أحد مشكلات الحضارة الحديثة


منيرة الرحيمي


يعتبر التقاعد من العمل إحدى مشكلات الحضارة الحديثة، ومرحلة التقاعد مرحلة من المراحل التي لا بد أن يعيشها الموظف إذا أمد الله في عمره. ومع أن التقاعد مرحلة من المراحل التي يعيشها ويعايشها الأفراد إلا أن الاستجابة لها تختلف من فرد إلى فرد, فبينما يستقبلها بعض الأفراد في مسرة ورضى تقع على البعض الآخر وقوع الكارثة وتؤدي إلى أن يدخل الفرد في دوامة مشكلات اجتماعية ونفسية وصحية لم تكن موجودة من قبل.
المشكلات المرتبطة بالتقاعد :
ورغم أن نسبة من المتقاعدين يمكنهم التأقلم بسرعة مع الوضع الجديد بعد التقاعد إلا أن بعضهم لا يمكنه ذلك، وقد رأينا نماذج لمن يواصلون الذهاب إلى عملهم كما تعودوا من قبل خلال الأيام الأولي للتقاعد وكأنهم يرفضون أن يصدقوا أنهم قد توقفوا عن العمل. وحسب دراسة قدمتها إحدى طالبة لنيل شهادة الماجستير من جامعة الملك سعود حول أهم ثلاث مشاكل يعاني منها المتقاعد، فإن مشكلة الفراغ تمثل (35%) فيما يمثل تجاهل المجتمع ما نسبته (30%) وتبقى (23%) للمشكلات الاقتصادية. وبناء على هذه الدراسة سنتعرض في هذا التقرير لهذه المشاكل الثلاث في عنوان واحد، وسنضيف لها مشاكل أخرى.
التقاعد: ملل وفراغ وعدم قدرة على التأقلم:
إن الشخص الذي تعود على الاستيقاظ المبكر والذهاب إلى العمل والعودة منه في أوقات محددة على مدى سنوات، ونجح فيها بتكوين علاقات متنوعة مع زملاء العمل فإنه يواجه صعوبات هائلة للتعود على وضعه الجديد مع تقاعده فتتولد لديه مشاعر نفسية سلبية مثل الإحساس بأنه أصبح زائدا عن الحاجة وأن عليه أن يبقي في انتظار الموت. وتمثل هذه المشكلة الحقيقية للتقاعد جانبا نفسيا مهما حيث يضطر المتقاعد إلى تغيير نمط حياته بصورة كاملة فيضطر للبقاء بالمنزل، وقد لا يكون وجوده بالمنزل مدعاة لسرور أسرته فيشعر بأنه غريب في بيته، وإذا كان البديل هو مغادرة المنزل فغلى أين يذهب؟ هل يذهب للمقاهي أو يتجول بدون هدف ما يجعل التغلب على الفراغ القاتل صعبا جدا فيمر الوقت بطيئاً في معاناة قاتلة، وحسرة على أيام العمل.
ولا يقتصر الأمر على فراغ المتقاعد نفسه، بل يؤثر ذلك في صنع معاناة من الجانب الآخر و أقصد به معاناة زوجاتهم ، فإن كان قلة من المتقاعدين يحالون مل هذا الفراغ بالسفر والانشغال في فرص جديدة أقل مجهودا أو بالجلوس في المقاهي أوالتجول خارج البيت، فإن الغالبية ممن لم يجدوا لهم فرص عمل أو أعمال تشغلهم، يخلقون في بيوتهم مشاكل لا حصر لها. تقول أم سليمان (52 سنة) وهي زوجة محال على التقاعد منذ سنة: أصبح لا يطاق. لا أعرف كيف أدير المنزل في وجوده. يعتقد أنه يعرف كل شيء. ولا تقتصر المشاكل على تدخل الزوج المتقاعد في كل شي حتى أصبح كالرادار في البيت يراقب كل شي وينتقد كل شي ، بل يمتد الأمر لفرض نظامه اليومي على الجميع من الصحو باكرا والنوم باكرا وتقيدهم بنفس نظام العمل قبل التقاعد، إضافة حرمان أفراد البيت من النوم في عطلات أيام الأسبوع، واللقاء بالأقارب والصديقات في المنزل لوجوده الدائم فيه.
هوس صحي .. وأنانية:
من المشاكل الهوس الصحي، فإن كان للاهتمام بالصحة جانب إيجابي وبخاصة مع التقدم في السن إلا أن الشيء السلبي فيه أن يتحول إلى هوس وشغل شاغل، فأقل نزلة برد يتعرض لها المتقاعد المسن تصيبه بالخوف والقلق، ويصبح لا عمل لدى المتقاعد سوى زيارة المستشفيات، والأطباء والمشكلة أن الغالبية من المتقاعدين لا يطمئنون للتعامل مع مستشفى واحد، أو طبيب واحد، بل يمتد الأمر لصرف وقت الإجازة السنوية التي يفرغ كل أفراد العائلة لها وينتظرونها بفارغ الصبر ويصرفها المتقاعد كلها في الاستشفاء في دوامة لا تنتهي أبدا من الشكوى المستمرة من بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض السكري والقلب والديسك وما شابه من أمراض يرجع المتقاعد إليها السبب في تدهور صحته وشعوره بالعجز وفقدان الرغبة في التمتع بالحياة. ويسري الحال أيضا على النساء المتقاعدات حيث يهرعن إلى عيادات التجميل ليستعدن أمجاد ماض لن يعود، قد ينقلب على صاحبه حزنا وأسى لن يمح إلا بالرضا والتسليم بسنن الله الثابتة التي لن يجد لها تبديلا.
وإضافة لغياب رؤية بعيدة المدى للحياة ووجود رفض للواقع الجديد ناهيك عن عدم محاولة تغييره وصعوبة التكيف مع الواقع الجديد المتغير، تظهر لدى البعض مشكلة الأنانية حيث يعتقدون أن وقت ما بعد التقاعد هو وقتهم كله ولهم أن يقضوه متعة وسفرا فيما كانوا لا يستطيعون أيام العمل، فيكون السفر والنزهات مع الأصدقاء بشكل مبالغ فيه ولفترات طويلة.