تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي

    خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي (1-5)
    [1]
    بدر بن عبد الله الجدوع



    المبحث الأول
    خدمة ضمان المبيع بعد الشراء
    وتحته أربعة مطالب:
    · المطلب الأول: تعريف الضمان وبيان أنواع ضمان المبيع.
    · المطلب الثاني: ضمان أداء المبيع وصلاحيته.
    · المطلب الثالث: ضمان العيوب المستقبلية.
    · المطلب الرابع: ضمان معايير الجودة.
    المطلب الأول
    تعريف الضمان وبيان أنواع ضمان المبيع
    الفرع الأول: تعريف الضمان لغة واصطلاحاً .
    أولاً : تعريفه لغة :
    الضمان في اللغة يطلق على عدة معانٍ، هي :
    1- الالتزام يقال : ضمنت المال إذا التَزَمْتهُ ، ويتعدى بالتضعيف، فيقال : ضمّنْتُه المال، أي: أَلْزَمْتُه إيَّاه .
    2- الكفالة، يقال : ضمن الشيء ضماناً، فهو ضامن وضمين، إذا كفله .
    3- التغريم، يقال: ضمنته الشيء تضميناً إذا غرمته فالتزمه .
    4 – الحفظ والرعاية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن"[2] .
    ثانياً: تعريف الضمان اصطلاحاً :
    الضمان في اصطلاح الفقهاء :
    يطلق الضمان عند الفقهاء على معان متعددة منها :
    1- الكفالة سواء كانت كفالة نفس أو كفالة مال، وهذا الإطلاق عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
    جاء في مواهب الجليل تعريف الضمان بأنه (( شغل ذمة أخرى بالحق )) وهو شامل لضمان الطلب، وضمان الوجه، وضمان المال.[3]
    وجاء في أسنى المطالب تعريفه بأنه " التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة.[4]
    وجاء في المغني بأن الضمان هو " ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فتثبت في ذمتهما جميعاً، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما[5].
    وبهذه التعريفات يتبين أن الضمان يأتي بمعنى الكفالة.
    2- ويطلق الضمان ويراد به : الالتزام بالرد والتعويض، وهذا المعنى أعم من سابقه .
    جاء في غمز عيون البصائر تعريف الضمان بأنه " عبارة عن رد مثل الهالك إن كان مثلياً أو قيمته إن كان قيمياً ".[6]
    وجاء في نيل الأوطار بأنه " عبارة عن غرامة التالف"[7].
    وهذا المعنى أخذت به مجلة الأحكام العدلية فقد نصت على أن الضمان " إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات"[8].
    3- ويطلق الضمان على وضع اليد على المال[9] سواء كانت اليد مؤتمنة كالوديعة، والشركة، والوكالة، أو لم تكن كذلك، كالغصب، والسوم، والعارية[10].
    الضمان في اصطلاح التسويقين :
    هو التزام من البائع تجاه المشتري يتعهد فيه بسلامة السلعة من العيوب، وصلاحيتها للعمل خلال فترة معينة[11].
    الفرع الثاني : أنواع ضمان المبيع .
    ضمان المبيع في خدمات ما بعد البيع يتمثل في الأنوع التالية :
    النوع الأول: ضمان أداء المبيع وصلاحيته .
    ويعطي هذا النوع ضمان أداء السلعة وصلاحيتها للعمل خلال فترة معينة من تاريخ شرائها كستة أشهر مثلاً، أو حتى مسافات معينة كستة آلاف ميل، بحيث إذا صلحت السلعة خلال هذه المدة، أو المسافة غلب على الظن صلاحها بعد ذلك [12].
    وهذا النوع من الضمان يستعمل في بيع بعض الآلات والمواد التي هي نتاج الحضارة الحديثة والتي تتميز بدقة الصنع، وسهولة تعرض أجزائها للخلل، كالآلات المكانيكية والسيارات والثلاجات والساعات والأجهزة المنزلية[13].
    ويلاحظ أن هذه السلع تعد من المنقولات التي تعمل - أي تلك التي تحتوي على قدر من الحركة الذاتية - وهذا يقتضي استبعاد العقارات والمنقولات العادية كالبذور واللوحات وما أشبه ذلك، فإنها لا يستعمل معها هذا النوع من الضمان غالباً [14].
    ويقدم البائع هذا النوع من الضمان حتى يزول تردد المشتري وتخوفه من احتمال فشل هذه المنتجات في الأداء، وتزداد أهمية هذا النوع من الضمان نظراً لعدم مقدرة المشتري على التعرف على خصائص السلعة، ولاحتمال وجود عيوب فيها، نتيجة لكون السلعة تباع مغلفة، أو لأن القيام بفحصها لا يتم إلا عن طريق تحليل كيميائي أو اختبار فني لا يتمكن منه المشتري[15].
    ويتم هذا الضمان عادة عن طريق قسيمة يتحدد فيها ما يشمله الضمان.
    ومدة هذا الضمان يتعهد البائع خلالها بإصلاح المبيع وإعادته إلى حالته الطبيعية باستبدال القطع المعيبة بغيرها صحيحة[16].
    ويمكن أن تتعدد فترات الضمان كأن يكون الضمان في الفترة الأولى شاملاً لكل أجزاء المبيع، وفي الفترة الثانية يكون قاصراً على قطع الغيار أو بعضها دون أجرة اليد العاملة[17].
    ويغطي هذا الضمان كل أنواع الخلل التي تصيب المبيع مهما كانت يسيرة ما دامت مؤثرة في صلاحيته للعمل، فالصلاحية للعمل هي المعيار الذي يمكن من خلاله الحكم على وجود الخلل من عدمه، والمقصود بالصلاحية للعمل هي أداء الجهاز للوظيفة المرجوة منه بكل جوانبها الضروري منها والكمالي، فالخلل الذي يصيب الجزء الخاص بتحريك مقاعد السيارة شأنه شأن الخلل الذي يطرأ على المحرك[18].
    ومما تجدر الإشارة إله أن مسؤولية البائع في هذا الضمان تنحصر في إصلاح وتغيير قطع الغيار في حال وجود عيوب مصنعية، دون العيوب التي تنشأ عن سوء استعمال المشتري ومخالفته للتعليمات، أو نتيجة إهماله وتفريطه[19].
    فلو أن المشتري قام بتوصيل الجهاز بتيار كهربائي أقوى من التيار الموضح على الجهاز فإن البائع لا يضمن الخلل الناتج عن هذا العمل[20].
    النوع الثاني: ضمان العيوب المستقبلية .
    هذا النوع من الضمان قريبٌ من سابقه؛ إذ أن كليهما يستعمل عادة في بيوع الآلات والأدوات الحديثة، كالسيارات والساعات والأجهزة الكهربائية المنزلية والحاسبات الآلية[21].
    إلا أن الفرق بينهما يظهر في مدة الضمان التي يعطيها البائع للمشتري فإن كانت المدة يسيرة بحيث تكون مدة للاختبار والتجربة فإن هذا الضمان يكون داخلاً في ضمان أداء المبيع وصلاحيته؛ لأنه لو حدث عيب خلال هذه المدة اليسيرة فإن هذا العيب يكون راجعاً إلى خلل في تصنيع السلعة غالباً.
    أما لو كانت مدة الضمان طويلة كأن تكون خمس سنوات [22] فلو حدث عيب في السلعة فإنه يكون عيب جديد حدث عند المشتري لا علاقة للبائع به، وضمان مثل هذه المدة يكون داخلاً في النوع الثاني والذي هو ضمان العيوب المستقبلية.
    والضمان عند أهل التسويق يلتزم فيه البائع بإصلاح العيب الذي يوجد في المبيع حتى لو كان هذا العيب جديداً غير مستند إلى سبب سابق للقبض، ولذا لا يلزم المشتري إقامة الدليل على سبق العيب على التسليم، وإنما يقع على البائع - إن ادعى عدم مسؤليته عن ضمان العيب - أن يثبت أن الخلل يرجع إلى خطأ المشتري، كسوء تشغيل الجهاز، أو عدم الصيانة، أو استعمال المبيع في ظروف تختلف عن تلك التي حددها المنتج والتي على أساسها تم تصميم الجهاز المبيع [23].
    والسبب في تقديم هذا الضمان أن المشتري يرغب في التأكد وقت الشراء بأن البائع سيتحمل المسؤولية تجاه السلعة في حالة ظهور عيب فيها، أو في أحد أجزائها الرئيسية بعد الشراء[24].
    النوع الثالث : ضمان معايير الجودة .
    وهو ضمان يتعهد فيه المنتج بأن سلعته تتمشى من حيث الجودة مع الخصائص والقياسات التي وضعتها هيئات حكومية أو صناعية معترف بها .
    وهذه الهيئات تتميز في الغالب بالحياد وعدم التحيز، ويتوفر لديها إمكانات بشرية وفنية للقيام بالاختبارات التي تؤكد مطابقة السلعة للمواصفات والمقاييس المحددة .
    وبعد اختبار السلعة ومطابقتها للمواصفات والمقاييس يعلن عنها في الغالب بوضع علامات أو أحرف أو أرقام على الغلاف الخارجي للسلعة[25].
    وقد يكون بتعليق من هذه الهيئة على السلعة بعبارة نحو " يوصى باستعمالها، أو شرائها "، أو " تم اختبارها والموافقة عليها "، أو " تتوفر فيها اشتراطات الجودة " ونحو هذه العبارات[26].
    ويؤدي هذا النوع من الضمان إلى خدمة المستهلكين عن طريق ضمان جودة السلعة التي يقومون بشرائها، وخدمة المنتجين عن طريق العمل على رواج منتجاتهم المطابقة للمواصفات، وخدمة اقتصاد البلد عن طريق اتباع المنتجين للمواصفات القياسية التي تكفل زيادة الإنتاج مع خفض تكاليفه ورفع مستواه[27].
    ويستخدم هذا النوع من الضمان في عدد كبير من المنتجات، خاصة المنتجات الغذائية والأدوية والأجهزة المنزلية[28].
    المطلب الثاني: ضمان أداء المبيع وصلاحيته
    سبق بيان أن هذا النوع من أنواع ضمان المبيع، يعطي البائع فيه ضمان أداء السلعة وصلاحيتها للعمل خلال مدة أو مسافة معينة، بحيث إذا صلحت خلال هذه المدة أو المسافة غلب على الظن صلاحها بعد ذلك[29].
    ويمكن أن تتعدد مراحل الضمان كأن يكون في المرحلة الأولى شاملاً لكل أجزاء المبيع، وفي المرحلة الثانية يكونا مقتصراً على قطع الغيار أو بعضها دون أجرة اليد العاملة [30].
    ويكتب هذا الضمان في الغالب على شكل وثيقة يتحدد فيها ما يشمله الضمان، ومدة الضمان يتعهد البائع فيها بإصلاح المبيع وإعادته إلى حالته السليمة [31].
    الحكم الشرعي لضمان أداء المبيع وصلاحيته :
    يمكن أن يخرج هذا النوع من الضمان فقيهاً على أحد هذين التخريجين :
    التخريج الأول: أنه يعتبر من ضمان العيب الحادث عند المشتري، والمستند إلى سبب سابق على القبض .
    والعيب الحادث بعد قبض المشتري إذا كان يستند إلى سبب سابق على القبض، فهل هو من ضمان البائع أو من ضمان المشتري خلاف بين الفقهاء على قولين[32]:
    القول الأول: أنه من ضمان البائع وهذا المذهب عند الحنفية [33]، وهو الأصح عند الشافعية .
    قالوا : لأنه لتقدم سببه أصبح كالعيب المتقدم[34].
    وهو رواية عند الحنابلة[35] .
    القول الثاني: أنه من ضمان المشتري ما لم يدلس البائع هذا هو مذهب المالكية[36].
    والرواية الثانية عند الحنابلة [37].
    قالوا: لأن العيب وجد عند المشتري فكان عليه ضمانه كما لو لم يستند إلى سبب قبله.[38]
    ومنشأ الخلاف في هذه المسألة هل وجود سبب العيب يعد عيباً أولاً ؟
    فمن قال بأنه عيب جعله من ضمان البائع، ومن قال ليس بعيب جعله من ضمان المشتري[39] .
    الترجيح:
    الراجح – والله أعلم – أن العيب المستند إلى سبب سابق يكون من ضمان البائع، وذلك لأن السبب يترتب عليه مسببه[40]، فإذا وجد سبب العيب ترتب عليه وجود العيب .
    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي

    خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي (1-5)
    [1]
    بدر بن عبد الله الجدوع




    مناقشة التخريج :
    يناقش هذا التخريج من وجهين هما:
    أ- بأن البائع حين يضمن أداء المبيع وصلاحيته، فإنه يتعهد بهذا الضمان لمدة معينة، وهذه المدة تكون في الغالب أطول من مدة استناد العيب إلى سبب سابق على القبض، وعلى هذا فلا يصح تخريج ضمان أداء المبيع وصلاحيته على ضمان العيب الحادث المستند إلى سبب سابق على القبض.
    ب- لو فرض أن مدة ضمان البائع لأداء المبيع، مساوية لمدة استناد العيب إلى سبب سابق على القبض، فإنه لا حاجة للنص على هذا الضمان ولا يكون ضماناً ترغيباً؛ لأن العيب المستند إلى سبب سابق على القبض يعتبر داخلاً في خيار العيب، وهو ثابت بأصل العقد من غير حاجة إلى التنصيص عليه، وعلى هذا فإن البائع يعتبر مسؤولاً عن العيب المستند إلى سبب سابق على القبض حتى وإن لم يتعهد بضمان أداء المبيع وصلاحيته .
    التخريج الثاني:
    أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يخرج على ضمان العيب الذي لا يُطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع يحصل به استعلام واستكشاف العيب، ومن أمثلة ذلك: بيع ما مأكوله في جوفه كالبيض والرمان والجوز .
    وقد اختلف الفقهاء في العيب الذي لا يعلم إلا بالاستعلام والاستكشاف هل هو من ضمان البائع أو من ضمان المشتري ؟ اختلفوا في ذلك على قولين :
    القول الأول: أنه من ضمان البائع وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة . جاء في شرح فتح القدير ومن اشترى بيضاً أو بطيخاً أو قثاءً أو خياراً أو جوزاً فوجده فاسداً، فإن لم ينتفع به رجع بالثمن كله ... وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده ويرجع بنقصان العيب" [41].
    وجاء في تحفة المحتاج: " لو ظهر تغير لحم الحيوان بعد ذبحه، فإن أمكن معرفة تغييره بدون ذبحه كما في الجلالة امتنع الرد بعد ذبحه، وإن تعين ذبحه طريقاً لمعرفة تغيره فله الرد "[42].
    وجاء في الإنصاف: " وإن اشترى ما مأكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسداً فإن لم يكن له مكسوراً قيمةٌ كبيض دجاج رجع بالثمن كله، وإن كان له مكسوراً قيمةٌ كبيض النعام، وجوز الهند وكذا البطيخ الذي فيه نفع ونحوه، فله أرشه "[43].
    أدلة هذا القول :
    1- أن المشتري معذورٌ في استعلام المبيع واستكشافه فلم يكن عليه ضمان ما نتج عن ذلك، وهذا مثل اختبار المصراة بحلبها[44].
    2- أن البيع لا بد فيه من الرضا قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[45].
    والرضا لا يكون إلا بعد المعرفة لما يرضى به[46]، وبناءً على هذا فما تبين من عيب بالاستعلام، فإنه لا يكون من ضمان المشتري؛ لأنه قبل ذلك لم تكن له معرفة بالمبيع .
    القول الثاني: أنه من ضمان المشتري، وهذا هو المشهور عند المالكية.
    جاء في شرح مختصر خليل للخرشي " أن ما لا يطلع على وجوده إلا بتغير في ذات المبيع فإنه لا يكون عيباً على المشهور "[47].
    الترجيح:
    الذي يظهر – والله أعلم – أن القول الأول أرجح، لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة.
    مناقشة التخريج :
    يمكن مناقشة هذا التخريج من ثلاثة أوجه :
    1- أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته مدته في العادة أطول من المدة التي تكفي لاستعلام واستكشاف المبيع، ومع ذلك يلتزم البائع بضمان السلعة خلال المدة التي حددها حتى وإن زادت على مدة الاستعلام والتجربة .
    2- أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يُعد ضماناً ترغيبياً يقدمه بعض الباعة.
    أما في ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع فهو ضمان يجب بأصل العقد ويلزم به البائع حتى وإن لم يتعهد بضمانه .
    3- أن ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع يعد من ضمان العيب فهو يبطل إذا علم المشتري به ثم تصرف بالمبيع فتصرفه يدل على الرِضا.[48]
    أما ضمان أداء المبيع وصلاحيته فإن البائع يكون مسؤولاً عن الضمان حتى وإن علم المشتري بالعيب ثم تصرف بالمبيع .
    الترجيح بين التخريجين :
    بعد ذكر التخريجين وما ورد عليها من مناقشة يتبين أنه لا يصح إطلاق القول على أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته يخرج فقيهاً على أحدهما، وإنما يقال : إن العيب الذي يوجد خلال مدة ضمان أداء المبيع وصلاحيته لا يخلو من حالات :
    الحالة الأولى:
    أن يكون هذا العيب ناشئاً من عدم إتقان صنع المبيع، فهذا يخرج على ضمان العيب المستند إلى سبب سابق على القبض .
    الحالة الثانية:
    أن يكون العيب موجوداً في المبيع لكن لا يعلم إلا بالاستكشاف والتجربة فهذا يخرج على ضمان العيب الذي لا يطلع على وجوده إلا بتغيير في المبيع.
    الحالة الثالثة:
    أن يكون العيب حادثاً عند المشتري من غير استناد إلى سبب سابق على القبض، وإنما البائع قد تعهد بضمانه، فهذا يدخل في ضمان العيوب المستقبلية، والكلام عن حكم هذه الحالة سيأتي بيانه.
    ومما تجدر الإشارة إليه أن ضمان أداء المبيع وصلاحيته في الحالتين الأولى والثانية لا يعتبر ضماناً ترغيبياً، وإنما هو ضمان يُلزم به البائع بأصل العقد حتى ولو لم يتعهد البائع بضمان أداء المبيع وصلاحيته .
    المطلب الثالث: ضمان العيوب المستقبلية
    هذا هو النوع الثاني من أنواع ضمان المبيع، ويستعمل غالباً في الآلات والأجهزة الحديثة [49].
    ويقدم البائع هذا الضمان حتى يتأكد المشتري من أن البائع سيتحمل المسؤولية تجاه السلعة في حالة ظهور عيب فيها، أو في أحد أجزائها الرئيسية[50].
    ويراد من ضمان العيوب المستقبلية أن البائع يلتزم بإصلاح العيب الحادث عند المشتري لمدة أو مسافة معينة تختلف بحسب السلعة المضمونة[51].
    ولا يلزم المشتري عند وجود عيب على إقامة الدليل على سبق العيب على التسليم، وإنما يكون البائع ملزماً بإصلاح العيب حتى لو كان حادثاً عند المشتري ما دامت مدة الضمان باقية [52].
    الحكم الشرعي لضمان العيوب المستقبلية :
    الأصل في أن المبيع إذا وجد معه القبض أن يكون من ضمان المشتري وهذا بإجماع العلماء إلا في الرقيق [53].
    فإن المالكية جعلوا عهدته على البائع ثلاثة أيام يضمن فيها كل عيب حادث، وعهدة سنة يضمن فيها ثلاثة أدواء هي: الجنون، والجذام، والبرص[54].
    وبهذا يتبين أن البائع في الأصل لا يضمن العيوب المستقبلية، وإنما يضمن العيب القديم، لكن لو أن البائع تعهد بضمان العيوب المستقبلية فهل يعتبر هذا الضمان جائزاً شرعاً أو لا ؟
    للكلام عن الحكم الشرعي لا بد من معرفة أن ضمان العيوب المستقبلية قد يكون له مبلغ مالي مستقل عن سعر السلعة يُنص عليه في العقد، وقد يكون داخلاً في عقد البيع دون تخصيص بثمن معين، وسأورد الكلام عن الحكم على نحو هذا التفصيل .
    الفرع الأول: الضمان بثمن مستقل عن المبيع .
    مثال هذا الضمان : أن يتفق المشتري مع البائع على شراء سيارة بخمسين ألف ريال على أن يزيد المشتري مبلغ خمسمائة ريال إذا أراد أن يضمنها البائع مدة سنة.
    ويختلف مبلغ الضمان في العادة على حسب المدة.
    وهذا النوع من الضمان يشبه عقد التأمين إذ أن التأمين: عقد يلزم فيه المستأمن
    ( طالب التأمين ) بدفع مبلغ معين، مقابل التزام المؤمن بدفع تعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالمستأمن إذا وقع الخطر المؤمن ضده خلال فترة زمنية محددة.[55] وهذا النوع من الضمان يلتزم المشتري فيه بدفع مبلغ معين مقابل التزام البائع بإصلاح العطل، وتبديل القطع التالفة حيثما لزم ذلك[56].
    وبناءً على هذا فإن الكلام عن حكم هذا النوع ينبني على حكم عقد التأمين التجاري، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون فيه على قولين :
    القول الأول: جواز التأمين التجاري[57].
    الأدلة :
    أولاً: الأدلة الواردة في أن الأصل في العقود والشروط الإباحة[58]، ومنها قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[59].
    وجه الدلالة :
    أن الله سبحانه خلق كل شيء على وجه الإباحة لخلقه، إلا ما استثناه الدليل بالتحريم، ومن هذا المباحات العقود، وعقد التأمين واحد منها، ولم يأت دليل على تحريمه [60].
    المناقشة:
    نوقش بأنه جاء الدليل على تحريم التأمين إذ أنه يحتوي على الربا والغرر وهما محرمان في الشريعة كما سيأتي بيانه[61].
    ثانياً: قياس التأمين على العقود المشروعة في الفقه الإسلامي. ومنها:
    1- قياس التأمين على ضمان خطر الطريق .
    القول بضمان الطريق هو مذهب الحنفية، وحقيقته أن يقول إنسان آخر : أسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن كان مخوفاً وأُخذ مالك فأنا ضامن، فإذا سلكه وأُخذ ماله، فإنه يضمن عند الحنفية[62].
    فالتزام ضامن خطر الطريق هو عين التزام شركة التأمين بضمان المؤمن عليه عند وقوع الخطر، وبما أن ضمان خطر الطريق جائز شرعاً فكذلك التأمين[63].
    المناقشة:
    نوقش من وجهين:
    أ- بأن علة ضمان خطر الطريق – عند من يقول به من الفقهاء – هي التغرير المتسبب في الإتلاف، وهذه العلة غير موجودة في التأمين إذ أن شركة التأمين لم تغرر بالمؤمن لهم ليسلكوا طريق الخطر المتلف لأموالهم المؤمن عليها[64].
    ب- أن ضمان خطر الطريق نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض، بخلاف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية[65].
    2- قياس التأمين على إجارة الحارس.
    فهو يحقق الأمان والاطمئنان لمن استأجره، والتأمين يحقق الأمان والاطمئنان كذلك للمؤمن لهم، وبما أن استئجار الحارس لتحقيق هذه الغاية جائز شرعاً، فكذلك التأمين [66].
    المناقشة:
    نوقش هذا القياس من وجهين :
    أ- أن أجرة الحارس هي مقابل ما يقوم به من عمل، أما الأمان فغاية ونتيجة وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس، وهذا بخلاف شركة التأمين فهي لا تباشر عملاً في المؤمن عليه[67].
    ب- إذا طبقنا شروط الإجارة الصحيحة وجدنا أن بينهما فرقاً، فمثلاً يشترط في الإجارة :
    - أن يكون المعقود عليه منفعة، وفي التأمين المعقود عليه عين.
    - أن تعلم المنفعة قدراً ومدة، ومبلغ التأمين مجهول القدر والمدة.
    - أن تكون المنفعة مباحة، والتأمين يقوم على أمور محرمة كالربا والغرر والرهان[68].
    3- قياس التأمين على الإيداع، فكما أن المودع إليه يستفيد من أجرة حفظ الوديعة، فكذلك الشركة المؤمنة لها أن تستفيد مقابل ضمانها المؤمَّن عليه[69].
    المناقشة:
    نوقش بأن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه، بخلاف التأمين فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح.
    وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جهل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف عن عقد الإيداع بأجر[70].
    4- قياس التأمين على المضاربة
    فكما أنه في المضاربة يدفع صاحب رأس مال المضاربة إلى المضارب ليتاجر بها، ويكون الربح بينهما حسب اتفاقهما.
    وفي التأمين يدفع المؤمن لهم أقساط التأمين ليتاجر بها المؤمن، ويكون مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمَّن عند وقوع الخطر هو ربح المؤمَّن لهم، وتكون أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن لهم هي ربح المؤمن، وبما أن المضاربة جائزة شرعاً، فكذلك يجوز التأمين [71].
    المناقشة:
    نوقش هذا القياس من وجهين :
    أ- أن رأس المال في المضاربة حق خالص لصاحب المال ولا حق فيه للعامل، أما أقساط التأمين التي تقابل رأس المال في المضاربة هي حق خالص لشركة التأمين إذا لم يقع الحادث، وهو عكس ما في المضاربة تماماً [72].
    ب- أن المال في عقد المضاربة يكون من جانب المالك، ويبقى في ملكه، والعمل من المضارب، والربح بينهما حسب اشتراطهما، أما عقد التأمين فتملك الشركة المال الذي تأخذه، وربحه لها وحدها، ونصيب المؤّمن لهم معلق على خطر قد يقع وقد لا يقع، وهذا فاسد لأنه من القمار[73].
    5- قياس التأمين على عقد المولاة – عند من أجازه من العلماء – فالمؤمِّن يتحمل عن المؤَّمن له مسؤوليات الحوادث المؤَّمن ضدها مقابل الأقساط، كتحمل العربي المسلم جنايات حليفه مقابل إرثه إياه، وفي كل من العقدين جهالة وخطر، فلا يعلم أيهما يموت قبل صاحبه [74].
    يتبع





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي

    خدمات ما بعد البيع وأحكامها في الفقه الإسلامي (1-5)
    [1]
    بدر بن عبد الله الجدوع




    المناقشة:
    نوقش هذا القياس من وجهين :
    أ- أن عقد المولاة ليس محل اتفاق، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن التوارث بالحلف منسوخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}[75].
    فنسخ ميراث التحالف، وبقيت النصرة والنصيحة والوصية، وذلك هو المعروف المذكور في الآية[76].
    ب – أن عقد المولاة تبرع لا يؤثر فيه الغرر والجهالة، وعقد التأمين معاوضة، وعقود التأمين يشترط فيها السلامة من ذلك كله [77].
    القول الثاني: تحريم التأمين التجاري [78].
    الأدلة :
    أولاً : الأدلة الواردة في تحريم الربا :
    فمن الكتاب :
    1- قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[79].
    2- وقوله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }[80].
    ومن السنة :
    1- قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات – وعد منها – أكل الربا"[81].
    2- وحديث جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء "[82].
    إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في تحريم الربا، والتشنيع في أمره.
    وجهة القول بقيام التأمين على الربا :
    يقول المحرمون للتأمين إن التأمين نظام تعاقدي مبني على الربا بنوعيه، ولا يتصور منفكاً عنهما بحال، إذ أن التأمين عبارة عن التزام من شركة التأمين بدفع مبلغ من المال عند وقوع الحادث المؤّمن ضده، مقابل أقساط معينة يدفعها المؤمن له.
    وبه يتضح أن هذا العقد قائم على كل من ربا الفضل وربا النسيئة، وبيان ذلك: أنه إذا وقع الحادث المؤمن ضده، فإن شركة التأمين تلتزم بدفع مبلغ تكلفة الحادث وهذا المبلغ لا يخلو من :
    أ- أن يكون أكثر من المبلغ الذي دفعه المؤمن له.
    ب- أن يكون أقل من المبلغ الذي دفعه المؤمن له.
    وفي هاتين الحالتين يكون قد اجتمع في التأمين ربا الفضل وربا النسيئة، أما ربا الفضل فلعدم التماثل بين عوضي الجنس الواحد، وأما ربا النسيئة فلتأخر أحدهما عن الآخر.
    ج- وإما أن يكون مبلغ التأمين مساوياً للمبلغ الذي دفعه المؤمن له. ( وهذه صورة نادرة ) فيكون فيه ربا النسيئة، وذلك لتأخر مبلغ التأمين، مع أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل[83].
    ثانياً: التأمين يشتمل على الغرر.
    وقد جاء النهي عنه في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر " [84].
    وقد عرَّف الفقهاء الغرر بتعريفات متقاربة :
    فعرفه الحنفية بأنه " الخطر الذي استوى فيه طرفا الوجود والعدم، بمنزلة الشك "[85] ،
    وبأنه " الخطر الذي لا يدرى أيكون أم لا "[86].
    وعرفه المالكية بأنه " ما شك في حصول أحد عوضيه، أو المقصود منه غالباً "[87].
    وعرفه الشافعية بأنه " ما لا يوثق بحصول العوض فيه " [88].
    وعرفه الحنابلة بأنه " تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر " [89].
    ويؤخذ من هذه التعريفات أن الغرر: هو خطر عدم حصول العوض في أحد جانبي المعاوضة.
    وجهة القول بأن التأمين غرر:
    أن التأمين تنطبق عليه تعريفات الفقهاء للغرر، ذلك أن التأمين عقد معاوضة يتوقف حصولها على أمر احتمالي هو وقوع الخطر، فإن وقع الخطر حصل المؤمن له على العوض، وهو مبلغ التأمين ، وإن لم يقع لم يحصل على شيء، فالمؤمن له في حالة شك من حصوله على مبلغ التأمين الذي تعاقد عليه [90].
    المناقشة:
    نوقش :بأن الغرر في التأمين غرر يسير لا يؤدي إلى نزاع، بدليل انتشاره، وكثرة تعامل الناس به وعلى هذا فلا يكون محظوراً [91].
    الجواب:
    أجيب بعدم التسليم بأن الغرر في التأمين يسير بل هو غرر كثير، لأن الغرر الموجود فيه هو غرر في الحصول ، وفي المقدار، وفي الأجل، بينما نجد أن الفقهاء مثلاً يبطلون بيع الطير في الهواء والسمك في الماء وهو غرر في الحصول، ويبطلون بيع الحصاة وبيع المنابذة والملامسة وهو غرر في المقدار، ويبطلون البيع حتى نزول المطر أو بيع حبل الحبلة وهو غرر في الأجل.
    وإذا نظرنا إلى التأمين وجدناه يشتمل على أنواع الغرر الثلاثة فالمؤمن له لا يدري هل سيقع عليه حادث ويحصل على التأمين أو لا يقع ؟ ثم هو لا يدري إن وقع عليه الحادث كم المقدار الذي سيأخذه تعويضاً عن الحادث ؟ ولا يدري متى وقوعه ؟ [92].
    ولذا وضع أهل القانون عقد التأمين من ضمن " عقود الغرر" فجاء في القانون المدني المصري الباب الرابع لعقود الغرر، وذكر في فصله الأول : المقامرة والرهان، وفي فصله الثالث : عقد التأمين[93].
    ثالثاً : التأمين يتضمن الرهان والمقامرة .
    وقد قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [94]، وقد اتفق المفسرون على أن الميسر المحرم هو القمار [95].
    وجهة القول بأن التأمين قمار :
    يقول الدكتور السنهوري " فشركة التأمين لا تبرم عقد التأمين مع مؤمن له واحد، أو مع عدد قليل من المؤمن لهم، ولو أنها فعلت ذلك لكان عقد التأمين مقامرة ورهاناً، ولكان عقداً غير مشروع؛ إذ تكون الشركة قد تعاقدت مع مؤمن له على أنه إذا احترق منزله مثلاً دفعت له قيمته، وإذا لم يحترق كان مقابل التأمين الذي دفعه المؤمن له حقاً خالصاً وهذا هو الرهان بعينه" [96].
    ولا يتصور قيام تأمين تجاري إلا بوجود عنصري الخطر والاحتمال فالخطر يدل عليه اختيار اسم (( التأمين )) فلا يعقل تأمين بلا خطر، وأما الاحتمال فهو عامل الإثراء فيه، وهو شرط في عقود التأمين فلا يتصور إبرام عقد تأمين على خطر غير احتمالي، أي غير محقق الوقوع.
    فعنصر الاحتمال والخطر هما العنصران المؤثران المقومان لكل تأمين، وهما العنصران المؤثران لكل قمار [97].
    الترجيح :
    يتضح من خلال عرض الأدلة قوة أدلة القائلين بالتحريم لاستنادها إلى كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وضعف أدلة القائلين بالإباحة، كما ظهر من المناقشة.
    وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم ( 9 / 2 ) ما نصه ( أن عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً ) [98].
    وبناءً على الراجح في حكم التأمين التجاري يكون الضمان بثمن مستقل عن المبيع محرماً؛ لأن المبلغ المدفوع في حقيقته تأمين على السلعة المباعة، والأمر متردد بين الغنم والغرم في حق كل من المشتري والضامن .



    [1] جزء من بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

    [2] ينظر: لسان العرب، مادة ( ضمن ) ( 13/257 )، القاموس المحيط مادة ( ضمن ) ص1564، المصباح المنير، مادة ( ض م ن ) 13 / 258.
    والحديث رواه أبو داود في كتاب الصلاة. باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت. حديث رقم
    ( 517 ) 1 / 143، والترمذي في أبواب الصلاة. باب ما جاء أن الإمام ضامن. حديث رقم
    ( 207 ) 1 / 402 ، وابن ماجه في باب فضل التأذين على الإمامة حديث رقم ( 1867 ) 1 /430، صححه ابن حبان في كتاب الصلاة. باب الأذان ( ذكر عفو الله جل وعلا عن المؤذنين ) حديث رقم ( 1671 ) 4 / 559 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1 / 231.

    [3] مواهب الجليل 5 / 96 وينظر: التاج والإكليل 7 /30، شرح مختصر خليل للخرشي 6 /21،
    حاشية الدسوقي 3 / 329 .

    [4] أسنى المطالب 2/235 ، وينظر: مغني المحتاج 3/198 تحفة الحبيب 3/114 .

    [5] المغني 4 / 344 .

    [6] غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 4 /6 ، وينظر : درر الحكام شرح غرر الأحكام
    2 / 252 .

    [7] نيل الأوطار 5 / 357 .

    [8] درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية، المادة ( 416 ) ص 448 ، وينظر: الفتاوى الهندية
    3 / 148 .

    [9] الفروق 2 / 207 ، المنثور في القواعد 2 / 323 ، القواعد لابن رجب ص 204.

    [10] الأشباه والنظائر للسيوطي ص 362.

    [11] إدارة التسويق ص 295، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229 .

    [12] ينظر: إدارة التسويق ص 301، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229، ضمان عيوب المبيع الخفية د / أسعد دياب ص 317 .

    [13] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص 317، ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 17، إدارة التسويق ص 301، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة، ص 71 .

    [14] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 17 .

    [15] ينظر: إدارة التسويق ص 297 .

    [16] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص317، الضمان في عقد البيع لمحمد
    أبو هزيم، ص 233، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 73.

    [17] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة ص 25، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 223، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74.

    [18] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 21، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 84 .

    [19] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة ص 33، الضمان في عقد البيع ص 230 .

    [20] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص90 .

    [21] ينظر: المرجع السابق، ص 71 .

    [22] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

    [23] ينظر: المرجع السابق، ص 88 .

    [24] إدارة التسويق ص 296 .

    [25] ينظر: إدارة التسويق ص 299.

    [26] ينظر: المرجع السابق، ص 300 .

    [27] ينظر: المرجع السابق، ص 300 .

    [28] ينظر: المرجع السابق، ص 299 – 300 .

    [29] ينظر: إدارة التسويق ص 301، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 229، ضمان عيوب المبيع الخفية د/ أسعد دياب ص 317 .

    [30] ينظر: ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة د/ محمد حسين ص 25، الضمان في عقد البيع لمحمد أبو هزيم ص 223، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

    [31] ينظر: ضمان عيوب المبيع الخفية، د/أسعد دياب، ص317، الضمان في عقد البيع لمحمد
    أبو هزيم، ص 233، خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 73 .

    [32] ينظر: المجموع 11 / 323 .

    [33] ينظر: شرح فتح القدير 6 / 392 ، تبيين الحقائق 4 / 42 ، العناية شرح الهداية 6 / 392 ، البحر الرائق 6 / 71 .

    [34] ينظر: شرح البهجة 2 / 458 ، حاشيتا قليوبي وعميرة 2 / 246 ، مغني المحتاج 2 / 429، حاشية الجمل 3 / 129.

    [35] ينظر: الإنصاف 4 / 436 .

    [36] ينظر: حاشية الدسوقي 3 / 128، شرح مختصر خليل للخرشي 5/ 142، منح الجليل 5 / 186 .

    [37] ينظر: كشاف القناع 3 / 228، الإنصاف 4 / 436، شرح منتهى الإرادات 2 / 50 .

    [38] المهذب مع المجموع 11 / 314.

    [39] ينظر: شرح فتح القدير 6 / 392 .

    [40] الفروق 1 / 74 .

    [41] شرح فتح القدير 6 /372، وينظر: تبيين الحقائق 4 /37، العناية شرح الهداية 6 /372.

    [42] تحفة المحتاج 4 /380 ، وينظر: مغني المحتاج 2 /442 ، حاشيتا قليوبي وعميرة 2 /255 ، حاشية الجمل 3 /147 ، تحفة الحبيب 3 /45 .

    [43] الإنصاف 4 /424 ، وينظر: منتهى الإرادات 2 /48 ، مطالب أولي النهى 188.

    [44] ينظر: مغني المحتاج 2 /443 ، الإنصاف 4 /425 .

    [45] سورة النساء آية 29 .

    [46] المحلى 9 / 73 .

    [47] شرح مختصر خليل للخرشي 5 /130، وينظر: حاشية الدسوقي 3 /113 ، التاج والإكليل 6 / 343.

    [48] ينظر: شرح فتح القدير 6 /372 ، التاج والإكليل 6 /355 ، نهاية المحتاج 4 / 54 ، المغني 3 /117 ، الإنصاف 4 /420 .

    [49] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 71 .

    [50] ينظر: إدارة التسويق ص 296 .

    [51] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 74 .

    [52] ينظر: خدمة ما بعد البيع في بيوع المنقولات الجديدة ص 88 .

    [53] ينظر: بداية المجتهد ( 2 / 122 )، مراتب الإجماع لابن حزم ص 85.

    [54] التاج والإكليل 6 / 404 ، شرح مختصر خليل للخرشي 5 / 153 ، حاشية الدسوقي 3 / 141 ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 3 / 191 ، منح الجليل 5 / 218 .

    [55] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 40، عقود الصيانة وتكييفها الشرعي د/ محمد الزرقا، ود/ سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدورة الحادية عشرة 2 / 198.

    [56] ينظر: عقود الصيانة وتكييفها الشرعي د/ محمد الزرقا، ود/ سامي السويلم، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدورة الحادية عشرة ( 2 / 198 ).

    [57] وهذا القول ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين منهم : عبد الله صيام، وعبد الوهاب خلاف، وعلي الخفيف، ومصطفى الزرقا. ( ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 152 ).

    [58] ينظر: ص ( 66 ) من هذا البحث .

    [59] سورة البقرة آية 29.

    [60] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، التأمين الإسلامي د/ علي قره داغي ص 179، نظام التأمين للزرقا ص 33 .

    [61] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 158 .

    [62] ينظر: رد المحتار على الدر المختار5 /144، البحر الرائق شرح كنز الدقائق 6 / 238، مجمع الضمانات ص 270 .

    [63] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 58.

    [64] ينظر: التأمين في الشريعة والقانون، لشوكت عليان ص 68 .

    [65] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 189 .

    [66] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 51، حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار ص 47 .

    [67] التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 190، التأمين وأحكامه د/سليمان الثنيان، ص 166 .

    [68] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 167 .

    [69] ينظر: التأمين في الشريعة والقانون ص 95 .

    [70] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 190 .

    [71] ينظر: حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار، ص 53، التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 178.

    [72] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص 179، التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي، ص 181.

    [73] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان، ص179، حكم التأمين في الشريعة الإسلامية للعطار ص 53.


    [74] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 57، التأمين وأحكامه ص 181.

    [75] سورة الأحزاب من آية 6 .

    [76] ينظر: تفصيل أقوال العلماء في هذه المسألة في أحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 414 )، وتفسير القرطبي 5 / 165

    [77] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 182.

    [78] وعلى هذا جماهير العلماء المعاصرين منهم : محمد بخيت المطيعي، ومحمد أبو زهرة، ومحمد الأمين الضرير وبه أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قرارها في 4 / 4 / 1397هـ، بحرمة التأمين التجاري وحل التأمين التعاوني، أيد هذا القرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى في 10 شعبان 1398هـ، كما أكد هذا القرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم 9 ( 9 / 2 ) في 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ ( ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 150- 160 ).

    [79] سورة البقرة من آية 275 .

    [80] سورة البقرة آية 278 ، 279 .

    [81] روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : (( واجتنبوا السبع الموبقات )) قيل: يا رسول الله r وما هن ؟ قال : (( الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )). رواه البخاري. كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة. باب رمي المحصنات حديث رقم ( 6465 ) 6 / 2515 ، ومسلم كتاب الإيمان. باب بيان الكبائر وأكبرها، حديث رقم ( 89 ) 1 /92 .

    [82] أخرجه مسلم في كتاب المساقاة. باب لعن آكل الربا وموكله. حديث رقم ( 1598 ) 3/218.

    [83] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 217، نظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد السيد ص 113 .

    [84] أخرجه مسلم في كتاب البيوع. باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر حديث رقم ( 1513 )
    3 /1153، وفي بيع الحصاة، ثلاث تأويلات : أحدها: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو من هذه الأرض إلى ما تنتهي إليه هذه الحصاة. الثاني : أن يقول: أنت بالخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة. الثالث : أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعاً، فيقول : إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا. ( ينظر: شرح النووي لصحيح مسلم ( 10 / 156 ).

    [85] بدائع الصنائع 5 / 163.

    [86] العناية شرح الهداية 6 /411.

    [87] التاج والإكليل 6 / 224 ، وينظر: الفواكه الدواني 2 / 80 ، حاشية العدوي 2 / 150.

    [88] حاشيتا قليوبي وعميرة 2 / 199 ، وينظر: مغني المحتاج 2 / 344 ، أسنى المطالب2 / 11.

    [89] مطالب أولي النهى 3 /25 ، دقائق أولي النهى 2 /11 .

    [90] ينظر: حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين ص 53، التأمين وأحكامه،د/ سليمان الثنيان ص 237، التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 163.

    [91] ينظر: نظام التأمين للزرقا ص 48 .

    [92] ينظر: التأمين الإسلامي د/ علي القره داغي ص 166، التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 237 .
    وتنظر أنوع الغرر الثلاثة في: بدائع الصنائع 5 /163 ، والفروق للقرافي 3 /265 .

    [93] ينظر: الوسيط للسنهوري الجزء السابع المجلد الثاني 1084– 1140 ، وفي حاشيته (سائر القوانين الأخرى).

    [94] سورة المائدة الآيتان 90 ، 91 .

    [95] ينظر: الجامع الأحكام القرآن للقرطبي 3 /52 ، فتح القدير للشوكاني 1 /220 .

    [96] الوسيط للسنهوري الجزء السابع المجلد الثاني ص 1086 .

    [97] ينظر: التأمين وأحكامه د/ سليمان الثنيان ص 225 .

    [98] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 2 ( 2 / 545 ).







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •