قول القائل إن الأدلة التى في الكفار الأصليين ، كيف تنزل على أهل القبلة ؟

الجواب : -قال شيخ الإسلام ،رحمه الله
--------------------------
وقد يجيء كثيراً من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا
لا سيما إن كان المذكور شخصاً؛ كأسباب النزول المذكورة في التفسير، كقولهم أن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وأن آية اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو هلال بن أمية، وأن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبدالله. وإن قوله: "وأن احكم بينهم بما أنزل اللَّه ... الآية" نزلت في بني قريظة والنضير، وإن قوله: "ومن يولهم يومئذ دبرهُ إلا متحرفاً لقتال ... الآية نزلت في بدر، وأن قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ... الآية" نزلت في قضية تميم الداري وعدي بن بداء، وقول أبي أيوب: إن قوله: "وأنفقوا فى سبيل اللَّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ... الآية" نزلت فينا معشر الأنصار ... الحديث،
ونظائر هذا كثير مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين.
فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم؛ فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق،والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين أن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين،وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ.
والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ. فهي متناولة لذلك الشخص وغيره ممن كان بمنزلته. اهـ.---وقال شيخ الاسلام بن تيمية فيمن جعل الآيات النازلة خاصة لمن نزلت بسببه ولا يشمل النوع أو المثال فقال : ( فلا يقول مسلم أن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل ) [الفتاوى 16/ 148].--------------------تفصيل كلام شيخ الاسلام-- أن مَن فَعل فِعل الكفار الأصليين أُلحِق بهم - من فَعَل فِعْل المشركين الأصليين أو اليهود أو النصارى وغيرهم من ملل الكفر أُلحق بهم
فاذا نزلت الايه لسبب خاص ومعناه عام كان حكمها لسببها ولكل ما يتناوله لفظها لان القران نزل تشريعا عاما لجميع الامه فكانت العبره بعموم اللفظ لابخصوص السبب

مثال قوله تعالى فى سوره النور
والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ*
ففى صحيح البخارى ان هلال بن اميه قذف امراته بشريك بن سمحاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم البينه او حد فى ظهرك فقال هلال والذى بعثك بالحق انى لصادق فلينزلن الله ما يبرىء ظهرى من الحد فنزلت الايات
فهذه الايات نزلت فى هلال بن اميه وزوجته لكن حكمها شامل له ولغيره
بدليل ما رواه البخارى من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه ان عويمر العجلانى جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رجل وجد مع امراته رجلا ايقتله فتقتلونه ام كيف يصنع ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم قد انزل الله القران فيك وفى صاحبتك فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنه فجعل النبى صلى الله عليه وسلم حكم هذه الايات شاملا لهلال ولغيره
فخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لآحاد المكلفين بأمر أو نهي، فإنه حكم عام لجميع المكلفين لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث لجميع الخلق،
قال تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس) سبأ 27، إلا أن يقوم دليل على خصوصية المخاطب بهذا الحكم.
فقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) الحديث متفق عليه، هو حكم عام لكل مستحاضة إلى يوم القيامة وإن كان الخطاب فيه خاصاً بامرأة معينة،
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ــ لمن سأله يوم النحر أنه حلق قبل أن يذبح ــ فقال (اذبح ولاحرج) الحديث متفق عليه.
فهذا حكم عام وإن كان خطابا خاصا.
إلا أن يقوم دليل على الخصوصية كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ــ في الأضحية بجزعة المعز ــ (تجزئك، ولا تجزيء أحداً بعدك) رواه البخاري.
جملة القول أن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب تكون من جهة العموم وشمول الحكم لغير الوارد بسبب قضيته ,الا اذا دل دليل على انها حكاية عين او دل على خصوص حكم .
ولايحتج بذلك على نفي القرائن الدالة على المقصود من حال من نزل فيه الحكم بل ان هذا من اعظم ما يعين على تحقيق مناط المسألة ومعرفة حكمها .


----------------
قال تعالى : { وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين{
وقال تعالى : { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً{،
وقال تعالى : { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون{،
وقال تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم {
وعن ابن عمر مرفوعا (( من تشبه بقوم فهو منهم )) رواه أبو داود ،
وعن أبي سعيد مرفوعا (( لتتبعن سنن من كان قبلكم فذكر اليهود والنصارى )) متفق عليه.

قال أبا بطين : ( أما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم فهذا كفر عظيم ) ،
قال : ( ويلزم منه أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا ! فلا يُحد الزاني اليوم ولا تقطع يد السارق وبطل حكم القرآن ) [الدرر 10/418
وكلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده من أئمة الدعوة حتى يومنا هذا فى تسمية كل من تلبس بالشرك مشركًا معروف تزخر به الكتب
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب له رسائل ونصوص كثيرة لاتحصى تدل على أنه لايعذر بالجهل فى التوحيد وأن من فعل الشرك يسمى مشركا ومن المشركين , وأحيانا يسميه كافرا إذا قامت عليه الحجة ,أما إذا لم تقم عليه الحجة فيسميه مشركا لأنه يقصد بالكفر القتل أحيانا ,وفي كتاب تاريخ نجد ,قسم الرسائل والمسائل ففيه ست وعشرون رسالة وست وعشرون مسألة هى من عيون الرسائل والمسائل التى تدل دلالة واضحة على أن كل من تلبس بالشرك يسمى مشركا وكل من وقع فى الكفر يسمى كافرا ,وهذا واضح لكل من صبر على طلب العلم واستكمل قراءة النصوص وكلام السلف فى جميع المواضع بالاستقراء والتتبع ,وراجع أهل العلم فى كل ماأشكل عليه من نصوص وأدلة ,أما من تخطف الكلمات من هنا وهناك وبتر النصوص واعتمد على المجمل والمطلق والعام من كلام العلماء فهو لن يصل إلى شئ إن لم يضل ويزيغ ويزداد حيرة وشكا واضطرابا , والى الله المشتكي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (ومن ذلك قولهم: إن " هذه الآية نزلت في فلان وفلان " فبهذا يمثل بمن نزلت فيه نزلت فيه أولا وكان سبب نزولها لا يريدون به أنها آية مختصة به كآية اللعان وآية القذف وآية المحاربة ونحو ذلك. لا يقول مسلم إنها مختصة بمن كان نزولها بسببه. واللفظ العام وإن قال طائفة إنه يقصر على سببه فمرادهم على النوع الذي هو سببه لم يريدوا بذلك أنه يقتصر على شخص واحد من ذلك النوع. فلا يقول مسلم إن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي أو هلال بن أمية: وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش؛ ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل. فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرف بالاضطرار من دينه أنه مبعوث إلى جميع الإنس والجن والله تعالى خاطب بالقرآن جميع الثقلين كما قال: {لأنذركم به ومن بلغ} . فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول به.) مجموع الفتاوى (16/148)
وقد بين ابن القيم رحمه الله أن من أكثر أسباب عدم انتفاع العبد بالقرآن هو ظنه أن آيات القرآن نزلت في أقوام عاصروا التنزيل وأن من جاء من بعدهم لا يتناوله ما تناولهم وإن فعل نفس فعلهم فقال رحمه الله : "فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ نَفْيًا مُتَرَتِّبًا، مُتَنَقِّلًا مِنَ الْأَعْلَى إِلَى مَا دُونَهُ، فَنَفَى الْمِلْكَ، وَالشِّرْكَةَ، وَالْمُظَاهَرَة َ، وَالشَّفَاعَةَ، الَّتِي يَظُنُّهَا الْمُشْرِكُ، وَأَثْبَتَ شَفَاعَةً لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُشْرِكٍ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِهِ.
فَكَفَى بِهَذِهِ الْآيَةِ نُورًا، وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً، وَتَجْرِيدًا لِلتَّوْحِيدِ، وَقَطْعًا لِأُصُولِ الشِّرْكِ وَمُوَدَّاهُ لِمَنْ عَقَلَهَا،
وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَمْثَالِهَا وَنَظَائِرِهَا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ بِدُخُولِ الْوَاقِعِ تَحْتَهُ، وَتَضَمُّنِهِ لَهُ، وَيَظُنُّونَهُ فِي نَوْعٍ وَفِي قَوْمٍ قَدْ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُعْقِبُوا وَارِثًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ قَدْ خَلَوْا، فَقَدْ وَرِثَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ، أَوْ شَرٌّ مِنْهُمْ، أَوْ دُونَهُمْ، وَتَنَاوُلُ الْقُرْآنِ لَهُمْ كَتَنَاوُلِهِ لِأُولَئِكَ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ " أ.هـ.

قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الرابعة عشر التي أرسلها إلى الشيخ عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب وأهل الدرعية والشيخ إذ ذاك في بلد العُيَينة ، مبينًا أن الآيات تعم كل من اتصف بالوصف وتلبس بالفعل فقال - رحمه الله : " ... انظروا في كتاب الله من أوله إلى آخره والمرجع في ذلك بما قاله المفسرون والأئمة ، فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار فقولوا له : هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم أن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين؟ من قال هذا قبلك؟
وأيضًا فقولوا له هذا رد على إجماع الأمة فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام أكثر من أن تُذكر ، وهذا أيضا كلام رسول الله فيمن فعل مثل هذه الأفاعيل ، مثل الخوارج العباد الزهاد الذين يحقر الإنسان فعل الصحابة عندهم ، وهم بالإجماع لم يفعلوا ما فعلوه إلا باجتهاد وتقرب إلى الله ، وهذه سيرة أصحاب رسول الله فيمن خالف الدين ممن له عبادة واجتهاد مثل تحريق علي من اعتقد فيه الألوهية بالنار وأجمع الصحابة على قتلهم ، وهؤلاء الفقهاء من أولهم إلى آخرهم عقدوا باب حكم المرتد للمسلم إذا فعل كذا وكذا ، وفي متن الإقناع أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أنه كافر بإجماع الأمة"أ.هـ.

فهذا بيان من شيخ الإسلام على أن الأحكام تتنزل على أوصاف وليست على أوهام وأن من تلبس بالشرك يسمى مشركًا ومن قام به الكفر يسمى كافرًا ، وهؤلاء الذين يفرقون بين الفعل والفاعل جعلوا عباد القبور مسلمين موحدين لأنهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق ، وأن الآيات التي نزلت في الكفار والمشركين لا تنزل على عباد القبور؛
فيرد عليهم الشيخ الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين هذا الزعم ويبطله ويقول : " وأما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم ، فهذا كفر عظيم ، مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مُرْتكِس في الجهل ، فهل يقول أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا ؟ فلا يُحد الزاني اليوم! ولا تقطع يد السارق ! ، ونحو ذلك ، مع أن هذا قول يُستحى من ذكره ، أفيقول هذا أن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن "
يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين : " إن من منع تنزيل القرآن وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل في العموم اللفظي فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل ، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن وهجرًا له وعدلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع ، فنصوص القرآن وأحكامه عامة وخاصة بخصوص السبب ، وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به مع معرفته "
- يبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن وتدبره والعمل به فيقول :
" ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا وأناس سلفوا وانقرضوا لم يعقبوا وارثًا وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين هذه الآيات نزلت في عباد الأصنام وهذه نزلت في النصارى ، فيظن الغر أن ذلك مختص بهم ، وأن الحكم لا يتعداهم ، وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة "
- ويقرر الشيخ سليمان بن سحمان أن الآيات التي نزلت في الكفار تعم وتشمل كل من اتصف بوصفهم وعمل فعلهم ، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيقول - رحمه الله تعالى:
" فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله ، وصرف خالص حقه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين ، ودعاهم مع الله واستغاث بهم كما يستغيث بالله وطلب منهم مالا يُطلب إلا من الله ، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون وتكفيره ، وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق وتنزيل ما أنزل الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذى حذوهم فلا حيلة فيه "