الإسلام قرر للجنين حقوقاً
الإجهاض وأحكامه في الفقه الإسلامي[*]
عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل داود
بدأ الباحث دراسته بمقدمة تحدث فيها عن نعمة الإنجاب التي حث الشرع على طلبها والإكثار منها عن طريق السبل الشرعية، كما أكد على تحريم الإسلام لقتل الأولاد ووأد البنات، وكل أمر يمنع الإنجاب بالكلية كاستئصال الرحم لغير عذر شرعي.
وقد ذكر الباحث أن الإسلام قرر للجنين حقوقاً عدة في الميراث وغيره، فإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن إهدار حياته بالإجهاض يعتبر جريمة.
بعد ذلك بيًن الباحث الأسباب التي دعته لبحث هذا الموضوع، والتي تكمن في قلة من بحث الموضوع من جهة، ولتساؤل الكثير عن حكمه وحكم مسائله من جهة أخرى؛ حيث أنه يقتل في كل عام خمسون مليون طفل دون ذنب عن طريق الإجهاض.
أقسام البحث
وقد قسم الباحث بحثه إلى تمهيد وأربعة فصول:
تحدث في التمهيد عن مراحل تكوين الجنين، ثم عرف الإجهاض بأنه إسقاط الحامل ما في بطنها باختيارها أو بالجناية عليها مباشرة أو تسبباً.
وفي الفصل الأول تحدث الباحث عن حكم الإجهاض ووسائله، وخلاصة هذا الفصل فيما يأتي:
أجمع الفقهاء على تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه، أما قبل ذلك فاختلفوا، وقد رجح الباحث القول بالتحريم مطلقاً.
دواعي الإجهاض
ذكر الباحث دواعي المرأة للإجهاض، وبين حكم كل منها على النحو الآتي:
· الدواعي الطبية التي تبيح للمرأة الإجهاض هي تلك الحالة التي تصل لحد الضرورة بحيث يترتب على بقاء الحمل هلاك الأم، بشرط أن يكون من يقرر الإجهاض طبيبان مسلمان عدلان، حتى لا يحصل تلاعب أو انتهاك لحرمة هذا المخلوق. وفيما لو ماتت الأم وفي بطنها جنين حي شق بطنها وأخرج مطلقاً.
· لو كان الجنين الذي سيولد مشوهاً أو ناقص الخلقة فإنه لا يجوز إجهاضه.
· أن الدواعي الإنسانية كعدم الرغبة في تكثير النسل والأولاد لا تبيح الإجهاض.
· إجهاض الجنين بسبب انقطاع لبن الأم بعد ظهور الحمل وعدم قدرة الأب على استئجار ظئر لإرضاع طفله الصغير لا يعتبر سبباً مبيحاً للإجهاض، والفقر ليس سبباً مبيحاً بنص الكتاب، وكذلك خوف العار والفضيحة.
· يحرم على المرأة إجهاض حملها محافظة على جمالها ورشاقتها أو لغير ذلك من الأمور.
· أن من دواعي الإجهاض الدواعي الجنائية، وهي جناية تقع على الأم الحامل فتؤدي إلى إسقاط الحمل وهي ليست داخلة تحت مقدور المرأة أو اختيارها فتأخذ حكم الجناية ويعاقب الجاني.
وسائل الإجهاض
من وسائل الإجهاض أمور حسية ومعنوية، حسية كالضرب والضغط على البطن وتناول ما يسبب الإجهاض وحمل الثقيل أو بالطرق الطبية الحديثة، أما المعنوية فكالتخويف والترويع للمرأة الحامل.
عقوبة الإجهاض
أما الفصل الثاني فقد خصصه الباحث للحديث عن عقوبة الإجهاض، وكانت نتائج هذا الفصل كالآتي:
· دية الجنين غرة عبد أو أمة، وهي واجبة كما قرر ذلك أهل العلم.
· رجح الباحث القول بوجوب كفارة القتل على الجاني المباشر أو المتسبب في الإجهاض.
· كما رجح أن للحاكم تعزير الجاني بإجهاض المرأة حسب ما يراه من المصلحة.
· إذا كان هناك أكثر من جنين مجني عليه فإنه يجب لكل واحد غرة، وفي حال أسقط ثلاثة جنينين فإنه يجب عليهم غرتان وست كفارات، على كل واحد منهم كفارتان، فالمراعى في إيجاب الكفارة الشخص الجاني، أما الغرة فالمراعى فيها المجني عليه - وهو الجنين -.
· رجح الباحث أن الغرة تجب على عاقلة الجاني وتلزمهم ؛ لكثرة الأحاديث التي جاءت بتحميلهم إياها.
أثر الإجهاض في الأحكام الشرعية
في الفصل الثالث تحدث الباحث عن أثر الإجهاض في الأحكام الشرعية، وقد رجح الباحث أن المرأة لا تعتبر نفساء إذا كان المجهض نطفة أو علقة ليس فيها شيء من تخطيط أو تشكيل، أما ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان فذلك يترتب عليه حكم النفاس فيما يعقبه من دم.
وهذا الإجهاض الذي يترتب عليه حكم النفاس هو الذي قصده الباحث ببيان أثره في الأحكام الشرعية، مع العلم أن أثر النفاس في هذه الأحكام هو نفسه أثر الحيض، فالكلام عنهما واحد، وكان خلاصة ما تطرق إليه الباحث هنا ما يلي:
· المرأة المجهضة لا يحل لها فعل ما تشترط له الطهارة، كالصلاة ومس المصحف.
· يحرم على المرأة المجهضة أداء الصلاة لما سبق، كما يحرم عليها الصيام، وتقضي بعد الطهر ما فاتها من الصيام دون الصلاة كالحائض.
· يحرم على المجهضة الطواف بالبيت لكونه تشترط له الطهارة، ولا يلزمها من الطواف غير طواف الركن، فيجب عليها الانتظار حتى تطهر فتغتسل ثم تطوف.
· يحرم وطء المرأة المجهضة، وتحل المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة، ولا تباح فيما بينهما على حسب ما رجحه الباحث.
· فصل الباحث الكلام في مسألة أثر الإجهاض في العدة، وبين أن حال المجهضة لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن تضع ما تبين فيه خلق الإنسان سواء كان ذلك قبل خلق الروح فيه أو بعده، فهذا تنقضي به العدة بالإجماع.
الثانية: أن تضع مضغة لم يتبين فيها خلق الإنسان ولكن شهد القوابل أن فيها صورة خفية لخلق إنسان أو شهدن أنها مبتدأ خلق إنسان، فالسقط هنا يترتب عليه انقضاء العدة حسب ما رجحه الباحث، وهو قول الجمهور.
الثالثة: أن تضع نطفة أو علقة، أو ما لم يشهد القوابل بأنه مبدأ خلق لإنسان فهذا لا تنقضي به العدة عند الجمهور، وهو ما رجحه الباحث.
· يحرم إيقاع الطلاق على المرأة المجهضة النفساء قبل طهرها، كالحكم في الحائض، وإذا وقع فإنه صحيح ولازم على قول جمهور العلماء.
أما الفصل الرابع فقد عقده الباحث للكلام عن إجهاض البهيمة وما يجب فيه، وبين أن تعذيب الحيوان وغيره حرام، وأنه في حال إجهاض الحيوان نتيجة للضرب والتعذيب فإنه يجب فيه ما نقص من قيمة أمه.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[*] بحث تكميلي تقدم به الباحث عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل داود لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.