فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بشأن أعمال يوم الثامن من ذي الحجة
الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين




أعمال يوم الثامن من ذي الحجة



ثالثاً: فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:



س1032: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متى يحرم الحاج للحج في يوم التروية؟ ومن أين يكون؟



فأجاب فضيلته بقوله: يحرم للحج في يوم التروية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، ويحرم للحج من مكانه الذي هو نازل فيه، ويحرم ضحى، ويذهب إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر.



س 1033: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة فهل عليه شيء؟



فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء عليه، لأن الإحرام بالحج يجوز أن يكون من الحرم ومن الحل.



س1034: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم المحرم يوم التروية أن يطوف بالبيت، أو يحرم في البيت؟



فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه أن يطوف بالبيت، ولا أن يحرم في البيت، ولا يسن له ذلك أيضاً؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم- الذين حلوا من عمرتهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرموا من مكانهم، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه، أو أن يطوفوا قبل إحرامهم.



س1035: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يحرم بعض الناس بالحج يوم التروية من تحت ميزاب الكعبة، فهل لذلك من أصل؟



فأجاب فضيلته بقوله: ذكر ذلك بعض العلماء، وهذا القول مخالف لظاهر السنة، فالصحابة- رضي الله عنهم- أحرموا من مكانهم بالأبطح، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه. وعلى هذا فالسنة أن يحرم الحاج من المكان الذي هو فيه.



س1036: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يؤخر سفره للحج إلى اليوم الثامن من ذي الحجة ثم يسافر بالطائرة من الرياض إلى جدة؟ وبأي نسك يحرم؟



فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان ألا يسافر للحج إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة في الطائرة، ففي هذه الحال يحرم، إما بالحج مفرداً، وإما بالحج والعمرة قراناً، ولكنه يجب عليه إذا كان قد سافر من الرياض أن يحرم إذا حاذى اليقات، ولا يجوز أن يؤخر الإحرام حتى يصل إلى جدة، أو مكة، وذلك لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما وقَّت المواقيت قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن يريد الحج أو العمرة" .



وعلى هذا فالواجب على السائل أن يحرم إذا حاذى الميقات، وحينئذ يغتسل في بيته قبل أن يركب الطائرة، ويلبس ثياب الإحرام إما في بيته أو في الطائرة، فإذا حاذى الميقات فإنه يلبي بما أراد من نسك، ولا يجوز له أن يؤخره إلى جدة، أو مكة.-



س1037: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أدى فريضة الحج متمتعاً ودخل مكة في اليوم السابع وأدى العمرة وعندما أراد أن يذهب إلى منى في اليوم الثامن لم يخلع ثياب الإحرام ولكنه نوى الحج فما الحكم في ذلك؟



فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج عليه؛ لأن العبرة بأفعال العمرة، فإذا طاف، وسعى، وقصر، فقد حل، سواء خلع ثياب الإحرام ولبس الثياب المعتادة، أو بقي بثياب الإحرام، لكن كونه يخلع ثياب الإحرام ويلبس الثياب المعتادة أحسن؛ لأنه أظهر في التحلل فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج، وخرج مع الناس إلى منى، وإن كان في منى فأحرم للحج من منى.



س1038: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أحرمنا في اليوم الثامن من ذي الحجة من ملاوي إلى منى، وبتنا في منى، وفي صباح ليلة الجمعة الموافقة ليوم عرفة خلعنا ملابسنا- أي أحرمنا- واستحممنا بالماء فقط فهل في ذلك حرج؟



فأجاب فضيلته بقوله: الذي فهمت من هذا السؤال أنهم خرجوا من مكة من ملاوي إلى منى، وأنهم لم يحرموا إلا في منى وهذا يجزئ، ولكنه خلاف الأفضل، إذ الأفضل للإنسان إذا أراد الإحرام بالحج وهو في مكة ألا ينطلق من مكانه حتى يحرم، لأن الصحابة- رضي الله عنهم- خرجوا إلى منى محرمين، وقد نزلوا في الأبطح قبل الطلوع، فهذا الذي أخر إحرامه إلى منى ليس حجه ناقص إلا نقص مستحب، فالأفضل له لو أحرم من مكانه الذي انطلق منه. وخلع ثياب الإحرام من أجل الغسل لا شيء فيه.



س1039: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل هناك أخطاء في الإحرام يوم التروية؟ وما علاجها؟



فأجاب فضيلته بقوله: نعم، هناك أخطاء في الإحرام للحج يوم التروية، فمنها ما سبق ذكره من الأخطاء عند الإحرام للعمرة وهو: أن بعض الناس يعتقد وجوب الركعتين للإحرام، وأنه لابد أن تكون ثياب الإحرام جديدة، وأنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه يضطبع بالرداء من حين إحرامه إلى أن يحل.



ومن الأخطاء في إحرام الحج: أن بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ، فإن الإحرام من المسجد الحرام لا يجب، بل السنة أن يحرم الإنسان من مكانه الذي هو نازل فيه، أي أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم- الذين حلوا من إحرام العمرة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه، بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا السنة، فالسنة للمحرم بالحج أنه يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة، أو في منى، كما يفعل بعض الناس الآن، حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم.



ومن الأخطاء أيضاً: أن بالحجاج يظن أنه لا يصح أن يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها، وهو ظن خطأ أيضاً؛ لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة، أو نظيفة، ولكن كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها؛ لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا الظن ليس بصواب.



س1040: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يتعمد بعض الناس الذهاب إلى مكة في اليوم التاسع ويتعجل الخروج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق ويفعل ذلك احتساباً فما رأيكم؟



فأجاب فضيلته بقوله: ما معنى احتساباً؛ لأن هذا الحج حج ناقص، لكن تبرأ به الذمة، فإذا كان لا يحرم حتى اليوم التاسع، وينصرف في اليوم الثاني عشر لا شك أنه حج ناقص، وأن الأفضل للإنسان أن يحرم بالحج في اليوم الثامن، ويصلي في منى خمسة أوقات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ويقف بعرفة يومه كله، ويدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ويبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ويبقى في منى إلى اليوم الثاني عشر، ولكن بعد أن يرمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن شاء تعجل وإن شاء تأخر.



س1041: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: صليت يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) كل فرض أربع ركعات، والمغرب ثلاثاً، ولكن أعلمني أحد الإخوان بأنه لابد أن يكون قصراً فما حكم ذلك؟ وما حكم المبيت بمنى ليلة عرفة؟



فأجاب فضيلته بقوله: صلاتك صحيحة، ولكن السنة للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وإن أتم فإن صلاته ليست باطلة، ولكن إذا كان الإنسان جاهلاً كحالك فإننا نرجو أن يوفيك الله أجرك كاملا؛ لأنك مجتهد، ولم تفعل شيئاً محرماً، وإنما فعلت شيئاً مفضولاً فقط.



والمبيت بمنى ليلة عرفة سنة، وليس بواجب.



س1042: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لماذا سمي اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية؟



فأجاب فضيلته بقوله: سمي اليوم الثامن بيوم التروية؛ لأن الناس فيما سبق إذا أرادوا الخروج من مكة إلى منى في اليوم الثامن، يتروون الماء- أي يجملونه- معهم من مكة؛ لأن منى في ذلك الوقت لم يكن بها ماء.



وبهذه المناسبة فأيام الحج لها أسماء:



فالثامن: يوم التروية، وسبق سبب التسمية. والتاسع: يوم عرفة؛ لأن الحجاج بعرفة. والعاشر: يوم النحر؟ لنحر الهدي والأضاحي، والحادي عشر: يوم القر؛ لاستقرار الحجيج بمنى.



والثاني عشر: يوم النفر الأول؟ لمغادرة المتعجلين بعد الرمي، والثالث عشر: يوم النفر الثاني.



س1043: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد أكرمني الله بالحج في هذا العام والحمد لله، ولكن حدث مني بعض الأخطاء ويعلم الله أنه ليس بيدي بحكم أني امرأة، سؤالي يا فضيلة الشيخ: لم نذهب إلى منى يوم التروية بسبب الحريق ولكننا ذهبنا إلى عرفة مباشرة.



ثانياً: لم نبت في مزدلفة، ولكن وقفت بنا السيارة لمدة ربع ساعة للصلاة، ولقط الجمار، ثم سرنا ولكننا لم نسر إلى منى، ولكن جلسنا في السيارة إلى حدود الساعة الثالثة صباحاً ونحن داخل مزدلفة فهل يعتبر هذا مبيت؟



فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، كونها لم تبت في منى ليلة التاسع ولم تقم فيها يوم الثامن لا حرج عليها في ذلك؛ لأن البقاء في منى اليوم الثامن وليلة التاسع سنة، وليس بواجب، فمن أتى به فعل خيرًا، ومن لم يفعله لا لوم عليه ولا إثم عليه.



وأما كونهم لم ينزلوا في مزدلفة إلا قليلاً للصلاة ولقط الجمرات، ثم ركبوا السيارة، وبقوا عليها إلى الساعة الثالثة فهذا أيضاً لا بأس به، لأن المهم أن يبقى الإنسان في مزدلفة سواء على السيارة، أو على الأرض.



وقد أشارت إلى لقط الجمرات من مزدلفة، وقد اشتهر عند كثير من العوام أنه يجب أن تلتقط الحصى من مزدلفة وهذا خطأ، فالحصى تلتقط من منى، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - التقطها من منى حين وقف على جمرة العقبة، وأمر ابن عباس- رضي الله عنهما- أن يلقط له الحصى فلقطها من منى، وجعل يقول: "بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين" . لكن استحب كثير من السلف أن تلقط الحصى من مزدلفة من أجل أن يبادر برمي جمرة العقبة حتى لا ينزل من بعيره فيلقط الحصى من منى، قالوا: يأخذها قبل أن يرتحل لتكون جاهزة؛ لأن الأفضل أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد وهو على بعيره، قبل أن يحط رحله، لكن هذا أمر في الوقت الحاضر لا يمكن بل هو مستحيل، ولو قلنا للناس: اركبوا سيارتكم وقفوا عند الجمرة لا يمكن، لذلك نقول: إن لقط الجمرات من منى أقرب للسنة من لقطها من مزدلفة.



س1044: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت فيها؟



فأجاب فضيلته بقوله: من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى، ما سبق ذكره في الخطأ في التلبية، حيث إن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها، فتمر بك أفواج الحجاج ولا تكاد تسمع واحداً يلبي، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ويرفع صوته بذلك ما لم يشق عليه، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدَر، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى.



ومن ذلك أيضاً: أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى، وهذا وإن كان جائزاً؛ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب، لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث ينزل في منى من ضحى يوم الثامن إلى أن تطلع الشمس لليوم التاسع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" .



لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه؟ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال: يا رسول الله، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، فلم أرَ جبلأ إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" .



ولم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدل على أنه ليس بواجب.



ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن: أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى، فيجمع الظهر جمع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان الجمع جائزاً؛ لأنه في سفر، والمسافر يجوز له الجمع نازلاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن لا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثًا في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها، هذا ما يحضرني الآن فيما يكون من الأخطاء في الذهاب إلى منى، والمكث فيها في اليوم الثامن.