هكذا بدأت الدعوة..
د/ حياة بنت سعيد أبا أخضر
الاسم: حياة بنت سعيد باأخضر
المولد والسكن والدراسة والعمل : مدينة مكة
الحالة الاجتماعية: متزوجة وأم لأربعة أولاد: فاطمة ،عمر، سميّة ، سارة
تخصّصي في مرحلة البكالريوس: دعوة وثقافة إسلاميّة من كليّة الدعوة وأصول الدين، ويسرّ الله لي إكمال دراستي في تخصّص العقيدة لعدم وجود تخصّص الدعوة لمرحلتيّ الماجستير والدكتوراه.
بحث الماجستير :موقف الإسلام من السحر؛ وهو مطبوع في جزأين.
بحث الدكتوراه: التنبؤ بالغيب عند الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام؛ دراسة نقدية على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة في جزأين ولم يطبع بعد.
أعمل بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أمّ القرى بمكّة .
شغلت فيه : مستشارة أنشطة، مشرفة علاقات عامّة، مشرفة اللجنة الاجتماعيّة بالتعاون مع أخواتي الأستاذات الفاضلات.
عضوة في عدد من المؤسّسات والجمعيّات الخيريّة والتطوّعيّة.
عضوة مؤسّسة بالجمعيّة السعوديّة لعلوم العقيدة والمذاهب والأديان.
عضوة بالجمعيّة العلميّة السعوديّة للقرآن الكريم وعلومه.
عضوة مؤسّسة للقسم النسائيّ بالندوة العالميّة للشباب الإسلاميّ سابقا في بداية إنشائه.
عضوة مؤسّسة للقسم النسائيّ بلجنة البرّ الإسلاميّة سابقاً.
مستشارة في البرنامج العالميّ للتعريف بنبيّ الرحمة.
عضوة بلجنة التخطيط الاستراتيجيّ بجامعة أمّ القرى.
عضوة بلجنة التوجيه والإرشاد العليا بجامعة أمّ القرى سابقا
عضوة بمركز "باحثات" الخاصّ بالمرأة.
كاتبة في عدد من المواقع، ومجلة البيان، والمتميّزة، وملحق الرسالة بصحيفة المدينة.
إلقاء محاضرات ودورات في عدّة مدن بالمملكة.
وقبل البدء في الإجابة على الأسئلة أقول سئلت ولست بخيركم ولكنّي أقول للقائمين على المجلة وللقرّاء : " اللهم لاتؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لايعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون، ولاتخزني يوم يبعثون " .
كيف كانت بدايات اتجاهك للعمل الدعويّ؟ وماهي العوامل والمكوّنات التي أسهمت في هذا الاتجاه؟
لمّا أكرمني الله – تعالى- بدخول قسم الدعوة خجلت من نفسي أنّي لا أستطيع الوقوف أمام الناس للدعوة، وقد رزقني الله الغبطة من كلّ ماهو صالح عند غيري فقلت لنفسي :" مالذي ينقصك للدعوة إلى الله وموجود عند غيرك ؟" وكنت أعاني من تأتأة واضحة في كلامي وتلعثم يربكني ، فتوكّلت على الله- تعالى- وألقيت أوّل درس دعويّ بمصلّى الجامعة، وحرصت فيه على ألا أنظر للحاضرات فارتبك، وأن اختار الكلمات التي لاتحتوي على حروف لا أستطيع نطقها، وأكرمني الله – تعالى- وكان الدرس عن الأخوّة في الله، ومازلت أحتفظ بذلك الكرّاس إلى الآن، وأحمد الله –تعالى- أنّه وفّقني . وهنا أوجّه نصيحة لكلّ بناتي الحريصات على الدعوة أن تنفض عنها غبار الخجل غير المحمود، وإن كانت ترتبك أثناء الكلام فلا تركّز نظرها على من أمامها في أوّل لقا ء لها، بل توزّع نظرها على كلّ القاعة .
بعد ذلك كانت مشاركاتي متقطّعة لانشغالي بدراستي، خاصّة أنّي لا أحب الاعتماد على غيري أبداً في محاضراتي – بفضل الله-. لكنّي شاركت في الأسواق الخيريّة التي كانت تقام بالجامعة وحفلات ختام الأنشطة وأتذكّر أنّي كتبت مسرحية تربويّة لإحدى الحفلات . وإلى الآن اعتبر نفسي في بداية طريق الدعوة الذي يمتد إلى نهاية العمر – كتب الله لنا حسن الخاتمة وجعلنا ممّن طال عمره وحسن عمله –
ومن أهم أسباب الفلاح للداعية : توفيق الله له ، وأن يرزقه الله بيئة تعينه على ذلك ، من أسرة تيسّر له الانطلاق في الدعوة و صحبة صادقة صالحة ، وعلم نافع مستمر.
كما رزقني الله أن أكون من أبناء هذه البلاد الطاهرة التي تعلّمنا فيها على منهج أهل السنة والجماعة في غير أحزاب ومخالفات؛ ممّا جعل عقولنا وقلوبنا صافية وحياتنا هادئة مملوءة بالنفع والفائدة.
ما أثر الوالدين في اتجاهك الدعوي؟
إنّ للوالدين الأثر الأعظم في أولادهما، لذا، لست بدعا في أثرهما الواضح في حياتي، لقد نشأت في أسرة محافظة على الدين. تحبّ الخير للجميع، وتستقبل الضيوف على الدوام، لذا، كان باب عمارتنا لا يقفل إلا وقت النوم ، وأبي - رحمه الله- وأمي – حفظها الله - لم يكونا يلقيان علينا دروساً ومحاضرات عن حسن الخلق عامّة ومساعدة الآخرين والصبر الجميل والتغافل خاصّة ، لكن كنّا نرى أفعالهما دروساً مستمّرة في كلّ ذلك ، و يسمحان لنا بأن نتناقش في حضرتهما، في ما يطرح من أحدنا ممّا شجّعني على النقاش الهادف ، إنّ أبي وأمي رزقهما الله عاطفة جيّاشة، وحناناً وحدباً علينا، فلم يضربانا قط ، ولم يرفعا صوتيهما علينا، ممّا علّمني الاحترام لنفسي ولمن حولي، و لا أرضى الظلم لنفسي أو لغيري .ولا أنسى ثقتهما فينا لمّا كبرنا، ممّا جعلني أفكّر كثيراً وأستشير قبل الإقدام على أمر من الأمور . ولن أنسى عبارتهما الاجتماعيّة القويّة " معرفة الناس تجارة " – يقصدون الخيّرين - ممّا حفّز همّتي للتعرّف على أهل الخير والصلاح للتعاون والتكامل .
إنّ دعواتهما لنا بالتوفيق ودعوات من ساعدوهم في ظهر الغيب نرى آثارها في حياتنا؛ ممّا يشجّعنا على الاقتداء بهما.
ما المؤهّلات المطلوبة في الداعية من وجهة نظرك؟
المؤهّلات المطلوبة جاءت في قوله تعالى } قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين {
والبصيرة وضّحها الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في كتابه" الصحوة الإسلاميّة ضوابط وأحكام " فقال:" تأمّل أيّها الداعية لله قول الله - تعالى - ( على بصيرة ) أي على بصيرة في ثلاثة أمور :
أوّلا: أن يكون على بصيرة في ما يدعو إليه : بأن يكون عالماً بالحكم الشرعيّ الذي يدعو إليه قبل أن يفتي به، لأنّه معبّر عن شريعة الله – تعالى- لأنّه قد يدعو إلى شيء يظنّ أنّه واجب، وهو في الشرع غير واجب، أو أنّه محرّم، وهو غير محرّم، فهذا دعا إلى الله ولكن على غير بصيرة في ما يدعو إليه.
ثانيا: ان يكون على بصيرة بحال المدعو:
كما قال – صلّى الله عليه وسلّم- لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه- لمّا أرسله إلى اليمن " إنّك تأتي قوما أهل كتاب " ليعرف حالهم، ويستعدّ لهم، فعلى الداعية أن يعلم حال المدعو من حيث مستواه العلميّ ومستواه الجدليّ وغير ذلك .
ثالثا: أن يكون على بصيرة في كيفيّة الدعوة:
كما قال – تعالى-: } ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي أحسن { وقال – تعالى- : } يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا { .
وممّا سبق نعلم أنّ البصيرة تعني الاستمرار في طلب العلم النافع وفقه الواقع
مع الاهتمام بالربط بين تحقيق التوحيد الخالص في ربوبيّة الله – تعالى- وألوهيّته، وأسمائه، وصفاته، والأخلاق الحسنة، كما في وصايا لقمان لابنه لمّا دعاه إلى نبذ الشرك بكلّ أقسامه وأنواعه، وإلى حسن الخلق الظاهريّ والباطنيّ، ولنقرأ سورة لقمان بتدبّر لنقف على ذلك الزاد المغني للنفس والعقل.
لذا، كلّ ذلك يجده الدعاة في مصدر دائم لاينضب ولا يوصد بابه :القرآن الكريم، والسنّة الصحيحة، والسيرة النبويّة، وحياة الصحابة - رضي الله عنهم-.
3-ما المحطّات التي تعتبرين أنّها مفصليّة في حياتك الدعويّة والعلميّة؟
من هذه المحطّات:
1- حصولي على درجة الدكتوراه التي فتحت لي آفاقا في حياتي العلميّة؛ حيث شعرت منذ إعلان النتيجة بأني صفر في علمي، وعلي أن أبدأ من جديد في طلب العلم في علوم شتّى .
2- انضمامي لمكتب توعية الجاليات بمكة بعد ذلك مع الأخت آمنة القثامي - جزاها الله خيرا- وعملي من خلاله في المخيّمات الدعويّة، والملتقيات الدعويّة النسائيّة، وتعرّفي على الداعيات من خارج مكّة.
3- تعاوني مع الأخت إيمان العقيل – جزاها الله خيرا - من خلال برنامجها " منتدى المرأة " التي رحبت بذلك وبالتالي تعاوني مع قناة المجد في ما بعد.
4- هداية الله لي بوجوب الدعوة إلى الله من خلال قنوات عدّة فشاركت في إذاعة القرآن الكريم من خلال د.. فهد السنيدي .والشيخ محمد الصفّار مدير الإذاعة آنذاك - جزاهما الله خيرا -
5- الكتابة في الصحف والمجلات خاصّة ملحق الرسالة.
6- الكتابة في موقع لها أون لاين حيث عرّفني بباقي المواقع الهادفة.
4-هل تقضين الكثير من الوقت في القراءة؟
لقد تعلّمنا من والدي - رحمه الله- حبّ القراءة، لذا، لايمرّ علي يوم من دون قراءة- ولوكانت سريعة- ، وأقرأ في الكتب والمواقع المفيدة . وأحرص تماماً على قراءة الصحف المتوفّرة لي يوميّاً، لأطالع أحداث العالم من حولي، كما أحرص على قراءة المجلات التي تطرح أحوال العالم وشخصيّاته، وبحمد الله كوّنت مكتبة خاصّة لي ولأولادي، لكلّ واحد منهم مكتبة خاصّة به تناسب تطلّعاته وميوله مع استفادتهم من مكتبتي الخاصّة.
5-هل كان هناك أي تعارض بين عملك الأكاديمي والدعوي؟
بحمد الله ليس هناك أيّ تعارض، وهذا أمر بديهيّ وطبيعيّ، فكلّ مسلم يكون داعية في كل عمل يمارسه، إذا وفقه الله لذلك واستفاد من كلّ الفرص المتاحة له.
كما أن مجال عملي يعتبر أكبر مجال للدعوة؛ وهو مجال التدريس، خاصّة أنّي أدرّس للطالبات الوافدات من مختلف أنحاء العالم، ومنهنّ المسلمات حديثاً المواد الشرعيّة ممّا ييسّر لي - بفضل الله- مجالاً رحباً للدعوة، بل وتعليم طالباتي أساليب الدعوة من خلال اصطحابي لهنّ للمشاركة في المخيّمات والمناشط الدعويّة.
6- هل يجب على الداعية أن يكون ناجحاً في أيّ مجال يخوضه حتى ولو كان عملا مهنيا؟
إنّ الداعية الحقيقيّ الذي يحبّ الله – تعالى- ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم- يجب أن يوازن حياته جميعها؛ فلا يهمل جانبا مهمّاً على جوانب أخرى مهمّة أيضاً، ومن ذلك مانراه من بعض الدعاة الذين يهتمّون بالدعوة على حساب عملهم الذي يتقاضون عليه اجراً ماديّاً، ويغفل عن أنّ تفوّقه وتميّزه في عمله يعني قوّة للحقّ واحتراماً لشخصه من المحيطين به، وأنّه داعية بحسن خلقه والتزامه بتعاليم الإسلام . وقوّة أهل الحقّ في كلّ مجال عمل يعني سياج حفظ لهذا المكان وصيانة له من تسلّط أهل الأهواء والبدع.
7- يلاحظ أنّ الدعاة السعوديين يركّزون على النخبة المتديّنة، ولا ينفتحون على الآخرين فما رأيك في ذلك؟
الواقع الذي نراه في أطراف مملكتنا الحبيبة بل وفي خارجها يقول غير ذلك؛ فالدعاة السعوديّون من الجنسين توجّهوا لكلّ طبقات المجتمع، بل منهم من تخصّص في الفئات التي تحتاج لطرح خاصّ يناسب أوضاعها الأخلاقيّة الخاصّة التي أغواهم فيها الشيطان، وناقشوا بحبّ أخويّ الفئات المختلفة مع عدم التنازل عن الثوابت والتفافهم حول النخب المتديّنة إنّما هو لتوافق القلوب، ولتبادل الخبرات، والتكامل، والتعاون، والتدارس في ما بينهم، وهذا أمر ظاهر في كلّ العالم لدى جميع فئات البشر .فكلّ الفئات المتشابهة تحرص على اللقاءات المثمرة وتبادل المعرفة والدفاع عن بعضهم واحتواء مايعترض حياتهم من تسلّط الغير عليهم.
8- العمل الدعويّ في مناطق السعوديّة المختلفة هل يختلف باختلاف المنطقة، أي هل لكلّ منطقة خصوصيّتها من حيث استجابتها لأسلوب معيّن وتأثّرها به ؟
بديهيّ أنّ التعامل ليس واحداً مع كلّ البشر، وبالتالي مع مناطق سكناهم، وهذا ممّا تعلّمناه من هدي نبيّنا محمّد – صلّى الله عليه وسلّم- وكلّ الأنبياء والرسل- عليهم السلام- فعمل دعوي يناسب أهل الحواضر، وعمل دعوي يناسب أهل البوادي، وما يناسب الفئات المتعلّمة يختلف عن غيرهم، وما يصلح لكبار السنّ يختلف عن الشباب، وبلادي الحبيبة مترامية الأطراف؛ منها المناطق التي يفد إليها الكثير من الناس من مواطني المناطق الأخرى، ومن غير المواطنين، ممّا يعني تداخل بعض العادات والتقاليد، وبالتالي التصرّفات، ومنها ماهو بعيد عن ذلك، ومنها مناطق مأهولة بالسكان، وبمختلف مراحل التعليم، ومنها غير ذلك، والعمل الدعوي يجب أن يشمل الجميع كل بما يلائمه، ولا غضاضة في ذلك . بل يدلّ ذلك على التقديرالقلبيّ والحبّ الأخويّ ومراعاة أحوال المخاطبين ولمن شاء يطالع كتاب د. فضل إلهي " مراعاة أحوال المخاطبين " وكتابه السلوك وأثره في الدعوة. فهوأستاذ متخصّص في مناهج الدعوة.
9- واقع العمل الدعوي هل تغيّر عما كان عليه قبل 15 عاما ماضية؟
حدثت تغيرات قوية ومتعدّدة على جميع الأصعدة ومن ذلك :
1- حسن استخدام الحاسب الآليّ بتقنيّة متطوّرة، وبالتالي ظهرت المواقع الإسلاميّة الكثيرة والمتميّزة بالطرح والأبواب من خلال من يوثق في علمهم، كما استخدم الدعاة غرف المحادثة من خلال الشبكة العنكبوتيّة لنقل العلم الشرعيّ الصحيح إلى كلّ مكان .
2- تنوّع الخطاب الدعويّ بما يتوافق مع طبقات المجتمع . فرأينا دعاة من الجنسين استطاعوا التأثير في الطبقات المترفة، ودعاة آخرون خاطبوا الفتيان والفتيات، ومنهم من خاطب الأطفال، وغير ذلك ممّا هو ملاحظ.
3- كثرة أعداد العلماء والدعاة ممّا حقّق نقلة نوعيّة في كلّ السبل، وبما يناسب جميع الفئات بمختلف مناطق بلادنا الحبيبة.
4- تسارع أهل البرّ والإحسان للدعم السخيّ للمناشط الدعويّة.
5- وجود المؤسّسات الخيريّة الداعمة لهذه المناشط.
6- ظهور روافد احتواء الشباب خاصّة وغيرهم عامّة من خلال المخيّمات الدعويّة التي تسابق الدعاة والعلماء لإقامتها في مختلف مناطق بلادي الغاليّة بقفزات تطويريّة ملموسة في البرامج، والإعلانات، والضيوف، وغير ذلك.
6- نشأة القنوات الهادفة وتنافسها في تقديم مايفيد طلبة العلم والدعاة ووصولها لشرائح المجتمع المختلفة .
7- تعدّد وسائل الإعلام الدعويّة الأخرى كالمجلات ودورالنشر.
8- إنشاء المعاهد المتخصّصة في إعداد الدعاة ومعلّمي ومعلّمات حلقات تحفيظ القرآن والمسابقات التحفيزيّة الخاصّة بذلك.
9- إنشاء مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات للعناية بالوافدين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
10- ألا تعتقدين أنّ العمل الدعوي أصبح الآن أكثر صعوبة بفعل الانفتاح الإعلامي؟
الانفتاح الإعلاميّ عاصره الرعيل الأوّل لما فتح الله – تعالى- البلاد للمسلمين في جميع أصقاع المعمورة بكلّ حضاراتها الوثنيّة وأديانها الوضعيّة، وظهر من بعض المسلمين انبهار وتأثّر بذلك، فظهرت الفرق المنتسبة للإسلام والفرق الإسلاميّة في نفس الوقت الذي كانت جيوش الكفار تدكّ أسوار بعض المناطق الإسلاميّة، وشغلوا علماء المسلمين بالردّ عليهم، وبيان عوارهم وتهافتهم، ورغم ذلك ما توقّفت الحضارة الإسلاميّة، وانتشار الإسلام، وقوّة العلماء في كلّ مكان، ممّا ورّث لنا ذخيرة حيّة من العلم النافع والحضور الدوليّ رغم حقد الحاقدين.
والانفتاح الإعلاميّ سلاح ذو حدين، فكما هو وسيلة لخلخة البنية التحتيّة للمجتمعات عامّة، والمسلمة خاصّة، فهو أيضا يمكن اعتباره وسيلة لنشر الإسلام وهداية المشاهدين للحقّ من خلال البرامج الدينيّة التي نرجو ثباتها على منهج أهل السنّة والجماعة في طرحها، وفتاواها، وطريقة تقديمها.
أيضا الانفتاح الإعلاميّ الفاسد من أسباب جعل العمل الدعويّ يستنفد جزءاً لايستهان به من طاقاته في مواجهته والرد عليه، والبحث المستمرّ والمضني للبدائل النافعة دنيويّاً وأخرويّاً للوقاية من آثاره الشيطانيّة.
كما أنّ هذا الانفتاح أصبح وسيلة لتمييع الدين وتصدّر أهل البدع والمتعالمين أهل الجهل بالدين للفتوى، وشرح أصول الدين وفروعه، ومناقشة أحوال المسلمين بأساليب جذبت المتابعين لهم فأصبحوا تابعين لهم، بل منقادين لجميع أقوالهم، ممّا أوجد مسلمين يضادون علماء بلادهم المشهود لهم بالعلم الصحيح، والذين جعل الله لهم القبول في القلوب. وصاروا رأس حربة توخز جناب الالتزام الصحيح بالإسلام، وبالتالي توخز النسيج الاجتماعيّ ممّا أدّى إلى التنافر والتضادّ والانقسام والاختلاف المهلك للجهود والقلوب، وكلّ ماسبق له تأثير واضح على جهود الدعاة لرأب الصدع ورقع الخرق ودفع هجوم قطّاع الطرق الذين وصفهم الإمام ابن القيم - رحمه الله- بقوله «علماء السوء جلسوا على باب الجنّة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم؛ فكلّما قالت أقوالهم للناس: " هلمّوا" ؛ قالت أفعالهم:" لا تسمعوا منهم"؛ فلو كان ما دعوا إليه حقاً لكانوا أوّل المستجيبين له. فهم في الصورة أدلّاء، وفي الحقيقة قُطّاع الطرق.
وأيضا دعا هذا الانفتاح الاعلاميّ الدعاة والعلماء بوضع أيديهم في أيدي رجال المال المدركين لخطر هذا الانفتاح فتعدّدت القنوات الإعلاميّة الهادفة ومازالت تتوالى في منافسة شريفة لتغطيّة سماء الإعلام بنجوم تضيء بالحقّ وتنشر مايحقّق قوّة القلب والعقل والبدن بتوازن بين التأصيل والترفيه ومخاطبة لشرائح المجتمع المختلفة .
11- إلى أيّ حدّ يمكن أن تسهم الدراسات الاجتماعيّة التي يقوم بها الباحثون الاجتماعيّون في خدمة العمل الدعويّ والمضي به إلى الأمام؟
الدراسات الاجتماعيّة رافد هامّ جدّاً في خدمة العمل الدعويّ من خلال:
تقديم الإحصاءات العلميّة الدقيقة للظواهر الاجتماعيّة المنتشرة سواء كانت سيّئة أم حسنة .
تحفيز الدعاة لتناول تلك الظواهر الاجتماعيّة بحسبها من خلال برامجهم الدعويّة.
قيام الدعاة بالتعاون مع أصحاب الأموال الخيّرين في إنشاء مراكز إصلاح ذات البين وجمعيّات مساعدة الشباب على الزواج، وإنشاء دور إيواء الأيتام والعجزة وكبار السن بما يحفظ لهم حياتهم البدنيّة والقلبيّة.
يتبع