أحكام التلبية 4
د. عبود بن علي درع*
المبحث الخامس : متى يقطع المحرم التلبية
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : متى يقطع المعتمر التلبية .
المطلب الثاني : متى يقطع الحاج التلبية .
المطلب الأول : متى يقطع المعتمر التلبية :
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ متى يقطع المعتمر عن التلبية ؟.
وهذه المسألة لا تخلو من حالين :
الحالة الأولى : أن يكون الداخل لحرم مكة محرماً بعمرة ولها صورتان.
الصورة الأولى : أن يكون محرماً من الميقات .
الصورة الثانية : أن يكون محرماً دن دون الميقات .
الحالة الأولى : أن يكون الداخل لحرم مكة محرماً بحج مفرداً أو قارناً.
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في المحرم بحج مفرداً أو قارناً ، متى يقطع التلبية ؟ على خمسة أقوال:
القول الأول : لا يقطعها حتى يشرع في رمي جمرة العقبة . وهو مذهب الحنفية[1] ، والشافعية[2] ، والحنابلة [3] .
القول الثاني : يقطعها إذا دخل الحرم إن كان محرماً من الميقات ، وإن كان محرماً من دون الميقات فإذا دخل مكة ، حتى يطوف ويسعى ويأتي بها بعد ذلك .
وهو قول للمالكية [4] .
القول الثالث : يقطعها إذا دخل مكة حتى يطوف ويسعى ويأتي بها بعد ذلك . وهو الأشهر عند المالكية[5] .
القول الرابع : يقطعها إذا رأى البيت ، ثم يأتي بها بعد فراغه من الطواف والسعي . وهو قول للمالكية [6] .
القول الخامس : يقطعها إذا شرع في الطواف ، ثم يأتي بها بعد فراغه من الطواف والسعي
وهو قول للمالكية [7] .
الأدلة :
أدلة القول الأول : القائل : يقطعها إذا شرع في رمي جمرة العقبة .
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية :
1ـ حديث الفضل بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة[8] .
وجه الدلالة : أن قوله : " لم يزل " يدل على استمرار النبي - صلى الله عليه وسلم- في التلبية من حين إحرامه حتى رمى جمرة العقبة .
2ـ حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فما ترك التلبية حتى أتي جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل[9] .
وجه الدلالة : أن الحديث يدل على مشروعية التلبية حتى يأتي الحاج جمرة العقبة .
3ـ أن التلبية إجابة إلى العبادة ، وإشعار للإقامة عليها ، وإنما يتركها إذا شرع فيما يحصل به التحلل، وأما قبل ذلك فلم يشرع فيما ينافيها ، فلا معنى لقطعها [10] .
أدلة القول الثاني : القائل : يقطعها إذا دخل الحرم للمحرم من الميقات ، وإذا دخل مكة لمن أحرم دونه .
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية :
أولاً : دليلهم على أن المحرم من الميقات يقطعها إذا دخل الحرم :
1ـ ما رواه نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم ، حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة[11] .
ويناقش هذا الدليل من وجهين :
الوجه الأول : أنه فعل صحابي خالف المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وخالفه أيضاً غيره من الصحابة.
الوجه الثاني : أنه معارض بما جاء عن ابن عمر: أنه كان لا يلبي وهو يطوف بالبيت[12] . وهذا يدل على أنه قبل الطواف كان يلبي ، وإلا لم يكن لنفي التلبية حال الطواف فائدة .
2ـ مراعاة لطول مدة الإحرام والتلبية ، لان وصول المحرم إلى الحرم من أول أعمال مناسكه ، لأنه يجمع بين الحل والحرم [13] .
ويناقش هذا الدليل من وجهين :
الوجه الأول : لا نسلم أن وصول المحرم إلى الحرم من أول أعمال مناسكه ، بل إن أول أعمال مناسكه هو الطواف بالبيت .
الوجه الثاني : لو سلم ذلك فهو تعليل في مقابلة النص فيكون فاسد الاعتبار .
ثانياً : دليلهم على أن المحرم من دون الميقات يقطعها إذا دخل مكة :
إن وقت دخول مكة وقت الشروع في الطواف والاغتسال له ، فترك التلبية له إلى وقت الفراغ منه مستحب[14] .
ويناقش هذا الدليل من وجوه :
الوجه الأول : لا نسلم أن وقت دخول مكة وقت الشروع في الطواف ، إذ الشروع في الطواف لا يكون إلا بعد دخول المسجد الحرام واستلام الركن ، لا بمجرد الدخول ، أما الاغتسال فوقته يسير جداً .
الوجه الثاني : لو سُلم ذلك ، فإن تعلق الحكم بدخول مكة غير منضبط ، لأنه يختلف باختلاف العصور ، ويحسب امتداد العمران ، فإن بعض مكة الآن خارج حدود الحرم ، فيلزم من ذلك أن من أحرم من حل مكة ـ الذي هو جزء من مكة ـ لا يلبي لأنه داخل مكة ، ويرى بيوتها .
الوجه الثالث : أن الاستحباب ترك التلبية بدخول مكة ، بل الدليل على خلافه كما تقدم .
الوجه الرابع : أنه تعليل في مقابل النص ، فيكون فاسد الاعتبار .
أدلة القول الثالث : القائل : يقطعها إذا دخل مكة .
استدل أصحاب هذا القول بالدليل الآتي :
ـ أن وقت دخول مكة وقت الشروع في الطواف والاغتسال له ، فترك التلبية له إلى وقت الفراغ منه مستحب[15] .
وقد تقدم مناقشته :
أدلة القول الرابع : القائل : يقطعها إذا رأى البيت
استدل أصحاب هذا القول بالدليل التالي :
ـ أن المقصود من الحرم البيت ، فإذا رآه فقد حصل المقصود فيقطع التلبية [16] .
ويناقش هذا الدليل من وجهين :
الوجه الأول : لا نسلم أن المقصود من الحرم البيت ورؤيته ت فهذا يحتاج إلى دليل ، بل المقصود من الحرم الطواف بالبيت الذي إليه دُعي ، وبه يشرع في التحلل .
الوجه الثاني : لو سلم ذلك فهو تعليل في مقابل النص ، فيكون فاسد الاعتبار .
أدلة القول الخامس : القائل : يقطعها إذا شرع في الطواف .
استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية :
1ـ ما جاء عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : أنه كان لا يلبي وهو يطوف بالبيت[17] .
ويناقش : بأنه فعل صحابي خالف المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- كما سبق ، وخالفه غيره من الصحابة.
2ـ أن الطواف عبادة متعلقة بالبيت ، فاستحب ترك التلبية فيه[18] .
الترجيح :
القول الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول ، لقوة أدلته ، ومناقشة أدلة المخالفين .
الحالة الثانية : أن يكون الداخل لحرم مكة محرماً بعمرة ولها صورتان :
الصورة الأولى : أن يكون محرماً من الميقات .
الصورة الثانية : أن يكون محرماً من دون الميقات .
الصورة الأولى : أن يكون محرماً من الميقات .
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في المحرم بالعمرة من الميقات متى يقطع التلبية على أربعة أقوال:
القول الأول : يقطعها إذا شرع في الطواف .
وهو مذهب الحنفية [19] ، والشافعية [20] ، والحنابلة [21] .
القول الثاني : يقطعها إذا وصل الحرم .
وهو مذهب المالكية [22] .
القول الثالث : يقطعها إذا دخل مكة ورأى البيوت .
وهو قول للمالكية [23] .
القول الرابع : يقطعها إذا رأى البيت .
وهو رواية عن الإمام أحمد[24] .
الأدلة :
يتبع