إنني براء مما تعبدون


أبو الهيثم محمد درويش


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} :
إرث إبراهيم عليه السلام القائم إلى يوم الدين هو عقيدة صافية مبنية على أركان:
أولها : البراء التام من الشرك و المشركين حتى لو كانوا أقرب الأقربين
ثانيها: إفراد الله وحده بالتوحيد الكامل في العبادة والطاعة و الاتباع دون ما سواه.
ثالثا: الدعوة و العمل على استمرار العقيدة قائمة إلى يوم الدين بنشرها وتوريثها للأجيال بعد الأجيال.
قال تعالى:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .} [الزخرف 26-28]
قال السعدي في تفسيره:
يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته، فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال: { {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} } الذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم ويتقربون إليهم:
{ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} } أي: مبغض له، مجتنب معاد لأهله، { {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } } فإني أتولاه، وأرجو أن يهديني للعلم بالحق والعمل به، فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي، فـ { {سَيَهْدِينِ } } لما يصلح ديني وآخرتي.
{ {وَجَعَلَهَا} } أي: هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة للّه وحده، والتبرِّي من عبادة ما سواه.
{ {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} } أي: ذريته { {لَعَلَّهُمْ} } إليها { {يَرْجِعُونَ} } لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض، كما قال تعالى: { { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} } إلى آخر الآيات.
فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.