كوني داعية أينما كنت

أ.د. سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود*

العمل الدعوي ليس له مكان، أو زمان، أو صفة تحصره وتقيده، ذلك أنه بإمكان المرأة متى ما استوفت شروط الدعوة (العلم، الفقه: فقه النص، وفقه الواقع وغيرها..) فإنه بإمكانها أن تمارس العمل الدعوي من أي مكان وفي أي زمان، ومن أي موقع تشغله دون قيود باستثناء الالتزام بالضوابط الشرعية والمنهجية الصحيحة.
ومع هذا، فإن من ينظر إلى ساحة العمل الإسلامي في هذا العصر يجد أن دور المرأة المسلمة المثقفة ما زال ضعيفاً إلى حد ما، على الرغم من أهمية دورها وخطورته في هذه الأيام التي اشتد فيها الصراع وتعددت جبهاته وتنوعت أنواعه، العقدية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وغيرها. وتفاعلت فيه القضايا المطروحة فيما يتعلق بالمرأة، والدعوة إلى تحريرها، ومساواتها بالرجل، ونبذ جميع أشكال التمييز ضدها، وما إلى ذلك مما يتعلق بموضوعات المرأة والأسرة، بل واستغلال قضايا المرأة لممارسة الضغوط على الدول والحكومات من أجل تغيير قوانينها وتشريعاتها الخاصة بالأحوال الشخصية، واستغلال الجمعيات النسائية والناشطات من الرموز الثقافية لتعجيل عملية التغيير وتفعيلها على جميع الأصعدة.
وفي خضم هذا الصراع المحتدم، والتدافع الحضاري والثقافي الخطير نجد أن حركة المرأة المسلمة الداعية ما زالت تدور في فلك ضيق ونطاق محدود لا يكاد يؤثر في عملية تحريك عجلة الإصلاح الاجتماعي، ويوجهها الوجهة الصحيحة التي تعين على تحقيق الحصانة الفاعلة والتفاعل المنشود، فهي تكاد تكون غائبة عن ساحة الصراع تمارس دوراً محدوداً يتسم في غالبه بالارتجالية والانفعال وغياب التخطيط الواضح، أو الوعي المطلوب، أو التنظيم الدقيق، فهي ما زالت تتحرك ضمن إطار العمل الخيري، والندوات والمحاضرات والدروس ضيقة الحدود، محدودة الأبعاد، والتي تركز غالباً على بعض القضايا العقدية، وأمور العبادات وتكثر المواعظ والرقائق، بالإضافة إلى الانخراط في حلقات تحفيظ القرآن التي تتعامل في مجملها مع شريحة معينة وجمهورها المحدد على المواجهة والصمود للتحديات المعاصرة، فضلاً عن معالجة القضايا المطروحة والتعامل معها بالشكل المناسب.
بالإضافة إلى عدم تمتعها بالاستقلالية، وخضوعها لسيطرة التنظيمات الرجالية، مما قيد حركتها وفتح المجال واسعاً أمام التيارات الأخرى المدعومة داخلياً وخارجياً للتغلغل داخل بنية المجتمع واستقطابه لشريحة كبيرة من جمهور النساء وبخاصة الفتيات صغيرات السن، مما يسر لها الطريق لإثبات وجودها، وفرض مطالبها.
وهذا لا يعني عدم وجود عمل دعوي نسائي في مجالات مختلفة، منها:
· المجال الإعلامي: وإن كان التواجد النسائي فيه ما زال ضعيفاً ومحدوداً، ويفتقد إلى المهارات الاحترافية، والقدرة على التعامل مع معطيات الواقع المتغير.
· المجال الفكري والعلمي: وهو أيضاً يشكو من قلة العاملات الفاعلات فيه.
· المجال التربوي: والصورة فيه لم تزل غير واضحة ولا منهجية، ولكنها تبقى اجتهادات فردية تقف في وجهها الكثير من العقبات.
· المجال الطبي: الذي يحتاج إلى مزيد عناية وتركيز.
· المجال الاقتصادي: والذي اقتحم بشدة من قبل التيارات الأخرى؛ لخلوه من الوجود الإسلامي.
· المشاركة في المؤتمرات والندوات والملتقيات الثقافية: عربياً، وإسلامياً، ودولياً. وهو مجال لم يطرق إلا من قبل شخصيات محدودة جداً مع أهميته الكبيرة، في حين أن الواقع المعاصر بحيثياته يتطلب أن يشمل العمل الدعوي النسائي المجالات الموجودة جميعها، وعدم إهمال أياً منها أو تأجيله.
فمفهوم العمل الدعوي ينبغي أن يتسع ليستوعب المستجدات المطروحة، ومجالات العمل المتغيرة، والمناشط المتاحة واقتحامها بقوة وثبات بمجالاتها: الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والإعلامية، والعلمية، والدولية وغيرها، والتعامل مع جميع شرائح المجتمع وفئاته المختلفة.
ومن ثم فلا بد للمرأة الداعية أن تثبت وجودها بقوة وقدرتها على المشاركة الفاعلة في توجيه المجتمع، وتصحيح مساره، وحمايته، وفق الضوابط الشرعية، وحقائق الواقع المعاصر.


*الرئيس العام لمركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية، ورئيسة تحرير مجلة "الشقائق"