مستجدات الحج الفقهية ( النوازل في الحج )(10من16)
الدكتور محمد بن هائل المدحجي

ما زال الحديث متصلاً عن نوازل الحج ومستجداته الفقهية ، ومن ذلك :
مستجدات الحج المتعلقة بالمرأة
من نوازل الحج المتعلقة بالمرأة : تناول المرأة حبوب تأخير العادة الشهرية ، وذلك حتى تستطيع أن تؤدي حجها تاماً على الوجه الذي تحب ، وذلك لأن المرأة إذا حاضت لم يجز لها أن تطوف بالبيت وأن تدخل المسجد الحرام ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها لما حاضت في حجة الوداع " افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " متفق عليه ، والمقصود أنها لا تطوف ولا تسعى بين الصفا والمروة ؛ إذ السعي لا يصح إلا بعد الطواف ، إلا أن بعض الفقهاء رخص في السعي قبل طواف الإفاضة خاصة دون طواف العمرة أو طواف القدوم ، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في التحقيق والإيضاح ص35 : " ويدخل في ذلك تقديم السعي على الطواف ؛ لأنه من الأمور التي تُفعل يوم النحر ، فدخل في قول الصحابي : فما سُئل يومئذٍ عن شيء قُدَّمَ ولا أُخَّر إلا قال : " افعل ولا حرج " ولأن ذلك مما يقع فيه النسيان والجهل فوجب دخوله في هذا العموم ؛ لما في ذلك من التيسير والتسهيل ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عمن سعي قبل أن يطوف ، فقال : " لا حرج " أخرجه أبو داود ، من حديث أسامه بن شريك بإسناد صحيح ، فاتضح بذلك دخوله في العموم من غير شك " . لكن طعن بعض الأئمة في لفظة ( سعيت قبل أن أطوف ) فقد قال الحافظ البيهقي في ( السنن الكبرى ) (5/146) : " هذا اللفظ ( سعيت قبل أن أطوف ) غريب ، تفرد به جرير عن الشيباني ، فإن كان محفوظاً فكأنه سأله عن رجل سعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة ، فقال : " لا حرج " والله أعلم " ، وتبعه على ذلك ابن القيم في ( زاد المعاد ) (2/259) فقال : " قوله : ( سعيت قبل أن أطوف ) في هذا الحديث ليس بمحفوظ ، والمحفوظ: تقديم الرمي والنحر والحلق بعضها على بعض " .
فالأحوط ألا يسعى الإنسان قبل الطواف مطلقاً ، على أننا إذا أخذنا بجواز تقديم السعي على طواف الإفاضة ، أو طافت المرأة ثم حاضت فهل يجوز لها أن تسعى لعدم اشتراط الطهارة للسعي أم لا يجوز لها في هذه الأيام لأن المسعى صار داخل حدود المسجد الحرام ومن ثم فلا يجوز للحائض أن تدخله ؛ لأن له حكم المسجد ؟ قولان لأهل العلم المعاصرين تقدم ذكرهما ، وقلنا بأن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي اتخذ قراره بالأغلبية بعدم إعطاء المسعى أحكام المسجد ؛ لأنه مشعر مستقل ، وتقدم ترجيح أن المسعى لما صار داخل حدود المسجد على وجه لا يمكن التمييز بينه وبين المسجد فإنه يأخذ حكمه كتوسعات المسجد الحرام من غير جهة المسعى ؛ إذ لا فرق ، وكونه مشعراً مستقلاً لا ينافي أنه يأخذ حكم المسجد الحرام ، وعليه فلا يجوز للحائض في أيامنا هذه دخول المسعى ، ولا السعيُ تبعاً لذلك ، لكن إن دخلت وسعت فسعيها صحيح لأنه لا يشترط لصحته الطهارة ، وهي آثمة بدخولها المسجد ما لم تكن في حال اضطرار لذلك .
وحتى لا تقع المرأة في مثل هذه الإشكالات قد تلجأ لتناول حبوب تأخير الحيض ، فما حكم فعلها هذا ؟ سبق دراسة هذه المسألة بالتفصيل عند حديثنا في نوازل الصيام ، وذكرنا خلاف العلماء في هذه المسألة ، والراجح أنه يكره بشدة للبكر وللمرأة بطيئة الحمل، أو من لا تحمل إلا بالأدوية أن تستعمل مثل هذه الحبوب درءاً لمفسدة تأثير هذه الحبوب على الجهاز التناسلي للمرأة ؛ إذ درء المفاسد أولى من جلب المصالح. وأما المرأة السليمة فيجوز لها استعمال هذه الحبوب إذا أمنت الضرر ؛ إذ الأصل الإباحة ، لكن لا يخلو استعمالها من كراهة ؛ وذلك لأن تناول حبوب تأخير الحيض سيؤثر – وإن كان لفترة – على انتظام الدورة الشهرية لدى المرأة .ولما كان استخدام هذه الأدوية المانعة للحيض مما يختلف تأثيره من امرأة لأخرى ، فقد تتناولها المرأة مرة واحدة وتضر بها، وقد تتناولها أخرى مرات عديدة ولا تضر بها . فعلى المرأة إذا أرادت تأخير الحيض عن وقته، في الحج أو غيره أن تستشير الطبيبة في الحيضة السابقة للشهر الذي تريد تأخير الحيض فيه ، جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحيض وقت الحج خوفاً من العادة، ويكون ذلك بعد استشارة طبيب مختص؛ محافظة على سلامة المرأة، وهكذا في رمضان إذا أحبت الصوم مع الناس"[ فتاوى إسلامية 1 / 324]، كما سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذه المسألة؟ فأجاب بقوله: "لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحيض تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذور شرعًا ومضرة".[ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 5/110].
وكما يكون تناول حبوب منع الحيض قبل أداء المناسك لتأخير الحيض ، يمكن أن يكون في أثنائها لإيقافه ، فإذا كانت المرأة حائضاً ، ولم تطف للإفاضة ، فإنه يجوز لها أن تستعمل الأدوية التي توقف الحيض ، إذا لم يكن في ذلك ضرر عليها ، فإذا توقف وطَهرت اغتسلت وطافت ، وهذا الحكم إنما يستقيم على قول من يجعل الطهر أثناء الحيض طهراً ، وهم المالكية والحنابلة ، أما الشافعية فيجعلونه حيضاً ، وكذا الحنفية إن كان أقل من ثلاثة أيام _ وعندهم اختلاف فيما زاد عن ثلاثة أيام _، وقول المالكية والحنابلة أصح ، فتعتبر هذه المرأة طاهراً بعد انقطاع الدم ، يدل على ذلك أثر ابن عباس { الذي أخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن أنس بن سيرين قال: استحيضت امرأة من آل أنس، فأمروني فسألت ابن عباس، فقال: «أما ما رأت الدم البحراني _ أي الأحمر الذي يضرب إلى سواد _ فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة من النهار فلتغتسل وتصلي» ابن أبي شيبة ، قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري ( 2/177 ) : وقول ابن عباس: "إذا رأت الطهر ساعة من نهار فلتغتسل ولتصل" ، محمول على غير المستحاضة ... وإنما يصح حمل هذا على الدم الجاري في أيام الحيض، وأنه إذا انقطع ساعة فهي طاهر تغتسل وتصلي، وسواء كانَ بعد تمام عادة الحيض أو قبل تمام العادة"اهـ .سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة في أثناء طواف الإفاضة نزلت عليها العادة فأخبرت طبيبة الحملة بذلك فقالت: سوف أعطيك إبرة توقف عنك الدم لمدة ست ساعات ، وفعلاً توقف الدم ست ساعات، فطافت من جديد وسعت ، بعد ست ساعات جاءت الدورة فهل ما فعلته صحيح أم ماذا؟ فأجاب رحمه الله بقوله: " إذا كان الوقوف طهراً كاملاً - والنساء يعرفن الطهر- فلا بأس، ويكون طوافها صحيحاً، وأما إذا لم يكن طهراً صحيحاً فقد طافت قبل أن تطهر، وطواف المرأة قبل طهرها غير صحيح ". [ مجموع فتاوى الشيخ 22/393] ،
وعلى العكس من المسألة السابقة : ما حكم أن تتناول المرأة دواء لتحيض من أجل أن تسقط عنها طواف الوداع ؛ لما رأته من مشقة في طواف الإفاضة ؟ فالحائض لا يجب عليها طواف الوداع كما دل على ذلك حديث ابن عباس { قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض " ( متفق عليه ) . وقد تناولنا هذه المسألة أيضاً بالتفصيل في نوازل الصيام ، وقلنا : إن استجلاب الحيض لقصد ترك العبادة الواجبة حيلة على شرع الله توجب العقاب من الله ، فالتحايل على الشرع بإسقاط الواجبات أو تحليل المحرمات لا يجوز ، وهو من شأن اليهود الذين عاقبهم الله عز وجل على ذلك فمسخهم قردة ، والعياذ بالله . ولما كان الصحيح أن الدم النازل بالعقاقير الطبية يعتبر دم حيض ، فإن الأحكام تترتب على ذلك ، ومن ثَمّ قد يقال : إن المرأة إذا استجلبت الحيض سقط عنها وجوب طواف الوداع ؛ لأنها حائض ، لكن يكون عليها إثم لتحايلها ، وقد يقال : بل تعامل بنقيض قصدها ، فلا يسقط عنها طواف الوداع ، بل متى ما طهرت طافت ، فإن لم تفعل فعليها دم ، كما قال ابن عباس{ : " من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً " [ الموطأ] ، وكلا القولين محتمل ، والأقرب _والله أعلم _ إيجاب الدم إن لم تطف طاهرا بعد ذلك ؛ لأن سقوط طواف الوداع عن الحائض رخصة ، والرخص لا تستباح بالمعاصي.
ومن نوازل الحج المتعلقة بالمرأة : ما طرأ في هذه الأزمان من تخصيص حملات للخادمات في الداخل من مختلف الجنسيات ، ولا يكون مع هؤلاء الخادمات محرم ، فما حكم حج هؤلاء الخادمات في هذه الحملات من دون محرم ؟ والجواب : أننا في بادئ النظر لابد أن نقيم واقع هذه الحملات ، وهل يمكن اعتبارها رفقة مأمونة للخادمة ، فإذا كان لا يؤمن على الخادمة فيها فلا يجوز سفرها مع هذه الحملة باتفاق ، وقد يكون كفيلها الذي أرسلها مع هذه الحملة إلى الوزر أقرب منه إلى الأجر ، وواقع الحملات في هذا ليس واحداً ، والترخيص لمثل هذه الحملات أرى أنه لابد من التشديد في شروطه : كأن تجعل تحت إشراف مباشر لبعض مكاتب دعوة الجاليات ، وأن يكون من يقوم على الإشراف على هؤلاء الخادمات وخدمتهن بشكل مباشر من النساء ، وأما الرجال الذين يخرجون مع هذه الحملات فلا بد أن يكونوا من المتزوجين ، وأن يكون معهم نساؤهم أو على الأقل امرأة ممن هم من محارمها إلى نحو ذلك من الشروط التي يمكن للقائل معها أن يقول بأن هذه الحملة تمثل رفقة مأمونة ، والواقع الحالي لكثير من هذه الحملات لا يراعى فيه مثل هذه الشروط ، وعليه فإذا لم يكن كفيل هذه الخادمة مطمئناً تمام الاطمئنان من وضع الحملة وكونها تمثل رفقة آمنة لخادمته فلا ينبغي له أن يجازف بإرسال خادمته معها .
ومن جهة أخرى الفقهاء الذين يرون جواز سفر المرأة للحج بدون محرم يشترطون أن تكون هي نفسها مأمونة _ كما نص على ذلك المالكية _ ، وعليه فلا يجوز أن يرسل الكفيل خادمته مع هذه الحملات إن لم يعرف من ديانتها ما يجعلها تتصون من الفساد .
ومن جهة ثالثة : الفقهاء الذين يرون جواز حج المرأة بدون محرم مع الرفقة المأمونة إنما يقولون بذلك في حج الفرض دون حج النفل ، ووسع في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فأجازه حتى في حج النفل ، وأكثر الفقهاء على خلافه ، وبناء عليه فإذا كانت الخادمة قد حجت فرضها فلا ينبغي إرسالها مع هذه الحملات .
فإذا كانت المرأة مأمونة ، والرفقة مأمونة ، والحج حج فرض فيختلف العلماء في اشتراط المحرم لوجوب الحج على المرأة إذا كانت ستسافر للحج، فذهب المالكية والشافعية إلى أنه ليس بشرط ، فيجب على المرأة أن تحج إذا وجدت رفقة مأمونة تحج معها وكانت مستطيعة ، في حين ذهب الحنفية والحنابلة إلى اشتراط المحرم ، فلا يجب ولا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، وهذا القول أصح ، وهو الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة، كحديث ابْنِ عَبَّاسٍ { قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا" [ متفق عليه ] ، والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة مطمعُ الرجال ، وهي قاصرة في الدفاع عن نفسها، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها ، والخادمة امرأة كسائر النساء، يجب عليها ما يجب عليهن، وعند عدم وجود المحرم فإنها لا تعتبر مستطيعة، فلا يجب عليها الحج، وعليه فلا يجوز إرسالها مع هذه الحملات للحج بدون محرم ، وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " ما حكم سفر الخادمة مع الرجل الذي ليس محرماً لها، وما رأيك بمن يستعمل حملة خاصة بالخادمات فيحج بهن، وهو ليس من محارمهن وليس معها لا كفيل ولا محرم فما رأيك بهذا؟ " فأجاب فضيلته بقوله: "يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- :"لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " ، وليس لنا أن نخرج عن قول الله وقول رسوله – صلى الله عليه وسلم- مهما كان الأمر، لكن الخادمة إذا كانت في البيت وليس معها محرم ، واضطر الناس للسفر بها ؛ لأنه لم يبق في البيت أحد، فحينئذ يسمح لها أن تسافر معهم؛ لأن هذا ضرورة، وبقاءها في البيت وحدها أشد ضرراً مما إذا سافرت معهم وأشد خطرا " اهـ [ مجموع فتاوى ابن عثيمين 21/203] .
وأحب أن أشير هنا إلى أن بعض العلماء المعاصرين ممن يرى أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي محرم يخفف في ذلك إذا كان سفر المرأة بالطائرة ، وهم نظروا في تقرير قولهم إلى العلة التي من أجلها شرع هذا الحكم وهي الخوف على المرأة والحفاظ عليها فرأوا أنها منتفية في السفر بالطائرة ؛ إذ الأمن موجود في الطائرات ، و طريقتهم هذه تشبه طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير مذهبه في جواز سفر المرأة بدون محرم بل ولا رفقة مأمونة إذا أمنت كما جاء في الاختيارات ص171 : " وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم... وهذا متوجه في كل سفر طاعة " .
وقول هؤلاء الفقهاء المعاصرين له وجاهته ، وله ما يعضده من كلام الفقهاء المتقدمين ، كقول ابن حجر رحمه الله: " الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهي بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين لم يقصر فافترقا" [فتح الباري 2/567] ، وقول بعض المالكية : " إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عدد وعدد ، أو جيش مأمون من الغلبة ، والمحَلَّة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار الواجب منها والمندوب والمباح من قول مالك وغيره ؛ إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد " .
لكني أرى أن لا يفتى بمثل هذا القول بشكل عام حتى عند من يرى رجحانه ؛ وذلك لأن السفر بالطائرة يمكن أن تكتنفه بعض المخاطر : كاحتمال تأخر إقلاع الطائرة، واحتمال تغيير مسارها وهبوطها في جهة أخرى لخلل فني , أو للأحوال الجوية ، أو تأخر من يستقبل المرأة في البلد الآخر عن الحضور لها بسبب طارئ حدث له مما يجعلها عرضة للأخطار، كما إنه قد يكون إلى جوارها رجل , وهذا الرجل قد يكون من أَخْون عباد الله ، يضحك إليها ويتحدث إليها ويمزح معها , ويأخذ رقم هاتفها , يعطيها رقم هاتفه ، والفتوى العامة يمكن أن تسبب فتح باب عظيم من التساهل وإسقاط العمل بأحاديث وجوب المحرم،وتصبح المرأة المسلمة تتنّقل بين المطارات لأتفه الحاجات، بل والتحسينيات من التتره وما شابهه .
لكني لا أرى حرجاً في أن يفتى بجواز سفر المرأة بالطائرة بدون محرم في بعض الحالات الخاصة إذا وجدت الحاجة : كعلاج لمرض لا يحصل إلا بالسفر ولا محرم لها، أو رجوعِها من بلاد سافرت له بمحرم فمات محرمها، أو رجع محرمها عنها ولا محرم يمكن أن يعيدها لامتناع حضوره؛ لما جَدَّ من إجراءات السفر والتأشيرات، أو أن حضور المحرم يكلِّفه ما لا يطيق من المبالغ ، ونحو ذلك ؛ وذلك لأن سفر المرأة بدون محرم إنما حرم سداً للذريعة ، وما حرم سداً للذريعة يباح عند الحاجة ، ولهذه القاعدة شواهد في الشرع ، يقول ابن القيم رحمه الله: " وتحريم الحرير إنما كان سدا للذريعة، ولهذا أبيح للنساء وللحاجة والمصلحة الراجحة، وهذه قاعدة ( ما حرم لسد الذرائع، فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة ) ، كما حَرُم النظر سدا لذريعة الفعل، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة، وكما حرم التنفل بالصلاة في أوقات النهي سدا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس، وأبيحت للمصلحة الراجحة، وكما حرم ربا الفضل سدا لذريعة ربا النسيئة، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا"اهـ.[ زاد المعاد 4/71 ] .
لكن لابد من ملاحظة أن الرحلة كلما طالت كانت الذريعة إلى الفساد أكبر ، وإذا كان في الرحلة محطة توقف فكذلك ، فأرى أنه لا ينبغي التوسع في هذا القول إلا إذا كانت الرحلة قصيرة لا تجاوز الثلاث ساعات بدون توقف ، وكانت المرأة مأمونة في نفسها ، والتوسع أكثر من ذلك يكون بحسب الحاجة التي تقدر بقدرها ، والله أعلم .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.