العمل الإسلامي واقع وآفاق

سارة بنت عبدالمحسن آل جلوي


يمر العالم الإسلامي اليوم بأوقات حرجة، ويعيش لحظات حاسمة في تاريخه، تقف به على مفترق طرق.. طريق يقوده إلى استعادة مجده، والقيام بدوره الحضاري في قيادة الأمم والشهود عليها، وآخر يهوي به في غياهب التيه والتخبط، ويبقيه عالة على الأمم.
وعليه أن يأخذ موقفه، ويختار بين مجد يقدمه له منهجه الرباني الصحيح، وتراثه الإسلامي العظيم.. أو أن يستمر في تجرع انهزاميته وهو يرقب انحسار شهوده الحضاري أمام عالم اليوم.
واختياره يعني تحمله مسؤوليته، والمسؤولية هي موقف يتطلب من الإنسان أن يكون جديراً بحملها.
فمنذ أن يختار المرء موقفاً بعينه، تتحول مسؤوليته إلى فعل متحقق، لا مجرد قدرة على الفعل أو الاختيار فقط.
ومسؤولية الإنسان المسلم أمام نفسه، أو غيره، هي مسؤولية صادرة من مصدر الحكم الأصلي.. وهو الله سبحانه وتعالى، فهي مسؤولية أمام الله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [الصافات:24].
لذا فإن المسؤولية في الإسلام تمتد من الفرد إلى الجماعة، فالأمة، فالناس كافة، في نظام متناسق كامل مترابط، يوحد الجهود، ويحقق الأهداف، من خلال علاقة جدلية بين رعاية الحقوق، وأداء الواجبات. ومن ثم فإن كل لحظة في حياة المسلم تتجسد فيها المسؤولية بصورة ما.
وهنا يتحقق حمل الأمانة التي أشفقت منها مخلوقات الله، وحملها الإنسان:
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب:72].
والإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في حمل الأمانة، والقيام بالمسؤولية، فهما مكلفان شرعاً، ومسئولان قضاءً وديانةً.
{وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
{من عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[النحل:97].
فالإسلام بخطابه العام المتعدد الأبعاد قد أناط بالمسلمين جميعاً رجالاً ونساء مسؤوليات شخصية خاصة مثل: العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والأسرة، وغيرها، ومسؤوليات عامة تتعلق بالمجتمع، وقضايا الأمة، بل ومصير الأمة، مثل:
التربية، والتعليم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد وغيرها من المسؤوليات العامة التي يؤديها كل حسب وسعه وطاقته، وإمكاناته المادية، والنفسية والعقلية، وجعل ميزان ذلك كله التقوى والعمل الصالح، لا الذكورة والأنوثة ومن هنا نقول: إن اختيار الطريق الذي يحكم مصير أمة الإسلام هو مسؤولية في أعناق أبنائها رجالاً كانوا، أو نساء.
ومن منطلق القيام بهذه المسؤولية في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه التيارات الفكرية، والعقدية والأخلاقية، والسياسية، وقوي فيه تدفقها من كل مكان، حتى نازعت المسلم دينه، وقيمه وأخلاقياته، جاهدة في محو ملامح شخصيته الإسلامية المتميزة، وتذويبها في خضم دوامة صراعات لا تنتهي، واستطاعت أن تؤثر في المجتمع المسلم بصورة لا يمكن تجاهلها، أو التقليل من شأنها؛ لأنها أدت إلى اضطرابات سياسية، واجتماعية، وفكرية، وصراعات داخلية أنهكت الأمة ومزقت شملها، وفرقت صفوفها، وغربت أبنائها عن دينهم، وقيمهم، ومجدهم.
أقول: فمن منطلق القيام بالمسؤولية انبعثت حركات الصحوة الإسلامية بتياراتها المختلفة في محاولة صادقة للوقوف في وجه مد تلك التيارات الوافدة، والعودة بالأمة إلى مكانها الصحيح في ظل المنهاج الرباني، ليكون هو الموجه الوحيد لحياتها كلها، وتخليصها من التوتر، والتناقض الذي عاشته ردحاً طويلاً من الزمن، بين قيم إيمانها وواقعها، وماضيها المجيد وحاضرها المهزوم.
وأصبحت الصحوة الإسلامية واقعاً له أثره الواضح في حياة الأمة على الرغم من قلة إمكاناتها، وضعف خبراتها، وكيد أعدائها.
واقع العمل الإسلامي النسوي:
لكن من ينظر إلى ساحة العمل الإسلامي في العصر الحالي، لا يكاد يجد للمرأة المسلمة المثقفة دوراً، على الرغم من أهمية دورها في مثل هذه الأيام الحافلة بأقصى أنواع الصراعات: العقدية، والفكرية، والاجتماعية، والسياسية مع اختلاف تردداتها، وتباين صورها.
وإن كان لها وجود ـ فهو وجود محدود في نطاق ضيق لا يؤثر في تحريك عجلة التغيير الاجتماعي نحو الإسلام إلا شيئاً قليلاً.
فواقعها يتسم بالسكونية وعدم الفاعلية، والغياب المقنع عن ساحة الصراع في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة، ودورها مازال قاصراً وهامشياً، لم يصل إلى المستوى المطلوب من الفاعلية، كما أنه محكوم بالارتجالية وغياب التخطيط.
ولو ألقينا نظرة عامة على ساحة العمل الإسلامي النسوي، نجد أنها متنوعة الاتجاهات وفق طبيعة البلد الذي تتحرك فيه.
إلا أنها بمجموعها تميل إلى الأعمال الخيرية والاجتماعية، مثل جمع التبرعات، وإقامة الأسواق الخيرية، بالإضافة إلى الاهتمام بحفظ القرآن الكريم، وحضور الندوات، والأمسيات الدينية التي تركز على الأمور العقدية، والعبادات، والمواعظ.
وإن كان يلاحظ نجاح التيار الصوفي المعتمد على الروحانيات، والعبادات ونظام المشيخة الصارم في بعض الأقطار الإسلامية.
في حين يتم تفعيل التنظيمات النسائية الإسلامية في العمل السياسي في بعضها الآخر، وإن كان ذلك ضمن نظاق ضيق محدود.
هذه لمحات خاطفة لطبيعة العمل الإسلامي النسوي بشكل عام، وإن كانت لا تقدم لنا صورة واضحة متكاملة ودقيقة؛ لأن تصوير الواقع بشمول ودقة، يحتاج إلى دراسة ميدانية متقصية، وهو أمر لم يتح لي.
إلا أن الأمر الأكيد في ذلك، هو أن العمل النسوي الإسلامي في مجموعه غير منظم، ولا فعال بالإضافة إلى أنه تابع تبعية مطلقة للتنظيمات الرجالية، إذ لا توجد في الغالب تنظيمات نسائية مستقلة، وقد أدت هذه التبعية إلى تعطيل كثير من الطاقات النسائية الفعالة، وجمدت دورها في حدود ما يرسمه لها الرجل في التنظيم التابع له.
وهذا، أدى بدوره إلى الحد من تحركها، وتأهيلها الدعوي، فلم تأخذ دورها كاملاً، ولا مكانها الحقيقي في بناء الأمة، بدليل أنه على الرغم من كثرة أعداد المسلمات الحاصلات على درجات علمية عالية، واللاتي تولين مناصب قيادية، واقتحمن معظم الميادين، إلا أننا نلحظ افتقاد الساحة الإسلامية لوجود زعامات نسائية مؤهلة في ميادين: الدعوة، والفكر، والعلم، والأدب، والتربية.. وغيرها.
وهذا، يدل على عدم نجاح العمل الإسلامي النسوي في إبراز مثل تلك الزعامات، وأنه مازال قاصراً وهامشياً.
فمحاولة الرجل دائماً السيطرة على النساء، وعدم ترك الفرصة لهن للتعبير عن أنفسهن، والتعسف في ممارسة حق القوامة عند الكثيرين جعل العمل النسوي يقاد ويوجه دائماً من قبل الرجل، فهو المفكر، والمخطط، والمنفذ الفعلي.
وزمام الأمر دائماً يكون بأيدي الرجال، مما لا يدع للمرأة مجالاً للبروز، والتعلم من التجربة والممارسة العملية.
حتى قضايا المرأة نفسها تطرح دائماً وتعالج من قبل الرجل، والمرأة مستسلمة منصاعة لذلك كله. فكيف يمكن أن يكون لها دور فعال في حياة المجتمع والأمة، إذا كانت لا تحكم نفسها، ولا فكرها ولا تقدر على تحديد وجهتها، وهدفها..؟
وهذا الوضع فيه إخلال بمسيرة العمل الإسلامي في بناء الفرد، والأمة، والواقع.. إن عجز المرأة عن القيام بدورها له أسباب متعددة، وعوامل مختلفة، أسهم كل منها بدوره في هذا العجز الذي وصل في بعض حالاته إلى السكونية المميتة.. سواء كبر هذا الدور، أم صغر.
فالمجتمع عجز عن أن يمد المرأة بالشروط الضرورية للتوازن الصحيح الذي يشعرها بقيمة دورها في الإسهام ببنائه، فبالإضافة إلى العامل السابق، فهناك الوسائط التربوية التي يتم من خلالها تربية النشء وتثقيفه، وتعليمه.. ومنها:
1- الأسرة: المحضن الأساسي لتلقي الأصول الرئيسة في تحديد ملامح الشخصية، والسلوك، والفكر، والتوجه.
فالأسرة المسلمة لم تهتم بالبناء الفكري، والعقلي، والثقافي، وزرع الأهداف الدينية الواضحة، وتنمية حس المسؤولية في النفس، وبناء الشخصية الإيجابية المتوازنة، البناء الروحي الصحيح، وتأصيل الثقة بالنفس.
ولعل السبب في ذلك هو جهل الأبوين أصلاً بحقائق الإسلام التربوية، وأن شعور المرأة بأنها تسهم في بناء أسرتها، ومجتمعها، وأمتها، يعطيها التوازن الذي يدفعها إلى الحركة.
2- التعليم: بمستوياته جميعها صار همه الأوحد توصيل أكبر قدر من المعلومات والمعارف دون الاهتمام بالجوانب التربوية، التي تغرس الأهداف، وتوجه الميول والطاقات لتحقيق الأهداف، من خلال الربط بين الميول والغايات.
بالإضافة إلى أن تعليم المرأة لا يهتم إطلاقاً بتنمية ملكاتها الخاصة، التي تؤهلها للقيام بدور مستقبلي، من حيث طبيعة المواد والعلوم التي تناسب المرأة وتهيئها لتكون فرداً فعالا منتجاً. وفي الوقت ذاته الصبغة العلمانية البحتة التي لا تساعد على تكوين المعاني الربانية، والتي قال عنها محمد إقبال في وصفه للمدرسة الحديثة: إنها قد تفتح أعين الجيل الجديد على حقائق ومعارف، لكنها لا تعلم عينه الدموع ولا قلبه الخشوع.
3- التقاليد: إن كثيراً من التقاليد التي تحكم حياة المسلمين وبيوتهم لم توزن بميزان الإسلام، بل إنها تحكمت في حياة الناس، وحكمتهم وحلت محل التعاليم الإسلامية الصحيحة واستطاعت أن تهمس دور المرأة، وتقلل من مكانتها، حتى كادت تبعدها كلياً عن المشاركة في بناء صرح الأمة الإسلامية، بل إنها ألغت الكثير من حقوق المرأة التي قررها لها الإسلام، وجعلت تلك الحقوق حبيسة كتب الفقهاء، وأدمغة المشايخ والدعاة. مع أن تلك الحقوق والمكانة لم تكتسبها المرأة من الظروف، وإنما هي منحة إلهية، وتشريع رباني.
4- النظرة الخاطئة.. التي تنظر بها المرأة إلى نفسها، وإلى دورها، وإلى قدرتها، كانت سبباً رئيساً في عرقلة حركة المرأة، بل ووقف حركتها، وتسليمها إلى السكونية المميته.
وهذه النظرة غالباً ما تكون متخفية في أعماق المرأة، بصورة دقيقة عميقة، لا تشعر بها عقلها الواعي، وإن حكمت تصرفاتها وحركاتها الخارجية.
5- الإعلام.. بوسائله المختلفة: المسموعة، والمقروءة، والمرئية. قد تجاهل عامداً دور المرأة المسلمة في بناء الأمة، ومكانتها فيها. وكان تركيزه الكلي على تنمية الجوانب المظهرية، والشؤون المنزلية، بل إنه أسهم إلى حد كبير في التقليل من شأنها ودورها، حين قدمها بصورة مبتذلة عابثة، في محاولة منه لتذويب شخصيتها الإسلامية، وخلعها من دينها، وقيمها، وأخلاقياتها، ومبادئها، وأصالتها، وتحويلها إلى صورة مشوهة مهزوزة للمرأة الغربية، مع الفارق الثقافي، والتفاعل الإيجابي. وعمل على إقصاء المرأة المسلمة عن حقائق دينها بهجومه الخبيث على قيم الإسلام المتعلقة بالمرأة، فكان له كبير الأثر في تمردها على قيم دينها، وفتنتها بالغرب.
هذا هو واقع المرأة المسلمة بشكل عام، والعمل النسوي الإسلامي بشكل خاص.
فكيف يمكن أن تقوم المرأة المسلمة بدورها في المشاركة الإيجابية الفعالة لتحقيق النهضة الإسلامية المعاصرة، وبناء جيل إسلامي واع مثقف مؤهل لتحمل المسؤولية العظيمة في إعادة بناء صرح هذه الأمة.
إن هذا يقتضي أن تؤهل المرأة المسلمة تأهيلاً خاصاً يتناسب مع عظم دورها، وحقيقة مكانتها.
والتأهيل يستلزم الإعداد المسبق من خلال برامج وآليات خاصة تهتم ببناء الشخصية المتكاملة، والعقلية الواعية المستقلة، والعلم الصحيح وغيرها من متطلبات التأهيل المدروس الأهداف، المحدد الملامح، المطبق عمليا،ً بشكل جماعي منظم.
فالجهود الشخصية، أو الفردية، أو الوقتية، لا تكيف لتأهيل المرأة المسلمة، وترشيد العمل النسوي لدور مرتقب.
بل لا بد لهذا التأهيل أي يبدأ من الأسس الأولى، ويكون تأهيلاً متأملاً في مناحي الحياة جميعها، حتى لا يحدث تشتت فكري، أو اضطراب نفسي، أو توزع قلبي، أو خلل حركي.
يضاف إلى ذلك وضوح الرؤية، وتحديد الهدف، والشعور بقيمة الدور وأهميته، وأن يتأصل ذلك كله في النفس، والفكر، والوجدان.
وهذا، ما نفقده في كثير من النساء المسلمات، وبخاصة الطبقة المتعلمة والمثقفة التي تتولى تربية الأجيال.
لأجل هذا فلا مناص من التأهيل؛ ليكون للعمل النسوي الإسلامي دوره الفعال، وليكون لهذه الصحوة الإسلامية تأثيرها الحقيقي، وهذا يستلزم الخطوات التالية:
الخطوة الأولى:
أن تعي المرأة المسلمة أن لها دوراً حقيقاً فعالاً في بناء المجتمع، والأمة المسلمة، وأن هذا الدور لن يتحقق إلا إذا توفرت فيه العناصر التالية:
1) الوعي الصحيح لمقاصد الدين، وتعاليمه؛ لإيجاد قاعدة إيمانية تعين على الترقي في الالتزام الإسلامي من أدنى إلى أعلى.
2) صدق النية مع الله، وإخلاص العمل.
3) دراسة الواقع المعاصر، نفسياً، وفكرياً، وعملياً، واجتماعياً، وأسرياً لمعرفة مواقع الخلل، ومواطن القصور، والثغرات.
4) معرفة حقيقة الطريق الذي تسلكه، وتفصيلاته، وترتيب خطواته ومراحله.
5) معرفة الوسائل التي تحتاج إليها، والأساليب التي ينبغي إتباعها، واختيار المناسب منها لإصلاح الخلل، وسد الثغرات، وإكمال القصور، بما يتناسب مع طبيعة كل مرحلة، وظروف المكان، والزمان، والإمكانات المتاحة.
6) تحديد الأهداف القريبة، والمستقبلية التي ينبغي الوصول إليها، ووضوحها.
7) معرفة حدود الطاقات النسائية وتجميعها.
8) تحديد ميادين العمل، والتأكد من مدى مساندتها لها.
9) القراءة المكثفة الجادة لفقه النص، وفقه الواقع.
الخطوة الثانية:
البدء بمحاولة تصحيح المفهومات المنحرفة في المجتمع، وبخاصة بين طبقة النساء.. وتنمية الاستعلاء الإيماني الذي يرسخ موقف المرأة المسلمة في معركتين.. معركة التقاليد المنحرفة، ومعركة التقليد للغرب.
الخطوة الثالثة:
تأهيل أكبر عدد من المثقفات المسلمات، علمياً، ودينياً، وعقلياً، وفكرياً، وأخلاقياً، ليكن طليعة إسلامية قادرة على تحريك المجتمع وقيادته.
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُو اْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
الخطوة الرابعة:
وضع مناهج تربوية نسائية تراعي خصوصيات المرأة النفسية، والفكرية، والجسدية، وتكون متسمة بالتكامل، والتدرج، والشمول والواقعية، بحيث تعمل على بناء شخصية المرأة المسلمة الواعية، وتناسب فطرتها وتلبي حاجاتها لمواجهة الحياة المعاصرة بمتطلباتها كلها. وفي الوقت ذاته تتوافق مع مراحل حياتها الفكرية، والنفسية، ومقتضيات الواقع المحيط من حيث: التربية العقلية، والاستيعاب الإيماني، وتعويد العقل على الفهم، والموازنة بين الأمور، وتنمية المواهب.
الخطوة الخامسة:
رسم منهاج سلوكي متنام مستقيم متفق مع شرع الله، ملائم للحياة الإسلامية الصحيحة، والحياة المعاصرة، متفق مع المنهج الفكري، والتربوي، للعمل على تنمية العقيدة الصحيحة، والإيمان الراسخ، والشعور بالمسؤولية، مع البعد عن الغموض والتعقيد.
ولا يكون ذلك إلا من خلال وعي للعلاقة الجدلية بين النص الإسلامي، والواقع الإسلامي، ويتم ذلك الوعي بدراسة تخصصية جادة لفقه النص، وفقه الواقع.
فإن أي محاولة لا تقوم على أساس عقيدة إسلامية صافية، وتفوّق فكري فعّال لن يكون لها أثر؛ ذلك أن اتحاد العقيدة والفكر، هو آلة الدفع الحضاري للعلم الإسلامي، والفصام بينهما هو سبب التدهور والضعف.
الخطوة السادسة:
الموازنة بين الطموح، والإمكانات، وبين ما نسعى إليه، وما نقدر عليه، فلا تتورط النفس في أمور لم تستعد لها، ولم تهيئ لها الوسائل اللازمة.. {فاتقوا الله ما استطعتم}.
الخطوة السابعة:
العمل على تحريك المسلمات كافة للقيام بدورهن، مهما صغر هذا الدور، وفي أي مجال، ومكان، وزمان.
الخطوة الثامنة:
تحديد طبيعة العلاقة بين التنظيم النسوي، وتنظيم الرجال، من حيث التبعية والاستقلال، وفق الظروف المحيطة به، مع توعية الرجل بأهمية دور المرأة في عملية البناء والتغير؛ من أجل تسهيل تحركها ونشاطها، لبناء الأمة من جديد، كما بناها الرعيل الإسلامي الأول في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: "النساء شقائق الرجال". فتعمل النساء إلى جانب الرجال في تحقيق خير أمة أخرجت للناس.
قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110].
الخطوة التاسعة:
العمل على إيجاد مؤسسات إسلامية نسائية عالمية، تتابع صحوة المرأة المسلمة، وتوحد صفوفها، وتنظم حركتها، وتنقلها من الاجتهادات التطوعية الفردية، إلى العمل الجماعي المنظم، من خلال عقد المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات الإسلامية النسائية قطرياً وعالمياً، وفق متطلبات الظروف.
الخطوة العاشرة:
التحرك البصير في جميع شرائح المجتمع، مع التركيز على الشرائح الثقافية المتميزة، من خلال العمل الواعي الجاد في الوصول إلى قلوب النخبة من المثقفات غير الإسلاميات، ومحاولة كسبهن للعمل الإسلامي، وكذلك محاولة الوصول إلى قلوب العامة، وتحطيم الحواجز القائمة والمفتعلة الموجودة بين العمل الإسلامي، وعامة أفراد المجتمع بفعل الظروف الداخلية، والخارجية، وإعادة ولائهم للإسلام من أجل تكوين رأي إسلامي عام يقف وراء الدعوة، ويحبها، ويساندها، ويشد من أزرها.
الخطوة الحادية عشر:
المشاركة الفعالة في الأنشطة الاجتماعية المتنوعة، مع التركيز على النشاطات الطلابية في مراحل التعليم العام، والجامعي، والإسهام المتواصل في الكتابات الصحفية: الأدبية، والثقافية، والتخصصية، والدعوية، وإصدار الكتب الإسلامية التي تعالج قضايا المرأة وتحركها في الاتجاه الصحيح. وقبل ذلك كله.. تغيير ما بداخلنا؛ لأن الخلل الحقيقي يكمن فيه، وتغيير الواقع ما بالنفس، والمجتمع، والأمة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
وما بالنفس هو: الأفكار، والمفاهيم، والظنون، التي هي مصدر العمل، والسلوك.
وختاماً..
عود على بدء، فأعود إلى ما بدأت به.. وهو أن مصير هذه الأمة، واختيار طريق نجاتها، يقتضي منا أن نتحمل المسؤولية، ونقوم بالأمانة، ونؤدي الرسالة، وننتقل من سكونية الواقع وهامشية دورنا فيه، إلى آفاق حركة تربوي تعليمي صحيح، وأهداف واضحة محددة تكون قاعدة لانطلاقة قوية ثابتة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115].
فالفاعلية في الحياة لا تتحقق إلا بالفهم العميق لطبيعة الدور الذي يقوم به الإنسان في هذه الحياة، ووضوح الفكرة التي يؤمن بها، وتحديد الأهداف التي يسعى لتحقيقها، والغايات التي يعمل لأجلها، واستشعاره لمسؤوليته أمام الله، فالوصول يحتم أن تلتقي حركة الإنسان مع هدفه، فإن اختلفت الحركة مع الهدف، أو لم يلتقيا، وجد القلق، والاضطراب، وطال الطريق قال الله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك:22].