الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن. اللهم رب إسرافيل وميكائيل، فاطر السماوات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم إنا نشهد أنك أنت الحق، ووعدك حق، ووعيدك حق، والجنة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، فاغفر اللهم لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليتَ ربنا على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أيها الأحبة في الله، الوصية بتقوى الله دائمًا وأبدًا في كل خطبة سُنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأوصيكم وأوصي نفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله جل وعلا؛ امتثالًا لما أمرنا الله جل وعلا بالتقوى في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وبعد يا عباد الله، حديثي اليوم يدور حول خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله. ما أروعها من لحظات سنعيشها الآن في بيت النبوة! لنتعرف على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاشرته لنسائه؛ أمهات المؤمنين.
أيها الأحبة كان النبي صلى الله عليه وسلم، طيب المعشر، حسن الخُلُق.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ألقى عليهم السلام، وإذا لم يجد الإنسان في بيته أحدًا من الخَلْق فليسلِّم على نفسه، ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61]. ولها أكثر من صيغة، فمن الممكن أن تقول: السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين؛ حينما تدخل البيت مثلًا.
أو تقول: السلام عليكم ورحمة الله. وترد على نفسك السلام. المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على أهل بيته ألقى عليهم السلام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله، فكان يساعد هذه، ويساعد هذه، وكان يخدمهم، حتى إذا أتت الصلاة كما تقول عائشة رضي الله عنها: «فكأنه لا يعرفنا، ولا نعرفه»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقِّع ثوبه، ويخصف نعله؛ يقوم بكثير من الأمور الشخصية التي ربما يأنف منها البعض الآن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين لله جل وعلا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لطيف المعشر مع أهل بيته، فكان يكنِّي نساءه بأحب الأسماء إليهن، فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان يتطلف لها، ويناديها بأحب الأسماء إليها، فيقول لها: «يا عائش» وربما قال لها: «يا حميراء» فكانت تفرح بهذه الألقاب، وبهذا التدليل، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم من علامات حُسن خُلُقه مع نسائه، كان يسمح لهم ببعض الترفيه المباح، فثبت في السُّنَّة النبوية أن عائشة رضي الله عنها رأت الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فكانت تختبئ خلْف ظهْر النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: «أشبعتِ؟ أفرغتِ يا عائشة؟»، فكانت تنظر وتفرح.
وكان هذا من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسمح باللهو المباح، ويسمح لبعض نسائه بشيء من المرح في حدود الشريعة الإسلامية.
أيها الأحبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه قائدًا للجيوش، وكان معلِّمًا، وكان إمامًا ؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في جيش، وكان في سرية، أو في غزوة من الغزوات؛ كان يقرع بين نسائه، فمن خرج سهمها، أو قُرعتها تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت عائشة رضي الله عنها في سَفْرة، أو في غزوة من الغزوات، فقال للجيش: «تقدموا» وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الجيش، لماذا؟ لماذا تأخر النبي ومعه أهل بيته، ومعه أم المؤمنين عائشة؟ تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن مقدمة الجيش وهم في القفلة حينما عادوا إلى المدينة؛ ليدخل السرور على أمنا عائشة، ليُذهب ما بها من ملل، ليُذهب ما بها من كآبة، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا تسابقيني؟» فتقول عائشة رضي الله عنها: «لقد سابقتُ النبي صلى الله عليه وسلم فسبقتُه، فلما حملتُ اللحم فسابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي: هذه بتلك».
أيها الأحبة إذًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مثل هذه الأمور التي ربما يعدها بعض الناس أنها لا تليق بالرجل الحازم العاقل، فإن بعض الناس لسوء فهمهم في الدين يظنون أن عبوس الوجه من الحزم، كلا كلا، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم بسَّامًا؛ يكثر الابتسام، بل أمر أصحابه، وأمر المسلمين من بعده بالابتسامة، فبيَّن لنا أن «تبسمك في وجه أخيك صدقة».
والله جل وعلا خاطب نبيه، وخاطب المؤمنين بقوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، أي عاشروا النساء بالمعروف، فعلماء التفسير يقولون: المعاشرة بالمعروف تكون بطِيب القول، وبسط الوجه؛ أن يكون الوجه منبسطًا، أن يكون في الوجه بشاشة.
فأنت أخي المسلم، حينما تتبسم في وجه امرأتك، وتُدخل عليها الفرحة والسرور؛ فأنت مأجور على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، أتدرون ما معنى كلمة (أهلي) هنا؟ المقصود بها الزوجة، فالمسلم الحق يتأسَّى بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يبتسم في وجوه نسائه.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل من أمهات المؤمنين الغيرة الشديدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذه أمنا عائشة افتقدت النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة؛ بحثت عنه فلم تجده، فإذا بها قامت، وخرجت خلف النبي صلى الله عليه وسلم تبحث عنه في الليل، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قائمًا يدعو في البقيع؛ عند مقابر البقيع، مقابر الصحابة، يدعو لأصحابه الذين استُشهدوا في بدر، فلما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا يدعو لشهداء بدر في البقيع عادت إلى فراشها وقد علا نفسُها، فأحسَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وسألها عن ذلك، ثم قال لها: «يا عائشة، أخفتِ أن يحيف الله عليك ورسوله؟»؛ أخشيتِ يا عائشة، أن أكون قد ظلمتك، وذهبت لأخرى في ليلتك؟ ولم يغضب منها النبي صلى الله عليه وسلم، بل عاتبها عتابًا خفيفًا، وقالت: «وما لي لا يغار مثلي على مثلك يا رسول الله؟».
أيها الأحبة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يهدَى إليه أحيانًا الطعام من بيت إحدى أمهات المؤمنين في بيت الأخرى، فحدث ذلك بالفعل، أن أهدت بعض أمهات المؤمنين طبقًا فيه حلوى للنبي صلى الله عليه وسلم في ليلة عائشة. وإذا بعائشة تتحرك الغيرة عندها، فتقوم إلى الطبق، فتكسره، فلم يغضب النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الأمر؛ لأنه علم التكوين الفطري للمرأة، والتكوين الفطري للنساء، وأنه حينما تتحرك الغيرة عندهن يفعلن مثل هذه الأمور. فقام النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى طبقًا فيه طعام عند عائشة، فأخذ طبقًا مكان الطبق، وأهدى إلى إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ رد إليها الهدية بهدية، ثم قال: «غارت أمكم، غارت أمكم، وطبق بطبق، وطعام بطعام»، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج الأمور، لم يكن النبي ينتظر أن تُخطئ المرأة خطأً، فيقوم عليها بالسب والضرب، والإهانة واللوم، والعتاب الشديد، ويظهر الكآبة والحزن والخصام، لا، لا.
اتفقت أمنا عائشة مع حفصة أن يقولا للنبي صلى الله عليه وسلم أنك أكلتَ طعامًا عندها، وأن هذا الطعام رائحته غير طيبة، قال: «والله ما أكلتُ إلا عسلًا. قالت: رائحتُكَ رائحة مغافير»، فحلف النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يشرب العسل إرضاء لهن، وإذا بالعتاب ينزل من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم:1].
أيها الأحبة والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحمل بعض الأذى، وهذا من حُسن العشرة لنا معشر الأزواج؛ معاشر الرجال، هذا درس لنا أيها الأحبة، نتحمل بعض ما يقع من نسائنا.
أيها الأحبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يدخل بيت عائشة رضي الله عنها يُكرِم أهلها، فكان يُكرِم الصديق رضي الله عنه، وهذا درس لنا في إكرام أهل الزوجة.
فمن مفاتيح قلب الزوجة: إكرام أهلها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحسِن إلى الصدِّيق، ويُحسِن إلى عمر، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة؛ إكرامًا لأبي بكر، وتزوج من حفصة؛ إكرامًا لعمر.
ولا ننسى هذا الموقف الذي اختبأت فيه عائشة رضي الله عنها خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الصدِّيق أن يضربها في موقف معين، فاحتمتْ بمن؟ احتمتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا ننسى أيضًا هذا الموقف الطيَّب: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ.
كانت هذه المشاعر الطيبة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لا تقلِّل أبدًا من الرجولة، ولا تقلِّل من هيبة الرجل يا إخواني الكرام.
فنساؤنا أيها الأحبة، عوان عندنا، أي أسيرات عندنا، والمسلم يُكرِم النساء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «حُبِّب إلي من دنياكم: الطِّيب، والنساء، وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة»، ما المراد بــ(حب النساء)؟ حب إكرام النساء؛ لأن المرأة ضعيفة، فينبغي إكرام هؤلاء، والمعاشرة معهن بالمعروف كما قال ربنا في سورة النساء: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
أيها الأحبة، ومن حُسْن العشرة أيضًا: التلطف بالقول، وعدم رفع الصوت، وعدم الغضب على القليل والكثير، فكان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يعيب طعامًا قط مع أهل بيته، وُضِع الطعام، إن اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه لم يأكله، هذا من حُسْن العشرة أيها الأحبة.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع نساءه على الطعام، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ أمهات المؤمنين، كل واحدة لها بيتها الخاص بها، لكنهن يجتمعن كل ليلة كما ذكر ذلك الإمام أحمد في مسنده، ذكر أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يجتمعن كل ليلة في بيت من كان النبي في ليلتها؛ إذا كانت الليلة ليلة حفصة؛ يذهب نساء النبي صلى الله عليه وسلم لطعام العشاء في بيت حفصة، حتى إذا طعمن انتشر الجميع، كل واحدة منهن إلى بيتها.
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعتُ له وضوءًا، قال: "من وضع هذا؟"، فأُخْبِر، فقال: "اللهمَّ فقِّههُ في الدِّين".
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَهَجَّدَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ».
من الذي نقل لنا هذا الدعاء؟ الذي نقله عبد الله بن عباس الذي تعلَّمَ من أخلاق النبي، وتعلَّمَ من أذكار النبي، وتعلَّمَ من قيام الليل من النبي صلى الله عليه وسلم، هذه كانت حياة النبي أيها الأحبة الكرام لما نزل عليه قول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل:1- 4]. أيها الأحبة نتعلم من ذلك حُسْن العشرة، وعبادة الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته أجمعين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على شظف العيش، وعلى خشونة الحياة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى أثَّر الحصير في جسد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما دخل عليه عمر قال: يا رسول الله، أنت تنام على الحصير، وكسرى وقيصر ينامان على الحرير؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إيه يا ابن الخطاب، لو غيرك قالها لأوجعته ضربًا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟»، فكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة بسيطة، حتى قالت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يمرُّ علينا الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال؛ ولا يوقَدُ في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: فما كان طعامكم يا خالة؟ قالت: الأسودان؛ التمر والماء».
فكانت أمهات المؤمنين يصبرن على شظف العيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خيَّرهن الله، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
فينبغي للمرأة المسلمة أن تصبر على حال زوجها من الفقر والعَوز والحاجة، وأن تصبر على شظف العيش كما صبرت أمهات المؤمنين، فإن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىيُنزل بركات ورحمات على البيوت المؤمنة، على البيوت الصالحة، البيوت التي فيها قيام الليل، البيوت التي فيها أطفال يحفظون القرآن، البيوت التي فيها حلقات العِلْم، وهذه البيوت تنزل عليها رحمات من الله، تنزل عليها عطاءات من الله.
أؤكِّد: البيوت التي فيها قيام الليل، البيوت التي فيها صلاة الفجر في جماعة، البيوت التي فيها أطفال يحفظون القرآن؛ يتسع البيت على أهله ببركة القرآن.
إخواني الكرام، من حُرِم قيام الليل وصلاة الفجر في جماعة، وقراءة القرآن الكريم، وتحفيظ أبنائه القرآن الكريم؛ فوالله قد حُرِم الخير كله.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، واجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا. اللهم لا تجعل فينا ولا بيننا، ولا حولنا شقيًا ولا مطرودًا، ولا محرومًا.
اللهم لا تجعل لنا في هذا الجمْع المبارك ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًا إلا فرَّجتَه، ولا مظلومًا إلا نصرتَه، ولا طالب علم إلا وفقتَه.
اللهم إنا نسألك أن ترفع راية القرآن، وراية الدين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بخير فوفِّقه لكل خير، ومن أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه يا رب العالمين.
اللهم اهد لنا أبناءنا، اللهم اهد لنا أبناءنا، اللهم استر نساءنا، اللهم اجعل بيوتنا عامرة بذكْر الله، اللهم اجعل بيوتنا عامرة بقراءة القرآن، وقيام الليل، اللهم اجعل بيوتنا عامرة بصيام الاثنين والخميس، اللهم ابعد عن بيوتنا المحن والابتلاءات يا رب العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/129661/#ixzz5STxp16Iu