تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    1,532

    افتراضي لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جماهير العلماء منذ الصحابة إلى يومنا هذا على القول بأن الله ليس له شبيه ولا مثيل، ثم قرأت للشيخ/ العثيمين رحمه الله تعالى التنبيه على عدم صحة نفي التشبيه وصحة القول بنفي المثيل فقط...
    فلماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في هذه المسألة؟

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جماهير العلماء منذ الصحابة إلى يومنا هذا على القول بأن الله ليس له شبيه ولا مثيل، ثم قرأت للشيخ/ العثيمين رحمه الله تعالى التنبيه على عدم صحة نفي التشبيه وصحة القول بنفي المثيل فقط...
    فلماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في هذه المسألة؟

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - سئل الشيخ-محمد بن صالح العثيمين رحمه الله--- عن الفرق بين التشبيه والتمثيل في الأسماء والصفات؟ -فأجاب بقوله : التشبيه والتمثيل في الأسماء والصفات بينهما فرق ، ولهذا ينبغي أن نقول : " من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل"، بدل قول : "من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تشبيه". فالتعبير بالتمثيل أولى لأمور: أولاً: أنه الموافق للفظ القرآن في قوله تعالى: ) ليس كمثله شيء.) فلا تضربوا لله الأمثال - ولم يقل : ليس كشبهه شيء ولا قال : فلا تضربوا لله الأشباه. ثانياً: أن التشبيه صار وصفاً يختلف الناس في فهمه فعند بعض الناس إثبات الصفات يسمى تشبيهاً، ويسمونه من أثبت صفة لله مشبهاً، فتجد ذلك عند المعتزلة كما يقول : الزمخشري في تفسيره الكشاف: وقالت المشبهة، ويقصد أهل السنة والجماعة. ثالثاً: أن نفي التشبيه على الإطلاق بين صفات الخالق وصفات المخلوق لا يصح، لأنه ما منا من صفتين ثابتتين إلا وبينهما اشتراك في أصل المعنى وهذا الاشتراك نوع من المشابهة : فالعلم مثلاً، للإنسان علم، وللرب سبحانه علم، فاشتركا في أصل المعنى، لكن لا يستويان. أما التمثيل فيصح أن تنفي نفياً مطلقاً. وأيضاً فلا يقال : من غير تأويل بل من غير تحريف، لأن التأويل في أسماء الله وصفاته ليس منفياً على كل حال، بل ما دل عليه الدليل فهو تأويل ثابت وهو بمعنى التفسير، وإنما المنفي هو التحريف وهو صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، كما صنع أهل التعطيل الذين اختلفوا فيما نفوا وأثبتوا من أسماء الله وصفاته، فمنهم من أثبت الأسماء وبعض الصفات ونفى أكثر الصفات، ومنهم من أثبت الأسماء ونفى الصفات كلها، ومنهم من نفى الأسماء والصفات كلها، ومنهم من نفى كل إثبات وكل نفي فقال: لا تصف الله بإثبات ولا نفي. وأهل السنة بريئون من هذا ويثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات. وكذلك فقد جاء النص بذم التحريف في قوله: )يحرفون الكلم عن مواضعه) ولم يقل : يؤولون، والتزام الألفاظ الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة أولى من إحداث ألفاظ أخرى، لأن ما جاء في الشرع أشد وأقوى

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟


    [المسألة الثالثة] :

    الفرق ما بين المماثلة والمثلية وبين التشبيه.
    ولتقرير ذلك تنتبه إلى أنَّ الذي جاء نفيه في الكتاب والسنة إنما هو نفي المماثلة.
    أما نفي المشابهة؛ -مشابهة الله لخلقه- فإنها لم تُنْفَ في الكتاب والسنة؛ لأنَّ المشابهة تحتملُ أن تكون مشابهةً تامة، ويحتمل أن تكون مشابهةً ناقصة.

    فإذا كان المراد المشابهة التامة فإنَّ هذه المشابهة هي التمثيل وهي المماثلة، وذلك منفِيٌ، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] .

    فإذاً لفظ المشابهة ينقسم:
    - إلى مُوَافِقٍ للمماثلة، الشَبِيهْ موافِقٌ للمثيل وللمِثِلْ.
    - وإلى غير موافق.

    يعني قد يشترك معنى الشبيه والمثيل ويكون المعنى واحداً، إذا أُريْدَ بالمشابهة المشابهة التامة في الكيفية وفي تمام معنى الصفة.

    وأمَّا إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإنَّ هذا ليس هو التمثيل المنفي، فلا يُنْفَى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثَمَّ مشابهة بمعنى أن يكون ثَمَّ اشتراك في أصل المعنى.
    وإذا كان كذلك فإنَّ لفظ الشبيه والمثيل بينهما فرق -كما قَرَّرْتُ لك- ولفظ المشابهة لفظ مجمل لا يُنْفَى ولا يُثْبَتْ.

    وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إنَّ الله - عز وجل - لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء يعنون بالمشابهة المماثلة.
    أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قَطْعَاً أنَّ الله - عز وجل - لم ينفها؛ لأنه سبحانه سَمَّى نفسه بالملك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ، {الْمَلِكُ الْحَقُّ} (1) وسَمَّى بعض خلقه بالمَلِكْ {وَقَالَ الْمَلِكُ} (2) وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سَمَّى نفسه بالعزيز، وسَمَّى بعض خلقه بالعزيز، وكذلك جَعَلَ نفسه سبحانه سميعاً، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للإنسانِ فيما يناسبه منها.

    فَدَلَّ على أَنَّ الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأنَّ كلام الله - عز وجل - حق وبعضه يفسر بعضاً.

    فَنَفَى المماثلة سبحانه بقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وأثبت اشتراكاً في الصفة.
    وإذا قلتُ اشتراكَاً ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المُشْتَرَكَة في الصفات، ولكن أثْبَتَ اشتراكاً في الوصف يعني شَرِكَةً فيه، فإنَّ الإنسان له مُلْكْ والله - عز وجل - له الملك، والإنسان له سمع والله - عز وجل - له سمع، والإنسان له بصر والله - عز وجل - له بصر، وهذا الإثبات فيه قَدْرٌ من المشابهة، لكنَّهَا مُشَابَهَةٌ في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية.

    فتحَصَّلَ من ذلك أنَّ المشابهة ثلاثة أقسام:
    الأول: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.
    الثاني: مشابهةٌ في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى لكمالها، وهذا ممتنع.
    الثالث: مشابهة في معنى الصفة - في أصل المعنى - وهو مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.

    ولهذا صار لفظ التمثيل، ونفي التمثيل، ونفي المِثْلِيَّة شرعياً؛ لأنه واضح، دلالته غير مجملة.
    وأما لفظ المشابهة فإنَّ دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.

    ونحن نقول إنَّ الله - عز وجل - لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء - سبحانه وتعالى -.
    ونعني بقولنا (لا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.

    شرح الطحاوية لصالح ال الشيخ حفظه الله



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    وأمَّا إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإنَّ هذا ليس هو التمثيل المنفي، فلا يُنْفَى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثَمَّ مشابهة بمعنى أن يكون ثَمَّ اشتراك في أصل المعنى.
    ...................

    فَدَلَّ على أَنَّ الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأنَّ كلام الله - عز وجل - حق وبعضه يفسر بعضاً.
    و ان كان الشيخ حفظه الله و رعاه جعل الاجمال يدخل في لفظ التشبيه دون التمثيل
    لكن من خلال شرحه و تفصيله يتضح ان ذلك يدخل في التمثيل ايضا
    فمنه ما لا يصح نفيه و هو المتعلق باصل المعنى كالتشبيه تماما

    و الله اعلم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    1,532

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    الله المستعان
    لم أخرج من مجموع نقولكما إلا -تقريبًا حسب فهمي- كما دخلتُ!
    الذي أفهمه من خلاف كلام الشيخ رحمه الله -وهذا ما دعاني لكتابة الموضوع من الأساس- هو الفرق بين المماثلة والمشابهة...
    المماثلة: هي المشابهة من كل وجه
    المشابهة: هي التشابه من وجه أو أكثر بحيث لا تكون من كل الوجوه
    هذا هو -حسب فهمي- ملخص كلام الشيخ الذي قرأته قبل كتابتي للموضوع..
    فإن كان الأمر كذلك، فلماذا رفض الشيخ رحمه الله تعالى اعتماد لفظ المشابهة الذي لم يأتِ به نص وأصرَّ على القول بنفي المماثلة المعتمد على النص، رغم أنَّ عبارات أكثر السلف أتت بنفس المشابهة الذي لم يعتمد على النص؟
    وحتى لا يقول لي أحدهم: نفي التشبيه الوارد في كلام السلف مقصود منه نفي التمثيل، أقول لمزيد من البيان:
    قد يأتي لفظ نفي التشبيه هكذا (ليس له شبيه)، بإفراد نفي التشبيه؛ فنفهم منه نفي التمثيل.
    وقد يأتي هكذا (ليس له شبيه ولا مثيل)، فعن هذا أسأل: ما محل نفي التشبيه هنا من الإعراب؟

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    بارك الله فيكم جميعا
    سبق النقاش حول الفرق بينهما هنا:
    http://majles.alukah.net/t74673/

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح مشاهدة المشاركة

    لم أخرج من مجموع نقولكما إلا -تقريبًا حسب فهمي- كما دخلتُ!

    سأجعلك تخرج إن شاء الله بفائدة---ولكن إقرأ كلام شيخ الاسلام بن تيمية الآتى جيدا -وإصبر مع القراءة لأن الكلام فيه إطالة وفيه ايضا الفائدة المرجوه-فألقى الىَّ ببصرك حتى تخرج بالفائدة اخى الكريم يحيى صالح -وسألوِّن الكلام حتى لا تخرج بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ

    ----------------------------تأصيل القول في مسألة الفرق بين التشبيه والتمثيل ومدلولهما عند الإطلاق، يقول شيخ الإسلام: "وقد تنازع الناس هل لفظ "الشبه" و"المثل" بمعنى واحد أو معنيين، على قولين:
    أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقاً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه، وهذا قول طائفة من النظار.
    والثاني: أن معناهما مختلف عند الإطلاق, لغة, وشرعاً, وعقلاً، وإن كان مع التقييد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر, وهذا قول أكثر الناس.
    وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية (وهي) [الجواب الصحيخ] (34) : أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه؟ وللناس في ذلك قولان، فمن منع أن يشبه من وجه دون وجه قال: المثل والشبه واحد، ومن قال: إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه، فرق بينهما عند الإطلاق" [الجواب الصحيح] (35) ، وقد رجح شيخ الإسلام الثاني بقوله: "وهذا قول جمهور الناس؛ فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان، تشتبه في كونها ألواناً مع أن السواد ليس مثل البياض، وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر، وإن كانت حقائقها ليست متماثلة، فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب، ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان، ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء، وإن اشتركا في أن كلًّا منهما جوهر, وجسم, وقائم بنفسه، وأيضاً فمعلوم في اللغة أنه يقال: هذا يشبه هذا، وفيه شبه من هذا، إذا أشبهه من بعض الوجود, وإن كان مخالفاً له في الحقيقة. قال الله تعالى: وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً [البقرة: 25]، وقوله: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7]، وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة: 118] فوصف القولين بالتماثل، والقلوب بالتشابه لا بالتماثل؛ فإن القلوب وإن اشتركت في هذا القول فهي مختلفة لا متماثلة، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) (36) ، فدل على أنه يعلمها بعض الناس، وهي في نفس الأمر ليست متماثلة، بل بعضها حرام، وبعضها حلال"[الجواب الصحيح] (37) . وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام من أن هناك فرقاً بين التشبيه والتمثيل، وأنه يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه كثيراً ما يقرره في كتبه، ويذكر له بعض الأدلة (38) [الرسالة الاكملية -مجموع الفتاوى] ، ويذكر أن لفظ التماثل أخص من لفظ التشابه وذلك في معرض رده على الرازي حول تعريف المتشابه [نقض التأسيس] (39) ، ويرى أن سبب اضطراب أهل الكلام في مسألة الصفات ما يثبت منها وما ينفي، مرجعه إلى أنهم جعلوا مسمى التشبيه والتمثيل واحداً [درء التعارض] (40) .
    -- أن التشبيه على قول بعض المتكلمين: إن التشبيه هو التمثيل، ثم تعريفهم للمتماثلين بأنهما: "ما سد أحدهما مسد صاحبه، وقام مقامه، وناب منابه"[نقض التأسيس] (41) ، وقد يفسرونه بأنه "يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، ويجب له ما يجب له" [التدمريه] (42) ، التشبيه بهذا المعنى لا يقول به عاقل،لأنه يعلم بضرورة العقل امتناعه (43)[التدمريه] ، ولأن "كل موجودين فلابد أن يكون بينهما نوع مشابهة، ولو من بعض الوجوه البعيدة، ورفع ذلك من كل وجه رفع للوجود" [نقض التأسيس] (44) . وفي موضع آخر يعلل شيخ الإسلام الفرق بقوله: "التشابه الذي هو التماثل لا يكون بالموافقة في بعض الصفات، بل الموافقة في جميع الصفات الذاتية التي يقوم بها أحدهما مقام الآخر، وأما التشابه في اللغة فإنه قد يقال بدون التماثل في شيء من الحقيقة، كما يقال للصورة المرسومة في الحائط: إنها تشبه الحيوان، ويقال: هذا يشبه هذا في كذا وكذا، وإن كانت الحقيقتان مختلفتين، ولهذا كان أئمة أهل السنة, ومحققوا أهل الكلام يمنعون من أن يقال: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه؛ فإن مقتضى هذا كونه معدوماً" (45) ، "وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها" (46)[نقض التأسيس] .
    ومع تقرير شيخ الإسلام لهذه المسألة، إلا أنه يبين أن المتكلمين الذي يصرحون بنفي التشبيه مطلقاً طائفتان:
    طائفة: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون أن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه – وهذا الذي صرح به النفاة من الجهمية فهؤلاء يقتضي قولهم أن يكون معدوماً لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر مميز.
    وطائفة أخرى: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون به التمثيل، فهؤلاء متفقون على نفي التماثل بوجه من الوجوه، وهو قول صحيح قد دل عليه القرآن، والعقل أيضاً، فالخلاف مع هؤلاء لفظي حيث سموا التمثيل تشبيهاً (47)[نقض التأسيس] .
    وعلى قول هاتين الطائفتين يكون لفظ "التشبيه" من الألفاظ المجملة، التي قد تحتمل أكثر من معنى، ومن ثم فقبل الإثبات والنفي لابد من الاستفصال عن المعنى الذي يقصده القائل.
    ولكن "لفظ" "الشبه" فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور، ولو في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما، فإذا قيل: هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه، ولا يواطئه بوجه من الوجوه، كان هذا ممتنعاً، وكذلك إذا أريد بقول القائل: "لا يشبهه بوجه من الوجوه" هذا المعنى، بخلاف ما إذا أراد المماثلة, والمساواة, والمكافأة، أو أراد ذلك بلفظ المشاركة, والموافقة, والمواطأة، فإنه سبحانه لا يماثله شيء بوجه من الوجوه، ولا شريك له بوجه من الوجوه" (48) . ويقول أيضاً: "إن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، ونفي (49) ذلك القدر المشترك ليس هو نفس (50) التمثيل والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه، وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى، إذ هو سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله" (51) ، وهذه المسألة مرتبطة بمسألة ما بين أسماء الله وصفاته, وأسماء المخلوقين وصفاتهم من الاتفاق: هل هو من قبيل المشترك اللفظي أو المتواطئ؟ وهي مسألة اهتم بها شيخ الإسلام كثيرا. وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لها في المبحث التالي عند الكلام على الأسماء والصفات.
    - أن القرآن الكريم ورد بنفي التمثيل وما في معناه كالند, والشريك, والكفو، أما التشبيه فلم يرد نفيه ولا ذمه في الكتاب والسنة، ويرى شيخ الإسلام أن السبب ما في لفظ التشبيه من الإجمال, والاشتراك, والإبهام, بخلاف لفظ التمثيل (52) ، ويشرح ذلك بشكل مفصل فيقول: "إن نفي التشبيه من كل وجه هو التعطيل, والجحود لرب العالمين، كما عليه المسلمون متفقون، كما أن إثباته مطلقاً هو الأنداد لرب العالمين، لكن من الناس من لا يفهم هذا, ولا يعتقد أن لفظ التشبيه يدل على التمثيل المنفي عن الله؛ إذ لفظ التشبيه فيه عموم وخصوص... ومن هنا ضل فيه أكثر الناس؛ إذ ليس له حد محدود. وما هو (53) منتف بالاتفاق بين المسلمين، بل بين أهل الملل كلهم، بل بين جميع العقلاء المقرين بالله، معلوم بضرورة العقل، ومنه ما هو ثابت بالاتفاق بين المسلمين، بل بين أهل الملل كلهم، بل بين جميع العقلاء (المقرين) (54) بالصانع، فلما كان لفظ التشبيه يقال على ما يجب انتفاؤه - وعلى ما يجب إثباته - لم يرد الكتاب والسنة به مطلقاً، - لا في نفي ولا إثبات، ولكن جاءت النصوص في النفي بلفظ المثل, والكفو, والند, والسمي،... و ...الله ليس كمثله شيء , بوجه من الوجوه، فيجب أن ينفي عنه المثل مطلقاً, ومقيداً، وكذلك الند, والكفو, والشريك، ونحو ذلك من الأسماء التي جاء القرآن بنفيها، و... من أدلة ذلك أن الله تعالى لما نفى المثل عن نفسه بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، والسمي بقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65]، والند بقوله: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً [البقرة: 22]، والكفو بقوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]، والشريك, والعديل, والمساوي, بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18]، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1]، إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97-98]، فلا يخلو أما أن يكون النفي من ذلك مختصاً بالمماثل من كل وجه، وهو المكافئ له من كل وجه فقط, والمساوي, والمعادل, والمكافئ له من كل وجه، أو يكون النفي عامًّا في المماثل ولو من بعض الوجوه، والمكافئ ولو من بعض الوجوه، ولا يجوز أن يكون النفي مختصاً بالقسم الأول, لأن هذا لم يعتقده أحد من البشر، وهو سبحانه ذم ونهى عما هو موجود في البشر، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- ((قال له رجل ما شاء وشئت. فقال: أجعلتني لله ندًّا، بل ما شاء الله وحده)) (55) ، فثبت أن هذه الأسماء المنفية تعم المثل, والكفو, والند, والشريك, والعديل, ولو من بعض الوجوه، وهذا هو الحق؛ وذلك لأن المخلوقات وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه في مثل معنى الوجود, والحي, والعليم, والقدير، فليس مماثلة بوجه من الوجوه ولا مكافئة، بل هو سبحانه له المثل الأعلى في كل ما يثبت له ولغيره، ولما ينفي عنه وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء, ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله، التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفتها ما لا يعلمه إلا الله مما لا نسبة إلى ما علموه من الأمر المشتبه المشترك إليه. والمنفي عنه لابد أن يستلزم وصفاً ثبوتياً كما قررنا هذا في غير هذا الموضع (56) ، ومنافاته لذلك المنفي وبعده عنه، ومنافاة صفاته الوجودية، له فيه من الاختصاص الذي لا يشركه فيه أحد ما لا يعلمه أيضاً إلا هو، بخلاف لفظ التشبيه، فإنه يقال على ما يشبه غيره ولو من بعض الوجوه البعيدة، ومما يجب القول به شرعاً, وعقلاً بالاتفاق، ولهذا (لما) عرف الأئمة ذلك، وعرفوا حقيقة قول الجهمية، وأن نفيهم لذلك من كل وجه مستلزم لتعطيل الصانع وجحوده، كانوا يبينون ما في كلامهم من النفاق والتعطيل، ويمتنعون عن إطلاق لفظهم العليل لما فهموه من مقصودهم، وإن لم يفهمه أهل الجهل والتضليل" (57) .
    ومع أن التشبيه لم يرد نفيه في الكتاب والسنة إلا أن السلف رحمهم الله كانوا ينظرون إلى المعاني لا إلى الألفاظ، ولذلك لما وجدت بعض الفئات التي بالغت في الإثبات فشبهت الله بخلقه، - وسموا مشبهة بادر السلف [مهم جدا] على ذم المشبهة, وقرنوا الذم لهم بذم المعطلة، ولم يمنع السلف من هذا ما وصفهم به أعداؤهم النفاة من أن إثباتهم للصفات يجعلهم مشبهة، لأن مذهبهم في الصفات وسط بين تعطيل هؤلاء, وتشبيه أولئك.
    وشيخ الإسلام لما قرر أن لفظ التشبيه لم يرد نفيه في القرآن والسنة وإنما قصد بيان أن ما ادعاه هؤلاء – في تعريفهم للتوحيد من أن من معانيه أن الله واحد في صفاته لا شبيه له، وأدخلوا في ذلك نفي علوه, واستوائه, وصفاته الخبرية – غير صحيح، لأن القرآن والسنة وردا بإثبات ذلك، والقول بأن إثبات هذه الصفات يقتضي تشبيهاًينسحب إلى غيرها من الصفات التي يثبتها هؤلاء، كالعلم, والقدرة, والحياة, والسمع, والبصر، بل ينسحب إلى الأسماء الثابتة لله سبحانه وتعالى، فالأخذ بظاهر هذه العبارة أنه واحد في صفاته لا شبيه له يؤدي إلى نفي جميع الصفات والأسماء عن الله تعالى، لأن ما من موجودين إلا وبينهما قدر مشترك, وقدر مميز، وأقرب مثال على ذلك الوجود، فالله موجود, والمخلوق موجود، والوجود له معنى مشترك يصدق على وجود الله, ووجود المخلوق، وإن كان وجود المخلوق ليس كوجود الله, لأن المخلوق ممكن، حادث، قابل للعدم. فهل يمكن القول بأن الله موجود بدون فهم معنى الوجود؟ إلا أن يقال بأننا خوطبنا بألغاز لها معاني أخر لا نفهمها، ولم يدل عليها الخطاب، وهو ما آل إليه أمر غلاة الصوفية, والباطنية, والقرامطة, وغيرهم من الملاحدة.
    فما قرره شيخ الإسلام في هذا الباب من أن لفظ الشبه والتشبيه لفظ مجمل، ولذلك لم يرد نفيه في الكتاب والسنة، إنما هو دفاع عن الصفاتية من هؤلاء الأشاعرة وغيرهم – في مقابل المعتزلة, والجهمية, والقرامطة, وغيرهم.
    --- ومذهب السلف – رحمهم الله تعالى مشهور في الرد على نفاة الصفات أو بعضها،يقول شيخ الإسلام عن الأشاعرة - بعد كلامه عن المعتزلة الذين جعلوا نفي الصفات كالعلم, والقدرة, من التوحيد, والتنزيه عن التشبيه والتجسيم-: "ثم هؤلاء مضطربون فيما ينفونه من ذلك، لكن وافقوا أولئك على أن ما نفوه من التشبيه وما نفوه من المعنى الذي سموه تجسيماً -هو التوحيد الذي لا يتم الدين إلا به، وهو أصل الدين عندهم، وكل من سمع ما جاءت به الرسل يعلم بالاضطرار أن هذه الأمور ليست مما بعث الله به رسوله، ولم يكن الرسول يعلم أمته هذه الأمور ولا كان أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عليها، فكيف يكون هذا التوحيد الذي هو أصل الدين لم يدع إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون، بل يعلم بالاضطرار أن الذي جاء به الرسول من الكتاب والسنة يخالف هذا المعنى الذي سماه هؤلاء الجهمية توحيداً، ولهذا ما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون ذلك" (58) ، ثم ساق شيخ الإسلام عدداً من الروايات المشهورة عند أئمة السلف في ذمهم لأهل الكلام, وأهل البدع, الذين يخوضون في أسماء الله وصفاته, ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة, والتابعون

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    أما مسألة نفي التشبيه بإطلاق، فإمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله بين ذلك في الرد على الزنادقة – كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عنه معلقاً على بعض أقواله، قال شيخ الإسلام:"ولهذا قال الإمام أحمد: "فقلنا إن الشيء لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئاً" (60) ، فبين الإمام أحمد أنه يعلم بالمعقول الصريح الذي يشترك فيه العقلاء أن ما لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه لا شيء، كما نقل الناس أن جهماً يقوله، ولهذا قال: فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئاً, أي لجميع العقلاء، فإن هذا لا يختص أهل السمع والكتاب، بل يشترك فيه العقلاء كلهم. فهذا سؤال عن كونه موجوداً، ثم سألهم عن كونه معبوداً, فإن هذا يختص به من يوجب عبادة الله، وهم المسلمون قديماً وحديثاً، قال: "فإذا قيل له: فمن تعبدون؟ قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق، فقلنا: هذا الذي يدبر أمر الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم، قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئاً، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون" (61) ، فهنا جعل الكلام من المسلمين الذين يعبدون الله تعالى, والعبادة متضمنة لقصد المعبود وإرادته، والقصد والإرادة مستلزم لمعرفته والعلم به. فلما قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ثم قالوا: هو مجهول لا يعرف بصفة، كان قولهم هو مجهول لا يعرف بصفة تبين للمسلمين الذين يعبدون، أنهم لا يثبتون شيئا يعبدونه، وإنما هم منافقون في ذلك، لأن ما لا يعرف بصفة يمتنع أن يقصد فيعبد، فعرف المسلمون بطلان قولهم: يعبدون الله ويثبتونه، كما عرف أهل العقل بطلان كونهم يقرون بوجوده ويثبتونه، وهم الذين أنكروا أن يعرف بصفة، فأنكروا صفاته مطلقاً, وأنكروا أن يشبه بالأشياء بوجه من الوجوه، فأنكروا بذلك وجوده" (62) .
    وكلام الإمام أحمد يدل على مبلغ علم ووعي أئمة السلف رحمهم الله، ومعرفتهم بمداخل أئمة البدع الذين يزخرفون أقوالهم بعبارات التنزيه، وهم يقصدون من وراء ذلك أن يصلوا إلى ما يهدفون إليه من نشر البدع والتعطيل.
    والإمام أحمد لما قرئ عليه كتاب (المحنة) – زمن المأمون – وبلغ قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، وهو خالق كل شيء، قال الإمام أحمد عند قوله ليس كمثله شيء: وهو السميع البصير. فقال إسحاق ابن إبراهيم – عامل الخليفة ما أردت بهذا؟ فقلت: كتاب الله عز وجل ولم أزد في كتابه شيئاً,كما قال ووصف تبارك وتعالى (63) . قال أحد مترجمي الإمام أحمد معلقاً: "قلت: انظر كيف فتح الله على الإمام أحمد بإقامة حجته في إثبات الصفات من الآية التي احتجوا عليه بها، فكان الذي استدلوا به دليلاً له لا عليه رضي الله عنه" (64) .
    فالإمام أحمد كان يحذر من التعطيل, ومن التشبيه معاً، وقد نقل شيخ الإسلام عن الطبري أنه ذكر في تاريخه – قال شيخ الإسلام: لكن أرسل ذلك والله أعلم بحقيقته (65) – ("أنه لما قرأ على علماء بغداد من المحنة كتاب المأمون الذي دعا الناس فيه إلى التجهم، فيه: (لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه). أقر بذلك من أقر به، وأما أحمد فقال: لا أقول: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه (66) ، وهذا يبين كمال علمه ومعرفته بالأقوال المنافية لدين الإسلام، واحترازه منها، مع أن كثيراً من الناس يطلق هذه العبارة، ويريد بذلك نفي المماثلة، ومقصوده صحيح، وقد يريد ما يجمع الحق والباطل، أو يريد تنزيهاً مطلقاً لا يحصل معناه" (67) .
    وقد أعاد شيخ الإسلام في (درء التعارض) ذكر رواية الطبري حول المحنة – ولم يذكر أنها مرسلة – وقال معلقاً: "والمقصود أنه ذكر في كتابه: (لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه)، فوافقه من لم يعرف حقيقة هذه الكلمة، وذكر عن أحمد أنه قال: لا يشبه الأشياء، وليس كمثله شيء، ونحو ذلك، أو كما قال، وأما قوله: "بوجه من الوجوه" فامتنع منها، وذلك لأنه عرف أنه مضمون ذلك التعطيل المحض، فإنه يقتضي أنه ليس بموجود, ولا شيء, ولا حي, ولا عليم، ولا قدير، ويقتضي إبطال جميع أسمائه الحسنى، وهذا النفي حقيقة قول القرامطة، والله تعالى ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، بل هو سبحانه في كل ما هو موصوف به مختص بما لا يماثله فيه غيره, وله المثل الأعلى" (68) .
    فهذه الملاحظات الدقيقة التي يبديها أئمة السلف, معلقين على مثل هذه العبارات لأجل ما فيها من الإيهام تدل على حرصهم الشديد على تصفية العقيدة من أكدار التعطيل والتشبيه، وهذا يدل على ما في مثل عبارة الأشاعرة حين يقولون: إن الله واحد في صفاته لا شبيه له، وخاصة إذا أبانوا عن مقصودهم بها, وأنه إنكار علو الله واستوائه, وتأويل بقية صفاته, عدا الصفات السبع التي أثبتوها من الإجمال, والإيهام, والضلال.
    11- وأئمة الأشاعرة أقروا بأن إطلاق مثل هذه العبارات غير دقيق، وأن القول بنفي التشبيه مطلقاً يؤدي إلى إنكار صفات الله تعالى، يقول الجويني في نفي أن الله يشبه الحوادث أو يشبهه شيء منها: "والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين، فقد غلطت طائفة في النفي فعطلت، وغلت طائفة في الإثبات فشبهت، فأما الغلاة في النفي فقالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه، وقالوا عن هذا: القديم سبحانه لا يوصف بالوجود، بل يقال: ليس بمعدوم، وكذلك لا يوصف بأنه قادر، عالم، حي، بل يقال: ليس بعاجز، ولا جاهل، ولا ميت، قال: وهذا مذهب الفلاسفة, والباطنية، فأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم الحوادث" (69) ، ثم قال الجويني: "فأما الرد على الفلاسفة فمن أوجه: أحدها: الاتفاق على أن السواد يشارك البياض في بعض صفات الإثبات من الوجود، والعرضية، واللونية، ثم هما مختلفان، وكذلك الجوهر والعرض، والقديم والحادث، لا يمتنع اشتراكهما في صفة واحدة مع اختلافهما في سائر الصفات، ويقال لهم: أتثبتون الصانع المدبر أم لا تثبتونه؟، فإن أثبتوه لزمهم من الحكم بإثباته ما حاذروه, فإن الحادث ثابت، فاستويا في الثبوت" (70) .
    فالجويني مع أنه يقول بتماثل الأجسام، وأن الاختلاف إنما هو في الأعراض، ومع ما في القول بتماثل الأجسام, وأن الثلج مماثل للنار من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، من مخالفة الحس والعقل (71) ، إلا أن قوله بأن القديم والحادث يستويان في الثبوت، ورده على الغلاة الذين قالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه: "تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات، فكيف يمكن أن يقال مع هذا: إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه، وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء؟..." (72) .
    فالجويني هنا يرد على نفسه وعلى إخوانه الأشاعرة الذين قالوا: إن القول بإثبات علو الله واستوائه على العرش يقتضي أن يكون جسماً والأجسام متماثلة. ومن ثم فسروا التوحيد بنفي التشبيه عن الله, وفسروه بتلك التفسيرات الباطلة، فهم بين أمرين، إما أن يقولوا بأن إثبات السمع, والبصر, والحياة, والقدرة لله تعالى يقتضي تشبيهاً مثل العلو واليدين، أو يقولوا بأن إثبات العلو, والاستواء, واليدين, والوجه لله لا يقتضي تشبيهاً مثل السمع, والبصر, والحياة.
    ويقول الرازي عن هذا الموضوع: "فإن قيل المشاركة في صفات الكمال يقتضي المشاركة في الإلهية. قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة لا تقتضي المشاركة في الإلهية. قال: ولهذا المعنى قال الله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، وقال –صلى الله عليه وسلم- ((تخلقوا بأخلاق الله)) (73) (74) ، قال شيخ الإسلام معلقاً على هذا الكلام: "ومن المعلوم أن المشابهة هي المشاركة في صفات الكمال – التي هي العلم والقدرة أعظم من المشابهة والمشاركة في مجرد مسمى الوجه" (75) .
    ثم ينقل شيخ الإسلام عن الرازي أنه قال في نهاية العقول، في مسألة تكفير المخالفين من أهل القبلة في حجة من كفر المشبهة
    ، قال الرازى: "ورابعها: أن الأمة مجمعة على أن المشبه كافر, ثم (إن) المشبه لا يخلو إما أن يكون هو الذي يذهب إلى كون الله مشبها بخلقه من كل الوجوه، أو ليس (كذلك). والأول باطل؛ لأن أحداً من العقلاء لم يذهب إلى ذلك (76) ، ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له، بل المشبه الذي يثبت الإله على صفة بشر بها معها بخلقه (77) ، والمجسم كذلك لأنه إذا أثبت جسماً (بحيز) معين فإنه يشبهه بالأجسام المحدثة، فثبت أن المجسم مشبه، وكل مشبه كافر بالإجماع، فالمجسم كافر" (78) ،ثم قال الرازي في الجواب عن ذلك لأنه – أي الرازي نصر عدم تكفير أهل القبلة: "قوله: المجسم مشبه، والمشبه كافر، قلنا: إن عنيتم بالمشبه من يكون قائلاً بكون الله تشبهياً بخلقه من كل الوجوه، فلا شك في كفره، لكن المجسمة لا يقولون بذلك، فلا يلزم قولهم بالتجسيم قولهم بذلك، ألا ترى أن الشمس, والقمر, والنمل, والبق, أجسام، ولا يلزمنا اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس, والقمر, والنمل, والبق، وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله شبيهاً بخلقه من بعض الوجوه فهذا لا يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أنه موجود وشيء, وعالم, وقادر، والحيوانات أيضاً كذلك، وذلك لا يوجب الكفر، وإن عنيتم بالمشبه من يقول الإله جسم مختص بالمكان، فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى للإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه" (79) .
    قال شيخ الإسلام معلقاً على كلام الرازي السابق بعد نقله: "وهذا تصريح منه بأن القول بكون الله شبيهاً بخلقه من بعض الوجوه داخل في قول كل المسلمين، ولا ريب أن كل موجودين فلابد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى به من الآخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلاً ولا يشتركان فيه لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها" (80) .
    فهؤلاء أئمة الأشاعرة - يعترفون بهذه الحقيقة البدهية، والعجب أنهم ينسون ذلك حين يتعرضون لبعض مسلماتهم الأخرى كنفي العلو، أو بعض الصفات – فيصمون من يقول بها ويثبتها بالتشبيه والتجسيم، ويجعلون مذهبهم النافي لها هو التوحيد!. [موقع الدرر السنية - المبحث الاول- التوحيد عند الاشاعرة] ( ---فى هذا الكلام السابق المجموع من كلام شيخ الاسلام كل ما يفيد فى تأصيل المسألة --رحم الله شيخ الاسلام بن تيمية فقد ازال الَّبس فى الفرق بين التشبيه والتمثيل - عند جميع الطوائف- إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ -[سورة ق]---------------------بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت]

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: لماذا لم يأخذ الشيخ العثيمين بقول جمهور العلماء في مسألة التشبيه والتمثيل؟

    .............................. .....


    يقول شيخ الاسلام رحمه الله

    والمقصود هنا التنبيه على مجامع الأقوال ومنشأ الضلال حيث أخذوا لفظ التشبيه بمعنى مشترك مجمل فأرادوا نفيه بكل معنى من المعاني .

    ومن المعلوم أنه ما من موجودين إلا وبينهما قدر يتفقان فيه وإن كان المعنى الكلي المشترك وجوده في الاذهان لا في الأعيان فلا بد أن يكون بين أفراد الاسم العام الكلي نوع من المشابهة باعتبار اتفاقهما في ذلك المعنى العام وهذا موضع غلط فيه كثير من الناس في أحكام الأمور الكلية التي تشتبه فيها أعيانها منهم من يجعل الكلي ثابتا في الخارج كليا ومنهم من يقول أفراده لم تتفق إلا في مجرد اللفظ وهي مسألة الأحوال التي اضطرب فيها كثير من الناس .

    والتحقيق
    أنه لا بد من تشابه في الخارج ومعنى كلي عام في الذهن من غير أن يكون في الخارج على أو شيء لا موجود ولا معدوم فيقال لهؤلاء التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله .

    وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه بل يمتنع أن يشترك مخلوقان في شيء موجود في الخارج بل كل موجود في الخارج فإنه مختص بذاته وصفاته القائمة به لا يشاركه غيره فيها ألبتة وإذا قيل هذان يشتركان في كذا كان حقيقته أن هذا يشابه هذا في ذلك المعنى كما إذا قيل هذا الإنسان يشارك هذا في الإنسانية أو يشارك هذا الحيوان في الحيوانية فمعناه أنهما يتشابهان في ذلك المعنى وإلا فنفس الإنسانية التي لزيد لا يشاركه فيها غيره وإنما يشتركان في نوع الإنسانية المطلقة لا في الإنسانية القائمة به
    والإنسانية المشتركة المطلقة هي في الأذهان لا تكون في الأعيان مشتركة مطلقة .

    فما هو موجود في الخارج لا اشتراك فيه وما وقع فيه الاشتراك هو الكلي المطلق الذي لا يكون كليا مطلقا إلا في الذهن فإذا كان المخلوق لا يشاركه غيره فيما له من ذاته وصفاته وأفعاله فالخالق أولى أن لا يشاركه غيره في شيء مما هو له تعالى لكن المخلوق قد يماثل المخلوق ويكافئه ويساميه والله سبحانه وتعالى ليس له كفؤ ولا مثيل ولا سمي و ليس مطلق الموافقة في بعض الأسماء والصفات الموجبة نوعا من المشابهة تكون مقتضية للتماثل والتكافؤ بل ذلك لازم لكل موجودين فإنهما لا بد أن يتفقا في بعض الأسماء والصفات ويشتبها من هذا الوجه فمن نفى ما لا بد منه كان معطلا ومن جعل شيء من صفات الله مماثلا لشيء من صفات المخلوقين كان ممثلا .

    والحق هو نفي التمثيل ونفي التعطيل فلا بد من إثبات صفات الكمال المستلزمة نفى التعطيل ولا بد من إثبات اختصاصه بما له على وجه ينفي التمثيل ولكن طائفة من الناس يجعلون التمثيل والتشبيه واحدا ويقولون يمتنع أن يكون الشيء يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما
    لم يشتبها من وجه وكل مشتبهين كالأجسام عندهم يقولون بتماثلها فإنها مماثلة عندهم من كل وجه لا اختلاف بينهما إلا في أمور عارضة لها .

    وهؤلاء يقولون كل من أثبت ما يستلزم التجسيم في اصطلاحهم فهو مشبه ممثل وهذه طريقة كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى في المعتمد وغيره وأما جمهور الناس فيقولون أن الشيء قد يشبه غيره من وجه دون وجه وهذا القول هو المنقول عن السلف والأئمة كالإمام أحمد وغيره ولهذا ينكر هؤلاء على من ينفي مشابهة الموجود للموجود من كل وجه ويقولون ما من موجودين إلا وأحدهما يشبه الآخر من بعض الوجوه .

    الصفدية



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •