قال علم الهداة الاعلام شيخ الاسلام الامام محمد بن عبد الوهاب -وأما استدلالك بالأحاديث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم وقوله : (( من شذ شذ في النار)) و (( يد الله على الجماعة)) وأمثال هذا فهذا أيضا من أعظم ما تلبس به على الجهال،وليس هذا معنى الأحاديث بإجماع أهل العلم كلهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام سيعود غريباً فكيف يأمرنا باتباع غالب الناس ؟وكذلك الأحاديث الكثيرة منها قوله : (( ويأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ))و أحاديث عظيمة كثيرة يبين صلى الله عليه وسلم
أن الباطل يصير أكثر من الحق وأن الدين يصير غريباً، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم : (( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )) هل بعد هذا البيان بيان يا ويلك، كيف تأمر بعد هذا باتباع أكثر الناس ؟ ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقرّ به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها، فإن كان الصواب عندكَ اتباع هؤلاء فبين لنا، وإن كان عنزة وآل ظفير وأشباههم من البوادي هو السواد الأعظم ولقيت في علمك وعلم أبيك أن اتباعهم حسن فاذكر لنا ونحن نذكر كلام أهل العلم في معنى تلك الأحاديث ليتبين للجهال الذين موهت عليهم.
قال ابن القيم رحمه الله في ( أعلام الموقعين ) :---- واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض. وقال عمرو بن ميمون سمعت ابن مسعود يقول : (( سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن وقتها فصل الصلاة وحدك) وهي الفريضة ((ثم صل معهم لك نافلة )). قلت : يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثون، قال : وما ذاك ؟ قلت : تأمرني بالجماعة ثم تقول صلّ الصلاة وحدك !. قال : يا عمرو بن ميمون، لقد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة ؟ قلت : لا، قال : جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. وقال نعيم بن حماد : إذا فسدت الجماعة فعليك بما كان عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة،وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ، وقال بعض الأئمة وقد ذكر له السواد الأعظم أتدري ما السواد الأعظم هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجمهور والجماعة فجعلوهم عياراً على السنة وجعلوا السنة بدعة، وجعلوا المعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار وقالوا : (( من شذ شذ في النار )) وعرف المتخلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان عليه الناس كلهم إلا واحداً فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم في زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة يومئذ والمفتون والخليفة وأتباعهم كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم تحمل ذلك عقول الناس قالوا للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون على الباطل، وأحمد وحده على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل فلا إله إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة - انتهى كلام ابن القيم - يا سلامه ولد أم سلامة. هذا كلام الصحابة في تفسير السواد الأعظم، وكلام التابعين، وكلام السلف وكلام المتأخرين حتى ابن مسعود ذكر في زمانه أن أكثر الناس فارقوا الجماعة، وأبلغ من هذه الأحاديث المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غربة الإسلام وتفرق هذه الأمة أكثر من سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فإن كنت وجدت في علمك وعلم أبيك ما يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء، وإن عنزة وآل ظفير والبوادي يجب علينا اتباعهم فأخبرونا. كتبه محمد بن عبد الوهاب وصلى الله على محمد وآله وسلم )).[الدرر السنية فى الاجوبه النجدية -الرسالة الرابعة والثلاثون]