فتاوى صالح الفوزان في الحج(1)

ادارة الملتقى الفقهي






فتاوى صالح الفوزان في الحج

س218- ما معنى قوله تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة: آية 197 ]؟ والآية الثانية: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج: آية 28 ]؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ]؟ أفتونا مأجورين؟
يقول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... } الآية [ سورة البقرة: آية 197 ] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الميقات الزماني للحج، وهو شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، فمن أحرم في هذه الفترة فقد أحرم في أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالحج بإجماع المسلمين، ويجب عليه أن يتجنب الرفث – وهو الجماع – ودواعيه؛ لأن ذلك محرم على المحرم، والفسوق وهو المعاصي، وإن كانت المعاصي محرمة على المؤمن دائمًا إلا أنها يشتد تحريمها وإثمها في حالة الإحرام، والجدال وهو المخاصمة؛ لأن المخاصمة تفضي إلى أمور محذورة من الأقوال والأفعال، وتوغر الصدر، وتشغل عن طاعة لله سبحانه وتعالى، فلهذا نهى عنها، إذا كان الجدال لأجل إحقاق حق وإبطال باطل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة النحل: آية 125 ] ، ويقول: { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة العنكبوت: آية 46 ] أما إذا كان الجدال لغير بيان الحق ودحض الباطل فإن المسلم منهي عنه في كل أحواله، ولا سيما في حالة الإحرام، هذا ملخص معنى الآية الكريمة.
وأما قوله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج: آية 28 ] ، فإنه يبين سبحانه وتعالى الحكمة في مشروعية الحج أي ليحضروا هذه المنافع في الحج، وهي منافع دينية ومنافع دنيوية، ولم يحددها الله سبحانه وتعالى، لأنها كثيرة، وهذا دليل على أن الحج فيه خيرات كثيرة ومنافع عظيمة للمؤمن في دينه ودنياه.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ] فمعناه أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم من أركان الحج مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/77 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/163 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1258 ) ، كلهم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، لأن الدعاء من أعظم أنواع العبادة، وليس معنى ذلك أن الوقوف بعرفة هو الحج كله، بل هناك أعمال أخرى للحج أركان وواجبات له وسنن، ولكن هذا من باب بيان أهمية الوقوف بعرفة، وأنه هو الركن الأعظم من أركان الحج، والله أعلم.
س219- ما معنى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ: " لتأخذوا مناسككم.. " من حديث جابر رضي الله عنه ]؟ وما هي صفة حجة الوداع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟
فمعناه وجوب اقتداء الحاج بالنبي صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج بأن يتعلم أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي فعلها في الحج وأقواله، ويقتدي به في ذلك، يعني تعلموا مني أحكام حجكم وعمرتكم فافعلوا مثل ما أفعل، وهذا خطاب لمن كان معه، ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فيجب على كل حاج أو معتمر أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك، من كان معه من الصحابة فإنهم يشاهدونه ويرونه عليه الصلاة والسلام ويتابعونه، ومن يأتي بعده فإنه يعمل بالأحاديث الصحيحة الواردة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمها ويعمل على موجبها، وإن كان لا يستطيع ذلك فإنه يسأل أهل العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه وليبينوا له، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ: " لتأخذوا مناسككم.. " من حديث جابر رضي الله عنه ] ، فهذا دليل على أن أعمال الحج توقيفية كسائر أنواع العبادة، فإنها توقيفية لا يقدم على شيء منها إلا إذا ثبت في الكتاب والسنة أنه مشروع، وأنه عبادة.
أما صفة حجة الوداع فوصفها يطول، ولكن على القارئ أن يراجع الأحاديث التي وردت في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها حديث جابر الحديث المشهور الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها (4).
س220- ما هي علامات الحج المقبول؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله كل خير؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/198 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والحج المبرور هو الحج الذي تقبله الله سبحانه وتعالى، وعلاماته كثيرة منها:
أن يكون نفقة الحج من كسب حلال؛ لأن النفقة عليها مدار عظيم في حياة المسلم، ولا سيما في الحج، بل ورد أن الإنسان إذا حج من مال طيب أنه ينادي مناد: ( زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور ) وعلى من كان حج من مال خبيث فإنه ينادى: ( لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور ) (5)، أو ما هذا معناه.
فمن علامات الحج المبرور أن يكون من نفقة طيبة وكسب حلال، ومن علامات الحج المبرور أن يوفق الإنسان فيه لأداء مناسكه على الوجه المشروع وعلى المطلوب من غير تقصير فيها، وأن يتجنب ما نهاه الله عنه في أعمال الحج، ومن علامات الحج المبرور أن يرجع صاحبه أحسن حالاً في دينه مما كان قبل ذلك، بأن يرجع تائبًا إلى الله سبحانه وتعالى، مستقيمًا على طاعته، ويستمر على هذه الحالة، فيكون الحج منطلقًا له إلى الخير منبهًا له إلى تصحيح مساره في حياته.
س221- ما المراد بالحج المبرور؟ وما الأيام المعلومات؟ ومال المراد بالرفث والفسوق والجدال؟
الحج جهاد في سبيل الله، ينفق فيه المال ويتعب فيه البدن، ويترك من أجله الأولاد والبلاد إجابة لداعي الله وتلبية لندائه على لسان خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال الله له: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج: الآيات 27-29 ].
ونحن الآن في أشهر الحج التي جعلها الله ميقاتًا للإحرام به والتلبس بنسكه، قال تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [ سورة البقرة: الآية 197 ].
يخبر تعالى أن الحج يقع في أشهر معلومات وهي شوال، وذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى: { مَّعْلُومَاتٌ } [ سورة البقرة: الآية 197 ] ، لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما.
وقوله تعالى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } [ سورة البقرة: الآية 197 ] معناه: من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضًا عليه يجب أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً قبل الإحرام.
فإن الإحرام به يصيره فرضًا عليه لا يجوز له رفضه، وقوله تعالى: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة: الآية 197 ] بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يتجنبه حال الإحرام بالحج وتصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه.. من ( الرفث ): وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية.
والفسوق: وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام.
والجدال: وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة، لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله، والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورًا.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ، ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } [ سورة البقرة: الآية 197 ] ، وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصًا في أيام الحج، وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيها أكثر من غيرها، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة فيما سواه من المساجد.
س222- هناك من يرتكب بعض البدع والشركيات في الحج؟ هل يؤثر ذلك على حجه؟
الشرك الأكبر يبطل الحج وغيره من الأعمال ويخرج صاحبه من الملة، كالذي يدعو الأموات من الأولياء والصالحين ويستغيث بهم ويذبح لهم، فهذا حجه باطل حتى يتوب إلى الله ويخلص العبادة له، قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ سورة البينة: آية 5 ] ، وقال تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة: آية 196 ] يعني: خالصين لوجهه ليس فيهما شرك ولا دعوة لغيره، والحاج حينما يلبي يقول: ( لبيك لا شريك لك ) ، فهو يعلن التوحيد، ويتبرأ من الشرك، فيجب عليه أن يحقق القول بالعمل، وأما البدع فإنها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126 ) بنحوه، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319، 320 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/97 ) ، كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ] ، وعمل المبتدع مردود عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/156 ) ] أي: مردود عليه لا يقبل منه شيء وهو آثم فيه غير مأجور.
س223- ما الحكم إذا قضى الإنسان فريضة الحج بالدين فهل تقبل حجته؟ علمًا بأنه يسدد الدين مباشرة بعد قضائه الفريضة؟ أفيدونا وفقكم الله.
قال الله سبحانه وتعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران: آية 97 ] ، والسبيل هو الزاد والراحلة، يعني: أن يتوافر له النفقة الكافية في حجه، والنفقة الكافية أيضًا لأولاده ومن يعوله إلى أن يرجع، ولا يجب على من ليس له القدرة المالية حج، ولا يستدين لأجل ذلك؛ لأنه لم يوجب عليه الله سبحانه وتعالى شيئًا وهو مثقل نفسه بالدين ويتكلف لشيء لم يلزمه، والله سبحانه وتعالى يقول: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ سورة البقرة: آية 185 ] ، فليس من الشرع أن يستدين الإنسان ليحج، ولكن مادام أنه فعل هذا واستدان وحج، فإن حجته صحيحة ويجب عليه سداد الدين، والله سبحانه وتعالى يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.
س224- هل يصح الحج لمن عليه دين وكذلك العمرة؟ وهل تصح العمرة قبل الحج أو الحج أولاً، أفيدونا بذلك مأجورين؟
أما من عليه دين فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، فإذا كان من عليه دين ليس عنده ما يكفي للحج ولسداد الدين فإنه يقدم سداد الدين ولا يجوز له أن يحج إلا إذا أذن له صاحب الدين بذلك، وفي هذه الحالة لا يجب عليه الحج، لأن الحج إنما يجب على المستطيع وهذا غير مستطيع، أما إذا كان في ماله سعة يتسع للدين وللحج، فلا بأس أن يحج لكن بشرط أن يوثق للدين ما يسدده ويؤمن له من المال ما يسدده، والله تعالى أعلم، ولا مانع من أداء العمرة قبل الحج فيعتمر قبل الحج إما عمرة يتمتع بها إلى الحج في أشهره أو عمرة يؤديها في أي وقت من السنة لا مانع من ذلك أن تكون العمرة قبل الحج.
س225- ماذا يجب على إنسان يريد الحج لأول مرة؟ وبما تنصحونه؟
يجب على الإنسان الذي يريد الحج لأول مرة أن يؤدي الحج على الوجه المشروع، وأن يصحب أناسًا من أهل الخير يعينونه على طاعة الله ويبصرونه بمناسك الحج إذا كان يجهلها، لأن الذي يحج لأول مرة يخفى عليه بعض أعمال الحج أو غالبها، فهو بحاجة إلى من يبين له، فيختار من الرفقة من يكون صالحًا لذلك.
س226- إذا ارتدى الحاج ملابس الإحرام ونوى الحج والعمرة ما هي الأعمال التي يجب عليه القيام بها؟
إذا نوى الدخول في الحج والعمرة معًا من بداية الإحرام أو نوى العمرة أولاً، ثم نوى الحج وأدخله عليهما فإنه يكون بذلك قارنًا بين الحج والعمرة، بمعنى أنه أحرم بنسكين معًا، أو أنه أحرم بنسك العمرة وأدخل عليه نسك الحج، فصار قارنًا، والذي يلزمه من العمل هو أن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة فإنه يطوف طواف القدوم وهو سنة، ثم إن سعى بعده سعي الحج والعمرة مقدمًا فلا بأس بذلك، ثم يبقى على إحرامه إلى أن يأتي يوم عرفة ويخرج لعرفة ويقف بها ويؤدي مناسك الحج بوقوف عرفة والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وحلق رأسه أو تقصيره، ثم طواف الإفاضة والسعي بعده إذا لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم، ويلزمه ذبح هدي التمتع؛ لأنه جمع بين نسكين.
س227- إذا نويت الحج فقط فماذا يجب عليَّ؟
إذا نوى الحج فقط فإنه يعتبر مفردًا ويبقى على إحرامه حتى يؤدي مناسك الحج، لكن المفرد ليس عليه هدي، لأنه لم يجمع بين نسكين، وإنما نوى نسكًا واحدًا فقط، فليس عليه هدي واجب، والأحسن للقارن والمفرد أن يفسخ نية الإفراد ونية القران إلى نية التمتع، فإذا وصل إلى مكة فإنه يُحوَّل إحرامه إلى عمرة بأن يطوف ويسعى، ويقصر من رأسه ويحلل من إحرامه، فإذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن أحرم بالحج وأدى مناسك الحج فيكون أدى العمرة أولاً، ثم بعد ذلك أدى الحج بعدها، ويكون عليه فدية، هذا هو الأفضل والأكمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أحرموا معه ولم يسوقوا الهدي، أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة (6)، فدل ذلك على استحباب فسخ نية الحج إلى العمرة، هذا هو الأفضل والأكمل.
س228- ذهبت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أعمل عمرة ولم يكن عندي علم بأن ذلك حرام أو حلال، وكان ذهابي إلى مكة المكرمة عبارة عن زيارة لأحد أقاربي هناك، الرجاء أفيدوني ماذا أفعل جزاكم الله خيرًا؟
الحج والعمرة واجبان على المسلم المستطيع في العمر مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، وليس على المسلم شيء في دخوله إلى مكة بدون إحرام إذا لم يكن قاصدًا الحج أو العمرة، لكن من لم يسبق له أن حج أو اعتمر وجاء إلى مكة فإنه قد سنحت له الفرصة لأداء نسكه فيجب عليه المبادرة بذلك، وإذا لم يفعل فإنه يأثم ويبقى الواجب في ذمته.
س229- توجهت إلى مكة المكرمة بنية أداء العمرة وكان طريقي على ميقات أهل اليمن وحينما أردت الإحرام من الميقات لم أجد ماء أتوضأ أو أغتسل به، فتعديت الميقات وأحرمت من بعده بعد أن وجدت الماء، فهل عليَّ شيء في هذا؟ وهل يشترط التطهر للإحرام سواء بالوضوء أو بالاغتسال؟
إن التطهر للإحرام لا يشترط، وإنما يُستحب الاغتسال قبل الإحرام لإزالة العرق والأوساخ والروائح الكريهة إذا أمكن، أما إذا لم يمكن أو لم تجد ماء أو حتى لو وجدت ماء فليس هذا بواجب، ولا يجوز لإنسان أن يتجاوز الميقات بدون إحرام بحُجة أنه لم يجد ماء كحالتك التي ذكرت، فإنك أخطأت في هذا؛ فالواجب على من مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات ولا يتجاوزه بدون إحرام، وعدم وجود الماء ليس بعذر كما ذكرنا، وما فعلته بأنك تجاوزت الميقات وأحرمت بعده، فهذا خطأ، وقد تركت واجبًا من واجبات النسك فعليك فدية، فدية جبران، بأن تذبح شاة توزعها على فقراء الحرم، وإحرامك صحيح.
س230- يقول السائل: أتمنى في هذه السنة أن أؤدي فريضة الحج إن شاء الله، وحيال هذا الأمر كان لابد أن أقرأ عن فريضة الحج فبخصوص ميقات أهل العراق قرأت في كتاب أنه على الحاج المسافر إلى السعودية بالطائرة يجوز له أن يحرم من مدينة جدة ولما كنت أنوي زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنويت الزيارة أولاً وأيضًا أحرم من ميقات أبيار علي، ولكن لو وصلت إلى جدة يوم الثامن والعشرين من ذي القعدة ولم أتمكن من الزيارة قبل الحج، فبهذا لا يصبح أمامي سوى الإحرام من جدة ومررت على ميقات الحديبية ولبَّيْتُ عندها وأنا متجه من جدة إلى مكة المكرمة فأعود مرة أخرى بشأن الكلام الذي قرأته في هذا الكتاب وهو أنه على من أراد الحج بالطائرة فعليه أن لا يتجاوز الميقات وهو أمام إحدى ثلاث: إما أن يحرم من بيته أو يحرم من المطار ( مطار بلد الحاج ) ، أو يحرم بالطائرة في الميقات أو موازيًا للميقات إن كان الأمر غير صعب.
وسؤالي هل لو أحرمت من الحديبية بعدما وصلت إلى مطار جدة أكون بذلك قد تجاوزت ميقات الإحرام؟ وماذا عليَّ فعله بعد ذلك؟ وإذا كان ذلك تجاوزًا للميقات فما هي الكفارة وما هي كيفية القضاء؟
من قدم في الطائرة يريد الحج فإنه يحرم إذا حاذى الميقات الذي يمر به في الجو في طريقه ولا مانع أن يتهيأ للإحرام قبل ركوب الطائرة ويعمل السنن التي تفعل قبل الإحرام من الاغتسال والتنظف والتطيب وإعداد الإنسان نفسه للإحرام، ثم إذا قارب الميقات فإنه يحرم من حذائه أو قبله بقليل احتياطًا ويتلبس بالنسك الذي يريد ولا يؤخر الإحرام إلى مطار جدة كما يتوهمه بعض الناس، فإن جدة ليست ميقاتًا إلا لأهلها ولمن نوى النسك منها، ولم يسبق له نيته قبل وصوله إليها.
وبمناسبة ما ذكرت من أنك تريد زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل الحج وتحرم من ميقات أهل المدينة إذا رجعت فهذا عمل جائز، فمن قدم إلى جدة وهو يريد الذهاب إلى المدينة فإنه يحرم من ميقات المدينة إذا رجع منها، ولكنك تذكر أن الزيارة تعذرت في هذا الوقت، وأنك لم يبق أمامك إلا الإحرام للحج، فالواجب في هذه الحالة عليك أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه، وهو جدة، أما تأخير الإحرام إلى الحديبية فهذا خطأ، لأن الواجب أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه ولا تؤخره إلى مكان آخر قريب من مكة فبتأخيرك للإحرام إلى الحديبية تكون قد أحرمت بعد الميقات بالنسبة لك، فعليك فدية وهي ذبح شاة توزعها على مساكين الحرم سواءً ذبحتها بنفسك أو وكلت من يذبحها عنك، وإذا كنت لا تستطيع الذبح ماليًّا فإنك تصوم عشرة أيام، لأنك تركت الإحرام من المكان الذي يجب عليك الإحرام منه وأخرته إلى مكان دونه مما يلي مكة، والزيارة التي يشرع السفر لها هي زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لا زيارة قبره، فلا يجوز السفر بنية زيارة القبور لا قبره صلى الله عليه وسلم، ولا قبر غيره، فقولك: " كنت أنوي زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم " قول غير صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/56 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فالزيارة التي يسافر لها إنما تكون لأحد المساجد الثلاثة، أما القبور فإنها لا يسافر لأجل زيارتها لا قبور الأنبياء ولا غيرهم، وإنما تكون زيارة القبور بدون سفر، والقصد منها السلام على الميت والدعاء له والاستغفار له والاعتبار بأحوال الموتى هذا القصد من الزيارة الشرعية للقبور، وهذا حكمها أما أن يسافر لأجل قصد زيارة قبر من القبور سواء كان قبر نبي أو ولي أو غير ذلك، فهذا حرام؛ لأنه من وسائل الشرك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسائل التي تؤدي إلى الشرك وخص السفر لزيارة المساجد الثلاثة، وإذا زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى فيه فإنه يزور قبره تبعًا لذلك.
س231- يقول السائل: أنا أعمل بمدينة الرياض منذ ثلاث سنوات وفي موسم الحج السابق سافرت بطريق البر أنا وزوجتي إلى جدة والتي كانت حاملاً في ذلك الوقت، والحمل بالنسبة لها كان أمرًا متعبًا، وكانت النية إذا وصلنا إلى جدة بالسلامة وكانت صحة زوجتي تتحمل مشاق وأتعاب الحج أن ننوي من جدة، وبعد أن وصلنا وسألتها: هل تستطيع أن تؤدي الفريضة؟ فأجابت بالإيجاب، مع العلم أنني أديت فريضتي بعون الله في وقت سابق، فخرجنا للحج من جدة، وأحرمنا مع أهل جدة، ولم نحرم من ميقات أهل الرياض، مع العلم أننا مكثنا يومين في جدة قبل الحج عند أقاربنا، أفيدونا هل بفعلنا هذا هل ارتكبنا مخالفة بالنسبة للإحرام؟ وفي حالة ارتكابنا مخالفة فماذا يجب علينا فعله؟
إذا كان هؤلاء كما ذكر أنهم لم يعزموا على الحج، بل هم مترددون فيه، وقد أوقفوا الأمر على معرفة حال المرأة عند وصولها إلى جدة فإن كانت تستطيع الحج حجوا هذا العام، وإن لم تستطع لم يحجوا فإنه يكون ميقاتهم من المكان الذي عزموا على الحج منه، فما دام أنهم لم يعزموا على الحج إلا في جدة فيكون محل إحرامهم في جدة، أما إذا كانوا قدموا من الرياض إلى جدة يريدون الحج هذا العام فحينئذ لا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام، وإنما يحرمون من الميقات إذا مروا به بالسيارة أو مروا به من الجو يحرمون من محاذاته، ولا مانع أن يذهبوا إلى جدة وهم محرمون، ثم ينزلوا إلى مكة، المهم أن لا يتجاوزوا الميقات بدون إحرام إذا كانوا أنشئوا السفر من الرياض بقصد الحج، ويكون في هذه الحالة على كل واحد منهم دم لتجاوزهم الميقات بدون إحرام، والذبح: ذبح شاة تجزي في الأضحية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم، ومن لم يستطع ذبح هذه الفدية فإنه يصوم عشرة أيام.
س232- لقد قدمت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أحرم من الميقات لأخذ عمرة لعدم قدرتي المادية على شراء الإحرام، فدخلت مكة في ثيابي العادية، وبعد مضي عشرة أيام وأنا في مكة تمكنت من أداء العمرة من مكة، فهل عليَّ شيء في هذا أم لا؟
الواجب على المسلم أن يسأل عندما يحصل له إشكال ولا يعمد إلى رأيه وما يمليه عليه جهله، فلو أنك سألت قبل أن تقدم على هذا الشيء لكان هو الواجب عليك، فالمسلم إذا جاء يريد الحج أو العمرة لا يجوز له أن يتجاوز الميقات بدون إحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت قال: ( هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، وأما أنك لا تقدر على شراء ملابس الإحرام، فالإحرام ليس ملابس الإحرام، وإنما هو نية الدخول لنسك، فلو أنك نويت الدخول في النسك ولبيت بالعمرة من الميقات فإنك تكون بذلك أحرمت ولو لم تخلع ملابسك العادية، وإذا كان ليس معك ما تشتري به ملابس الإحرام فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل، فلو أبقيت السراويل عليك وخلعت ما عليك من بقية الثياب وجعلت على أعلا جسدك شيئًا تلفه به لكفى هذا إلى أن تجد ما تشتري به إزارًا ورداءً، أما وقد أخطأت وتجاوزت الميقات بدون إحرام، ثم أحرمت من مكة، فإن إحرامك صحيح أيضًا، إلا أنه ناقص، لأنك تركت واجبًا وهو الإحرام من الميقات فيكون عليك فدية أن تذبح شاة، أو تأخذ سبع بدنة أو سبع بقرة وتوزعه على فقراء الحرم فإن لم تجد فإنك تصوم عشرة أيام، والله أعلم.
س233- أنا رجل مقيم في مدينة الرياض ولي أقارب في مدينة جدة وأنوي أداء العمرة مرورًا بأقاربي في جدة لزيارتهم، فهل عليَّ أن أحرم من جدة أم أن أحرم من الميقات وأبقى على إحرامي في جدة حتى لو مكثت بها عدة أيام؟
إذا سافرت تريد العمرة من الرياض، وكان لك أقارب في جدة تريد المرور بهم وزيارتهم، فالواجب عليك أن تحرم من الميقات بأن تحرم من السيل ( قرن المنازل ) ، أو ما يوازيه، ولا بأس أن تمر بأقاربك وأن تزورهم وأنت محرم وتبقى في إحرامك، ثم إذا انتهت زيارة أقاربك فإنك تذهب إلى مكة تؤدي مناسك العمرة، وإن ذهبت إلى مكة من أول وهلة، وأديت العمرة وحللت من إحرامك، ثم ذهبت إلى أقاربك فلا بأس، بل تكون المبادرة بالعمرة أحسن، فالمهم ألا تتعدى الميقات إلا وأنت محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم في هذه المواقيت: (.. هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة.. ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ].
س234- ما هي الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة؟
الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة أنه يجب على الذكر أن يتجنب لبس المخيط حالة إحرامه، ويقتصر على لبس الإزار والرداء، ويخلع جميع أنواع المخيطات عن جسمه، ويحرم على الذكر أيضًا تغطية رأسه بملاصق من عمامة أو غيرها من الملابس التي توضع على الرأس، بل يكون رأسه مكشوفًا طيلة إحرامه، ويحرم على المرأة تغطية وجهها في البرقع أو النقاب، ويحرم عليها تغطية يديها بالقفازين، ويجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب بغير البرقع وبغير النقاب، بل تغطيه بثوبها أو خمارها، وكذلك تغطي كفيها بثيابها لا بالقفازين – وهما الجوارب المنسوجة أو المخيطة على قدر الكفين – ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب في حالة الإحرام، وكذلك يحرم عليهما إزالة الشعر من الرأس أو من جميع أجزاء الجسم في حالة الإحرام، ويحرم عليهما تقليم الأظافر، ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام الصيد لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [ سورة المائدة: آية 95 ] ، فلا يجوز له الاصطياد وهو محرم أو الإعانة على الاصطياد بقول أو فعل، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى الجماع ودواعيه، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى عقد النكاح، كل هذه تحرم على المحرم وهي ما تسمى بمحظورات الإحرام.
س235- ما الحكم فيمن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام ناسيًا أو جاهلاً هل يلزمه فدية أم لا؟
إذا كان هذا المحظور لا إتلاف فيه مثل الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط فهذا إذا فعله ناسيًا أو جاهلاً وذكر إذا كان ناسيًا أو علم إذا كان جاهلاً، فإنه يتجنب المحظور من حينه ولا شيء عليه.
أما ما كان فيه إتلاف كقص الشعر، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد، فهذا على قولين لأهل العلم:
القول الأول: أنه لا يعذر بالجهل والنسيان، بل يجب عليه به فدية ذلك المحظور، لأنه إتلاف، وإتلاف يستوي فيه عندهم العامد وغير العامد فيها كقتل الخطأ وإتلاف المال يضمنان، ولو كان القاتل والمتلف غير متعمد.
القول الثاني: أنه إذا كان جاهلاً أو ناسيًا فلا حرج عليه في ذلك، أخذ من عموم قوله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ سورة الأحزاب: آية 5 ] ، ومن قوله تعالى في الصيد: { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } [ سورة المائدة: آية 95 ] مفهومه أن غير المتعمد لا شيء عليه، ولعل هذا الرأي هو الصحيح إن شاء الله.
س236- رجل قام بعمرة عن والده في شهر شوال، ثم يريد أن يحج مفردًا عن نفسه، فهل عليه هدي؟ وإذا كان عليه هدي فما الحكم إذا رمى جمرة العقبة وقصر وتحلل قبل ذبح الهدي؟
إذا كان أدى العمرة في شوال وانتظر الحج حتى أحرم به في عامه فإنه يكون متمتعًا، ويجوز في التمتع أن تكون العمرة عن شخص والحج عن شخص آخر، ويجب أن يهدي المتمتع في حق غير المكي، وإذا رمى الحاج الحجر يوم العيد وحلق رأسه أو قصر ولو لم يذبح هديه فإنه يكون قد تحلل التحلل الأول الذي يبيح له ما حرم عليه بالإحرام إلا الاستمتاع بزوجته حتى يطوف طواف الإفاضة، فذبح الهدي لا دخل له في التحلل.
س237- هل يشترط في وجوب دم المتمتع ألا يخرج من مكة بعد العمرة؟
الخروج من مكة إذا كان قريبًا فإنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إذا كان دون مسافرة قصر، أما إذا كان مسافة قصر فأكثر فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إلا إذا رجع إلى بلده، ثم سار من بلده وأحرم بالحج في هذا العام، فهذا لا يعتبر متمتعًا، لأن سفره إلى بلده فصل بين الحج والعمرة في أن تكون العمرة بسفر مستقل والحج بسفر مستقل، فلا يكون عليه هدي في هذه الحالة.
س238- لو وكل رجل عنه رجلاً مكيًّا ليحج عنه فهل يجب على هذا الوكيل المكي الإحرام من ميقات أهل اليمن أم يحرم من مكة؟
الأكمل – وخروجًا من الخلاف – أنه إذا كان الحج فريضة وعجز عن مباشرته بنفسه أن يوكل من يحج عنه من بلده هذا هو الأفضل، وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك عليه، وقالوا: إن المنوب عنه يجب عليه الحج من بلده، وكذلك النائب عنه.
س239- هل يجوز لمسلم أن يحج أو يعتمر عن والديه وهما على قيد الحياة؟
في المسألة تفصيل: أما الحج الواجب والعمرة الواجبة كحجة الإسلام وعمرة الإسلام فهذا لا يجوز أن يُناب عن الحي فيهما إلا إذا كان عاجزًا عجزًا لا يستطيع أداء الحج أو العمرة بصفة دائمة، فهذا الحج عنه كالمريض مرضًا مزمنًا لا يستطيع معه الركوب للحج وأداء أعمال الحج، أو الكبير الهرم بدليل الحديث أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن والدها أدركته فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع الثبات على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( حجي عن أبيك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/167 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/241-243 ) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ].
أما حج النافلة فالأمر فيه واسع، فلا بأس أن يفعل عنه الحج وإن كان مستطيعًا عند جماعة من العلماء.
س240- نويت أداء العمرة لأخي الأكبر حيث إنه متوفى، فأريد أن أعرف هل هذا العمل من الأعمال الدينية التي تصل للميت؟
نعم، لأن هذا شيء طيب، أداؤك العمرة عن أخيك المتوفى سواء كانت واجبة أو مستحبة، فهذا عمل جليل، ولكن بشرط أن تكون أديت عمرة الإسلام عن نفسك أولاً، والله أعلم.
س241- هل يجوز لي أن أؤدي العمرة عن زوجتي وهي على قيد الحياة؟
النيابة في العمرة أو في الحج عمن هو على قيد الحياة فيها تفصيل، إن كان الحج فريضة أو العمرة فريضة فإنه لا تجوز النيابة فيهما إلا عند عجز المنوب عنه مباشرتهما بنفسه، إما لهرم وكبر، وإما لمرض مزمن لا يستطيع معه القيام بالحج أو العمرة ولا ينتظر منه ذلك، حينئذ يوكل من يؤدي عنه حجة الإسلام وعمرة الإسلام، لأنه تعذر أداؤه لهما، فينيب من يحج عنه أو يعتمر، أما مادام ينتظر منه أن يباشر ذلك بنفسه فإنه لا يجوز له أن يوكل في حجة الإسلام وعمرة الإسلام، أما النافلة في الحج والعمرة حج النافلة أو عمرة النافلة فالأمر فيهما واسع إذا وكل فيهما فلا حرج في ذلك، وإن كان الأولى بل الواجب عند بعض العلماء أن يباشر الحج والعمرة لنفسه إذا كان قادرًا ولو كان ذلك نافلة، والله أعلم.
س242- والدي شيخ كبير في السن وكفيف البصر هل يجوز لي أن أحج عنه؟ أرشدوني وفقكم الله إلى سواء السبيل؟
إذا كان والدك كبيرًا وهو لا يستطيع الذهاب إلى الحج للكبر فإنه لا بأس أن تحج عنه بشرط أن تكون قد أديت فريضة الإسلام عن نفسك أولاً، أما إذا كان والدك لا يمنعه الكبر من الذهاب إلى الحج بأن كان عنده بقية من القوة يستطيع بها أن يذهب إلى الحج بنفسه فإنه يجب عليه أن يحج بنفسه إذا كانت عنده الاستطاعة المالية أو أنت تريد أن تساعده بالمال للقيام بالحج أو العمرة.
س243- لي والدة تبلغ من العمر أربعين عامًا ولم تؤد فريضة الحج، وذلك لعدم استطاعتها على القيام من ألم في قدميها منذ طفولتها، هل يجوز لي أن أحج عنها؟ وهل عليها إثم بتأخيرها الحج إلى هذا الوقت؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
إذا كانت والدتك لا تستطيع القيام لمرض في قدميها من الصغر وهي مقعدة لا تستطيع المشي والقيام، فإن كان يمكن أن تحج معكم ويطاف بها محمولة، ويسعى بها محمولة، وترموا عنها الجمار، وتقف معكم في عرفات وفي مزدلفة ومنى، فإنه يتعين ذلك، أما إذا كانت لا تستطيع أن تحمل في الطريق إلى الحج فحينئذ يعتبر هذا مرضًا مزمنًا فيجوز لها أن توكل من يحج عنها بشرط أن يكون الوكيل قد أدى حجة الإسلام عن نفسه أولاً.
س244- والدتي متوفاة، وأنا الآن متوجه لأداء فريضة الحج عنها، فما الحكم؟ وهل يجوز أن أحج بعد هذه المرة أم لا؟
لا بأس بذلك بشرط أن تكون قد حججت عن نفسك حجة الإسلام، فإن لم تكن حججت عن نفسك فابدأ بنفسك أولاً، ثم إذا كان في العام القادم أو ما بعده فإنك تحج عنها إن أمكنك ذلك، وذلك من برها والإحسان إليها، وإن أنبت غيرك ممن قد حج عن نفسه وهو تقي ثقة فلا بأس.
س245- هل يجوز تغيير النية للمفرد بعد الطواف والسعي ليصبح متمتعًا؟
لا مانع من ذلك، بل الأحسن أن يتحول من كونه مفردًا إلى كونه متمتعًا، فإذا طاف وسعى يقصر من رأسه ويتحلل ويعتبرها عمرة، ثم يحرم بالحج بعد ذلك ويكون متمتعًا، وهذا يسمى فسخ الحج إلى العمرة، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدما طافوا وسعوا أن يقصروا ويجعلوها عمرة يحرمون بعدها بالحج ليكون متمتعين إلا من كان ساق الهدي، فإنه يبقى على إحرامه (7).
س246- هناك بعض الأخطاء التي تقع في الطواف، ما هي هذه الأخطاء؟
1- كثير من الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرؤها من مناسك، وقد يكون مجموعات منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي، وهذا خطأ من ناحيتين:
الأولى: أنه التزام دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء خاص.
الثاني: أن الدعاء الجماعي بدعة وفيه تشويش على الطائفتين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه وبدون رفع صوته.
2- بعض الحجاج يقبل الركن اليماني، وهذا خطأ، لأن الركن اليماني يستلم باليد فقط ولا يقبل، وإنما يقبل الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبل إن أمكن أو يشار إليه مع الزحمة إليه، والركن اليماني يستلم ولا يقبل ولا يشار إليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تستلم ولا تقبل.
3- بعض الناس يزاحم لاستلام الحجر الأسود وتقبيله، وهذا غير مشروع، لأن الزحام فيه مشقة شديدة وخطر على الإنسان وعلى غيره، وفي فتنة بمزاحمة الرجال للنساء، والمشروع تقبيل الحجر واستلامه مع الإمكان، وإذا لم يتمكن أشار إليه بدون مزاحمة ومخاطرة وافتتان، والعبادات مبناها على اليسر والسهولة، ولا سيما أن استلام الحجر وتقبيله مستحب مع الإمكان، ومع عدم الإمكان تكفي الإشارة إليها، والمزاحمة قد يكون فيها ارتكاب محرمات فكيف ترتكب محرمًا لتحصيل سنة؟!.
س247- هل يجوز الطواف بدون وضوء رغم أنني بدأت الطواف على طهارة وفي أثناء الطواف انتقض وضوئي فلم أستطع التيمم ولا الخروج لإعادة الوضوء؟ إذا كان لا يصح فماذا أفعل الآن؟
من شروط صحة الطواف الطهارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف، فقال: ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/171 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فالطهارة شرط من شروط الطواف، ولا يكفي التيمم كما يقول السائل، بل لابد من الوضوء، لأن الماء متوفر، إلا في حالة العجز عن استعمال الماء لمرض فإنه يتيمم، وإذا بدأ الطواف بطهارة وانتقض أثناء الطواف عليه أن يخرج ويتوضأ ويطوف من جديد، وإذا كان هذا الطواف الذي طافه طواف حج أو عمرة، فعليه أن يرجع إلى مكة ويعيد الطواف وما بعده من سعي وطواف وداع، وعليه أيضًا أن يتجنب جماع زوجته إلى أن يطوف ويسعى، وإن كان قد جامع فإنه يكون عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم.
س248- ما حكم من طاف ستة أشواط حول الكعبة والسابع من داخل حجر إسماعيل، ثم سعى سبعة أشواط وتحلل بعد ذلك؟ فما يجب عليه حتى تكمل حجته أو عمرته؟
هذا يعتبر لم يكمل السبعة الأشواط، لأن الشوط الذي جاء به من داخل الحجر لم يكن مستوفيًا للكعبة فهو لم يكمل الطواف بالبيت، وإذا لم يتم طوافه لم يصبح سعيه كاملاً، لأن السعي يشترط أن يكون بعد طواف صحيح، فيجب عليه أن يعيد الطواف والسعي.
249- امرأة مريضة سعت بعد طواف القدوم، ولكنها لم تستطع إتمام السعي لمرضها، فما الحكم في هذه الحالة؟
المريض إذا شرع في السعي أو في الطواف ولم يستطع إكماله فإنه يكمل به محمولاً، بأن يحمل ويطاف به، وإذا لم يتيسر حمله في هذه الحالة وقطع الطواف أو السعي فإنه يستأنف الطواف والسعي من جديد إن صح في جسمه وقوي على الطواف أو السعي بنفسه أو يطاف ويسعى به محمولاً من جديد، ولا يبني على الأشواط السابقة إذا طال الفصل أو انتقض وضوءه في حالة الطواف.
س250- أنا من إحدى قرى جيزان، وقد ذهبت إلى مكة المكرمة للبحث عن عمل، وفعلاً عملت هناك، واستقررت بها وأخذت أهلي معي، وفي البداية لم تكن والدتي معنا، وقد حضرت إلينا لزيارتنا، وأخذت عمرة ولكنها أثناء العمرة وفي السعي تعثرت في المشي فوقعت على الأرض وأصيبت، فنقلناها إلى المستشفى، ولكنها توفيت على أثر ذلك، وقد أكملت عمرتها تلك نيابة عنها، فهل ما فعلته صحيح أم لا؟ كذلك حججت عنها وقد أديت جميع أركان الحج وواجباته إلا السعي بعد طواف الإفاضة لم أستطع أداءه لعجزي البدني، فأنا أسير على قدمي الواحدة وبدل الأخرى عصا أتكئ عليها، ولم يكن معي من المال ما يكفي لأستأجر عربة، فماذا عليَّ في ذلك؟
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو أن والدتك ماتت قبل إكمال مناسك العمرة، فإنها تكون باقية في إحرامها ولا يكمل عنها النسك الذي أحرمت به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته ومات في عرفة وهو محرم أمر بدفنه بثيابه ونهى عن تغطية رأسه، ونهى عن أن يمس الطيب، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/75 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فدل أن المحرم إذا مات في أثناء إحرامه قبل استكمال مناسك الحج والعمرة فإنه يبقى في إحرامه إلى أن يبعث، وأنه لا يكمل عنه النسك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بأن يكملوا عنه بقية النسك.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو أنك حججت عنها بعد وفاتها من باب البر بها والإحسان إليها، فهذا شيء تشكر عليه ونرجو من الله عز وجل أن يتقبله منك، وأما بالنسبة لترك السعي، فهذا غلط، لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإن كنت قد أحرمت مفردًا بالحج أو قارنًا بين الحج والعمرة وسعيت بعد طواف القدوم فإنه ليس عليك سعي آخر بعد طواف الإفاضة، أما إن كنت متمتعًا أو كنت قارنًا أو مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم فإن السعي باق عليك، فيجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة فإنك تذبح شاة دم جبران توزعه على فقراء مكة وإذا أردت العودة إلى بلدك فإنك تطوف للوداع.
س251- ما هي أقصر مدة للإقامة في منى لمن يريد التعجيل بالسفر؟
أقصر مدة للإقامة بمنى في أيام الحج هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر؛ يومان بعد العيد، وهذا هو التعجل، والأكمل أن يبقى اليوم الثالث عشر وهذا هو التأخر، قال تعالى: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى } [ سورة البقرة: آية 203 ] ، فالتعجل معناه أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس؛ هذا التعجل، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، والله أعلم.
س252- لو كان لي عمل يلزمني حضوره مثلاً في جدة أثناء أيام الحج التي يلزم فيها المبيت بمنى، فهل يجوز لي أن أذهب لقضاء عملي ذلك ثم أعود إلى منى للمبيت فقط؟ وما هو الوقت الذي يشمله المبيت من الليل؟

نعم يجوز لك أن تذهب إلى قضاء حاجتك في جدة أو غيرها، لأنها تعتبر قريبة في النهار أيام منى، ثم ترجع بالليل وتبيت بمنى، وإن كان البقاء في منى ليلاً ونهارًا في هذه الأيام أفضل، ولكن المتعين والواجب هو المبيت بها، أما النهار فيجوز لك أن تذهب لحاجتك وترجع لتبيت فيها، أما الوقت الكافي من المبيت لمن كان بمنى من أول الليل إلى نصف الليل فإذا بتَّ في منى إلى منتصف الليل، ثم خرجت بعد منتصف الليل منها فلا مانع من ذلك.