التدريب.. الاستثمار في رأس المال البشري



رشا عرفة




في ظل ثورة المعلومات والتغيرات التكنولوجية المتواصلة، ومع التقدم التقني المذهل الذي يشهده العالم أجمع، لم يعد تدريب العاملين في القطاعات الحكومية والأهلية ترفا إداريا أو خيارا ذاتيا، بل بات ضرورة ملحة لتطوير وتنمية العنصر البشري العامل في كافة المستويات، لضمان مستوى مناسب من المهارة، حتى تتمكن أي مؤسسة من تحقيق خططها التنموية وأهدافها الإستراتيجية، وقد احتل التدريب في المؤسسات والمنشآت الحديثة موقعاً محورياً وأصبح يشكل العمود الفقري لأي جهود تطويرية تبذلها هذه المؤسسات، كما أنه حظي باهتمام متزايد من قبل غالبية دول العالم، ففي السنوات الأخيرة اتجهت معظم دول العالم نحو الأخذ بوسائل التدريب المتقدمة، لرفع وزيادة الكفاءة الإنتاجية التي تقتضيها ظروف المنافسة في السوق العالمي، الذي يعمل وفقا لمفاهيم الجودة الشاملة، والتي تمثل إحدى الأهداف الرئيسية للتنمية البشرية، وتحسين مستوى جودة المنتج.

خيار إستراتيجي


لكن ترى ماذا يعني بالتدريب، وما هي أهدافه؟ وما هي مقوماته؟

التدريب عملية مستمرة يتم من خلالها تزويد المتدرب بالمعلومات والمهارات اللازمة، لكي يكون قادرا على أداء مهام محددة بشكل أفضل، وإحداث تطوير إيجابي في أدائه، ويعده لاستقبال أي تغييرات في المستقبل.

ويعتبر التدريب خياراً استراتيجياً لأي جهة تتطلع إلى إعداد كوادر بشرية قادرة على تلبية حاجات العمل، ومواكبة التطورات والتغيرات التي تحدث في مجالات العمل، كما يعد مصدراً مهماً من مصادر إعداد الموارد البشرية، وهو السبب الرئيس في نجاح أي مؤسسة.

أهداف التدريب


ويهدف التدريب إلى تطوير وتنمية العنصر البشري العامل في كافة المستويات لضمان مستوى مناسب من المهارة، باعتبار المورد البشري هو الذي يعمل على تفعيل واستثمار باقي الموارد المادية والتقنية الأخرى في المنظمة، ويعتمد نجاح المنظمة بالدرجة الأولى عليه، كما أنه يهدف إلى رفع مستوى الأداء والكفاءة الإنتاجية لدى الأفراد، وتدريب الموارد البشرية اللازمة لأداء الوظائف المطلوبة بالمستوى المطلوب وفي التخصص الذي تشترطه مواصفات الوظيفة، وكذلك يساهم التدريب في إعداد وتهيئة الأفراد للقيام بأعمال ذات طبيعة ومواصفات تختلف عن عملهم الحالي، كما أنه يمكنهم من تحمل مسؤوليات أخرى، ويعد الأفراد المعنيين الجدد للقيام بعملهم الجديد على أكمل وجه، كما أنه يجعل الفرد ملماً بجميع جوانب عمله، مما يقلل من فرصة ارتكابه الخطأ، ويعمل التدريب كذلك على رفع الروح المعنوية للمتدرب، فإتقان الموظف لعمله يجعله محباً له، راضياً عنه، وهذا يساعد على ارتفاع الروح المعنوية لديه، ويعزز ثقته بنفسه.

ويجب ألا يقتصر التدريب على إعطاء المعلومات، بل يجب أن يقترن ذلك بالممارسة الفعلية لأساليب الأداء الجديد، مما يعود بالفائدة على المؤسسة.


مقومات التدريب


وهناك مجموعة من المقومات الإدارية والتنظيمية للتدريب، منها ضرورة تواجد خطة للعمل تحدد الأنشطة والأهداف الإنتاجية المطلوبة، وتوافر المعدات اللازمة للأداء السليم للعمل، والقيادة التي يحصل منها المتدرب على المعلومات الأساسية، ووجود نظام لقياس أداء الأفراد، وتقييم كفاءتهم، وتحليل مؤشرات الأداء، وتتبع علاقاتهم الوظيفية وأنماط سلوكهم حتى يمكن استنتاج الاحتياجات التدريبية بدقة وموضوعية، وكذلك توافر وسائل تعزيزية للمتدربين تشجعهم على تحسين أدائهم الوظيفي، مثل الحوافز المادية والمعنوية.

رأس المال البشري


وهناك علاقة وطيدة بين التدريب وتنمية الموارد البشرية، حيث ترتكز تنمية الموارد البشرية على وجود كفاءات متميزة من المديرين، صقلت بأساليب تدريبية عالية، أكسبتها مهارات خاصة، وخبرات كبيرة.

وتظهر كفاءة المديرين من خلال نتائج عدة، أهمها، استمرار جودة المنتج وتطوره، وانخفاض التكاليف، وخلق أسواق جديدة للمنتج، وزيادة حصة الشركات التي يعملون بها في الأسواق، مما يساهم بدوره في تحقيق التنمية الاقتصادية ، ويكون له مردوده الإيجابي والمباشر على التنمية البشرية للعاملين في هذه الشركات، وعلى التنمية الاقتصادية للصناعة التي تنتمي إليها، فضلاً عن التنمية الاقتصادية للمجتمع والدولة ككل.

وقد أوصت دراسة أعدها مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض بعنوان "الاستثمار في رأس المال البشري" إلى ضرورة السعي إلى إجراء حصر للاحتياجات الوظيفية القائمة والمستقبلية في كافة الأنشطة النوعية لسوق العمل، ليتم تصميم مناهج التعليم وبرامج التدريب على ضوئها.

أشارت الدراسة إلى أن عملية تنمية الموارد البشرية ترتبط بجانبين متلازمين ومتكاملين، أو لهما يختص باكتساب العلم والمعرفة والمهارة مشكِّلاً جانب التأهيل، وثانيهما يتعلق بقضايا العمل والتوظيف، وهذان الجانبان هما الأساس في تكوين محددات الاستثمار في رأس المال البشري. مشيرة إلى أن التخطيط يعنى بوضع الأسس اللازمة لبناء الإنسان وتحديد احتياجاته من المهارة والمعرفة العلمية والثقافية والمهنية وغيرها والطرق والوسائل الفعالة لتوفير تلك الاحتياجات عبر مراحل زمنية محددة.

وشددت الدراسة على أهمية إعطاء أولوية في تنمية القوى العاملة من خلال برامج التعليم التقني والفني والتدريب المهني، وبرامج التدريب التعاوني التي تتيح التعايش مع واقع بيئة العمل، وتعطي اهتماماً للجوانب التطبيقية. وتطوير المناهج التعليمية لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات المجتمع، بالإضافة إلى تطوير طرق ووسائل التأهيل والتدريب باستخدام التقنيات والتجهيزات المستحدثة. والاهتمام بتنمية كافة فئات الموارد البشرية بما فيها الفئات التي تحتاج إلى الرعاية مثل المعاقين بتأهيلهم وإتاحة مجالات العمل لهم، وكذلك فئة الأميين بالتوسع في برامج محو الأمية وتعليم الكبار.

وجاء في توصيات الدراسة العديد من النقاط التي تساهم بشكل كبير في الاستثمار في رأس المال البشري منها:

- الاهتمام بالأخذ بنظام التعليم والتدريب التعاوني لجدواه في تحقيق فعالية التأهيل سواء من خلال التعليم أو التدريب، وعنايته بالجانب التطبيقي، وتأثيره الملموس في تهيئة الشباب للتكيف بعد تخرجهم مع بيئة العمل.

- التوسع والتطوير في مناهج التعليم وبرامج التدريب وفي مجالات مستحدثة ومدروسة بما يمكن من رفع النسبة المتدنية لإسهام المرأة في سوق العمل.

- إعطاء أولوية في التخصصات التعليمية والتدريبية التي يتم التأهل عليها للنوعيات التي أثبتت جدواها في توظيف الخريجين منها، وتبادل التعريف بها بين الجهات المعنية بالتعليم والتدريب.

- العناية بقياس أثر التعليم والتدريب للتعرف على مدى الاستفادة الفعلية من تأهيل الموارد البشرية، من خلال متابعة الخريجين بعد مباشرتهم الأعمال التي تم تأهيلهم لممارستها، والأخذ بالنتائج في تقويم وتطوير مناهج التعليم وبرامج التدريب.

- تشجيع التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، للاستفادة من إمكاناتها وخبراتها في تصميم وتنفيذ برامج متطورة للتدريب تتواكب مع المستجدات العالمية.

- السعي للاستفادة من صندوق تنمية الموارد البشرية الذي صدرت موافقة مجلس الوزراء الموقر على إنشائه، للإسراع في تحقيق نقلة نوعية في تأهيل وتدريب الشباب للتوافق مع سوق العمل.

- التوعية المستمرة لأصحاب الأعمال والمسؤولين بأن التدريب عملية مستمرة، مما يتطلب مواصلة تدريب العاملين القائمين على رأس العمل لتحسين مستويات مهاراتهم.

- تكثيف الإعلام عن أهمية التدريب خاصة في المجالات الفنية والمهنية، وتوليد الوعي والقناعة لدى الشباب بأهمية وضرورة الالتحاق بهذه النوعيات لجدواها في توفير فرص العمل.

- مواصلة الاهتمام ببرامج التدريب الصيفي للطلاب واستحداث برامج جديدة، مع تخصيص جانب من التدريب ينفذ بمنشآت القطاع الخاص لتعريفهم ببيئة العمل بها.


التدريب الإلكتروني


وفي ظل التطور النوعي والكمي غير المسبوق في مجالات تقنية المعلومات، ساهمت شبكة الانترنت في تيسير أساليب التعلم والتدريب الإلكتروني التي تسعى لتحقيق أرقى مستويات التعليم والتدريب من دون تقيد بحدود الزمان والمكان.

فلقد أحدثت التطورات التي شهدتها مجالات تقنية المعلوماتية والاتصالات نقلة نوعية أثرت في جميع العمليات التعليمية، خاصة ما يتعلق بأساليب التدريب، حيث أدت هذه التحولات إلى ظهور آليات حديثة في طرق اكتساب المعارف والمهارات.

وعملية التدريب الإلكتروني عملية يتم فيها تهيئة بيئة تفاعلية غنية بالتطبيقات المعتمدة على تقنية الحاسب الآلي وشبكاته ووسائطه المتعددة، تُمكن المتدرب من بلوغ أهداف العملية التدريبية من خلال تفاعله مع مصادرها في أقصر وقت ممكن، وبأقل جهد، وبأعلى مستويات الجودة.
وساعد التدريب الإلكتروني المتدربين على استخدام تقنية المعلومات والاتصالات والشبكات المتاحة في دراسة البرامج والمناهج والمقررات التدريبية ومراجعتها، وتصميم برامج التدريب ومناهجه ومقرراته بطريقة رقمية، والتغلب على مشكلات أساليب التدريب التقليدية، ومعرفة الأسس والمعايير التي يمكن من خلالها إجراء التعديلات لتطوير منظومة التدريب