فوائد من قصة موسى عليه السلام


د. أمين بن عبدالله الشقاوي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
اشتملت قصة نبي الله موسى عليه السلام على فوائد ودروس وعبر كثيرة، فمن ذلك:
«قول الله تعالى ذكره: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، جمعت هذه الآية أمرين، ونهيين، وخبرين، ووعدين، ومن هذا النوع في القرآن كثير، بل القرآن كله حسن وأحسن، وليس هذا موضع استقصاء الأحسن.

ومنها قوله تعالى: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، فهو تعليل لقضاء الله سبحانه بالتقاطه وتقديره له، فإن التقاطهم له إنما كان بقضائه وقدره، فهو سبحانه قدر ذلك وقضى به ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، وذكر فعلهم دون قضائه لأنه أبلغ في كونه حزنًا لهم وحسرة عليهم، فإن من اختار أخذ ما يكون هلاكه على يديه إذا أُصيب به كان أعظم لحزنه وغمه وحسرته، من أن لا يكون فيه صنع ولا اختيار، فإنه سبحانه أراد أن يظهر لفرعون وقومه ولغيرهم من خلقه كمال قدرته وعلمه، وحكمته الباهرة، وأن هذا الذي يذبح فرعون الأبناء في طلبه هو الذي يتولى تربيته في حجره وبيته باختياره وإرادته، ويكون في قبضته وتحت تصرفه، فذكر فعلهم به في هذا أبلغ وأعجب من أن يذكر القضاء والقدر»[1].

ومنها: «لطف الله بأم موسى بذلك الإلهام الذي به سلم ابنها، ثم تلك البشارة من الله لها برده إليها، التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها، ثم رده إليها بإلجائه إليها قدرًا بتحريم المراضع عليه، وبذلك وغيره يعلم أن ألطاف الله على أوليائه لا تتصورها العقول، ولا تعبر عنها العبارات، وتأمل موقع هذه البشارة، وأنه أتاها ابنها ترضعه جهرًا، وتأخذ عليه أجرًا، وتسمى أمه شرعًا وقدرًا، وبذلك اطمأن قلبها، وازداد إيمانها، وفي هذا مصداق لقوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، فلا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة.

ومنها: أن آيات الله وعبره في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستبشر بها المؤمنون، والله يسوق القصص لأجلهم، كما قال تعالى في هذه القصة: ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص: 3].


ومنها: أن الله إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه، وأتى به شيئًا فشيئًا بالتدريج لا دفعة واحدة.

ومنها: أن الأمة المستضعفة، ولو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور، خصوصًا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون وملئه منهم، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.

ومنها: أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها لا يقوم لها أمر دينها كما لا يقوم لها أمر دنياها.

ومنها: أن الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الإيمان ولا يزيله، كما جرى لأم موسى ولموسى من تلك المخاوف.

ومنها: أن الإيمان يزيد وينقص لقوله: ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]. والمراد بالإيمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته.

ومنها: أن من أعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند المقلقات والمخاوف، فإنه كما يزداد به إيمانه وثوابه، فإنه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب، ويبقى رأيه وأفكاره ثابتة، وأما من لم يحصل له هذا الثبات، فإنه لقلقه وروعه يضيع فكره، ويذهل عقله، ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال.

ومنها: أن العبد - وإن عرف أن القضاء والقدر حق، وأن وعد الله نافذ لابد منه - فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي تنفع، فإن الأسباب والسعي فيها من قدر الله، فإن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك لما التقطه آل فرعون سعت بالأسباب، وأرسلت أخته لتقصه، وتعمل الأسباب المناسبة لتلك الحال.

ومنها: جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، كما فعلت أم موسى، فإن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه.

ومنها: أن قتل الكافر الذي له عهد بعقد أو عرف لا يجوز، فإن موسى ندم على قتله القبطي، واستغفر الله منه وتاب إليه.

ومنها: أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الأرض، ولو كان غرضه من ذلك الإرهاب، ولو زعم أنه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس.

ومنها: أن إخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة، بل قد يكون واجبًا، كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى محذرًا لموسى على وجه الثناء عليه.

ومنها: إذا خاف التلف بالقتل بغير حق في إقامته في موضع، فلا يلقي بيده إلى التهلكة، ويستسلم للهلاك، بل يفرّ من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى.

ومنها: إذا كان لا بد من ارتكاب إحدى مفسدتين تعين ارتكاب الأخف منها والأسلم، دفعًا لما هو أعظم وأخطر، فإن موسى لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه يُقتل، أو ذهابه إلى بعض البلدان البعيدة التي لا يُعرف الطريق إليها، وليس معه دليل يدله غير هداية ربه، ومعلوم أنها أرجى للسلامة، لا جرم آثرها موسى.

ومنها: فيه تنبيه لطيف على أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى العمل أو التكلم به، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه إلى الصواب من القولين بعد أن يقصد الحق بقلبه ويبحث عنه؛ فإن الله لا يُخيب مَنْ هذه حاله، كما جرى لموسى لما قصد تلقاء مدين لا يدري الطريق المعين إليها قال: ﴿ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22]، وقد هداه الله وأعطاه ما رجاه وتمناه.

ومنها: أن الرحمة والإحسان على الخلق، من عرفه العبد ومن لا يعرفه، من أخلاق الأنبياء، وأن من جملة الإحسان الإعانة على سقي الماشية، وخصوصًا إعانة العاجز، كما فعل موسى مع ابنتي صاحب مدين حين سقى لهما لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة.

ومنها: أن الله كما يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ونعمه العامة والخاصة، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزه وفقره، وعدم قدرته على تحصيل مصالحه، ودفع الأضرار عن نفسه، كما قال موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، لما في ذلك من إظهار التضرع والمسكنة والافتقار لله، الذي هو حقيقة كل عبد.
ومنها: أن الحياء والمكافأة على الإحسان لم يزل دأب الصالحين.

ومنها: أن العبد إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم حصّل به مكافأة عليه بغير قصده فإنه لا يلام على ذلك، ولا يخل بإخلاصه وأجره، كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبه، ولم يستشرف له على معاوضة.

ومنها: جواز الإجارة على كل عمل معلوم في نفع معلوم أو زمن مسمى، وأن مرد ذلك إلى العرف، وأنه تجوز الإجارة وتكون المنفعة البُضْع، كما قال صاحب مدين: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ [القصص: 27]، وأنه يجوز للإنسان أن يخطب الرجل لابنته، ونحوها ممن هو ولي عليها، ولا نقص في ذلك، بل قد يكون نفعًا وكمالًا، كما فعل صاحب مدين مع موسى.

ومنها: قوله: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، هذان الوصفان بهما تمام الأعمال كلها، فكل عمل من الولايات أو من الخدمات أو من الصناعات، أو من الأعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والأعمال؛ إذا جمع الإنسان الوصفين، أن يكون قويًّا على ذلك العمل بحسب أحوال الأعمال، وأن يكون مؤتمنًا عليه، تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته، والخلل والنقص سببه الإخلال بهما أو بأحدهما.

ومنها: أن من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إمامًا في الشر وداعيًا إليه، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إمامًا في الخير هاديًا مهديًّا، قال تعالى في فرعون وملئه: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ [القصص: 41]، وقال[2]: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [الأنبياء: 73].

ومنها: ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ أخبر بهذه القصة وغيرها خبرًا مفصلًا مطابقًا وتأصيلًا موافقًا، قصه قصًّا صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع، ولا درس شيئًا عرف به أحوال هذه التفصيلات، ولا جالس وأخذ عن أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحمٰن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد أجمعين، ولهذا يقول في آخر هذه القصة: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ ﴾ [القصص: 46]، ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ﴾ [القصص: 44]، ﴿ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ [القصص: 45].
وهذا نوع من أنواع براهين رسالته.


ومنها: ذكر كثير من أهل العلم أنه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾ [طه: 17-18]، استحباب استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله: ﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾. وأنه يستفاد منها أيضًا الرحمة بالبهائم، والإحسان إليها، والسعي في إزالة ضررها.

ومنها: أن قوله جل ذكره: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، أي أن ذكر العبد لربه هو الذي خُلق له العبد، وبه صلاحه وفلاحه، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم، ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكِّرهم بالله، ويتعاهدون فيها قراءة القرآن، والثناء على الله، ودعاءه والخضوع له الذي هو روح الذكر، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين.

وكما أن الذكر هو الذي خُلِقَ الخلق لأجله، والعبادات كلها ذكر لله، فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وإن شقَّت، ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة، ويخفف عليه الدعوة إلى الله، قال تعالى في هذه القصة: ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾ [طه: 33-34]، وقال: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ [طه: 42].

ومنها: إحسان موسى صلى الله عليه وسلم على أخيه هارون، إذ طلب من ربه أن يكون نبيًّا معه، وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه، إذ قال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29-32].

ومنها: أن الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم، وعلى إقامة الدعوة؛ لهذا طلب موسى من ربه أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وأن اللثغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام، ومن كمال أدب موسى مع ربه أنه لم يسأل زوال اللثغة كلها، بل سأل إزالة ما يحصل به المقصود.

ومنها: أن الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم: الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الإفهام بلا تشويش ولا غلظة، وهذا يُحتاج إليه في كل مقام، لكن هذا أهم المواضع؛ وذلك لأنه الذي يحصل به الغرض المقصود، وهو قوله: ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44][3].

ومنها: أن من كان في طاعة الله، مستعينًا بالله، واثقًا بوعد الله، راجيًا ثواب الله، فإن الله معه، ومن كان الله معه فلا خوف عليه، لقوله تعالى: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا ﴾ ثم علله بقوله: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 45]، وقال تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

ومنها: أن أسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين: ﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه: 48]. أي: كذب خبر الله وخبر رسله، وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله، ونظيرها قوله تعالى: ﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [الليل: 15-16].

ومنها: أن قوله تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، استوعب الله بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله.

الأول: التوبة، وهي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه الله ظاهرًا وباطنًا، وهي تَجُبُّ ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها.

الثاني: الإيمان، وهو الإقرار والتصديق الجازم العام بكل ما أخبر الله به ورسوله، الموجب لأعمال القلوب، ثم تتبعها أعمال الجوارح، ولا ريب أن ما في القلب من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي لا ريب فيه أصلُ الطاعات وأكبرها وأساسها، ولا ريب أنه بحسب قوته يدفع السيئات، يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه، ويدفع ما وقع بالإتيان بما ينافيه وعدم إصرار القلب عليه؛ فإن المؤمن ما في قلبه من الإيمان ونوره لا يجامع المعاصي.

الثالث: العمل الصالح، وهذا شامل لأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان، والحسنات يذهبن السيئات.

الرابع: الاستمرار على الإيمان والهداية والازدياد منها، فمن كمَّل هذه الأسباب الأربعة فليُبشر بمغفرة الله العامة الشاملة؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ ﴾، ولنكتف من قصة موسى بهذه الفوائد، مع أن فيها فوائد كثيرة للمتأملين»[4].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] بدائع التفسير لابن القيم رحمه الله (3 /349).

[2] أي: في أئمة الخير.

[3] وهذا اللين إنما يكون في بداية الدعوة حتى يفهم المدعو ما يراد تبليغه إياه، فإذا ظهر منه العناد والاستكبار تعين الإغلاظ عليه بالحق، كما قال موسى لفرعون: ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102].

[4] مجموع فتاوى الشيخ عبدالرحمٰن بن سعدي (3 /217-225) باختصار وتصرف.