المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله بن محمد
راوي الحديث هو سعيد بن جبير رضي الله عنه، وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة (12/ 44، رقم: 23941):
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ،
عَنِ أَبِي شِهَابٍ [هو الحناط، موسى بن نافع، صدوق]،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : كَانَتْ بِهِ شَقِيقَةٌ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَرْقِيكَ مِنْهَا ؟
قَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي بِالرّقَى.
وهذا إسناد حسن، فإن أبا شهاب الأكبر الحناط:
قال فيه علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن موسى بن نافع فقال: أفسدوه علينا.
وقال عثمان بن أبي شيبة: أثنى أبو نعيم على موسى بن نافع خيرا
وقال أحمد بن حنبل: منكر الحديث.
وقال ابن معين: ثقة.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: يكتب حديثه.
قال: وغيري يحكي عن أبي أنه قال: ثقة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال البخاري: قال عثمان بن أبي شيبة هو أسدي، وأثنى عليه خيرا.
وقال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث.
وقال بن شاهين في الثقات: قال ابن عمار هو ثقة.
فالسند حسن إن شاء الله تعالى.
فإذا كان هذا فعل سعيد بن جبير فهو يؤيد رواية الإمام مسلم: (ولا يرقون)، ويكون تطبيقا عمليا لما رواه.
علمًا بأن سعيدًا روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، يَقُولُ: "أعوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"، قَالَ: "وَكَانَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ"، أَوْ قَالَ: "إِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ". رواه ابن ماجه في سننه ت الأرنؤوط (4/ 552) بسند صحيح.
فهو يفرق بين التعويذ والأذكار وبين الرقى.
ويشهد لحديث مسلم أحاديث وآثار غير فعل سعيد المار، منها:
1) ما في المعجم الكبير للطبراني (4/ 56، رقم: 3619):
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ [هو السهمي، صدوق، ت 282 هـ]،
ثنا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ [ثقة، ت 219]،
أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ [هو الغافقي المصري، صدوق ربما أخطأ، ت 168 هـ]،
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرَ [هو الإفريقي، صدوق يخطئ]،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ [هو الألهاني الدمشقي، ضعيف، ونقل الحافظ عن بعضهم: أنه متفق على ضعفه]،
عَنِ الْقَاسِمِ [هو ابن عبدالرحمن الدمشقي، صدوق، يغرب كثيرا، ت 112 هـ]،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ، أَنَا وَنَفَرٌ مَعِي عَلَى خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَحِمَهُ اللهُ وَقَدِ اكْتَوَى فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: اكْتَوَيْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» .
وهذا سند ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (7/ 13): (ليس في الثلاثة [يريد علي بن يزيد وشيخه القاسم، وتلميذه ابن زحر] من اتُّهِم إلا علي بن يزيد، وأما الآخران فهما في الأصل صدوقان، وإن كانا يخطئان)، ولم أقف على من اتهمه في ترجمة علي بن يزيد في التهذيب، بل ذكر الحافظ عنهم كلاما وإن كان فيه شدة، لكن ليس فيها من ذكر أنه متهم، بل فيه: (منكر الحديث [وهي للبخاري من أشد الجرح]، متروك، فيه نظر، ليس بثقة).
2) وكذا إخبارُ عبيد بن عمير عن فعل الصحابة رضي الله عنهم ففي الآداب الشرعية (2/ 466): (قَالَ سَعِيدٌ:
ثَنَا سُفْيَانُ:
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ:
سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَبَقَكُمْ الْأَوَّلُونَ بِالتَّوَكُّلِ، كَانُوا لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ فَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" عُبَيْدٌ أَدْرَكَ عُمَرَ وَأُبَيًّا).
وهذا سند صحيحٌ من سعيد إلى عبيدٍ.
وفيه إخبار عن فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفسيرُه لمعنى التوكل، وأنهم لا يرقون.
وكان عبيدٌ وُلِدَ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر وعلي وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وكان أوَّلَ مَن قَصَّ على عهد عمر رضي الله عنه، فهو يخبر عن رؤيةٍ ومشاهدةٍ: (كانوا لا يرقون) إخبارَا عن فعل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وفي هذا حجة تطبيقية لفعلهم رضي الله عنهم.
يستفاد من كلام الحافظ أمرين:
الأول: أن أول من انتقد هذا الحديث هو شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
الثاني: قوله: (أجاب غيره) صيغة تبرٍّ، فكأن ما جاءوا به من جواب لم يقنع الحافظ رحمه الله تعالى.
والله أعلم