فرائض وسنن تركها البعض... ولماذا؟






فرائض وسنن تركها البعض... ولماذا؟

مما عمَّ وانتشر بين المسلمين التكاسُل والتغافُل، وضياع عمرهم في فعل أشياء لا قيمة لها؛ نرى الكثير وقد ضيَّعُوا فرائضَ وسُنَنًا، ضيَّعُوا من العبادات ما ضيَّعوا، ولأجل ماذا؟!
هل تساءلت بينك وبين نفسك: لماذا ضيَّعتُها، وأنت الذي بأشد الحاجة إليها؟
أو لماذا تشعُر بقسوة في قلبك لدرجة أنك لا تشُعر بحلاوة وجمال الأعمال التي تجعلك في قرب دائم من الله سبحانه وتعالى؟
حتى إن أدَّيْتَها أصبحت جوفاءَ لا رُوح فيها، فتُؤدِّيها بتكاسُل، أو تُؤدِّيها وأنت على عَجَلة من أمرك، بل تشعُر عند تأديتها بفتور تامٍّ، وكأن القلب أصبح خرابًا واللسان ضاعت منه حلاوة الذكر.
فتسمع صوتك عند تأدية فرائضك وسُنَنِك وأذكارك، وكل عباداتك، وكأنها همهمات وهمسات، أنت نفسك لا تشعُر بها أو تفهَم من كلماتها أيَّ شيءٍ، وكأنك في وادٍ وعالم آخر وقد شغلتْكَ الدنيا بكل ما فيها.لأجل ماذا أصبحتَ تاركًا للصلاة، هاجرًا للقرآن، ناسيًا للأذكار، نائمًا عن قيام ليلِكَ، وعن أداء زكاتك، وإخراج صَدَقَتِكَ، وقد أهملتَ أداء رواتبك؟!لأجل ماذا أصبحتَ تترك دقائقَ وساعات وسنين عمرك، تمضي بلا هدفٍ وبلا حصاد من غنائم مفقودة؟!
قال سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].
ولتعلم أن كلَّ هذه الأشياء ليستْ بكل الفرائض والسُّنَن، بل هناك الكثير والكثير منها، أنزلها الله عليك رحمة منه ليُزيل بها عنك الكثيرَ من السيئات، ويكتُب بها لك أضعاف أضعاف من الحسنات والأجر العظيم.ولكنك نسيتَ أو تناسيت الحكمة من وجودك على هذه الأرض واستخلافك فيها، فلم تتساءل يومًا بينك وبين نفسك عن سبب وجودك في هذه الحياة، ولتنظر إلى قول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165].
وبدلًا من أن تُقدِّر قيمة هذا العطاء من نعمة العبادة وهذا الاستخلاف، أُصِبْتَ بحالة فتور وكسلٍ، وعدم القدرة على التفكير؛ لكني سأقول لك: لماذا خلقت؟
لقد استُخلِفت وخُلِقت للعبادة، ثم العمل، خُلِقْت لتأدية ما فرض عليك من فرائض وسُنَن، وخُلِقْتَ للتعمير، خُلِقْتَ للتأمُّل والتدبُّر في هذا الكون.
فالأنبياء والرسل والدعاة جميعًا لم تكن حياتُهم للعبادة فقط أو العمل فقط، ولكن أدَّوا عبادات الله، وأتمُّوا رسالتهم على أكمل وجه بالإضافة إلى العمل.
وأنت أيضًا خُلِقْتَ لتعبُد ثم لتعمل، أرأيتَ عِظَم ما خُلِقْتَ لأجله؟!
ولكنك تكاسلت وتغافلتَ، وانشغلتْ نفسُكَ بأمور الدنيا، وقد أصبحتَ تابعًا لنفسك التي إما أنها ستقودُكَ إلى الهلاك أو إلى السعادة، فأصبحتَ لا تُدرِكَ الحِكْمة من وجُودِكَ.
بل للأسف الشديد كلما زاد البُعْد عن أداء ما خُلِقْت من أجله زادت المعاصي، وأصبحت النفس لا تُبالي بمرور عجلةِ الوقت، فزاد الإفراطُ في التهاون، وكأن ميزان الحسنات لديك اكتفى وثقل.اعلموا إخوتي في الله أن زماننا هذا قصر فيه الأجل، وقلَّ فيه العمل، فلا تغترَّ بأن لديك حسناتٍ فما دمتَ تتنفَّس فأنت بحاجة لزيادة حسناتك، ومَلْءِ ميزانك، ولن تملأها إلَّا إذا تمسَّكْتَ بفرائضِكَ وسُنَنِكَ، وأدَّيْتَها كما أمرك ربُّكَ من فوق سبع سماوات.
ولتستمع إلى حديث أشرف الخلق والصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، يقول عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو يروي عن ربِّ العزَّة في الحديث القُدسي: ((ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضْتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه، فإذا أحببْتُه كنْتُ سَمْعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه))؛ رواه البخاري.أرأيت عِظَم النوافل والمواظبة عليها؟!
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل: أيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله، قال: ((أدْوَمُه وإن قَلَّ)).
فلتُحافظ على عباداتك وتُداوم عليها - حتى وإن قلَّتْ - فلا تكن هاجرًا لها، فهناك فرق بين أن تُؤدِّي الفريضة خوفًا من الله سبحانه وتعالى، فأنت مأمورٌ بها، وبين تأْدية النوافل؛ لتنال حُبَّ الله ورضاه عليك.بل هناك فرقٌ كبير إن أعطيتَ حقَّ الله بكل حُبٍّ ورِضًا من فرائض وسُنَن، فلا تُؤدِّيها مُجبرًا مُرغمًا، وسترى حينها عِظَم الأجر والثواب، ولتتخيَّل معي ماذا إن أهملتها ورحلت كيف ستقف أمام ربك؟!
حينها ستقف مُطَأْطِئ الرأس، لا تستطيع أن تتكلم من شدَّة الندم والحسرة ممَّا ضيعتَ وابتعدتَ عن طريق الله، ستقف لتبكي وتقول بندم: يا ليتني أعود فأعمَلَ صالحًا؛ ولكن هَيهات هيهات!فلا بكاء ولا ندم ولا حسرة ستنفعك، أو ستشفع لك بما ضيَّعت من فرائض وسُنَن تركتها تتسرَّب من بين سنين عُمرك، لانشغالك بتفاهات الحياة.
فلتعمل الآن وعجِّل بإفاقة نفسك، فلا تعلم متى موعد رحيلك، فلتكن دقائقُ عُمرِك وساعاتها غنائمَ من الذكر والتسبيح والاستغفار.لتكن صلاتُكَ في موعدها مُؤدِّيًا لها بخشوع، ولتقرأ وِرْدَكَ من القرآن بتدبُّر، واجعَل من آياته رسائلَ لك.
أدِّ جميع فرائضك وسُنَنِكَ؛ لترحل مُطمئنًّا مُثقلًا بحسنات كالجبال، فإن وُفِّقْتَ لهذا الأداء وكنتَ ممن اجتهَد وواظَب على أداء عباداته، فهذا هو دليل محبَّة الله تعالى لعباده؛ فلتدْعُ اللهبالثَّبات وحُسْن العمل.
http://www.alukah.net/sharia/0/129534/