فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بشأن أعمال يوم العاشر من ذي الحجة
الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين
أعمال يوم العاشر من ذي الحجة
ثالثاً: فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
س1134: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة دفعت من مزدلفة آخر الليل ووكلت ابنها في رمي الجمرة عنها مع أنها قادرة على الرمي فما الحكم في توكيلها؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات من مناسك الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به وفعله بنفسه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله" . فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، لأن الإنسان يقوم برمي هذه الحصيات في هذا المكان تعبداً لله عز وجل، وإقامة لذكره، فهي مبنية على مجرد التعبد لله سبحانه وتعالى، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون حين رميه للجمرات خاشعاَ خاضعاً لله، مهما كان ذلك الموقف، وإذا دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت، أو يؤخره في آخر الوقت، لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب، كان تأخيره أفضل؛ لأن هذه المزية مزية تتعلق بنفس العبادة، وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بحفرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها من أجل قضاء الحاجة، أو دفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام، إذن إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت لكن بمشقة وزحام شديد، وانشغال بإبقاء الحياة، وبين أن يؤخرها في آخر الوقت، ولو في الليل، لكن بطمأنينة وحضور قلب كان تأخيره أفضل، ولهذا رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر.
إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من العبادات، وأنه لا يجوز للقادر رجلاً أو امرأة أن يخيب عنه فيها، فإنه يجب أن يرمي بنفسه، إلا رجلاً، أو امرأة مريضة، أو حاملاً تخشى على حملها فلها أن توكل. وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكرت أنها لم ترم مع قدرتها، فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة، توزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب.
س1135: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لغير الحاج أن يرمي عن الحاج العاجز عن الرمي؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً وقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنبه على مسألة التوكيل في الرمي فإن الناس استهانوا بها استهانة عظيمة، حتى صارت عندهم بمنزلة الشيء الذي لا يؤبه له، ورمي الجمرات أحد واجبات الحج التي يجب على من تلبس بالحج أن يقوم بها بنفسه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) وهذا الأمر يقتضي للإنسان أن يتم جميع أفعال الحج بدون أن يوكل فيها أحداً، ولكن مع الأسف الشديد أن بعض الناس صار يتهاون في هذا الأمر، حتى إنك تجد الرجل الجلد الشاب يوكل من يرمي عنه، أو المرأة التي تستطيع أن ترمي بنفسها توكل من يرمي عنها، وهذا خطأ عظيم، وإذا وكل الإنسان أحداً يرمي له وهو قادر على الرمي فإنه لا يجزئه.
يقول بعض الناس: إن النساء يحتجن إلى التوكيل من أجل الزحام، والاختلاط بالرجال.
فنقول: هذا لا يبيح لهن التوكيل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن لسودة بنت زمعة- رضي الله عنها- إحدى نسائه وكانت ثقيلة لم يأذن لها أن توكل، بل أذن لها أن تدفع من مزدلفة في آخر الليل قبل زحمة الناس، ولو كان التوكيل جائزًا لأمرها أن تبقى في مزدلفة حتى تصلي الفجر ثم تتبعه وتوكل على الرمي لو كان التوكيل جائزاً، ثم نقول: مسألة الزحام واردة حتى في الطواف وفي السعي، بل هي في الطواف والسعي أخطر وأعظم، لأن الناس في الرمي ليس اتجاههم واحداً، فهذا يأتي، وهذا يذهب، ثم إنهم يكونون على وجه عجل ليس فيه وقوف ولا تأمل، بخلاف الطواف فإنه اتجاههم واحدًا، ويكون مشيهم رويداً رويداً فالفتنة فيه أخطر، ومع ذلك ما قال أحد: إن المرأة مع الزحام في الطواف توكل من يطوف عنها، وعلى هذا فيجب على الحاج أن يرمي بنفسه، فإن كان عاجزاً كامرأة حامل، أو مريض، أو شيخ كبير، لا يستطيع فإنه يوكل في هذه الحال، ولولا أنه روي عن الصحابة- رضي الله عنهم- أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إنه إذا كان عاجزاً لا يوكل، بل يسقط عنه، لأن الواجبات تسقط بالعجز، لكن لما جاء التوكيل في أصل الحج لمن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، وروي عن الصحابة- رضي الله عنهم- إن كانوا يرمون عن الصبيان ، قلنا: بجواز التوكيل في الرمي لمن كان عاجزاً عنه، وأما من يشق عليه الرمي من الزحام، فإن ذلك ليس عذراً له في التوكيل، بل نقول له: ارم بنفسك في النهار إن كنت تستطيع المزاحمة، وإن كانت المزاحمة تشق عليك فارم في الليل، فإن الأمر في ذلك واسع، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وقت في أيام التشريق أول الرمي ولم يوقت آخره فدل على أنه آخره يمتد إلى الفجر فيرمي الإنسان حسب ما تيسر له ولو في الليل، والذين أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل كانوا يرمون إذا وصلوا كما روي عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- أنها كانت ترمي ثم تصلي الفجر، وهذا دليل على أن الأمر في ذلك واسع، فما حدده الشرع التزمناه، وما أطلقه فإن هذا من سعة الله سبحانه وتعالى وكرمه، نعم لو فرض أن الإنسان بعيد منزله ويشق عليه أن يتردد كل يوم إلى الجمرات فله أن يجمع ذلك إلى آخر يوم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن لرعاة الإبل أن يرموا يوماً، ويدعو يوماً ، ثم يرموا في اليوم الثالث لليومين، فإذا قدر أن من الناس من منزله بعيد ويشق عليه أن يأتي كل يوم، فله أن لمجمع، وأما مع عدم المشقة فلا يجوز له أن يؤخر رمي كل يوم إلى اليوم الذي يليه.
وأما الإجابة عن السؤال وهو: هل يجوز أن يتوكل من ليس بمحرم في رمي الجمرات؟ فإن الفقهاء- رحمهم الله- قالوا: لا يصح أن يوكل إلا من حج ذلك العام، والله الموفق.
س1136: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الوكيل هل يرمي عن نفسه الجمرات الثلاث، ثم يبدأ عائداً من الأول يرمي عن موكله ثلاثاً أم يرمي عن نفسه الجمرة الأولى مثلاً ثم يرمي عن موكله؟ وما الدليل على أن الحاج لا يضحي؟ وما الدليل على أن الذي لم يهل بنسك ومرافق لامرأته لا يجوز له التوكل عن امرأته في رمي الجمرات؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوكيل في رمي الجمرات يرمي عن نفسه ثم عن موكله في موقف واحد، فيرمي الجمرة الأولى سبع حصيات لنفسه، ثم يرميها سبع حصيات لموكله، ثم يذهب إلى الوسطى، ثم إلى جمرة العقبة؛ لأن هذا ظاهر فعل الصحابة- رضي الله عنهم- حيث كانوا يرمون عن الصبيان، ولم ينقل عنهم أنهم يكملون الثلاث عن أنفسهم، ثم يعودون، ولو كان هذا هو الواقع لبينوه ونقلوه.
أما بالنسبة لكون الحاج لا يضحي؛ فلأنه اجتمع عندنا شيئان: هدي خاص بالحرم، وأضحية عامة، والخاص مقدم على العام، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى في وأما كون من لم يحج لا يصح أن يكون نائباً عن حاج فظاهر؛ لأن القاعدة: (أنه لا يتلبس بالعبادة إلا من كان أهلاً لها) وهذا النائب الذي لم يحج ليس أهلاً للرمي؛ لأنه لا يشرع له الرمي، فهو الآن ليس بحاج فلا يصح أن يرمي وهو لم يحج؛ لأن الرمي إنما يكون من الحاج، وهذا لم يحج. فلذلك قال العلماء: إنه لا يصح أن يستنيب في الرمي من لم يكن حاجاً، والتعليل واضح؛ لأن هذا الوكيل ليس أهلاً لهذا العمل لكونه لم يحج.
س1137: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج فيقوم بعض كبار السن والنساء الكبيرات في السن بتوكيلنا نحن الشباب فنقوم بالرمي عنهم هل يجوز لنا هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات نسك من مناسك الحج، يجب على الحاج أن يفعله بنفسه، لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) فكما أن الإنسان لا يوكل أحداً يبيت عنه في مزدلفة، أو يطوف عنه، أو يسعى عنه، أو يقف عنه في عرفة، فكذلك لا يجوز أن يوكل من يرمي عنه، ولكن إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي لضعف في بدنه، أو كان كبيراً لا يستطيع، أو أعمى يشق عليه الذهاب إلى رمي الجمرة بمشقة شديدة، أو امرأة حاملاً تخشى على نفسها وما في بطنها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل للضرورة، لأنه روي عن الصحابة- رضي الله عنهم- ما يدل على ذلك من كونهم يرمون عن الصبيان، ولولا هذا لقلنا: إن من عجز عن الرمي سقط عنه كغيره من الواجبات، ولكن نظراً إلى أنه ورد عن الصحابة أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لعجز الصبيان عن الرمي عن أنفسهم، فنقول: وكذلك من كان شبيهاً بهم لكونه عاجزاً عن الرمي بنفسه فإنه يجوز أن يوكل، ولكن بعض الناس لا يستطيع الرمي حال الزحام ولكنه لو كان المرمى خفيفاً استطاع أن يرمي بنفسه فهذا لا يجوز أن يوكل في هذا الحال، بل ينتظر حتى يخف الزحام فيرمي إما في آخر النهار وإما في الليل؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الرمي في الليل في الظاهر لا بأس به، فيمكن للإنسان أن يرمي في اليوم الحادي عشر بعد غروب الشمس، أو بعد صلاة العشاء، وفي هذا الوقت سيجد المرمى خفيفاً يتمكن أن يرمي بنفسه. والحمد لله.
س1138: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها الجمار وخصوصاً في الزحام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز للمرأة ولا لغيرها أن توكل من يرمي عنها؛ لأن الرمي من أفعال الحج، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). وقال تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وأما الزحام فليس بعذر؛ لأنه يمكن التخلص منه بتأخير الرمي إلى وقت آخر، أو بتقديمه إذا كان يجوز تقديمه، ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل، ليصلوا إلى منى قبل زحمة الناس، فيرموا جمرة العقبة، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، وكذلك أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، وهذا دليل على تأكد الرمي على الحاج بنفسه، وكما ذكرت أن الزحام يمكن تلافيه، أو التخلص منه بتقديمه إن كان يصح تقديمه، أو بتأخيره، فالذي يصح تقديمه مثلنا به وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد، وأما الذي يمكن تأخيره فرمي الجمرات في أيام التشريق، إذ يمكن أن يؤخر الرمي إلى الليل، والرمي في الليل فيه سعة، وفيه لطافة الجو وبرودته، والرمي جائز في الليل لعدم وجود دليل صريح يمنع من الرمي ليلاً.
س1139: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل توكل في الرمي عن زوجته وعن أخته في حج الفرض خشية الزحام الشديد فما حكم ذلك؟ وهل هناك فرق بين حج الفرض والنفل في مسألة التوكيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم أنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً يرمي عنه، ولو جاز ذلك لأذن النبي ع - صلى الله عليه وسلم - للضعفاء من أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، وأن يتأخروا في المزدلفة حتى يدفعوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو جاز التوكيل لأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاة أن يوكلوا من يرمي عنهم، فالرمي جزء من أجزاء الحج وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). وتهاون الناس في الرمي اليوم لا مبرر له فبعض الناس يتهاون في الرمي، تجده يوكل من يرمي عنه بدون ضرورة، لكن يريد أن لا يتعب، يريد أن يستريح، يريد أن يجعل الحج نزهة، وهذا من الخطأ العظيم، والذي يوكل غيره يرمي عنه وهو قادر لا يجزئ الرمي عنه، وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة، وتوزع على الفقراء.
أما مسألة الزحام: فالزحام مشكلة لها حل وهو أنه بدل أن يرمي في وقت الزحام يمكنه أن يؤخر إلى آخر النهار، أو إلى أول الليل أو إلى نصف الليل، أو إلى آخر الليل، مادام لم يطلع الفجر من اليوم الثاني، لكن أكثر الناس كما قلت يتهاونون كثيراً في مسألة الرمي.
ولا فرق بين الفرض والنفل؛ لأن النفل يجب إتمامه، كما قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). وهذا قبل نزول فرض الحج.
س1140: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن امرأة حجت ولم ترم فطلب منها أخو زوجها أن يرمي عنها فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا رمى الجمرات أحد عن أحد، والمرمي عنه مستطيع فإنه لا يجزئه؛ لأن الواجب أن يرمي الإنسان عن نفسه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ).
أما إذا كان لا يستطيع فلا بأس أن يرمي عنه أحد من الناس الذين حجوا معه في هذا العام، فلتنظر هذه المرأة السائلة وتفكر هل تستطيع أن ترمي ولو بعد العصر، أو في الليل، فعليها دم يذبح في مكة، ويوزع على الفقراء، وإن كانت لا تستطيع لا ليلاً ولا نهاراً فالرمي عنها صحيح.
س1141: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأت أدت فريضة الحج ولم ترم جرة العقبة بسبب الزحام الشديد ووكلت زوجها ليرمي عنها، وأثناء رمي باقي الجمرات كانت مريضة فرمت بعض الأيام ولم تتمكن من الرمي في بعض الأيام الأخرى فرمى عنها زوجها فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأيام التي رمى عنها زوجها وهي مريضة فرميه مجزئ- إن شاء الله تعالى- وأما الأيام التي رمى عنها زوجها وليست مريضة ولكن تخاف الزحام، فإن الزحام لا يستمر، فالزحام يكون في أول وقت الرمي ثم لا يزال يخف شيئاً فشيئاً، إلى أن ينعدم بالكلية، فلا يحصل زحام، وإن كان يحصل مثلاً عشرات، أو مئات من الذين يرمون الجمرات، لكن هذا لا يحصل به الزحمة التي تمنع من القيام بواجب الرمي، وعلى هذا فيكون توكيل الزوج في هذه الحال لا يجوز، بل ينتظر حتى يخف الزحام ثم ترمي المرأة بنفسها، وأرى من الاحتياط لهذه المرأة أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك، فإن لم تكن واجدة فلا شيء عليها.
س1142: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة في حجتها الأولى لم ترجم الجمرات الثلاث بل وكلت وذلك لشدة الزحام فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرجو ألا يكون عليها شيء في ذلك مادامت في ذلك الوقت لا تستطيع أن ترمي، وظنت أن التوكيل يجزئ عنها فوكلت، ولكن عندي ملاحظة على قولها (ترجم) لأن الأولى أن لا يكون التعبير بترجم، وإنما يكون التعبير بالرمي فيقال: رمي الجمار. ولا يقال: رجم الجمار.
س1143: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها في الجمرات خشية الزحام الشديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المرأة أو الرجل لا يستطيع أن يرمي مع الزحام، ولا يتمكن أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة فله أن يوكل، وأما إذا كان يمكنه أن يؤخر إلى وقت السعة مثل أن يؤخر رمي النهار إلى الليل، أو يقدم رمي يوم العيد في آخر ليلة العيد فإنه لا يجوز أن يوكل، لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). والرمي من أعمال الحج، فلابد أن يقوم به الإنسان نفسه ولا يوكل أحداً، فعلى هذا فالمرأة والرجل سواء في هذا، من قدر أن يرمي ولو في وقت آخر فإنه لا يجوز أن يوكل، ومن لا يستطيع فله أن يوكل.
س1144: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة حامل وعند رمي الجمرات لم تستطع الرمي لأنها كانت حاملاً وكان معها والدها ورمى عنها فهل عليها شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: رمي الجمرات كغيره من أفعال النسك يجب على القادر أن يفعله بنفسه، لقول الله تبارك وتعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). ولا يحل لأحد أن يتهاون بذلك، كما يفعله بعض الناس تجده يوكل من يرمي عنه، لا عجزًا عن الرمي ولكن اتقاءً للزحام والإيذاء به، وهذا خطأ عظيم، لكن إذا كان الإنسان عاجزاً كالمريض وامرأة حامل وما أشبه ذلك فله أن ينيب من يرمي عنه، وهذه المرأة تذكر أنها كانت حاملاً، وعلى هذا فالرمي عنها لا بأس به، وتبرأ ذمتها بذلك، ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
س1145: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل أعطاني جمرات في اليوم الثاني عشر لكي أرمي بدلاً عنه بحجة أنه مسافر والمسافة بعيدة، ولعلمكم بأنه ليس مريضًا فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل لا يجزئه؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله "، ومن وكل غيره بذلك فإنه لم يقم بذكر الله في هذه الجمرات: وعلى هذا فإن رمي هذا الوكيل لا يجزي عن موكله، والواجب على موكله الآن أن يستغفر الله، ويتوب إليه مما صنع، وأن يذبح فدية في مكة، وتوزع على الفقراء في مكة؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وقد قال أهل العلم: (إن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج، وجبت عليه فدية تذبح في مكة، وتوزع جميعها على الفقراء هناك).
وليعلم أن الحج عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وأن الإنسان نفسه مكلف بها وبإتمامها كما قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). فالواجب على من شرع في حج أو عمرة أن يتمها بنفسه، ولا يجوز أن يوكل غيره فيها، لا في الطواف، ولا في السعي، ولا في المبيت، ولا في الرمي، ولا في الوقوف بعرفة، لابد أن تباشر أفت بنفسك هذه الأعمال، ولو لا أن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إن من عجز عن رمي الجمرات فإنه لا يوكل أحداً؛ لأنها عبادة متعلقة ببدن الفاعل، فإن قدر فذاك، وإن لم يقدر سقطت عنه، فإن كان لها بدل سقطت بالكلية.
وأما تهاون بعض الناس اليوم في التوكيل برمي الجمرات، فإنه يدل على أحد أمرين: إما على نقص في العلم، أو على ضعف في الدين، وأما من كان عنده علم في شريعة الله، فإنه يتبين له أن رمي الجمرات كغيرها من واجبات الحج، لابد أن يقوم الإنسان فيه به بنفسه، ولا يجوز أن يوكل غيره، فإن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). والإتمام يشمل إتمام جميع أعماله.
فإن قال قائل: إذا كان معي نساء، فإن النساء ضعيفات لا يستطعن مقاومة هذا الزحام الشديد، الذي قد يحصل به الموت أحياناً، وذلك لغشم الناس، وعدم معرفتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في هذه المناسك من الرفق والرحمة بإخوانهم، فإذا ذهبنا بالنساء للرمي صار عليهن مشقة، وربما يحصل عليهن ضرر.
فالجواب عن هذا: أن الزحام ليس دائماً، بل هذا الزحام يكون عند ابتداء وقت الرمي في الغالب، ثم يخف الناس شيئاً فشيئاً، فانتظر وقت خفة الناس، ولو رميت في الليل فإن الرمي في الليل جائز، ولاسيما عند هذا الزحام الشديد، ولا يجوز أن توكل النساء من يرمي عنهن من أجل الزحام، ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا الجمرات قبل زحمة الناس، فأمرهم أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة مع أن المبيت في مزدلفة من شعائر الله، ومن المشاعر العظيمة قال الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) ومع هذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أدن يقتطعوا جزءاً من هذه العبادة من أجل أن يسلموا من الزحام، ولم يقل - صلى الله عليه وسلم -: اجلسوا لا تتعجلوا من البيت في مزدلفة، وإنما رخص لهم أن يتقدموا، وأن يرموا قبل الوقت الذي رمي فيه، والصحيح: أنه يجوز أن يرموا ولو قبل الفجر، فمتى أبيح لهم الدفع من مزدلفة أبيح لهم الرمي متى وصلوا إلى منى؛ لأن رمي الجمرات تحية منى، وكذلك الرعاة أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمى عنهم، في اليوم الذي هم فيه غائبون عن منى، فلهذا يجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وأدن يؤدي أفعال النسك بنفسه.
س1146: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة ذهبت إلى الحج وعند الجمرات لم تستطع الرمي بسبب الزحام الشديد فوكلت في رمي الجمرات الثلاث فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: رأينا أنه إذا كانت لا تستطيع أن ترمي بنفسها إما لمرضها، أو لكونها حاملا، أو لكونها عرجاء لا تستطيع المشي إلى الجمرات، ولا أن تستأجر من يحملها إلى ذلك فإنه يحل لها أن توكل، أما إذا لم يكن عذر فإنه لا يحل لها أن توكل؛ لأن الجمرات من شعائر الحج، وجز من أجزائه، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). ومن إتمام الحج إتمام الرمي، ومسألة الزحام يمكن التخلص منها بتأخير الرمي من النهار إلى الليل.
س1147: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أيهما أفضل لمن لم يستطع رمي الجمرات التوكيل أو التأجيل لليوم الرابع؟
فأجاب فضيلته بقوله: التوكيل إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي بنفسه أولى لوجهين:
الأول: أنه أسرع إبراءً للذمة.
الثاني: إن في جواز تأخير الرمي إلى اليوم الرابع نظراً، وإن كان الأصحاب قد ذكروا جوازه، لكن لا يطمئن القلب لذلك.
س1148: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة وكلت شخصاً لرمي الجمرة لكنه نسي ماذا عليه وماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: تجب الفدية في هذه الحال؛ لأن الرمي من واجبات الحج، وقد قال العلماء: إن في ترك الواجبات دماً، لكن على من يكون؟ أعلى المرأة أم على الوكيل؟
قد يقال: إن الوكيل فرط؛ لأنه لو انتبه وتأهب تأهبًا تاماً ما نسي، وقد يقال: إن النسيان ليس بتفريط؛ لأنه من طبيعة الإنسان.
والذي أرى أن يتصالحا في هذه المسألة: إما أن يتحملا الفدية جميعاً، كل واحد نصفها، وإما أن يتراضيا بأن تكون الفدية على أحدهما.
س1149: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل مريض يوم العيد فهل له أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم التشريق أو يوكل أفضل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوي على ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يقل لهم: وكلوا.
والتوكيل في الرمي لا لمجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك الحج، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ). فلا يمكن أن يؤكل إنسان فيه لمجرد أنه تعبان، أو لجرد الزحام، فنقول: أما التعب فإن كان تعبًا دائمًا كالمرأة الحامل، أو الرجل الكبير السن، أو عجوز كبيرة السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز أن يوكل.
س1150: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يخاف بعض الرجال على نسائهم من شدة الزحام عند رمي الجمرات فيوقفهن على الجمرات فإن كانت الجمرات زحام رمى عنهن وإذا قل الزحام رمين فهل يصح لهن أن يرمين الجمرات إذا خف الزحام، أم أن رمي الرجال عنهن أثناء الزحام كان كافياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الزحام لابد منه مثل أن يكون في اليوم الثاني عشر، وهم يميلون إلى أن يتعجلوا، ولا يمكن أن يتأخروا حتى يخف، فلا حرج أن تؤكل المرأة، بل لابد أن تؤكل في هذه الحال؛ لأن دخولها غمار الزحام، لاشك أنه خطر عليها.
أما في بقية الأيام فيمكن أن تؤخر الرمي إلى آخر الليل ويكون يسيراً.
يتبع