أهم القواعد في مجادلة أهل الكتاب
أهم القواعد في مجادلة أهل الكتاب "النصارى"
كتبه : شريف فياض
مقدمة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - أما بعد ،،،
دأب العلماء قديما على أن تكون المحاججة في الدين هي : المحاججة العقلية ثم المحاججة النصية أو النقلية ، وفي سبيل ذلك كان المنطقي أن نضع للحجاج قواعد منطقية عقلية إرشادية لكل طالب حق ، ورادعة لكل متكبر أو صاحب هوى.
لقد ادعى الغرب منذ سنين أن المسلمين استفادوا من المناهج الغربية ، وطوروها ، ليدحضوا العقائد الدينية المسيحية ، وخير دليل على ذلك هي : تجربة القس فندر مع الشيخ رحمت الله في المناظرة الكبرى بالهند قبل القرن الماضي.
إن امتلك المسلمون أدوات ساعدتهم على التطوير منذ أيام رحمت الله ، فأزعم أني قمت بالتطوير - وللمرة الثانية - بعد رحمت الله ، ومازالت ادعاءاتهم مستمرة بأننا من نطور، وفي سبيل ذلك ننتصر !
إن كانت الآليات هي سبب الانتصار ؛ فأدعوهم إلى تجربة ما بين أيديهم من آليات ، بل ولنثبت أن الإسلام دين عالمي يدعو للسلام لا يدعو للحروب ، ويثبتوا هم كذلك أن دينهم لا يدندن بالإرهاب والحروب ! وإن لم تكن الآليات هي سبب الانتصار فأدعوهم إلى إبطال تلك المزاعم ، والاعتراف بأن الآليات ما هي إلا وسيلة وسبيل لإقرار الحق !
إن ما تم تقريره من مناظرات عبر التاريخ بين الديانتين كفيل بالكف عن استكمال هذا الباب إلا بحقه ؛ وحقه عند ارتفاع الصوت بالمطالبة من الجانبين – المناظِر والجمهور – حول موضوع معين لإظهار الحق فيه ، أما ما دون ذلك فالمراجع والكتب والمصادر كفيلة لكل من يبحث عن الحق ، وفي الحالتين تكون المحاججة ضمن شروط وقواعد يتفق عليها الطرفان وضمن مسار الحجاج العقلي قبل الولوج إلى المناظرة والمحاججات النقلية والنصية.
إن ما وضعته من قواعد أولا ، وفي استخدام البيئة التكنولوجية للحد من التصادم بين أي طرفين ثانيا ، يساعد كل طرف على أن يظهر كل أدواته وحججه وشعاراته وأساليبه دون صدام مع أي طرف آخر ودون التمادي في جدلٍ لا طائل من ورائه ، وفي نهاية ذلك فمن حق كل شخص أن يختار ما يقنعه وما يهتدي إليه قلبه ؛ وبهذا نضع أهم الحجج أمام من يدعي أن الإسلام دين الحرب !
لماذا لا يطور الغرب أساليبه وأدواته في هذا الباب ؟! هل ينتظر أن نطور نحن ليدعي أننا استفدنا منهم وطورنا ما لديهم لنرد عليهم ! يا لا سخافة هذا الادعاء الباطل ! أينكفئون على أنفسهم ويركنون إلى الظُلمِ منتظرين تطورينا نحن !؟ إذن ، نحن نعترف أننا نطور ، وفي سبيل هذا الدين لابد ولا نزال نطور ، كما نزعم أن التطوير ليس لجدل أو إثبات مزاعمنا وفقط ، بل هو أداة لإقرار الحق ودحر ما لديهم من مزاعم باطلة ، كما نؤكد على التمسك بنتائج وقائع ومناظرة رحمت الله مع فندر. فسواء طورنا أم لم نطور فالحق معلوم ، ولكن ما هي إلا مجرد أساليب لإظهار الحق لهم ، وعليهم أن يختاروا ويجتهدوا هم أيضا في سبيل إظهار صواب ما لديهم وإن كان حقا !
إن تلك القواعد والآليات تصلح لرسم الحدود بين كافة الأديان لا بين دينين وفقط ؛ فإن فكرتها - وقد عكفت عليها سنين طوال للبحث عنها واستخراجها في بحثي - قد وضعتها مستفيدا مما حدث بين رحمت الله وفندر بادئ ذي بدء ؛ حيث نصب فندر لرحمت الله أفخاخا عدة في تلك المناظرة ، ولكن بمهارة وعلم رحمت الله استطاع اختراقها واجتيازها .
إننا وبعد مرور عدة أعوام لنستطيع أن نرى هذا المشهد المجرد من زوايا عدة لم تكن في عهدهما ، وأن نقلل من حجم هذه الحفر وتلك الدوامات المصطنعة – مما يدعيه كل طرف تجاه الآخر – بوضع قواعد يتفق عليها الطرفان قبل التناظر تعرف بـ " قواعد منهجية حديثة عند المناظرات" ، كما أن تجربة الشيخين "أحمد ديدات وذاكر نايك" الحديثتين - واللتين ترى أنهما امتداد لتجربة الشيخ رحمت الله - لا تعدان تطويرا منهجيا بل شكليا وأسلوبا دعويا لا أكثر .
أزعم أن المنهج المطور لربما يصبح منهجا عالميا جديدا في مقارنة الأديان مما يتيحه من وسائل تكنولوجية حديثة ، ومما يقلل بشكل كبير من التصادم ، ومما يدعو القارئ أن يختار ما يريد وما يتشقق له قلبه أو ينفتح له صدره !
وأخيرا ، إن النموذج التفسيري بالخوض في بحر الجزئيات وتشقيقه والخروج منه بكليات وقواعد منطقية عامة لهو ما اجتهدت فيه في هذا البحث .إن هناك من نصحني بنشره بين عامة الناس كي يستفيد منها المسلمون ؛ حيث كنت حريصا في أول الأمر على نشره بين الخواص ؛ حتى يثبت لدى الجميع - ودون ادعاءات فارغة - أن المسلمين من طوروا ، وأن حضارتهم تعود – بعد الأفول – وتصحو من جديد ، وهذا بعد قرب أفول حضارة الغرب المصطبغة بالمادية والبرجماتية واللتين ألغتا دور القلب والروح والدين في صنع الحضارات الحقة والممتدة.
عملت على التطوير في مجال مقارنة الأديان ، والدفاع عن الإسلام ، فكما أسس الشيخ الفقيه – ابن حزم الأندلسي – أصول هذا العلم النقدي داخليا وخارجيا – من حيث السند والمتن – توسع فيه شيخ الإسلام – ابن تيمية – وطوره ، ووجهه بشكل آخر دفاعي ، يكتفي فيه بأن إثبات صدق الصادق دليل على كذب الكاذب ، بالإضافة إلى ما قام به من جهود في نقض وهدم عقيدة التثليث.
وإن كان ابن حزم يرى أن كذب الكاذب يدل على صدق الصادق فإن الشيخ (رحمت الله الهندي) استفاد من المنهجين – الدفاعي والهجومي – لابن حزم وابن تيمية – رحمهما الله – فعمل على إثبات صدق الصادق من خلال : إثبات النبوة والقرآن ، كما عمل على إثبات كذب الكاذب من خلال قضايا : التحريف والنسخ والتثليث ، مطورا في منهج ابن حزم الجدلي والنقدي ، ومعتمدا على تحديد أكبر للموضوعات المثارة بين الطرفين لتكون الحجة أقوى وأبلغ ، كذلك عمد على الاستفادة من شارحي ومفسري الكتاب المقدس – كما فعل ابن حزم – ليدحض بالحجة والبرهان أساليب الافتراء والبطلان . كما قام رحمت الله الهندي بعد هجرته من الهند ، وبعد الاحتلال البريطاني ، وبعد جهاده هناك بالسيف والعلم والقلم وبعد المناظرة الكبرى مع القس ( فندر) ، بتأسيس المدرسة الصولتية بمكة المكرمة ليستمر العطاء ، ويستمر تعليم وتفهيم الناس خطورة المستعمر والمبشر.
إلا أنه قد ظهرت في عصرنا الحديث محاولات أخرى عظيمة في هذا المجال : كأحمد ديدات ومن بعده ذاكر نايك في مجال الدفاع عن الإسلام ومقارنة الأديان والمناظرات ، لكن الخط الذي سارا عليه لا يعد تطويرا منهجيا بل تطويرا شكليا ، وأسلوبا دعويا لا أكثر ؛ حيث إنهما اعتمدا منهج النص والحفظ أكثر من اهتمامهم بالأبواب والموضوعات ووضع وتأصيل للقواعد ، كما اهتموا بالمناظرة على حساب المنهج ، وبالدعوة – الجماعية أو الفردية – دون وضع قواعد محددة واضحة.
حاولت في البحث أن أضفي عليه سمة التجربة الواقعية المنشودة ، والتي يمكن من خلالها الاستفادة بتحويل هذا المشروع العلمي إلى آخر دعوي، ومن خلال الاستفادة من تجارب السابقين على المستوى الفردي أو التنظيمي ، أو من التابعين على نفس النسق أو المخالفين ، كما عملت على الاستفادة من الجانب الآخر النصراني في وضع القواعد والأصول المطلوبة للدعوة في الفترات القادمة.
إن المنهج الموضوع لا يشترط أن يكون الشخص حافظا متقنا بقدر ما يتوفر لديه من مواهب وتحصيل شرعي للقدر المطلوب فقط؛ كي يستطيع القيام بأمر الدعوة ، وإن هذا ليساعد على الانتشار وبقوة أكبر من الاعتماد على أشخاص بأعينهم ، كما يساعد على تأسيس المنظمات والعمل التنظيمي الذي يرعى ويحمي هذا التوجه .
إن المنهج الموضوع وباختصار ينتهي إلى إنشاء موقع الكتروني أو تطبيق من تطبيقات الأندرويد ! فلقد استنتجت من خلال البحث أو الدراسة أن الدعوة الجماعية ، وفي المناظرات العلنية قد تضر أحيانا أكثر مما تفيد بعض الأشخاص ؛ حيث إنه ليس كل شخص مستعدا لأن يسمع انتقادات عن دينه أو عقيدته بقدر ما يسمع عن عقيدة الدين الصحيح أو مبادئه ، وعلى الجانب الآخر هناك من يريد أن يسمع ..إذن وضع شخص غير مناسب في مناظرة علنية قد تحدث معه نتائج عكسية – وإن كان مسلما – كما حدث أن تنصر اثنان من الدعاة في أكبر مناظرة حدثت بين المسلمين والنصارى وانتصر فيها المسلمون وهذا حدث غريب !.
فمن خلال الدراسة وجد أنه لا يلجأ إلى استخدام هذا الأسلوب إلا عند التيقن من مزاياه ، ومدى استفادته ، كما عرضت ذلك من خلال آراء وإجابات ديدات من خلال الرسالة ، لكن الأفضل هو التصنيف : تصنيف الحاضرين قبل الولوج في أية مناظرة.
وكما يختلف الأشخاص في مستواهم التعليمي والثقافي والبيئي ، عملت على تصنيف البشر من خلال موقع الكتروني يتم إنشاؤه حسب : التعليم ، والسن ...الخ ، غير مستخدم لاسمه الحقيقي بل باسمه المستعار ؛ وحيث تفتح له صفحة تحدد له اختياره وإن كان يريد أن يسمع الشبهات المثارة حول دينه ، أو يسمع عن الإسلام وعقيدته ومبادئه السمحة ، أو رد الشبهات عن الدين الإسلامي ، ومن خلال اختيار المستخدم يتبين مدى إلمامه وحاجاته ؛ فيتم وضعه في الغرفة الحوارية المناسبة مع الأشخاص المناسبين، كما يتم وضع المناظرات المناسبة له ولمستواه إن وجد.
إن هذا التطور الديناميكي للموقع في مجال مقارنة الأديان ، والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات بعد أن كانت الأساليب الحوارية غير محددة الغرض أو ثابتة استاتيكية تعرض كل شيء لأي شخص ، أصبح – الآن – في الإمكان الاستفادة من مزايا الدعوة الفردية ، والتي تناسب كل شخص في إطار جماعي يستهدف المتشابهين من كافة الفئات.
كما تم – وهو الأهم – وضع قواعد ولوائح للتناظر ، ومنع وجود أي مناظرة تخلو من تلك القواعد ؛ حيث إنها تنظم تلك العملية لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة ، فإن شئت قلت : إغلاق أو تقييد أو إحكام للمناظرة ، ولكنها زبد النتائج التي خرجت بها من خلال البحث والدراسة ، كما يلزم أن يوقع الطرفان على القواعد كما توقع عقود الإيجار.
إن من أهم تلك القواعد أنه لا يمكن التنازل عما حدث في المناظرة الكبرى التي حدثت بين الشيخ رحمت الله والقس فندر من نتائج وتساؤلات تم توجيهها للطرف الآخر . وإن حدث ولم يتم الاتفاق على المناظرة في تلك القواعد ، فالتناظر يكون ساعتها حول تلك القواعد ذاتها .
كما يتم وضع أفضل الردود – بعد جمعها وتنقيحها – في جميع الأبواب والمسائل – في شكل ذاكرة دعوية ، توضع على الموقع يستفيد منها الدعاة عليه ومن خلاله ، أو المستخدمين كل حسب مستواه ، وهذا نظرا لامتلاء المكتبة الإسلامية بالردود ولا يوجد ردود عليها مناسبة من الطرف الآخر . كما يمكن الاستفادة من هذا التطور مع أي ديانة أخرى.
كما يمكن إدراج موضوعات : كدراسة الإسلام ، أو ردود إسلامية على أرباب الملل الأخرى ، أو الردود على الديانة الأخرى مع استصحاب ردودهم بأقوال مفسريهم ، ثم رد المسلمين عليهم عن طريق مجموعة من الأسئلة الحوارية تقلل من حجم القراءة لدى المستطلع ، يتبع هذا تقييم المستخدم أو المستطلع مع السماح بالتعليقات أثناء الشروح والأسئلة والتقديمات المختلفة.
إن الالتزام بوضع قواعد قبل التناظر مع الالتزام بشروط التعريف لكل مصطلح ، سيعمل على سد أبواب من الجدل لا طائل من ورائها سوى الجدل. إن الباحث عن الحقيقة لا يهمه سوى إثبات الحق دون سماع مخالفات أو أقوال من الطرف الآخر . كما تحمي تلك القواعد المناظر المسلم من تلاعب المناظر الآخر ؛ حيث تلاعب ( فندر ) وغيره بالمصطلحات هروبا من الأزمة.
إن مرحلة استخراج القواعد لا تأتي إلا بعد الاستهلاك في الشروح والمناظرات أو استيعاب القدر الكافي للدين الآخر ... كما يفضل أن تستخدم المناظرات في النوع الذي يظهر معاداة الإسلام والتحدي ؛ أي استخدام القوة لصد العدوان وليس في كل وقت.
كما تبين أن المنهج القرآني في مناظرة المسلمين للنصارى هو : منهج التخطئة والإلزام ، إلا أنه بعد تلك المناظرة الكبرى ونجاح رحمت الله الساحق يمكن أن يستكمل ذاك البناء بالدعوة ، و شرح مبادئ الإسلام.
يسهم هذا الموضوع في مواجهة حركات التبشير ، والتي اتسعت دائرتها ، ولم تقتصر فقط على النقاش ، بل أصبح هناك أكثر من قناة فضائية تؤسس لذاك المنهج . كما أن التبشير هو البديل للحملات الصليبية الفاشلة لتحطيم العالم الإسلامي ومحوه من الوجود.
وإن أفضل جهود المسلمين في مجال الأديان والتناظر هي : جهود الشيخ رحمت الله الهندي ، وخاصة عندما ناظر القس فندر ؛ حيث وصلت المناظرة في عهدهما إلى أعلى درجات البحث والنظر والجدل ، وتشكلت أقوى المراحل المنهجية في دائرة علوم الجدل والمناظرة.
يتبع