الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، فهذه دراسة لطُرُق حديث: ((لا تقرأ الحائضُ ولا الجُنُب شيئًا من القرآن))، وقد اقتصرتُ على أهمِّ طُرُقِه، سائلًا الله التوفيق والسداد.
الحديث روي عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا.
فقد أخرجه ابن ماجه في "سُنَنِه" (595) قال: حدَّثنا هشام بن عمَّار، والترمذي في "جامعه" (131) حدَّثنا علي بن حجر، والحسن بن عرفة، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (568) قال: حدَّثنا ابن أبي داود قال: ثنا عبدالله بن يوسف، والآجرِّيُّ في "أخلاق أهل القرآن" (77) قال: أَخْبَرَنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدَّثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني، والدارقطني في "سننه" (419) قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز، حدثنا داود بن رشيد، و(420) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز، وابن مخلد، وآخرون، قالوا: حدَّثنا الحسن بن عرفة، والبيهقي في "السنن الصغير" (1000) قال: أَخْبَرَنا أبو عبدالله الحسين بن عمر بن برهان، في آخرين قالوا: أنا إسماعيل الصفار، أنا الحسن بن عرفة، وفي "الكبرى" له (418) قال: أَخْبَرنا أبو عبدالله الحسين بن عمر بن برهان، ومحمد بن الحسن بن الفضل القطان ببغداد، قالا: ثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، و(1479) قال: أَخْبَرَنا أبو علي الروذباري، وأبو محمد عبدالله بن يحيى بن عبدالجبار السكري قال: أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة.
خمستهم: (هشام بن عمار، والحسن بن عرفة، وعبدالله بن يوسف، ويحيى بن عبدالحميد، وداود بن رشيد) عن إسماعيل بن عيَّاش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ به.
فالحديث يدور على إسماعيل، وهو ابن عيَّاش بن سليم أبو عتبة الحمصي، قال أحمد: في روايته عن أهل العراق وأهل الحجاز بعض الشيء، وروايته عن أهل الشام كأنَّه أثبت وأصح، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليِّن يكتب حديثه، وقال أبو زُرعة: صدوق إلا أنَّه غلط في حديث الحجازيين والعراقيين؛ (الجرح والتعديل؛ لابن أبي حاتم 2/ 192).
وقال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إنَّ إسماعيل بن عيَّاش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديثَ مناكير، كأنَّه ضعَّف روايتَه عنهم فيما يتفرَّد به؛ (جامع الترمذي عقب حديث (131))، وقال النسائي: ضعيف؛ (الضعفاء والمتروكون ترجمة (34))، وقال ابن عدي: إنما يخلِط ويغلَط في حديث العراق والحجاز؛ (الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 479)، وقال أيضًا: إسماعيل بن عيَّاش ممن يكتب حديثه ويحتجُّ به في حديث الشاميين خاصة؛ (الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 488).
فإسماعيل عالم، وحديثه في الشاميين مستقيم؛ إلا أنَّه تغيَّر واختلط في غيرهم؛ كالعراقيين والحجازيين، وروايته هنا عن أهل المدينة؛ لذلك تكلَّم العلماء في هذا الحديث:
قال عبدالله بن أحمد: عرضت على أبي حديثًا حدَّثنا الفضل بن زياد الطستي، قال: حدثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيِّ عليه السلام قال: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئًا))؛ قال أبي: هذا باطل، أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنَّه وهمٌ من إسماعيل بن عيَّاش؛ (الضعفاء الكبير؛ للعقيلي 1/ 90).
وقال الترمذي في "العلل الكبير" (75): سألت محمدًا عن حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقرأ الحائض ولا الجُنُب شيئًا من القرآن))؛ فقال: لا أعرفه من حديث ابن عقبة، وإسماعيل بن عيَّاش منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق.
وقال البيهقي في "السنن الصغير" عقب الحديث (1000): تفرَّد به إسماعيل، وليس بالقويِّ فيما يَروي عن غير أهل الشام.
فالحديث ضعيف؛ لعلَّة ضَعْفِ إسماعيل بن عيَّاش في روايته عن غير أهل بلده، وقد تابع إسماعيلَ المغيرةُ بن عبدالرحمن، عن موسى بن عقبة؛ به، كما في سنن الدارقطني (423) إلا أنَّه لم يذكر الحائض، وفي هذا الإسناد عبدالملك بن مسلمة، وهو منكر الحديث، قال أبو حاتم: كتبت عنه، وهو مضطرب الحديث، ليس بقويٍّ، وقال أبو زُرعة: ليس بالقويِّ، منكر الحديث؛ (الجرح والتعديل؛ لابن أبي حاتم 5/ 371)، قال ابن حبَّان: يروي عن أهل المدينة المناكيرَ الكثيرة التي لا تخفى على مَن عُنِيَ بعلم السُّنَن؛ (المجروحين (733))، على أنَّ الدارقطني قد أعلَّ الحديث عقب الرواية بقوله: عبدالملك هذا كان بمصر، وهذا غريبٌ عن مغيرة بن عبدالرحمن، وهو ثقةٌ.
كما تابَعَه أبو معشر كما في سنن الدارقطني (424) فقال الدارقطني: حدَّثنا محمد بن مخلد، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، وهو ضعيف؛ لإبهام الرجل.
وروي من طرق عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه:
أخرجه: الدارقطني في "سننه" (1879)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/ 22، من طُرُق عن محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن طاوس، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
وهذا إسناد تالفٌ؛ فيه محمد بن الفضل بن عطية، قال أحمد: ليس بشيءٍ؛ حديثه حديث أهل الكذب؛ (العلل ومعرفة الرجال 2/ 549)، وقال الترمذي: قال محمد: محمد بن الفضل بن عطية ذاهب الحديث؛ (العلل الكبير: 389)، وقال يحيى بن معين: كان محمد بن الفضل كذَّابًا؛ (الضعفاء الكبير (1679))، وقال أبو حاتم: متروك الحديث؛ (علل الحديث؛ لابن أبي حاتم 6/ 457).
وأخرجه: الدارقطني في "سننه" (434) من طريق سليمان، عن يحيى، عن ابن الزبير، عن جابر رضي الله عنه، قال الدارقطني: يحيى هو ابن أبي أنيسة؛ ضعيف.
قال ابن معين: ليس بشيء؛ (تاريخ ابن معين (5042)، وقال البخاري: لا يُتَابع في حديثِه؛ (التاريخ الأوسط (2156))، وقال أيضًا: ليس بذاك؛ (التاريخ الكبير (2929))؛ وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث؛ (الجرح والتعديل؛ لابن أبي حاتم 9/ 130)، وقال النسائي: متروك الحديث؛ (الضعفاء والمتروكون (639)).
وروي من طريق عبدالله بن رواحة رضي الله عنه:
أخرجه: الدارقطني في "سننه" (430)، و(433) من طُرُق عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه، وفي إسناده زمعة بن صالح.
قال ابن معين: ضعيف الحديث (من كلام يحيى بن معين في الرجال (62))، وقال أحمد: ضعيف الحديث؛ (العلل ومعرفة الرجال (3505))، وقال البخاري: يخالف حديثه؛ (التاريخ الكبير 1505))، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال أبو زُرعة: ليِّن واهي الحديث؛ (الجرح والتعديل؛ لابن أبي حاتم (2823))، وقال الترمذي: سألت محمدًا... وقال: هو منكر الحديث كثير الغلط؛ (العلل الكبير (267))، وقال النسائي: ليس بالقويِّ، مكيٌّ كثير الغلط؛ (الضعفاء والمتروكون (220)).
وأخرجه أيضًا الدارقطني في "سُنَنه" (431)، و(432) من طرق عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه، من غير ذكر ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده زمعة بن صالح، وقد تقدَّم الكلام على تضعيفه.
فتبيَّن بهذه الدراسة وهنُ الرواية وضعفُها، خلافًا لمن زَعَم حسنها بمجموع طُرُقها، وقد قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 1/ 409: ضعيف من جميع طُرُقه.
والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/124380/#ixzz5SmVkw3ci