إشكاليات العمل الدعوي
أ.د. سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود*



من المعروف أن العمل الإسلامي لا ينقصه الإخلاص في معظم الحالات، ولكن قد ينقصه الصواب الذي يعد شرطاً لازماً للنجاح. كما يعاني العمل الدعوي من عدة إشكاليات تتمثل في:
جمود آليات العمل الدعوي وأساليبه، وتحولها إلى أشكال مقدسة لا تتجاوز، جعلت الهوة بينها وبين الواقع تزداد اتساعاً مع تسارع أحداث العصر ووقائعه وتطور معطياته.

ضعف الخطاب الديني وسطحيته في كثير من الأحيان وبعده عن مناقشة القضايا المطروحة، مما أفقده القدرة على التأثير في حياة الناس، وتعميق هذه السطحية لدى الملتقى.

الانغلاق على الذات، وتجنب العمل الجماعي المفتوح المتعدد الأطراف والمشارب.

إشكالية وجود الرأي وفقدان الموقف.. فعلى الرغم من كثرة الآراء السديدة والطروحات المهمة إلا أن العجز عن اتخاذ موقف عملي جاد هو الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها العالم الإسلامي.

العجز عن ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج عمل وآليات فعل، ومواقف واضحة.

فقدان الحسابات الدقيقة والأمنية، وعدم ربط الأسباب بالنتائج، ودراسة الاحتمالات.

إدراك أننا نعاني من أزمة نخبة لا أزمة أمة، وإشكالية جيل، لا إشكالية مصير.

آليات تفعيل العمل الدعوي:
أولاً: العامـــــــة:

ضرورة تحديد الوسائل المشروعة والمجدية، واختيار الموقع الفاعل المؤثر وفق الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة، مع عدم الإخلال بالتوازن، وضبط النسب، والاحتفاظ بالرؤية الشمولية للإسلام.

الانتقال بالعمل الدعوي من مرحلة المبادئ المبنية على المواعظ، والخطب، والدروس، إلى مرحلة البرامج الواضحة والخطط المرحلية المدروسة، والحسابات الدقيقة للواقع المعاصر، والظروف المحيطة، والإمكانات المتاحة.
تصويب المسار، وتجديد عملية الانتماء لهذا الدين.

تجديد وسائل العمل الإسلامي وطرائقه وأساليبه وهياكله وميادينه، التي تحولت عند البعض إلى دين يحرم تجاوزه. ذلك أن الاستمرار عليها إنما هو حرب بغير معركة، وانتصار بغير عدو.

ضرورة المراجعة وإعادة النظر وفق المستجدات على الساحة المحلية والإسلامية والدولية، ومتابعة مجريات الأحداث العالمية وتحليلها وفهم أبعادها؛ لتحسين التعامل معها.

العمل على جمع الشمل ووحدة الصف بين الجهات المختلفة العاملة في مجال العمل الدعوي، وفتح باب الحوار والمفاهمة بينها وتبادل الخبرات والاستفادة من الطاقات في عمل جماعي مشترك.

نبذ كل أشكال التحزب والتقوقع والانعزال، والاعتقاد بأن العمل الإسلامي حكر على جماعة بعينها.

الالتزام بالأدب الإسلامي في الحوار والخلاف في وجهات النظر، والجدال بالتي هي أحسن، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

الانتقال من موقف الدفاع الفكري والنظري عن الإشكالات والقضايا الجزئية المطروحة التي تكون في غالبها متوهمة أو مفتعلة والتي لا تنتهي أبداً، والمقصود بها استفزاز الطاقات الفكرية واستهلاك النشاطات الذهنية والجهود العلمية والعملية، وحصرها في إطار الأدب الدفاعي، أو الفكر الوقائي، والمواقع الدفاعية التي لا تراوح محلها وإنما تدور في فلك الانفعال لا الفعل والإثارة لا الإصلاح. فيكون الزمام بيد أعداء الإٍسلام الذين يتحكمون بالمعركة لصالحهم في زمانها ومكانها وأدواتها ومضامينها، إلى امتلاك زمام المبادرة في الطرح، والمواجهة وفق المشكلات الحقيقية والقضايا الواقعية التي تمس كيان هذه الأمة.

العمل على تحقيق التحكم الثقافي من خلال المؤسسات، والمراكز البحثية والدراسات الجادة، وغيرها من الوسائل والآليات لمواجهة سلطة العولمة والهيمنة بأبعادها المختلفة الساعية إلى تدمير الرؤية الإسلامية الشاملة وفقدان البصر والبصيرة.

تفعيل التعامل الجاد الواعي المدروس مع وسائل الاتصال المختلفة، والإسلامية منها على وجه الخصوص؛ للعمل على توجيه المسلمين وتثقيفهم بقضاياهم الحقيقية وتعبئتهم، وتوحيد جهودهم، وحشد قواهم، لمواجهة التحديات المصيرية، وعدم الانخداع بالأطروحات المروّج لها إعلامياً من قبل أعداء هذه الأمة.
العمل الجاد على تكوين جيل من الدعاة والإعلاميين الإسلاميين المؤهلين شرعياً وتقنياً وتخصصياً، القادرين على التعامل مع أبعاد هذا الواقع الخطير الذي يلعب فيه الإعلام الدور الأكبر والأخطر في التوجيه، والتغيير وتحديد المسارات.

تحقيق التوازن المطلوب والتلازم الغائب بين الإخلاص لله، وإتقان العمل للوصول إلى الصواب.
ثانياً: الخاصة بالمرأة:

أن تعي المرأة أهمية دورها وفعاليته في بناء المجتمع والأمة.

معرفة حدود الطاقات النسائية وتجميعها والعمل على تفعيلها.

تصحيح المفهومات المنحرفة في المجتمع وبيان حقيقة الأطروحات المروج لها. وبخاصة بين النساء، وتنمية الاستعلاء الإيماني.

تأهيل أكبر عدد من المثقفات المسلمات لقيادة المجتمع ومواجهة تيارات التغريب والتغيير والتخريب.

وضع مناهج تربوية نسائية تراعي خصوصية المرأة، وتتوافق مع معطيات الواقع.

العمل على تحريك المسلمات للقيام بدورهن في أي مجال أو مكان أو زمان، مهما صغر هذا الدور.

الاهتمام بفئة الفتيات الشابات واحتضانهن.
تحديد طبيعة العلاقة بين التنظيمات النسوية، وتنظيمات الرجال من حيث التبعية والاستقلال، لمواجهة الظروف المستجدة.

تفعيل دور المؤسسات الإسلامية المعنية بالمرأة لمتابعة الصحوة، وتوحيد الصفوف، وتنظيم العمل، والانتقال من العمل التطوعي الفردي إلى العمل الجماعي المنظم، والتصدي للحرب المعلنة من قبل الهيئات الدولية والمؤسسات العالمية.

التحرك البصير بين جميع شرائح المجتمع، مع التركيز على الشرائح والنخب المثقفة المتميزة واستقطابها، ومحاولة تحطيم الحواجز القائمة والمفتعلة بين العمل الإسلامي وعامة أفراد المجتمع.

المشاركة الفعالة في جميع الأنشطة والفاعليات الثقافية المتنوعة، الإسلامي منها وغير الإسلامي للتأثير وإثبات الوجود.





*الرئيس العام لمركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية، ورئيسة تحرير مجلة الشقائق