فتاوى الحج من مجموع فتاوى ابن تيمية (6-6)

إدارة الملتقى الفقهي

فتاوى الحج من مجموع فتاوى ابن تيمية (6-6)
وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ: هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

{عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
فَأَجَابَ: أَمَّا مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَمُجَاوِرٍ وَقَادِمٍ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي ذَلِكَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَهُوَ التَّنْعِيمُ الَّذِي أُحْدِثَ فِيهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي تُسَمَّى " مَسَاجِدَ عَائِشَةَ " أَوْ أَقْصَى الْحِلِّ مِنْ أَيِّ جَوَانِبِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ " الْجِعْرَانَةِ " أَوْ " الْحُدَيْبِيَةِ " أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَمَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الْعُمْرَةِ الْمَكِّيَّةِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ: بِأَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ أَوْ يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ ثُمَّ يُنْشِئَ السَّفَرَ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ فَهَذِهِ لَيْسَتْ عُمْرَةً مَكِّيَّةً بَلْ هَذِهِ عُمْرَةٌ تَامَّةٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا فِيهَا. وَهَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ: هَلْ الْمُقَامُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْهَا ؟ أَمْ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ أَوْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ ؟ وَسَيَأْتِي كَلَامُ بَعْضِ مَنْ رَجَّحَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لِلطَّوَافِ عَلَى الرُّجُوعِ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْرَهُ لِلْمَكِّيِّ الْخُرُوجُ لِلِاعْتِمَارِ مِنْ الْحِلِّ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ مَنْ تُشْرَعُ لَهُ الْعُمْرَةُ كَالْأُفُقِيِّ فِي الْعَامِ أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ أَمْ لَا ؟. فَأَمَّا كَوْنُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَفْضَلَ مِنْ الْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ عِبَادَةِ أَهْلِ مَكَّةَ أَعْنِي مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مُسْتَوْطِنًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ وَمِنْ عِبَادَاتِهِمْ الدَّائِمَةِ الرَّاتِبَةِ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَمَا زَالَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُكْثِرُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلَاةَ الْبَيْتِ أَنْ لَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَسَائِرُ أَهْلِ السُّنَنِ كَأَبِي داود وَالتِّرْمِذِيّ ِ والنسائي وَابْنِ مَاجَهُ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِخَلِيلِهِ إمَامِ الْحُنَفَاءِ الَّذِي أَمَرَهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى حَجِّهِ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَالْقَائِمِينَ } فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: الطَّوَافَ وَالْعُكُوفَ وَالرُّكُوعَ مَعَ السُّجُودِ وَقَدَّمَ الْأَخَصَّ فَالْأَخَصَّ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يُشْرَعُ إلَّا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَضْلِيلِ مَنْ يَطُوفُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِثْلَ مَنْ يَطُوفُ بِالصَّخْرَةِ أَوْ بِحُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِالْمَسَاجِدِ الْمَبْنِيَّةِ بِعَرَفَةَ أَوْ مِنَى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بِقَبْرِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ دِينًا وَقُرْبَةً عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدِينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى اتِّخَاذِهِ دِينًا قُتِلَ. وَأَمَّا " الِاعْتِكَافُ " فَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ دُونَ غَيْرِهَا وَأَمَّا الرُّكُوعُ مَعَ السُّجُودِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي عُمُومِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ} وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْبِقَاعِ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِوَصْفِ عَارِضٍ كَنَجَاسَةِ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ حُشٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدَّمَ الْأَخَصَّ بِالْبِقَاعِ فَالْأَخَصَّ فَقَدَّمَ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ الْعُكُوفَ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ وَفِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ فِيهَا الصَّلَاةَ الْمَشْرُوعَةَ وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ جَمَاعَةً ثُمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّ مَكَانَهَا أَعَمُّ. وَمِنْ خَصَائِصِ الطَّوَافِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي ضِمْنِ الْعُمْرَةِ وَفِي ضِمْنِ الْحَجِّ وَلَيْسَ فِي أَعْمَالِ الْمَنَاسِكِ مَا يُشْرَعُ مُنْفَرِدًا عَنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ إلَّا الطَّوَافَ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْمَنَاسِكِ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: مِنْهَا مَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَجٍّ: وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَتَوَابِعُهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي بمزدلفة. وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالْإِحْلَالُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. وَمِنْهَا مَا يَكُونُ فِي الْحَجِّ وَفِي الْعُمْرَةِ وَيَكُونُ مُنْفَرِدًا: وَهُوَ الطَّوَافُ وَالطَّوَافُ أَيْضًا هُوَ أَكْثَرُ الْمَنَاسِكِ عَمَلًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لِلْقَادِمِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَيُشْرَعُ لِلْحَاجِّ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ غَيْرُ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الطَّوَافُ فِي أَثْنَاءِ الْمُقَامِ بِمِنَى وَيُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ عُمُومًا. وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ لِلْمَكِّيِّ بِخُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ إلَّا عَائِشَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهِ بَلْ أَذِنَ فِيهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهَا إيَّاهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَأَمَّا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كُلُّهُمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا قَبْلَ الْحَجَّةِ وَلَا بَعْدَهَا لَا إلَى التَّنْعِيمِ وَلَا إلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَلَا إلَى الْجِعْرَانَةِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ الْمُسْتَوْطِنِ ينَ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْحِلِّ لِعُمْرَةِ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ سُنَّتَهُ وَشَرِيعَتَهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ كَانُوا مُقِيمِينَ بِمَكَّةَ مِنْ حِينِ فَتْحِهِ مَكَّةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَخْرَجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْحِلِّ وَيُهِلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَعْتَمِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَطُّ لَا مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَا غَيْرِهِمَا بَلْ قَدْ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ: ثَلَاثٌ مُنْفَرِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ. وَجَمِيعُ عُمَرِهِ كَانَ يَكُونُ فِيهَا قَادِمًا إلَى مَكَّةَ لَا خَارِجًا مِنْهَا إلَى الْحِلِّ. فَأَمَّا عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْ ذِي الحليفة - مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ إنَّهُمْ لَمَّا صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ وَقَاضَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُمْرَةِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ وَصَالَحَهُمْ الصُّلْحَ الْمَشْهُورَ حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالْحُدَيْبِيَ ةِ وَلَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ ذَلِكَ الْعَامَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سُورَةَ الْفَتْحِ وَأَنْزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } الْآيَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ سَنَةَ سَبْعٍ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ عَقِيبَ انْصِرَافِهِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ اعْتَمَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَتُسَمَّى " عُمْرَةَ الْقَضَاءِ " وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ هَذِهِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتْ أَيْضًا فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَكَانَتْ عُمَرُهُ كُلُّهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَوْسَطِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَبَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمَّا اعْتَمَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ أَحْرَمُوا أَيْضًا مِنْ ذِي الحليفة وَدَخَلُوا مَكَّةَ وَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. ثُمَّ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ نَقَضُوا الْعَهْدَ سَنَةَ ثَمَانٍ فَغَزَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ آلَافٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَدَخَلَ مَكَّةَ حَلَالًا عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي دُخُولِهِ هَذَا وَبَلَغَهُ أَنَّ هَوَازِنَ قَدْ جَمَعَتْ لَهُ فَغَزَاهُمْ غَزْوَةَ حنين وَحَاصَرَ الطَّائِفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْتَحْهَا وَقَسَمَ غَنَائِمَ حنين بالجعرانة وَأَنْشَأَ حِينَئِذٍ الْعُمْرَةَ بالجعرانة فَكَانَ قَادِمًا إلَى مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْجِعْرَانَةِ. وَحُكْمُ كُلِّ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ مِنْ مَكَانٍ دُونَ الْمَوَاقِيتِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الحليفة وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يلملم هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا }. فَإِحْرَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَانَ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ الْعُمْرَةَ مِنْهَا وَبَعْدَ أَنْ حَصَلَ فِيهَا لِأَجْلِ الْغَزْوِ وَالْغَنَائِمِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَادِمًا إلَى مَكَّةَ وَلَا خَارِجًا مِنْهَا بَلْ كَانَ مَحِلُّهُ مِنْ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ. وَأَمَّا الْجِعْرَانَةُ فَأَحْرَمَ مِنْهَا لِعُمْرَةِ أَنْشَأَهَا مِنْهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ؛ لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ اثْنَانِ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ بِسِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ. فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَاعْتَمَرَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُنْكَرًا لَا يَقُولُهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَلِطَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ عَلَى الْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ طَوَائِفُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَصِيرِهَا دَارَ إسْلَامٍ إلَّا عَائِشَةَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ مِنْهَا قَبْلَ الْفَتْحِ حِين كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَكَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ إذْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ مَا زَالَ مَشْرُوعًا مِنْ أَوَّلِ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلَمْ يَزَلْ مِنْ زَمَنِ إبْرَاهِيمَ بَلْ وَمِنْ قَبْلِ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِين كَانُوا بِمَكَّةَ مِنْ حِينِ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ إذَا كَانُوا بِمَكَّةَ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ بَلْ كَانُوا يَطُوفُونَ وَيَحُجُّونَ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ وَكَانُوا يَطُوفُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَارٍ كَانَ هَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ لَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْعُمْرَةِ إذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَتَّفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدِهِ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ وِتْرِك الْأَفْضَلِ فَلَا يَفْعَلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْأَفْضَلَ وَلَا يُرَغِّبُهُمْ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا فَرُوِيَ وُجُوبُهَا عَنْ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَرُوِيَ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْأَوَّلُ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. وَالثَّانِي: هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِمَا وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. وَمَعَ هَذَا فَالْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَمَّنْ أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ طَوَافُكُمْ بِالْبَيْتِ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ - أَعْلَمُ التَّابِعِينَ بِالْمَنَاسِكِ وَإِمَامُ النَّاسِ فِيهَا - لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجَبَتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا لِمَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِمَا سَبِيلًا إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ حَجَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ عُمْرَةٌ مِنْ أَجْلِ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ فَأَجْزَأَ عَنْهُمْ. وَقَالَ طاوس لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ عُمْرَةٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَسْتَحِبُّوهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُوجِبُوهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ " الْمُصَنَّف " ثِنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ عَطَاءٌ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ عُمْرَةٌ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْتُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا عُمْرَةَ لَكُمْ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فَمَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ فَلَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامِ قَالَ: فَقُلْت لِعَطَاءِ: أَيُرِيدُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَادٍ مِنْ الْحِلِّ ؟ قَالَ: بَطْنَ وَادٍ مِنْ الْحِلِّ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كيسان سَمِعْت ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يَضُرُّكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ لَا تَعْتَمِرُوا فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ. وَقَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ خَلَفِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَالِمٍ: قَالَ: لَوْ كُنْت مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَا اعْتَمَرْت وَقَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ عَنْ عَطَاءٌ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ عُمْرَةٌ إنَّمَا يَعْتَمِرُ مَنْ زَارَ الْبَيْتَ لِيَطُوفَ بِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ مَتَى شَاءُوا وَهَذَا نَصُّ أَحْمَد فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِمْ مَعَ قَوْلِهِ بِوُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا كَانَ تَحْقِيقُ مَذْهَبِهِ إذَا أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ أَنَّهَا تَجِبُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَعَلَ هَذَا التَّفْرِيقَ رِوَايَةً ثَالِثَةً عَنْهُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْإِيجَابِ يَعُمُّ مُطْلَقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ مِنْهُمْ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَجِّ فَهَذَا خِلَافُ نُصُوصِ أَحْمَد الصَّرِيحَةِ عَنْهُ بِالتَّفْرِيقِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ لَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلَكَانُوا يَفْعَلُونَهَا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُونُوا أَهْلُ مَكَّةَ يَعْتَمِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا بَلْ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَائِشَةَ. وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِلسُّنَنِ إذَا أَرَادُوا ذِكْرَ مَا جَاءَ مِنْ السُّنَّةِ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إلَّا قَضِيَّةُ عَائِشَةَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا دُونَ هَذَا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَوْ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ كُلُّهُمْ بَلْ أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُونَ إلَى الْحِلِّ فَيَعْتَمِرُونَ فِيهِ لَنُقِلَ ذَلِكَ كَمَا نُقِلَ خُرُوجُهُمْ فِي الْحَجِّ إلَى عَرَفَاتٍ وَقَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَهْلُ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجَّةِ وَلَا قَبْلَهَا أَحَدٌ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَا أَهْلُ مَكَّةَ وَلَا غَيْرُهُمْ إلَّا عَائِشَةَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. حَتَّى قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُمَا لَمَّا بَعُدَ عَهْدُ النَّاسِ بِالنُّبُوَّةِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَعْتَمِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا خَافِيًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إمَامِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَأَعْلَمِ الْأُمَّةِ فِي زَمَنِهِ بِالْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ عَطَاءٌ بَعْدَهُ إمَامُ أَهْلِ مَكَّةَ بَلْ إمَامُ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْمَنَاسِكِ حَتَّى كَانَ يُقَالُ فِي أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْأَرْبَعَةِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إمَامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إمَامُ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِبْرَاهِيمُ النخعي إمَامُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إمَامُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْمَنَاسِكِ عَطَاءٌ وَأَعْلَمُهُمْ بِالصَّلَاةِ إبْرَاهِيمُ وَأَجْمَعُهُمْ الْحَسَنُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْمُحِيطِ بِهِ حَرَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ حَتَّى يَكُونَ قَاصِدًا لِلْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ فَيَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى الْقَصْدِ إلَى اللَّهِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ فَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ فَهُوَ قَاصِدٌ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ إلَى الْبَيْتِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِالْحَرَمِ كَأَهْلِ مَكَّةَ فَهُمْ فِي الْحَجِّ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ وَعَرَفَاتٌ هِيَ مِنْ الْحِلِّ فَإِذَا فَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ قَصَدُوا حِينَئِذٍ الْبَيْتَ مِنْ الْحِلِّ. وَلِهَذَا كَانَ الطَّوَافُ الْمَفْرُوضُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَهُوَ الْقَصْدُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْكَعْبَةِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْحَجِّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْحَجُّ عَرَفَةُ} وَلِهَذَا كَانَ الْحَجُّ يُدْرَكُ بِإِدْرَاكِ التَّعْرِيفِ وَيَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ يَوْمِ التَّعْرِيفِ فَحَقِيقَةُ الْحَجِّ مُمْكِنَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ كَمَا هِيَ مُمْكِنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ إذْ مَا قَبْلَ التَّعْرِيفِ مِنْ الْأَعْمَالِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ وَكَانَتْ مُتَمَتِّعَةً أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْقُضَ رَأْسَهَا وَتَمْتَشِطَ وَتُهِلَّ بِالْحَجِّ وَتَدَعَ الْعُمْرَةَ. فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ جَعَلَهَا قَارِنَةً وَأَسْقَطَ عَنْهَا طَوَافَ الْقُدُومِ فَسُقُوطُهُ عَنْ الْمُفْرِدِ لِلْحَجِّ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جَعَلَهَا رَافِضَةً لِلْعُمْرَةِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي سُقُوطِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَعْذُورِ فَعَلَى الْقَوْلَانِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُفْرِدَةً أَوْ قَارِنَةً كَانَ سُقُوطُ طَوَافِ الْقُدُومِ عَنْهَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَوْلَى مِنْ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِهَا. وَهَذَا بِخِلَافِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ {إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حيي قَدْ حَاضَتْ: قَالَ عَقْرَى حَلْقَى أَحَابِسَتُنَا هِيَ ؟ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ: فَلَا إذًا}. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَنْفِرَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَرَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ الْوَدَاعِ. وَمَا سَقَطَ بِالْعُذْرِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا طَوَافُ وَدَاعٍ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَادِمِينَ إلَيْهَا وَلَا مُوَدِّعِينَ لَهَا مَا دَامُوا فِيهَا. فَظَهَرَ أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي أَصْلُهُ التَّعْرِيفُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ فِيهِمْ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَإِنَّ جِمَاعَهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْحَرَمِ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ دَائِمًا. وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَابِعٌ فِي الْعُمْرَةِ وَلِهَذَا لَا يُفْعَلُ إلَّا بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَا يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ لَا فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ. فَالْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ مِنْ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ وَذَلِكَ يُمْكِنُ أَهْلَ مَكَّةَ بِلَا خُرُوجٍ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ وَالْعُكُوفَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَادِمِ إلَى مَكَّةَ وَأَهْلُ مَكَّةَ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمَقْصُودِ بِلَا وَسِيلَةٍ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يَتْرُكَ الْمَقْصُودَ وَيَشْتَغِلَ بِالْوَسِيلَةِ. وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَشْيَ الْمَاشِي حَوْلَ الْبَيْتِ طَائِفًا هُوَ الْعِبَادَةُ الْمَقْصُودَةُ وَأَنَّ مَشْيَهُ مِنْ الْحِلِّ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى ذَلِكَ وَطَرِيقٌ فَمَنْ تَرَكَ الْمَشْيَ مِنْ هَذَا الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْعِبَادَةُ وَاشْتَغَلَ بِالْوَسِيلَةِ فَهُوَ ضَالٌّ جَاهِلٌ بِحَقِيقَةِ الدِّينِ وَهُوَ أَشَرُّ مِنْ جَهْلِ مَنْ كَانَ مُجَاوِرًا لِلْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُمْكِنُهُ التَّبْكِيرُ إلَى الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ فَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ لِيَقْصِدَ الْمَسْجِدَ مِنْهُ وَفَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودَةِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِمَارَ افْتِعَالٌ: مِنْ عَمَرَ يَعْمُرُ وَالِاسْمُ فِيهِ " الْعُمْرَةُ " قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ إنَّمَا هِيَ بِالْعِبَادَةِ فِيهَا وَقَصْدِهَا لِذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ} لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ}. وَالْمُقِيمُ بِالْبَيْتِ أَحَقُّ بِمَعْنَى الْعِمَارَةِ مِنْ الْقَاصِدِ لَهُ وَلِهَذَا قِيلَ: الْعُمْرَةُ هِيَ الزِّيَارَةُ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ الْحِلِّ وَذَلِكَ هُوَ الزِّيَارَةُ. وَأَمَّا الْأُولَى فَيُقَالُ لَهَا عِمَارَةٌ وَلَفْظُ عِمَارَةٍ أَحْسَنُ مِنْ لَفْظِ عُمْرَةٍ وَزِيَادَةُ اللَّفْظِ يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى. وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ {بعض أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَقَالَ آخَرُ: لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَجِيجَ فَقَالَ عَلِيٌّ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قُضِيَتْ الْجُمُعَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ دَخَلْت عَلَيْهِ فَسَأَلْته فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُقِيمُ فِي الْبَيْتِ طَائِفًا فِيهِ وَعَامِرًا لَهُ بِالْعِبَادَةِ قَدْ أَتَى بِمَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْ مَعْنَى الْمُعْتَمِرِ وَأَتَى بِالْمَقْصُودِ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ لِيَصِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِرًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبْدَلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ .
******

وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ: هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً} هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
فأجاب: فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ مِنْ مَكَّةَ وَتَرْكَ الطَّوَافِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبِّ؛ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ الطَّوَافُ دُونَ الِاعْتِمَارِ؛ بَلْ الِاعْتِمَارُ فِيهِ حِينَئِذٍ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ فَرَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ طاوس أَجَلِّ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِينَ يَعْتَمِرُونَ مِنْ التَّنْعِيمِ مَا أَدْرِي أَيُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا أَمْ يُعَذَّبُونَ ؟ قِيلَ: فَلِمَ يُعَذَّبُونَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَيَخْرُجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَيَجِيءُ. وَإِلَى أَنْ يَجِيءَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ قَدْ طَافَ مِائَتَيْ طَوَافٍ وَكُلَّمَا طَافَ بِالْبَيْتِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قِيلَ: لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. مَا تَقُولُ فِي عُمْرَةِ الْمُحْرِمِ ؟ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ فِيهَا ؟ الْعُمْرَةُ عِنْدِي الَّتِي تَعْمِدُ لَهَا مِنْ مَنْزِلِك. قَالَ اللَّهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَقَالَتْ عَائِشَةَ: إنَّمَا الْعُمْرَةُ عَلَى قَدْرِهِ؛ يَعْنِي عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ. وَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ: إنَّمَا إتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دويرة أَهْلِك. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ قَالَ طاوس: الَّذِينَ يَعْتَمِرُونَ مَنْ التَّنْعِيمِ لَا أَدْرِي يُؤْجَرُونَ ؟
أَوْ يُعَذَّبُونَ ؟ قِيلَ لَهُ: لِمَ يُعَذَّبُونَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ تَرَكَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَيَخْرُجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَيَخْرُجُ إلَى أَنْ يَجِيءَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ قَدْ طَافَ مِائَتَيْ طَوَافٍ وَكُلَّمَا طَافَ بِالْبَيْتِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ. فَقَدْ أَقَرَّ أَحْمَد قَوْلَ طاوس هَذَا الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ لِقَوْلِهِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ وَعُمَرَ وَعَائِشَةُ عَنْ الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَقَالَ عُمَرُ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ وَقَالَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَقَالَتْ عَائِشَةَ: الْعُمْرَةُ عَلَى قَدْرِ النَّفَقَةِ ؟ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا قَالَتْ: لَأَنْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَتَصَدَّقَ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ الْعُمْرَةَ الَّتِي اعْتَمَرْت مِنْ التَّنْعِيمِ. وَقَالَ طاوس: فَمَنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ مَا أَدْرِي أَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا أَمْ يُؤْجَرُونَ ؟ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: اعْتَمَرْنَا بَعْدَ الْحَجِّ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَدْ أَجَازَهَا آخَرُونَ؛ لَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوهَا وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَأَلَهَا سَائِلٌ عَنْ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ فَأَمَرَتْهُ بِهَا. وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ فَقَالَ: هِيَ تَامَّةٌ وَمُجْزِئَةٌ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: عُمْرَةُ الْمُحْرِمِ تَامَّةٌ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَطَاءٌ يَقُولُ: طَوَافُ سَبْعٍ خَيْرٌ لَك مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: فَآتِي جُدَّةَ قَالَ: لَا إنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ قَالَ: قُلْت: فَأَخْرُجُ إلَى الشَّجَرَةِ فَأَعْتَمِرُ مِنْهَا ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مُنْذُ قَدِمْت مَكَّةَ قَالَ قُلْت: فَالِاخْتِلَافُ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ الْجَوَازِ قَالَ: لَا بَلْ الِاخْتِلَافُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: قُلْت لِلْمُثَنَّى: إنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَا تَفْعَلْ سَمِعْت عَطَاءٌ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: طَوَافُ سَبْعٍ بِالْبَيْتِ خَيْرٌ لَك مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ. وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الْمُصَنَّفِ " حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَسْلَمَ المنقري قَالَ: قُلْت لِعَطَاءِ: أَخْرُجُ إلَى الْمَدِينَةِ أُهِلُّ بِعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: طَوَافُك بِالْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثِنَا عُمَرُ بْنُ زَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: طَوَافُك بِالْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٌ قَالَ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْعُمْرَةِ .

******
وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ: هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
فأجاب: فَصْلٌ وَأَمَّا كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ فَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُرَتَّبَةٍ: أَحَدُهَا: الِاعْتِمَارُ فِي الْعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ثُمَّ الِاعْتِمَارُ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ ثُمَّ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِلْمَكِّيِّ. فَأَمَّا " كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ الْمَشْرُوعِ ": كَاَلَّذِي يَقْدَمُ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فَيَحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ وَهَذِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَهُمْ فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ: مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سيرين وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النخعي: مَا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِرُونَ إلَّا عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يَعْتَمِرُوا فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ فَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فَعَلُوهُ كَالْإِحْرَامِ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ {في كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ الْعُمْرَة