1 / 110.
[48] الغزالي، محمد، كيف نتعامل مع القرآن، (ط 1) ، ص 94 - 95.
[50] الغزالي، كيف نتعامل مع القرآن، ص 273.
[51] المرجع السابق ص 274.
[52] انظر المرجع السابق ص 361-376.
[54] المرجع السابق ص 60.
[55] انظر بتصرف المرجع السابق ص 62-66.
[58] المرجع السابق.
[61] ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين، تهذيب مدارج السالكين، العلي، عبد المنعم صالح، طبعة وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، دولة الأمارات، مطبعة كاظم، دبي، (د ت) ، ص 566، 567.
[62] انظر الآيات الكريمة في البقرة 187، 219، 221، 334، 366، وآل عمران 103، والمائدة 15، والنور 61.
[63] داعية سلفي سوري الأصل، عاش بمصر في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان ملازما لشيخه الشيخ محمد عبده وهو صاحب تفسير المنار الذي يدور حول تفسير الشيخ محمد عبده للقرآن
[64] رضا، السيد محمد رشيد، الوحي المحمدي، مكتبة القاهرة، مصر، 1380 ه = 1960 م، (ط 6) ص 124.
[65] انظر عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس، ص 270 - 275.
[66] مسلم، صحيح مسلم، (ط ا) طبعة دار ابن حزم، بيروت، 1416 هـ = 1995 م، 51 - كتاب الجنة - باب رقم 2865، جزء 4 ص 1741.
[67] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم، المرجع السابق، وانظر، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1374 ه = 1955 م (ط 1) ، 4/ 2197
[68] الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم بن أبي بكر، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني (د ط) طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1968 م، 1/ 196، 106، 312، ص 196، 312. وانظر رضا، الوحي المحمدي، ص 126- فما بعدها.
[69] انظر التفصيل، ملكاوي، محمد أحمد عبد القادر، اليهودي شاؤل بولس الطرسوسي وأثره في العقائد النصرانية الوثنية، دار الاسراء الرياض، 1412 ه = 1992 م، (ط 1) وهو دراسة مستفيضة وموثوقة
[70] انظر بتوسع هذا الموضوع عند سيد قطب، مقومات التصور الإسلامي، ص 81 - 186
[71] متفق عليه من حديث عائشة، البخاري، صحيح البخاري، بشرح فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد العزيز بن باز، المطبعة السلفية، القاهرة، 1380 هـ، كتاب التفسير، الجزء 13 كتاب التوحيد، ص 403، وقد تعقب الألباني طرق ألفاظ الحديث (قبله، وغيره، ومعه) ففال: "رواية معه لم أجدها في البخاري، وقد أخرج الحديث في موضعين من صحيحه" بدء الخلق، والتوحيد "بالروايتين الأخيرتين - يقصد وقبله، وغيره، وبالأخرى بينهما، أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (270) ورواه أحمد (4/ 431) بالرواية الأولى منهما، لكن بلفظ: "كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء" وكلام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث يشعر بأن هذه الرواية "معه" لم يقف عليها، فقد قال (6/ 206) : تنبيه: وقع في بعض الكتب في هذا الحديث: "كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان" وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مسلم في قوله: "وهو الآن... إلى آخره"، وأما لفظ "ولا شيء معه": فرواية الباب بلفظ: "ولا شيء غيره" بمعناها. قلت - أي الشيخ الألباني -: فلو كان عند الحافظ علم بهذه الرواية لذكرها، واستغنى بذلك عن الاحتجاج عليها بمعنى الرواية التي ذكرها كما هو ظاهر، والله أعلم. انظر "ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية للإمام الحاوي، (ط 6) ، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، 1400 هـ، ص 139، وهامش (1) تخريج الألباني.
وانظر البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي النيسابوي الخسروجردى، (348 – 458 ه) كتاب الأسماء والصفات، (ط 1) دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 ه = 1984 م، ص 24 – 25، 300.
[72] انظر، قطب، سيد، مقومات التصور الإسلامي، ص 191 - 283 بتصرف.
[73] المرجع السابق، ص 117، بتصرف يسير.
[74] انظر خصائص التشريع الإسلامي وأسسه العامة وبحاجة قبوله للتطور حسب بيئات الزمان والمكان في: موسى، محمد يوسف، الإسلام وحاجة الإنسانية إليه، مكتبة الفلاح، الكويت 1400 هـ = 1980 م، (ط 4) ، ص 189، 203 - 206.
[75] انظر، فصل كمال الشريعة، المرجع السابق، ص 184 - 188
[76] انظر المرجع السابق، ص 189-324
[77]المرجع السابق، ص 213
[78]انظر الجليند، محمد السيد، في علم الأخلاق، قضايا ونصوص، مطبعة التقدم، القاهرة، 1366 هـ= 1979 م، (د ط) ص 1.
[79]انظر، بحث راجح الكردي، المجال الأخلاقي والسلوك الاجتماعي في كتاب، محاضرات في الثقافة الإسلامية، كلية الشريعة الجامعة الأردنية، المؤلفون، 1423 هـ = 2000 م عمان، ص 149.
[80]انظر بتصرف، أبو زهرة، محمد، المعجزة الكبرى في القرآن، دار الفكر العربي، القاهرة، (د ت ط) ص 386 - 387.