حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي 2
د. عبود بن علي درع*

حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1

المطلب الثاني
المسافة التي تسمى سفراً
انعقد الإجماع من أهل العلم على أن من سار مسيرة ثلاثة أيام بسير الإبل المعتاد أنه يعدّ مسافراً يترخص برخص السفر؛ على تفصيل مبثوث وضوابط منثورة في كلام الفقهاء [1]. قال ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن للمسافر أن يقصر الصلاة إذا سافر في حج أو عمرة أو غزو سفراً طويلاً أقلّه ثلاثة أيام فله أن يقصر ثلاثة أيام...إلخ»[2]. فدلّ على أنهم اتفقوا على كون المسير ثلاثة أيام سفراً يترخص فيه بالقصر، وإذا جوّزنا القصر جوّزنا ما عداه من رخص السفر.
كما أجمعوا على أن المسافة التي بين مكة والمدنية أو مثلها تعدّ سفراً. قال ابن المنذر: « وأجمعوا على أن عليه إذا سافر إلى مكة من مثل المدينة أن له أن يقصر الصلاة...إلخ»[3]، فدلّ على أنه اعتبروا ما بين مكة والمدينة أو ما يماثلها سفراً؛ أجازوا فيه الترخص برخصة القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في سفر، وما دام يعدّ سفراً؛ فإنه يجوز له الترخص برخص السفر الأخرى؛ ومنها: الجمع.
وقد اختلف العلماء فيما دون ثلاثة الأيام وما سوى ما بين مكة والمدينة اختلافاً طويلاً ومشهوراً، وما أقل مسافة يصح أن تسمى سفراً؛ على أقوال:
القول الأول: أقل السفر مسيرة ثلاثة أيام بسير الإبل ومشي الأقدام. وهو مذهب الحنفية[4]*.
القول الثاني: أقله مسيرة يوم وليلة أو يومين قاصدين، وهو مسافة أربعة بُرُد؛ أي : ستة عشر فرسخاً أو ثمانية وأربعين ميلاً[5].
وهذا هو مذهب المالكية[6]، والشافعية[7]، والمشهور من مذهب الحنابلة[8].
القول الثالث: أقله ميل. وهو قول الظاهرية[9].
القول الرابع: أقله ثلاثة فراسخ. وهو ظاهر اختيار الإمام الخطابي[10] والعلامة صديق حسن خان[11].

القول الخامس: أنه لا حدّ لأقله، بل كل ما عدّه الناس سفراً فهو سفر؛ وما لا فلا. وهذا اختيار ابن قدامة[12] وشيخ الإسلام ابن تيمية[13].
وبه قال ابن القيم[14]، والصنعاني [15]، والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب[16]
وابنه عبد الله [17].
واختاره من المعاصرين: ابن سعدي[18] ومفتي الديار السعودي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ[19] والألباني[20] وابن عثيمين[21].
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم »[22].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدّر مسافة السفر بسير ثلاثة أيام، ولو لم يكن لهذا التقدير فائدة لم يكن لتخصيص ثلاثة الأيام فائدة[23].
المناقشة: ليس فيه إفادة أن السفر لا يكون إلا فيما هو في ثلاثة أيام فأكثر، بدليل أنه قد جاء تسمية ما هو أقل من ذلك سفراً[24]، قال البيهقي: « وهذه الرواية في الثلاثة اليومين واليوم صحيحة ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثاً من غير محرم، فقال: « لا »، وسئل عنها تسافر يومين من غير محرم فقال: « لا » ، ويوماً فقال: « لا » ، فأدّى كل واحد منهم ما حفظ، ولا يكون عدد من هذه الأعداد حداً للسفر» ا هـ[25].
الدليل الثاني: حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم »[26].
وجه الدلالة: أنه جعل للمسافر مسح ثلاثة أيام، ولا يتصور أ، يمسح المسافر ثلاثة أيام؛ ومدة السفر أقل منها[27].
المناقشة: يناقش من ثلاثة أوجه:
1 أن ورود الحديث في ثلاثة الأيام لا يمنع ما هو أقل منها؛ بدليل أنه رخّص للمقيم يوماً وليلة؛ وهذا لا يعني أن أقل الإقامة يوم وليلة[28].
2 أن الحديث بيّن أقصى مدة المسح؛ ودلّ بمفهومه على أن للمسافر أن يمسح أقل من ذلك.
3 أنه بيّن أقصى مدى المسح للمسافر، ولم يتعرض لبيان أقل مدة السفر، فلا يصح الاستدلال به لتحديد أقل مدة السفر.
الدليل الثالث: أن مسير الأيام الثلاثة مجمع على كونه سفراً ومقطوع به، وما دونها مختلف فيه، فلا نتحوّل عن المقطوع به إلى المشكوك فيه[29].
المناقشة: يناقش بأن هذا استدلال بمحل النزاع؛ وهو ممنوع، فالخلاف ليس فيما هو مقطوع به ومجمع عليه؛ بل فيما دونه.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم عليها»[30].
وجه الدلالة: قال البخاري : « وسمّى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وليلةً سفراً»[31] ثم أورد هذا الحديث بعد حديثين.
المناقشة: نوقش بأن هذا الحديث قد ثبت مطلقاً بدون تقييد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم »[32]، فدلّ على عدم اعتبار المسافة وأنه لا مفهوم للحديث[33].
الدليل الثاني: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد؛ من مكة إلى عُسفان[34]»[35].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أقلّ مسافة لأهل مكة يقصرون فيها أربعة برد، والقصر منوط بالسفر، فدلّ على أنها أقل مسافة يمكن أن تسمى سفراً، والناس كأهل مكة سواء؛ إذ لا معنى لتخصيص أهل مكة بهذا الحكم[36].
المناقشة: نوقش من حيث السند والمتن:
أما السند فهو ضعيف. وأما المتن فمن ثلاثة وجوه:
1- كيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد؛ وهو إنما أقام بمكة بعد الهجرة زمناً يسيراً، وهو بالمدنية لا يحدّ لأهلها حداً كالذي لأهل مكة.
2- لِم كان التحديد لأهل مكة دون غيرهم؟!
3- يعارض هذا ما ذكره شيخ الإسلام من أنه قد ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن أهل مكة كانوا يقصرون ويجمعون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكذلك خلف أبي بكر، وعمر بعده، ولم يُنقل بإسناد صحيح ولا ضعيف أنهم كانوا يتمون الصلاة أو يؤخرون العصر يوم عرفة إلى وقتها، وبين مكة وعرفة بريد واحد[37].
الدليل الثالث: أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يقصران في أربعة برد[38].
المناقشة: يناقش من ثلاثة أوجه.
1- أنه معارض بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال أنس بن مالك رضي الله عنه لما سئل عن قصر الصلاة: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ – شك شعبة[39]- صلى ركعتين »[40]، ولا مجال لقول أحد أو فعله أمام قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله
الجواب: قال النووي: « وأما حديث أنس فليس معناه أن غاية سفره كانت ثلاثة أميال، بل معناه: أنه كان إذا سافر سفراً طويلاً فتباعد ثلاث أميال قصر، وليس التقييد بالثلاثة لكونه لا يجوز القصر عند مفارقة البلد، بل لأنه ما كان يحتاج إلى القصر إلا إذا تباعد هذا القدر، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة إلا بعد أن يصليها، فلا تدركه الصلاة الأخرى إلا وقد تباعد عن المدينة»ا هـ[41].
الرد: أنه تأويل بعيد. لكن يبقى القول بأن الحديث يحتمل أن الأميال الثلاثة كانت غاية سفره؛ ويحتمل أن هذا هو ما قطعه من سفره؛ لإن كان الأول فهو نص في المسألة، وإن كان هو ما قطعه من سفره فإن أنساً استدل به على أنه يقصر إليه إذا كان هو السفر؛ إذ لولا أن هذه المسافة تعدّ سفراً لما قصر[42].
2-أنه قد ثبت عنهما رضي الله عنهما خلاف ذلك؛ فأما ابن عمر رضي الله عنها فقال: «إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر»[43]، وأما ابن عباس رضي الله عنهما فقال: « إذا سافرت يوماً إلى العشاء فأتم الصلاة، فإن زدت فأقصر» [44]. وحينئذ فلا مجال لترجيح أحد الرأيين دون الآخر إلا بمرجح[45].
3- أن هذا منهما يدل على أن أربعة برد سفر؛ لكن لا يدل على أن ما دونها سفر.
الدليل الرابع: لأنها مسافة تلحق المشقة في قطعها غالباً، فصح أن تسمى سفراً وجاز القصر فيها، كمسافة ثلاثة الأيام[46].
المناقشة: يناقش بأن المشقة تلحق فيما دونها؛ بل إن المشقة تختلف من حال لحال، ومن شخص لشخص ؛ فلا يناط بها الحكم.
دليل القول الثالث: أن أقل ما جاءت تسميته في النصوص سفراً يُترخص فيه مسافةُ ميل[47].
المناقشة: يناقش من وجهين:
1- أن عدم وروده فيما هو أقل من ميل لا يمنع منه إذا كان يُسمى سفراً.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى ما هو أكثر من ميل؛ كما هو الحال في خروجه إلى قباء وأحد العوالي؛ ومع ذلك لم يكن يقصر الصلاة[48].
قال شيخ الإسلام: « ولا ريب أن قباء من المدينة أكثر من ميل، وما كان ابن عمر رضي الله عنهما ولا غيره يقصرون الصلاة إذا ذهبوا إلى قباء . فقصْر أهل مكة الصلاة بعرفة وعدم قصر أهل المدينة الصلاة إلى قباء ونحوها مما حول المدينة دليل على الفرق»[49].
3- لأن الجمعة تجب على من حول المصر إذا قدر ؛ إن كان يسمع النداء وكان يبعد فرسخاً؛ ولو كان ذلك سفراً لم تجب الجمعة عليه؛ لأن الجمعة لا تجب على مسافر، فكيف يجب أن ينشئ السفر لأجل الجمعة؟[50].
دليل القول الرابع: حديث أنس رضي الله عنهما قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ – شك شعبة – صلى ركعتين»[51].
وجه الدلالة: أن الحديث نصّ على قصْر النبي صلى الله عليه وسلم في مسافة ثلاثة فراسخ ، وهو أقل ما جاءت به السنة [52]. قال العلامة صديق حسن خان: « فيه دليل على أنه كانت عادته القصر عند إرادة مثل هذه المسافة، كما يدل عليه لفظ كان على ما تقرر في الأصول، وعندما وُجد في الحديث التردد بين ثلاثة أميال وثلاثة فراسخ وجب الأخذ بالأحوط المتيقن وهو ثلاثة فراسخ» اهـ[53].
المناقشة: يناقش بأن الحديث أفاد قصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسافة، لكنه لم يمنع القصر فيما دونها؛ حيث لم يرد ما يفيد المنع في ما هو أقل من هذه المسافة.
أدلة القول الخامس:
الدليل الأول:عموم النصوص الواردة في السفر، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾[54]
وجه الدلالة: أن الله أباح القصر لكل من ضرب في الأرض ولم يقيّده بمسافة محددة، فيبقى على إطلاقه. وأما الخوف فخرج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»[55] فصارت رخصة في كل سفر[56].
الدليل الثاني: أن أهل مكة كانوا يقصرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في منى وعرفات ومزدلفة، وأقربها إلى مكة منى؛ حيث تبعد عنها فرسخاً[57]- يعني : ثلاثة أميال-، لكنهم كانوا يتزودون لذلك ويعدّون عدتهم. وبالمقابل كانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة القرى المتقاربة، لكل قوم نخليهم ومساجدهم ومقابرهم، فلم يكن خروج الخارج إلى قباء سفراً يتأهب له ويأخذ لأجله عدته، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يقصرون إذا خرجوا على قباء ، مع أنه على مسافة ميلين من المدينة[58]، فهل يُظن أن الفارق بين السفر وعدمه ميل واحد؟![59].
الدليل الثالث: أنه لم يرد تحديد للسفر في الكتاب ولا في السنة، فكان المرجع في ذلك العرف، فما عدّه العرف سفراً فهو سفر؛ وإلا فليس بسفر[60].
المناقشة: يناقش بأن أعراف الناس تختلف؛ فربما كانت المسافة القصيرة عند بعضهم سفراً؛ وكانت التي أطول منها عند آخرين لا تعد سفراً.
الجواب: يجاب بأن العبرة بعرف أوساط الناس. فإن أشكل هل العرف يعدّ هذا الخروج سفراً أو لا؟ فإن المسألة حينئذ يتجاذبها أصلان:
الأصل الأول: أن السفر مفارقة محل الإقامة، وحينئذ يعتبر هذا سفراً.
الأصل الثاني: أن الأصل الإقامة حتى يتحقق السفر، وما دام الإنسان شاكاً؛ لأنه يبقى على الأصل؛ وهو كونه مقيماً. وهذا الأصل أقرب وأحوط[61].
الدليل الرابع:أن التحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض ومسافاتها وأطوالها وأبعادها، وهذا أمر لا يعمله إلا خاصة الناس، ومن ذكره فإنما يخبر به تقليداً عن غيره لا قطعاً به، فكيف يقدّر الشرع للأمة حداً لم يحدّه لهم في كلامه، وهو إما يتعذر عليهم طلبه من غير الشرع أو يتعسر[62].
الدليل الخامس: إن مسالك الناس في دروبهم واسفارهم مختلفة، فربما سلك بعضهم جبلاً واآخر وادياً، وربما طال سفر أحدهم لبطئه وقصر سفر الآخر لسرعته، والسبب الموجِب هو السفر لا مسافة الأرض[63].
الترجيح: الراجح هو القول الخامس لقوة أدلته وضعف أدلة المخالفين وورود المناقشات عليها؛ ولأن ظواهر الأدلة تجتمع عليه.
قال الموفق ابن قدامة – رحمه الله تعالى –: « ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم خلاف ما احتج به أصحابنا. ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين: أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها ولظاهر القرآن... والثاني: أن أصل التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يردّ إليه، ولا نظيرٌ يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه»ا هـ[64].
وقال شيخ الإسلام: « وعلى هذا، فالمسافر لم يكن مسافراً لقطعة مسافة محدودة ولا لقطعة أياماً محدودة ، بل كان مسافراً لجنس العمل الذي هو سفر، وقد يكون مسافراً من مسافة قريبة ولا يكون مسافراً من أبعد منها: مثل أن يركب فرساً سابقاً ويسير مسافة بريد ثم يرجع من ساعته إلى بلده؛ لهذا ليس مسافراً. وإن قطع هذه المسافة في يوم وليلة، ويحتاج في ذلك إلى حمل زاد ومزاد[65] كان مسافراً، كما كان سفر أهل مكة إلى عرفة. ولو ركب رجل فرساً سابقاً إلى عرفة ثم رجع من يومه إلى مكة لم يكن مسافراً» ا هـ[66].
وقال رحمه الله في موضع آخر: « والرجل قد يخرج من القرية إلى صحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً، وإن كانت المسافة أقل من ميل، بخلاف من يذهب ويرجع من يومه فإنه لا يكون في ذلك مسافراً، فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد بخلاف الثاني. فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً»[67].
وبناء على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله؛ فإن للمسألة أربع حالات:
الحالة الأولى:مدة طويلة في مسافة طويلة، فهذا سفر,
الحالة الثانية: مدة قصيرة في مسافة قصيرة، فهذا ليس بسفر.
الحالة الثالثة: مدة طويلة في مسافة قصيرة ، فهذا سفر.
الحالة الرابعة: مدة قصيرة في مسافة طويلة، فإن تأهب له واستعد بأخذ الزاد والمزاد فهو سفر؛ وإلا فليس بسفر[68].
المراجع

1. ككون السفر في غير معصية؛ أو أنه يترخص بالجمع حال السير دون النزول ونحو ذلك.
2. الاستذكار 2/218.
3. الإجماع ص47.
4. انظر: المبسوط 1/235 وبدائع الصنائع 1/159.
5. هذه الأقيسة كلها واحد؛ وإنما تعددت وحدات القياس، وليست أقيسة مختلفة. وهذه المسافة تعادل بالمقاييس العصرية: 89.04 كيلومتر على مذهب الحنفية والمالكية، وعلى مذهب الشافعية والحنابلة 178.08 كيلومتر . انظر: المكاييل والموازين الشرعية، لعلي جمعة: ص 35.وسبب الاختلاف راجع إلى معادلة الميل بالذراع، فقيل : الميل يعادل: ألفي ذراع، وقيل: ثلاثة آلاف ذراع، وقيل: ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقيل: أربعة آلاف، وقيل: ستة آلاف . انظر: فتح الباري، لابن حجر 3/732، والإنصاف 5/38.أما على حساب الميل العصري؛ فإن الميل يعادل: 1,6 كيلومتر، فتصبح 48 ميلاً تعادل: 76.8 كيلو متر انظر : الشرح الممتع 4/351 وشرح عمدة الفقه – قسم العبادات - ، للجبرين ص 376 وقيل: إن الميل يعادل: 1.848 كيلو متر ، فتصبح 48 ميلاً تعادل : 88.7 كيلو متر . انظر: المسافر وما يختص به من أحكام العبادات ، للكبيسي ، ص 11.
6. انظر : المعونة 1/269 ومواهب الجليل 2/488.
7. انظر: المجموع 4/211 ومغني المحتاج 1/400.
8. انظر: المغني 3/105 وكشاف القناع 3/262.
9. انظر: المحلي 5/5 . قال رحمه الله : « وبه يقول أصحابنا: إذا كان على ميل فصاعداً في حج أو عمرة أو جهاد، وفي الفطر، في كل سفر»ا هـ.
10. انظر: معالم السنن 2/49 . قال رحمه الله: « إن ثبت هذا الحديث – يعني : حديث أنس ، وسيأتي – كانت الثلاثة الفراسخ حداً فيما يقصر إليه الصلاة، إلا أني لا أعرف أحداً من الفقهاء يقول به »اهـ . وانظر: الاختيارات الفقهية للإمام الخطابي . 3/1213 . وقال ابن حجر في فتح الباري 2/732 – عن حديث أنس – رضي الله عنه هذا - : « وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه »ا هـ.
11. انظر: فتاوى صديق حسن خان ص 613.
12. انظر: المغني 3/109.
13. انظر : مجموع الفتاوى 24/12-13، 38.
14. انظر: زاد المعاد 1/481 .
15. انظر: سبل السلام 3/136.
16. انظر: الدرر السنية 4/422.
17. انظر : الدرر السنية 4/422.
18. انظر: المختارات الجلية ص 47.
19. انظر : فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 2/317.
20. انظر : السلسلة الصحيحة 1/310 برقم 163 والسلسلة الضعيفة 1/633 برقم 439 .
21. انظر: الشرح الممتع 4/351 .
22. رواه البخاري 18- كتاب تقصير الصلاة /4- باب : في كم يقصر الصلاة ؟/ حديث 1086 /ص215 ومسلم 15-كتاب الحج / 74- باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره / حديث 1338 / ص698 .
23. انظر: المبسوط 1/235 وبدائع الصنائع 1/160 .
24. سيأتي في الدليل الأول من أدلة القول الثاني.
25. سنن البيهقي كتاب الصلاة / باب حجة من قال: لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام / ج1/ص 139 . وانظر: المجموع 4/214 – 215
26. رواه الترمذي 1- أبواب الطهارة /71 – باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم / حديث 96ج1/ص159 والنسائي 1- كتاب الطهارة /98 – باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر/حديث 127/ج1/ص90 وابن ماجه 1- كتاب الطهارة وسننها /62 – باب الوضوء من= =النوم / حديث 478/ج1 / ص276 . قال الترمذي : « هذا حديث حسن صحيح ...قال محمد بن إسماعيل : أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي » اهـ.. وحسّنه الألبانيُ في الإرواء 1/140 برقم 104 .
27. انظر: المبسوط 1/235 وبدائع الصنائع 1/160 .
28. انظر:مجموع الفتاوى 24/39 .
29. انظر: بدائع الصنائع 1/160.
30. رواه البخاري 18-تاب تقصير الصلاة /4- باب : في كم يقصر الصلاة؟/ حديث 1088/ص215 ومسلم 15-كتاب الحج /74- باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره / حديث 1339 /ص698.
31. ذكره في الموضع السابق بعد الترجمة.
32. رواه مسلم 15- كتاب الحج /74- باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره / حديث 1341 /ص700 .
33. انظر : مجموع الفتاوى 24/47.
34. بضم أوله وسكون ثانيه، موضع بين الجحفة ومكة، وقيل : بل على الطريق بين مكة والمدينة. سميت بذلك لتعسّف السيل فيها. انظر : معجم البلدان 4/121 .
35. رواه الدارقطني كتاب الصلاة / باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها صلاة وقدر المدة / حديث 1447 /ج2/ص232 ومن طريقه البيهقي كتاب الصلاة / باب السفر الذي لا تقصر في مثله الصلاة /ج1/ص137-138 ثم قال – أعني : البيهقي - : « وهذا حديث ضعيف ، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس »= =ا هـ وقال النووي في المجموع 4/213: « حديث ضعيف جداً» اهـ. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 24/39:« باطل بلا شك عند أئمة أهل الحديث »اهـ.وقال الحافظ في التلخيص 2/117:« وإسناده ضعيف ، فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو متروك، رواه عنه إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيينضعيفة، والصحيح عن ابن عباس من قوله » ا هـ.وحكم عليه الألباني بالوضع. انظر : السلسلة الضعيفة 1/632 برقم 439 .
36. انظر: البيان 2/454 والذخيرة 2/359 وكشاف القناع 3/263.
37. انظر : مجموع الفتاوى 24/39.
38. انظر : مجموع الفتاوى 24/40-42 ، بل ذكر الأزرقي في أخبار مكة 2/190 : أن ما بين باب المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفة بريد سواء لا يزيد ولا ينقص.
39. رواه البخاري معلقاً حيث قال: « وكان ابن عمر وابن عباس ... إلخ » 18- كتاب تقصير الصلاة / 4- باب : في كم يقصر الصلاة؟/ص215 ووصله البيهقي كتاب الصلاة / باب السفر الذي تقصر في مثله الصلاة /ج1/ ص 137 وأورده الحافظ في التلخيص 2/118 ولم يعترض على إسناده ، وصححه الألباني في الإرواء 2/17 برقم 568.
40. رواه مسلم 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها /1- باب صلاة المسافرين وقصرها/ حديث 691 / ص349.
41. المجموع 4/213 -214 . وانظر : فتح الباري، لابن حجر 2/732 وعون المعبود 4/48.
42. انظر: مجموع الفتاوى 24/131-132 وفتاوى صديق حسن خان ص612.
43. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3-كتاب الصلوات /734 – في مسيرة كم يقصر الصلاة /أثر 8139/ج2/ص203 .وقد أورده الحافظ في فتح الباري 2/732 ثم قال: « وقال الثوري : سمعت جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: « لو خرجت ميلاً قصرت الصلاة » إسناد كل منهما صحيح» ا هـ. وصححه الألباني في الإرواء 3/18. ونقل بعده تصحيح الحافظ للأثر الثاني وسكت عنه، وصحح الصنعاني الأثر الثاني في سبل السلام 3/134.
44. رواه عبد الرزاق كتاب الصلاة / باب في كم يقصر الصلاة / أثر 4299/ج2/ص525. وابن أبي شيبة 3- كتاب الصلوات /734-باب في مسيرة كم يقصر الصلاة / أثر 8135/ج2/ص203. وأورده ابن عبد البر في الاستذكار 2/235 وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 24/123 والحافظ في الفتح 2/731 وسكتوا عنه.
45. انظر: مجموع الفتاوى 24/126-127.
46. انظر: المعونة 1/269 والمغني 3/108.
47. انظر: المحلى 5/16.
48. انظر: مجموع الفتاوى 24/133.
49. مجموع الفتاوى 24/49.
50. انظر: مجموع الفتاوى 24/118.
51. تقدم تخريجه. ص32 .
52. انظر: معالم السنن 2/49 وفتاوى صديق حسن خان ص613.
53. فتاوى صديق حسن خان ص 614.
54. سورة النساء . آية 101.
55. رواه مسلم 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها /1- باب صلاة السافرين وقصرها / حديث 686/ ص347.
56. انظر: المغني 3/109.
57. انظر: معجم البلدان 5/198.
58. انظر: معجم البلدان 4/302.
59. انظر: مجموع الفتاوى 24/14-15.
60. انظر: مجموع الفتاوى 24/40-41.
61. انظر: الشرح الممتع 4/353.
62. انظر: مجموع الفتاوى 24/39-40 .
63. انظر : مجموع الفتاوى 24-40
64. المغني 3/108-109 .
65. الزاد: الطعام والشراب، والمزاد : وعاء الماء. انظر: مجموع الفتاوى 24/94.
66. مجموع الفتاوى 24/119.
67. مجموع الفتاوى 24/135.
68. انظر: الشرح الممتع 4/352-353 . لكن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد عدّ الحالة الرابعة سفراً مطلقاً. والمتأمل في كلام شيخ الإسلام يجد أنه يشترط في هذه الحالة التأهب والاستعداد بأخذ الزاد والمزاد.