فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:الإهلال بالحج يوم التروية
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز





131 - ما يفعله الحجاج يوم الثامن من ذي الحجة
س: ماذا يفعل الحاج يوم الثامن من ذي الحجة؟
ج: اليوم الثامن هو محل الإحرام إذا كان في مكة وقد تحلل أو ينوي الحج وهو من أهل مكة المقيمين بها، فالأفضل له الإحرام في اليوم الثامن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم الذين تحللوا من العمرة بذلك فأحرموا بالحج يوم الثامن ثم توجهوا إلى منى، هذا هو الأفضل للحاج يحرم من منزله يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء، ويتوجه إلى منى محرما ولا يحتاج إلى وداع سواء كانت إقامته في الحرم أو في الحل، وهكذا المرأة من منزلها أو من مخيمها أو من أي مكان تغتسل وتتطيب بالطيب المناسب وتلبس الثياب المناسبة التي ليس فيها فتنة، وتحرم وتتوجه إلى منى من غير حاجة لوداع هذا هو المستحب في اليوم الثامن، وإن أحرم قبله فلا حرج، ولكن اليوم الثامن هو الأفضل وإن تأخر حتى أحرم في اليوم التاسع فلا حرج أيضا ولكن الإحرام في اليوم الثامن هو الأفضل كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك.
س: إذا نزل مريد الحج من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة واغتسل من منى فهل يكفيه ذلك وماذا عليه؟
ج: إذا اغتسل من منى فلا حرج في ذلك لكن الأفضل أن يغتسل قبل إحرامه في بيته أو في أي مكان في مكة، ثم يحرم بالحج في منزله ولا حاجة إلى دخوله إلى المسجد الحرام للطواف؛ لأن الخارج إلى منى يوم التروية ليس عليه وداع، فإذا أحرم من دون غسل فلا حرج، وإذا اغتسل بعد ذلك في منى وهو محرم فلا بأس، لكن الأفضل والسنة أن يكون غسله قبل أن يحرم، فإن لم يغتسل بل أحرم من دون غسل أو من دون وضوء فلا حرج في ذلك؛ لأن الغسل سنة والوضوء سنة في هذا المقام.
133 - مكان الإحرام للحاج يوم التروية
س: من أي مكان يحرم الحاج يوم التروية؟
ج: يحرم من منزله كما أحرم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من منازلهم في الأبطح في حجة الوداع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا من كان في داخل مكة يحرم من منزله؛ لحديث ابن عباس السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن كان دون ذلك - أي دون المواقيت - فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة» متفق على صحته.
س: من كان في منى، قبل يوم التروية هل يدخل ويحرم من مكة أو يحرم من منى؟
ج: الجالس في منى يشرع له أن يحرم من منى والحمد لله ولا حاجة إلى الدخول إلى مكة، بل يلبي من مكانه بالحج إذا جاء وقته.
134 - السنة للحاج أن يحرم يوم الثامن من ذي الحجة قبل الظهر
س: البعض من الحجاج يكونون يوم الثامن في مكة ويكونون محلين إحرامهم ويتركون سنن يوم التروية يبقون في الشقق إلى اليوم التاسع يحرمون ثم يخرجون إلى عرفة، معللين ذلك بقولهم إن فعل يوم التروية سنة والحج عرفة، فما رأي سماحتكم في هذا الفعل؟
ج: لا حرج في ذلك ولكن السنة للحاج أن يحرم اليوم الثامن من ذي الحجة قبل الظهر ويتوجه إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا بلا جمع ثم يتوجه إلى عرفة بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأمر أصحابه الذين حلوا من عمرتهم بذلك.
135 - جمع وقصر الصلاة للحاج
س: هل قصر الصلاة لأهل مكة في المشاعر خاص بالحجاج فقط أم يشمل حتى الباعة منهم وغيرهم ممن يوجدون في المشاعر من غير حج؟
ج: المشهور عند العلماء أن هذا القصر خاص بالحجاج من أهل مكة فقط على قول من أجازه لهم.
أما الجمهور فيرون أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون لأنهم غير مسافرين، وعليهم أن يتموا كلهم ويصلوا الصلاة في أوقاتها.
ولكن من أجازه للحجاج فهو خاص بالحجاج فقط من أهل مكة وهو الأصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإتمام.
أما الباعة ونحوهم ممن لم يقصد الحج فإنه يتم ولا يجمع كسائر سكان مكة.
س: هل يجوز للحجاج في منى يوم التروية، وأيام التشريق الجمع كما جاز لهم القصر، ومن جمع فهل جمعه صحيح؟
ج: لا أعلم مانعا من جواز الجمع؛ لأنه إذا جاز القصر فجواز الجمع من باب أولى؛ لأن أسبابه كثيرة بخلاف القصر، فليس له سبب إلا السفر. ولكن تركه أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في منى لا في يوم التروية ولا في أيام التشريق، وللمسلمين فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
س: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في سفره المقيم فيه، مثل إقامته في مكة ينتظر الحج، وإقامته في مكة زمن فتح مكة، وإقامته في تبوك؟
ج: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع في غزوة تبوك وهو مقيم، رواه مسلم من حديث معاذ رضي الله عنه.
أما إقامته في مكة في يوم الفتح وفي حجة الوداع، فلم أر شيئا صريحا في ذلك، ولكن بعض الأحاديث يقتضي ظاهرها أنه كان يجمع في الأبطح في حجة الوداع، لكن ذلك ليس بصريح، وتركه أفضل كما في منى. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
136 - السنة الصحيحة المعلومة أن جميع الحجاج يقصرون في منى دون جمع
س: هل القصر والجمع للحجاج في منى وعرفة ومزدلفة يوم التروية ويوم عرفة وليلة جمع وأيام التشريق الثلاثة عام للحجاج كلهم بما في ذلك حجاج مكة المكرمة، وإذا كان القصر والجمع عاما لجميع الحجاج فهل ذلك خاص في المشاعر الثلاثة منى وعرفة ومزدلفة، أم هو من خصائص الحج؟ فيجوز في هذه المشاعر الثلاثة وفي غيرها من أحياء مكة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلى يوم العيد الظهر بمكة حينما أفاض لطواف الإفاضة» ، فهل قصر أو أتم؟ وإذا كان قصر وهو المشهور فيفترض أنه صلى الله عليه وسلم قد ائتم بصلاته مجموعة من الحجاج، وفيهم حجاج أهل مكة حينما أفاضوا لإفاضته لطواف الإفاضة، فهل قصروا الصلاة معه أو قال لهم في الأبطح قبل الإحرام بالحج: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر .
ج: ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا آفاقيين أو من أهل مكة وما حولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا.
وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصرا، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره. ولم يقل لأهل مكة أتموا؛ لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة.
ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصرا في المسجد الحرام. وفي السند مقال. لكن يتأيد بالأصل، وهو أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين. والقصر يختص بالمسافرين. والله ولي التوفيق.